الثلاثاء، أغسطس 13، 2013

الجنرال الديجيتال


في مجتمع كالمجتمع المصري الذي لم يكسر من جبل الدكتاتورية وحكم العسكر إلا القشرة، لم يكن من المستبعد أن يقوم فيه انقلاب عسكري تقليدي يعيد للدكتاتورية عنفوانها ويرد لدولة العسكر اعتبارها .

المستبعد وغير المعقول والمقبول حقا هو أن تأتي مومياء الجنرالات عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وأنور السادات وحسني مبارك إلى مقر الإذاعة وتذيع البيان الأول متبوعا بالموسيقى العسكرية التي تتخللها البيانات المتتالية من مجلس قيادة الثورة بإلغاء الدستور وحظر التجول وغيرها. ثم وبعد وقت قصير تكتظ الشوارع بالمؤيدين وتدور عجلات المطابع بذروة طاقتها لسد العجز في كمية صور الزعيم الملهم والقائد الأسطورة. وعلى الفور تستنفر جوقة المزامير من أجل النفخ في المخلوق البشري البسيط وجعله نصف إله !

من غير الممكن لمبدع الانقلاب الديجيتال الفهلوي الذكي أن يبرر انقلابه ويشرعنه بمعاناة الناس الطويلة من سياسات النظام المنقلب عليه، إذ ليس في عام مرسي الرئاسي القصير أي شيء يؤيد ذلك.

قائد الانقلاب الذكي وجد في القناع الذي صنعه الإعلام التجاري الرخيص، والعامل لحساب المنافس السياسي الحسود، ما يسد مكان ضيق الجماهير بظلم وفساد الحاكم المنقلب عليه. وذلك هو نصف الحل.

النصف الثاني من الحل وثمرته الكبرى هو تمكن الجنرال من إخراج الناس إلى الشارع، والذي عند تحققه يحقق الانقلاب هدفه ويشرعن، على الأقل شوارعيا، ما قام به من عمل مخالف للشرعية السياسية الديمقراطية.

لم يجد السيسي مبدع الانقلاب كثير عناء في صناعة ذروة المشهد، وهو خروج الناس إلى الشوارع والميادين، ذلك أن المليونيات لم ينقطع سيلها في الشارع المصري، ولا يحتاج مخرج الدراما سوى إجراء بعض التعديلات الطفيفة على ملامح هذه المليونيات لتفي بغرض الانقلاب العسكري وتمنحه الصك الشعبي المطلوب.

تقنية السيسي الجديدة انحصرت فقط في تغيير تسلسل العمل الانقلابي، وذلك بوضع مرحلة رص الكتل الجماهيرية قبل رص الرصاص في البنادق الموجهة إلى رأس الديمقراطية الغض. رصاصات السيسي نحو ثورة 25 يناير غدت من السهل رؤيتها.

صمت السيسي هذه الأيام جزء من فلسفة انقلابه العسكري الديجيتال، فالقائد العسكري الديجيتال الحديث كما هو معروف يجلس في غرفة التحكم وأمامه لوحة الأزرار التي يسيطر من خلالها على كافة أركان العملية الانقلابية بسهولة ويسر.

أركان العملية السياسية كلها تحت سيطرة الجنرال الديجيتال ويحركها بأصبعه كيفما شاء؛ بدءا من قيامه بجمع القيادات الروحية والسياسية وإرغامها على مبايعته، وانتهاء بتخصيص أكثر من ثلثي كراسي المحافظين للجنرالات!

الجنرال الديجيتال يحرك الآن زر الإعلام والفن بسبابته، ويتحكم فيهما بتقنية رقمية مذهلة، فليس هناك من مرفق إعلامي مصري إلا ويتغزل في الزعيم. أما الفن فليس أدل من قدرة السيسي على ترويضه وتنويمه والعودة به إلى الستينات وأغاني عبد الحليم حافظ الشهيرة في التغني بالزعيم سوى ما حققته أغنية " تسلم الأيادي" من نجاح وشعبية فائقة.

السحرة يتجددون، والجنرالات أيضا يتكاثرون ويتجددون!

محمد عبد الله الشيباني



ليست هناك تعليقات: