الثلاثاء، يناير 01، 2013

شارع الرشيد، ومسجد الشعاب


شارع الرشيد، ومسجد الشعاب. أيهما أنكر وأخطر، وأيهما بالإصلاح أجدر؟

أحاول دائما التغلب على مقاراناتي البسيطة، ولكن دون جدوى!

ولكن ما دعوى المقارنة بين المكانين، أيها الساذج البسيط؟
ببساطة من أجل أن أدرك أيهما بالإصلاح أسبق.

مسجد الشعاب في قلب المدينة، ينادى فيه بتوحيد الله على مدى اليوم، إلا أنه يحتوي على قبور تضم رفات أناس شبعوا موتا وغمروا نسيانا، أما مرتادوه فعددهم وخطرهم أقل بكثير من عدد وخطر مرتادي شارع الرشيد.

شارع الرشيد في سويداء قلب طرابلس، يتزاحم فيه عشرات ألوف الناس من كل قطر وصقع، ولا تكاد تميز فيه صوتا من صوت من شدة تزاحم وضجيج وجفاء تلك الأصوات، بل وفحشها ونكرها!

بلغ السقم بشارع الرشيد النخاع حتى مسخت معالمه واختلطت ملامحه؛ فلا رصيف للمشاة في شارع الرشيد، ولا طريق للسيارات، بل لا شارع في شارع الرشيد، وربما لا رشيد أصلا في شارع الرشيد!

سألت من توخيت فيه بعض رشد من أصحاب المحلات عن سبب استيلائه على الرصيف وملئه بتلك الكائنات البلاستيكية المقززة؛ فقال: إننا مضطرون لملء الرصيف حتى لا يسيطر عليه البائعون على الرصيف "الفراشون"؛ مواطنون ووافدون!

عجبا!

أجل؛ فصاحب المحل يخاف الفراش الذي يبيع بضاعته على الرصيف، والفراش يتربص بصاحب المحل، ورجل الحرس البلدي لا يقدر على كليهما، والماشي يخاف من الواقف، والواقف يتربص بالماشي بالمضايقة وبذيء الكلام.


كل شيء في شارع الرشيد خارج عن كل مألوف.


شحاذ يمد يده للمحسنين، مقلدا العميان في حركة رأسه وعينيه، وذلك حتى يحسبه المارون كفيفا. لم تنطل علي فعلته، ولما تجاوزته بخطوات التفت إليه لأجده ينظر إلي 6 على 6. لم تعجبه التفاتتي تلك؛ فانطلق يتكلم بلسان ليبي قح، وبكل ما في قاموس شارع الرشيد من بذيء الكلام! هربت من الشحاذ خوفا من بأسه!

بصعوبة بالغة، وبعد تفرس مضن في وجوه تجار شارع الرشيد، وجدت من توخيت فيه بعض رشد، وسألته: لماذا لا تقومون أنتم أصحاب المحلات بتشكيل لجنة منكم لمناقشة ما آل إليه شارع الرشيد. لم أجد في كلامه ما يفيد.

وبعد أن بلغ بي الحزن، لما عليه شارع الرشيد، حده، لم أجد غير أفكاري الساذجة ومقاراناتي البسيطة ملجأ وملاذا!

سألت نفسي: أيهما أسهل وأجدى الزحف على مسجد بحجم مسجد الشعاب وهدمه لإزالة ما فيه من شبهة منكر، أم توجه الثوار الأشاوس، وهم كثر وأولي بأس شديد، إلى شارع الرشيد بعد التنسيق مع الجهات المسئولة، والعمل على استرداد الشارع من خاطفيه؟

لا أعلم كثيرا عن جغرافيا السلطة والمسئولية بالعاصمة طرابلس، ولكنني أعلم بأن هناك مجلس محلي للمدينة ولجنة أمنية والعديد من الكتائب، وبإمكان هؤلاء مجتمعين أو فرادى استرداد شارع الرشيد من غاصبيه. ألم يقم نفر من هؤلاء بإزالة مسجد عتيق كبير من على وجه الأرض في سويعات قليلة لشبهة شرك، أو هكذا زعموا!

"ترمومتر"، هي كلمة عنونت بها مقالة سابقة، وذلك شعورا مني بأن مؤشر الترمومتر عندما يعطي القراءة الصحيحة، ثم تلتقط هذه القراءة الصحيحة عين صحيحة وتسلمها إلى عقل صحيح وإرادة صحيحة، فعند ذلك يحدث التغيير الرشيد، وعند ذلك فقط ندرك مأساة شارع الرشيد.

لو أن الذين أقدموا على هدم المظاهر الشركية في مسجد الشعاب سارعوا في اليوم التالي إلى هدم المظاهر المنكرة وغير الشرعية بشارع الرشيد لأدركت أنهم يتحركون وفق موشر ترمومتر عادل وصحيح، ولكن الشهور مرت ولم تحرك حرارة فساد شارع الرشيد مؤشر ترمومتر شارع الرشيد، أو أن هذا المؤشر تحرك، ولكنه لم يجد أعين تبصر وإرادة تقدر.

وبعد، ألا يحق لي أن أقارن، وأطرح هذه الاستفسارات والتساؤلات البسيطة، أم أننا دخلنا عصر الجماهيرية الثانية؟


محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: