السبت، مارس 16، 2013

نزيف شرياني يومي!


نزيف شرياني يومي! 

فاتورة العمالة الوافدة متورمة حدَّ الانفجار. من المسؤول عن ذلك؟

الجواب السريع والذي تجده على كل لسان:

"الأحداث"!

ودائما الأحداث هي المتهم الجاهز الذي تسجل ضده العديد من التصرفات والإجراءات الخاطئة التي تبدأ من الخطأ الناعم الجسيم، البطء، وتنتهي عند كبائر تصرفاتنا السياسية والإدارية.

والمقصود بالأحداث كما هو معروف هو تلك الظروف الاستثنائية التي عاشتها بلادنا إبان الشهور الثمانية للحرب مع النظام السابق.

الآن، بيننا وبين نهاية تلك الحرب حوالي العام ونصف العام، حيث تشكلت في هذه الفترة حكومتان ومجلس وطني والكثير من المؤسسات الساندة للحكومة، وكان للحكومة خلال هذه الفترة كامل الصلاحية في تبني ما تريد من سياسات تنظيمية واتخاذ ما تراه ضروريا من إجراءات إدارية.

وبند العمالة الوافدة هو أهم البنود في تكلفة النشاط الانتاجي والخدمي، حيث تساهم خطوطه ومنحنياته مساهمة مباشرة وهامة في تشكل الخريطة الاقتصادية للدولة.

إن النزيف الذي يحدثه كل يوم تورم فاتورة اليد العاملة الوافدة ليس نزيفا داخليا متواريا أو ذا أثر غير ملموس، ولكنه نزيف ظاهر يلمسه المواطن العادي ويئن من مبرح وقع سياطه.

وبدون ما حاجة إلى السجلات والإحصائيات، ولا إلى الغوص في التحليلات الاقتصادية المعقدة، وباتخاذ أجرة العامل الوافد العادي أساسا للجس المبدئي والمباشر لأثر حمى أسعار هذه الخدمة الضرورية التي استبدت بجسدنا الاقتصادي الواهن وجاوزت بدرجة حرارته الخط الأحمر.

نعم فباتخاذ متوسط قيمة هذه الأجرة قبل الأحداث أساسا للتقييم ومقارنتها بما هي عليه الآن، نستطيع أن ندرك وببساطة شديدة درجة تورم فاتورة هذه الخدمة وتضخمها ربما إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، وذلك دون أي مبرر ظاهر مشروع!

العامل الوافد هو نفسه ذلك العامل الذي نعرف، والقادم إلينا من دول الجوار شرقنا وغربنا وجنوبنا، وهو كما هو لم يطرأ عليه أي جديد في مهارته أو قوته البدنية ليبرر ارتفاع سعر خدمته التي يبيعها إلينا.

نحن ببطئنا وبسياستنا الرعناء الذين صنعنا الجديد وغير المفيد، وذلك إما بسبب التضييق الغبي وغير الرشيد في تيار انسياب هذه العمالة، وإما بسبب المعالجة الإدارية المتذبذبة وغير المستقرة للأوضاع القانونية لهذه العمالة، وإما بتفشي الفساد الإداري في نقط ومحطات خط انسياب هذه العمالة إلينا.

ليس سرا أن اليد العاملة الوطنية لن تفي بمتطلبات سوق العمل، وبأن احتياجنا للعمالة الوافدة سيطّرد بمضي الوقت، وهو ما يؤدي مباشرة إلى رضوخنا إلى دفع هذه الفواتير المتسارعة التورم يوما بعد يوم.

لا يستطيع المواطن العادي، المواجه الأول لأنياب هذا الوحش، منفردا الحد من غلواء هذه الظاهرة، وليس بوسعه وهو يرى المنحنى التصاعدي لتكلفة هذه الخدمة مجنحا في عنان السماء إلا أن يرضخ ويبادر ببناء بيته هذا العام بزيادة الضعف عن تكلفته المعقولة، أو المخاطرة بتأجيل ذلك إلى العام المقبل ليكلفه بناء هذا البيت ثلاثة اضعاف تكلفته. والحال نفسه مع أي خدمة يوجد من ضمن مكوناتها عنصر العمالة الوافدة!

أجل فبدل أن يكلف المتر المربع لبناء المسكن العادي ثلاثمائة دينار في الأحوال العادية التي كانت سائدة قبل انتصاب مشجب الأحداث اللعين، نجده تكلفة هذا المتر قد لامست بعد الأحداث الستمائة دينار، وربما تجاوزت ذلك!     

وإذا كانت الصدمة الأولى لصاعقة الأسعار حطمت عظام وآمال المواطن العادي، فإن توابع زلزال هذه الصاعقة سيتراكم ويتجمع على هيئة تحويلات عملة صعبة بقيمة مضاعفة ترجح رافعتها المجنونة الكفة السلبية لموازيننا المالية مع الآخرين.

من الممكن بقرار ناعم ذكي فض اشتباك وعراك كل من خط منحنى عرض هذه العمالة المتذبذب والذي يكابد أول كبواته عند عتبة مكتب الوزير المختص ومكاتب قنصلياتنا بالخارج، وخط منحنى الطلب على هذه الخدمة الذي ستزيده حاجتنا الملحة عربدة وصعودا.

إذا ما ظلا هذان المنحنيان يتعاركان دونما ضابط يضبطهما، فستتضاعف فاتورة اليد العاملة، وسيستمر نزيفنا المفضي إلى خسارتنا وهلاكنا؛ فمن ذا ينقذنا؟!!!!!

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com
http://libyanspring.blogspot.com

ليست هناك تعليقات: