الخميس، يونيو 21، 2012

سلاح الطيران، شهاب في عين كل شيطان



سلاح الطيران، شهاب في عين كل شيطان

أرض، وشعب، وجيش، وحكومة؛ أرجل أربعة لا يمكن لدولة أن تقف، فضلا عن أن تمشي، إذا ما فقدت أيا منهم.

بحركة سريعة رشيقة ذكية يجب أن تواصل الحكومة الليل بالنهار، وبالسرعة القصوى، على إخراج ليبيا من مرحلة الثورة، التي أخذت أكثر من وقتها، إلى مرحلة بعث الدولة وقيامها. هذه الدولة التي انتظرنا طويلا، من أجل فك قيادها، وفتح المضمار لها؛ فما من عمل أخذ أكثر من وقته، إلا ونقصت فائدته، وربما انقلب إلى ضده.

في مثل هذه الأيام من العام الماضي، وبعد أن حسم الشعب الليبي أمره، وعزم على تغيير نظام سياسي جائر ظالم، كانت الثورة في عنفوانها، بل وفي مثاليتها القليلة النظير.

سدد الله خطى الثورة والثوار، وتم التغيير المبارك المبين، والذي ساهم فيه كل ليبي بدور مميز، وعمل فريد، وكأنه عازف في أوركسترا، يقوم كل عضو من أعضائها الموهوبين النابهين بتأدية ما تشير به أصابع المايسترو المحنك الخبير، وهو يقرأ نوتة السيمفونية الفريدة الخالدة، سيمفونية إنقاذ الوطن.

انتهت مرحلة الثورة، بسقوط من قامت عليه الثورة، وأعلن المايسترو نهاية فصل التحرير من السيمفونية الخالدة، وشرع في تهيئة الفرقة لعزف الفصل الأخطر والأهم، وهو فصل قيام الدولة وبنائها.

في أطراف مسرح الوطن المترامي الأطراف، وفي زوايا مبعثرة كثيرة منه، لا زالت أصوات نشاز من هنا وهناك، تصر على تكرار عزف بعض مقاطع سيمفونية الثورة، وبطريقة مزعجة مقززة، اختلط فيها صوت بصوت،  واصطدم فيها لحن بلحن، حتى أضحى لحن الثورة في آذاننا مرعبا مفزعا، وأي مظهر من مظاهرها في أعيننا مقذيا موجعا.

إن كل من يصر على العزف على أوتار الثورة بعد نجاحها، بقصد أو بدون قصد، ومهما كانت حماسة اللحن الذي يعزفه، إنما يصر على إيقاف عقارب الساعة، كما كان يفعل الدكتاتور السابق، وذلك عندما شل حركتنا، وأجبرنا على الجري واقفين، والتفرغ لملاحقة أصابعه، لنعزف مكرهين ألحانه الثورية النشاز، ولنرقص حتى الموت على إيقاعها الجنائزي السقيم العقود الطوال.

الليبيون للتو خرجوا من الحظيرة الدكتاتورية لأعتى طغاة الدنيا، ومن الطبيعي جدا، وبعد أن مكثوا عقودا طوالا في تلك الحظيرة، أن يعلق بعقولهم وجوارحهم شيء من ركام الجهل والتخلف وأدران الطغيان.

شيء من هذه الأدران، يزيله النصح والتبيان، وشيء كثير آخر لا يمكن زواله إلا بالسلطان.

سلطان الدولة، وأذرعها القوية الطويلة، هي الأداة الوحيدة لتأديب الخارجين على العرف والدين والقانون، ولن تكون أذرع الدولة فعالة إلا بقدرتها على الوصول إلى كل من يهدد أمنها، ويرعب شعبها، ويعبث بمستقبل أبنائها.

هؤلاء العابثون مستقوون بما استولوا عليه من سلاح الثورة، والذي يرفعونه الآن في وجه الثورة لإجهاضها، وهو في مجمله سلاح أرضي، محدود المدى، متدني التقنية.

وعابثون آخرون مستقوون بما سرقوه وهربوه من مال الليبيين، فاشتروا بذلك السلاح، واستأجروا المرتزقة، وتراهم من حين لآخر يرسلون منافيخ الاختبار لاستقصاء ما عليه جدار الوطن من حال، مترقبين تنفيذ حلمهم الخبيث في تدمير الوطن من الخارج بعدما فشلوا في تدميره من الداخل.

وحتى تكون كلمة الدولة هي العليا، فإنه ليس أمام الدولة، بعد يأسها من إمكانية تجميع سلاح المشاغبين والعابثين الداخليين والخارجيين، إلا استخدام السلاح المهيمن، سلاح الطيران، ذلك السلاح الذي لا يمكن لأحد غيرها أن يستعمله، وتسخير ذلك السلاح في بسط هيبة الدولة، وفرض قوانينها، وإنفاذ أوامرها وتوجيهاتها.

يجلجل هذه الأيام، في سماء مدينة طرابلس، ومن حين لآخر، صوت الطائرات الحربية، ذلك الصوت الذي كان لنا معه، نحن سكان هذه المدينة المعانية، ذكريات سيئة، وذلك عندما كان الدكتاتور السابق يستخدمه من أجل إرهابنا وتخويفنا، لا من أجل حمايتنا وتطميننا.     

بيد أن الأمر اختلف كثيرا الآن، فكلما سمعنا صوت الطائرة الحربية أحسسنا بالاطمئنان، ووددنا استمرار تحليق هذه الطائرات، وزيادة تشنيف أسماعنا بما تصدره محركاتها من صوت مؤنس لذيذ.

يجدر بوزارة الدفاع أن تقوم بدعوة كل كوادر القوات الجوية، وهم بفضل الله كثيرون، وتقوم بإعداد خطة سريعة محكمة من أجل إنعاش ما لديهم من علم وخبرة، وإن استدعى الأمر إلى جلب خبراء من الخارج للمساعدة في هذه المهمة الملحة.

كما يجدر بهذه الوزارة أن تقوم، ووفق خطة زمنية مدروسة، بتوفير  الطائرات، وإعداد المطارات، وورش الصيانة، وغير ذلك من بنية تحتية لازمة.

يجب أن لا نكرر أخطاء النظام السابق في الإسراف في التجنيد، ذلك أن رجلا كألف، وألف كأف، كما يقولون. كما يجب أن نتقي فيروس إسهال تكديس الأسلحة، ذلك الفعل الشائن الغبي الذي أرهق ميزانية الدولة، وجوع شعبها.

لابد أن خريطة الاحتياجات العسكرية، والجوية منها بالخصوص، قد تم إعدادها من قبل المختصين، وهي خريطة حريٌّ أن يغلب عليها لون الاحتياجات الملحة، كحماية الحدود وتأمينها، وملاحقة الفئات العابثة وتأديبها.

ليس ثمة من مشكلة أمام الحكومة من أجل تنفيذ هذا المطلب المهم؛ فالغطاء الشرعي لمثل هذا العمل متوفر، كما أن الغطاء المالي لتمويله متيسر متاح، أما جدوى هذا العمل وأهميته وضرورته، فلا تحتاج إلى كثير جهد لإثباتها.

فقط على الحكومة أن تسرع؛ فالبطء مَطل، وقتل للأمل، وعلامة على الخلل، وتبشير بالفشل.    

محمد عبد الله الشيباني
مدونة ربيع ليبيا     

هناك تعليق واحد:

Räumung يقول...

شكرا ع الموضوع