الثلاثاء، مارس 12، 2013

ملحمة الميثانول


ملحمة " الميثانول"

ما كدت أفرغ من مقالتي المحتفية بالملحمة المفخرة التي فارسها الدكتور الليبي المهدي الجيباني، والذي حاز لأجلها درجة تشريف وتكريم سامية من دولة بريطانيا جراء اختراعه جهاز منزلي للغسل الكلوي؛ ما كدت أفرغ من ذلك حتى راعني ما نشر من أخبار عن الملحمة المخزية التي ساحتها هذه المرة طرابلس ليبيا وفرسانها مجرمون يتاجرون بأرواح الناس ويقامرون بمستقبل الوطن، أما ضحاياها فهم مئات من الشباب ما بين متوفين ومحتضرين وفاقدي بصر ومتعطلي كلى.

المتهم الظاهر المباشر في هذه الملحمة المجزرة هو عنصر الميثانول البريء براءة الذئب من دم يوسف، أما المتهمون بل المدانون الحقيقيون فهم القاتلون بسم صنعته أيديهم، وآخرون ساعدوهم على القتل بتسيبهم وإهمالهم وتراخيهم.

الشجرة الخبيثة للخمور والمؤثرات العقلية هي شجرة متجذرة ومعمرة بتجذر وعمر النظام الجماهيري، وهو المسئول الأول عن كل ما يعانيه الليبيون الآن، وربما لسنين قادمة مما تقذف به هذه الشجرة الخبيثة من أشواك وثمار ملعونة.  

كم أرهقت آذاننا وافهامنا أبواق أجهزة البحث الجنائي والمكافحة الجماهيرية بركيك قصص غزواتهم وملاحمهم العنترية في محاربة المؤثرات العقلية؛ حيث لا يخلو مكان من اللوحات الإعلانية العملاقة المتوعدة بعقوبة الموت لكل من يتاجر بهذه السموم الفتاكة. الشيء ذاته تفعله أدوات الإعلام المسموعة والمرئية بحملاتها التهديدية الجوفاء التي أزعج صهيل خيولها وقعقعة سيوفها المواطن البريء بينما أظل دخانها أولئك المجرمين المحترفين العارفين بضمير الإعلام الجماهيري المنافق الذي يظهر خلاف ما يبطن.

أقول هذا لأنني، ورغم متواضع اطلاعاتي، وشحيح علاقاتي، وانعدام في هذه الأمور هواياتي، أستطيع أن أعد المتاجرين بالخمر والمخدرات العشرات، ومن شاربي الخمور ومتعاطي المخدرات المئات، وذلك كله فيما حولي من شوارع وأزقة وحارات!

القذافي الذي خان رعيته وحقنها بالأمراض والعلل له أكثر من رأس، وما تمكنا من قطعه هو رأسه المرأي فقط، أما رؤوسه الخفية المنتشرة في كل مكان فإنها ما زالت قائمة تنفذ أوامره وتوجيهاته بما شحنها من شرور وشيطانيات.

وعودة إلى تشخيص أدق للجريمة التي كانت أداة جريمتها جرعة زائدة من الميثانول، ومرتكبوها فاقدو حس وخلق ودين، إلا أن طرفها الثالث غير الظاهر بوضوح في الصورة، من أولئك المتهاونين حد التواطئ، ابتداء من راعي الأسرة الغاض الطرف عن انحراف أبنائه، إلى الشرطة الذي شاع عن بعضهم فيما مضى ما شاع ، وانتهاء برجال الدولة الكبار.

الأب المتخاذل المتهاون إن ثبت عليه التهاون في جريمة كهذه لحقه شيء من وزر هذه الجريمة واستحق العقاب.

والمسئول المحلي والشرطي ورجل الأمن ممن يثبت عليه التهاون في ترويج السموم وبيعها، هو بمثابة المتواطئ مع المجرم الأصلي ومن العدل مشاركته في الوزر.

أما الساسة الكبار فإن العرف السائد بشأنهم في قضايا كهذه هو اعترافهم بالمسئولية عن تقصير مرؤوسيهم، وليس لهم من خيار إزاء ذلك سوى الاستقالة.

هذه الاستقالات بما تحدثه من زلزلة في قلوب المسئولين تجعلهم دائما في غاية اليقظة وعلى أهبة الاستعداد، وهي زلزلة صحية تصنع موجات ارتدادية تنتشر في كامل الجهاز محل المشكلة.

ليس هناك من خيار لمواجهة هذه العلة الاجتماعية الخطيرة التي أودى آخر انفجار لقنابلها المؤقتة الكثيرة بمئات الضحايا، سوى إقامة جزر منعزلة في أمكنة نائية في صحرائنا الشاسعة لا يمكن الوصول إليها إلا بالطائرة، وذلك لعزل وحجز الحالات المستعصية من تجار الموت والرذيلة المهددة لأمن المجتمع والمقامرة بمستقبله ووجوده.

وبكل تأكيد فإن القصاص من نازعي الحياة المعدودين، هو حياة لضحاياهم الملايين.

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: