الجمعة، فبراير 22، 2013

القادمون، والجاهزون؛ جميعهم خاسرون!



القادمون، والجاهزون؛ جميعهم خاسرون!

أبرز ما عكر صفو احتفالات الشعب الليبي بالعيد الثاني لثورته ضد الاستبداد والدكتاتورية وحكم الفرد الأخرق وعائلته، ذلك التنابز السمج السخيف بين طائفة تقذف من بعيد بكراة الفتنة والإثارة الرخيصة تحت عنوان :"نحن قادمون"، وفئة أخرى وتحت تأثير هذه الإثارة مارست ردة فعل مباشرة غير مسؤولة، وردت بقولها: " نحن جاهزون".

أبرز أصوات دعاة هذه الفتنة ومتصدرهم هو أحد الذين رهنوا أنفسهم ومصائرهم بوجود حاكم ظالم تبرأت منه الدنيا بأكملها وأعلنت الحرب عليه وقذفت به إلى سلة مهملاتها ومستودع زبالتها الحاوي لتجار المصائب والنكبات وأعداء البشرية والحياة، حيث قام هذا الصوت النشاز بنشر رسالة مسموعة على اليوتيوب بعنوان: " حسم الأمر"، مرهقا مسامعنا بما عرفناه منه من خطاب بائس حاقد، وذلك إبان ممارسته طقوس عبادته للدكتاتور عندما كان يتقيأ عبارات تنز حقدا وكراهية، وتسيل انتقاما وعدوانية.

قال هذه المرة، وبعدما حسم أمره: نحن قادمون!

لو اكتفى هذا المواطن أيا كان اسمه بهذه العبارة لكان أبلغ المتكلمين وأكرم السائلين. ذلك أنه لا أحد يجرؤ أن يمنع مواطنا ليبيا يريد العودة إلى بلده مهما كانت دوافع مغادرته وصحائف سوابقه؛ إذ أن حق المواطنة قبل وبعد كل حق آخر.

كلا لم يكتف صاحبنا بتبشيرنا لنا بعودته والانضمام إلى بني وطنه والالتصاق بحضن أمه التي لابد أنها افتقدته وناجته على بعد بوجدها، مستخدمة أبجدية لغة لا تتقنها إلا الأم، ولو كانت بلهاء بكماء، ولا يتعلمها الولد، مهما بلغت عبقريته إلا من هذه الأم.

صاحبنا هذا وقبل أن يبشرنا بعودته أنذرنا بالويل والثبور، وعظائم الأمور، وحمامات الدم، وسراديب الغم والهم!

لماذا فعل هذا، ومن على شاكلته، كل هذا؟

لأن هذا المأزوم لا يريد أن يرجع بصفته مواطنا عاديا له حقوقه وواجباته كأي مواطن آخر، ويذعن لاختيار الأغلبية، بل السواد الأعظم من الليبيين الذين تجاوزا مرحلة الحرب المرعبة، واستأصلوا كل ذيولها، وأقاموا على أنقاضها وأطلالها المريعة المحزنة صرحا ديمقراطيا يشق طريقه نحو العلو السمو، ويغرس جذوره في أرض الوطن المحرر من براثن الاستبداد والتسلط والعتو.

كل الليبيين إلا بعضهم منهمكون، وبمجهود فردي تكافلي مبهر في الإعداد للذكرى الثانية لحربهم المقدسة ضد الطغيان، وكلهم يترنمون بنشيد وإيقاع واحد يحمل في تضاعيفه كل ما تحمله الحرية من معان التحرر والانعتاق، ومضامين الصعود والانطلاق، وإشعاعات المعرفة والاستنارة والإئتلاق.

في مواجهة تيار العرس الشعبي المليوني الجارف، قذف صاحبنا هذا بنفسه، وهو يمارس لعبة أشبه ما تكون بالانتحار؛ يؤيد ذلك تكراره وإصراره على تلوين كل خطابه بلون الدم، وهو مبدأ ومنهج وسلوك تعلمه وتفنن فيه إبان تتلمذه في المدرجات الخضراء التي تخرج منها، وفي إذاعة الجماهيرية التي لم تكن لتتسع خلال عمرها البائس الطويل إلا لألسنة وأبواق من هذه الطينة الشيطانية الماردة.

بائع الفتنة هذا يعتمد في ترويج بضاعته وتسويقها على سوقين؛ أحدهما خارجي يرعاه طابور المتورطين والمنتفعين من النظام الفاسد السابق، كما تتشكل معظم كتلته من مواطنين عاديين قذفت بهم رياح الحرب السابقة خارج وطنهم، وأوقعهم تباطؤ وربما إهمال الحكومة القائمة في منطقة كسوف سياسي واجتماعي مريب .. وسوق داخلي تتشكل كتلته من ضحايا حقبة التغرير التي طالت وتمددت حتى بلغت مضاعفات علتها نخاع الكثير من الليبيين البسطاء.

في مساحة ما من هذه السوق الداخلية التي يستهدفها دعاة الفتنة بدعوتهم المشئومة، "نحن قادمون"، وجدوا من استخفته هذه الدعوة المثيرة، فتسرع بإبداء ردة فعل مباشرة غير مدروسة، وقال على حسن نية: " نحن جاهزون"!

بائع الفتنة اليائس من تجارته التي لا يتعدى رأسمالها أكثر من التضحية بمستقبل شخص او أشخاص معدودين هاربين من العدالة، سوف لن يخسر كخسران من تجارته أمن البلد بكاملها.

لابد أن جميعنا يعلم بأن غاية ما يطمح إليه دعاة الفتنة ليس ما يعبر عنه ظاهر خطابهم من حلم إعادة عقارب الساعة إلى الوراء والنفخ في رميم الدكتاتور وإعادة جماهيريته التي ابتلعها ثقب مقبرة الطغاة الأسود إلى غير ما عودة، بل غاية مرادهم هو نشر الفوضى في البلاد وتأليب الناس على بعضهم حتى يعم الخسران الجميع قاطنين ونازحين.

تأكد لنا الآن فراغ وهوان الملوحين بعبارة "نحن قادمون" المشحونة بالحقد والبغضاء وريب المنون، كما تبين لنا تكلف من قابل هذه الدعوة بردة فعل مباشرة بسيطة، وردد بصوت عال: نحن جاهزون.

وطالما أننا نباشر بناء وطن ونؤسس لمرحلة رشيدة جديدة، فلابد أن نتخطى هذه المرحلة بكل ما حملت من أخطاء، على أن نتخذها أحد الدرجات الصاعدة بنا في مدارج السلم الاجتماعي الحجر الأساس لكل تطور ورقي.

الجاهزية التي يجب أن نعتمدها في معاملة إخوة الوطن أيا كان رأيهم، هي الجاهزية الناعمة الذكية، لا الجاهزية الغبية الخشنة والتحدي الغريزي الرخيص الذي يملأ الوطن رعبا مجانيا يتجرعه المقيمون قبل النازحون، ويهزم الجاهزين قبل القادمين.

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com


ليست هناك تعليقات: