الثلاثاء، أغسطس 06، 2013

الأفدنة البشرية المصرية

الأفدنة البشرية المصرية لم تثمر إلا شوكا!

بلغ الأمر بأحد الألسنة الإعلامية الإغوائية المصرية الممتدة حد الاندلاق، وهو يتغزل في الاختراع الانتخابي الفريد الذي اكتشفه المصريون مؤخرا، والمعروف بالانتخاب الفداني، حيث وصف هذا الاعلامي الإغوائي هذا الاختراع بأنه فتح جديد في علم الديمقراطية، وأن هذا الاختراع جديرٌ به أن يدرّس في جامعات العالم المتقدمة، والتي رغم تقدمها لم تصل إلى ما توصل إليه المصريون، عندما عمدوا إلى شوارعهم وميادينهم، وحولوها إلى صناديق انتخابية، واعتماد الفدان البشري وقراريطه وحدة قياس انتخابي جديدة! وعلى ذلك، ووفقا لهذا الفتح العلمي الجديد، يكون المنتخب المتحصل على خمسة أفدنة وقيراط، مثلا، هو الفائز على خصمه في الدائرة الانتخابية ذات المساحة الانتخابية المتضمنة عشرة أفدنة!!!!

وربما شيشنق الليبي هو من ألهم المصريين هذه الفكرة من خلال الاختراع الجماهيري الفذ المعروف بالنظرية العالمية الثالثة، أو سلطة الشعب، والتي كما هو معروف يتم الانتخاب فيها بتجمهر الشعب كله بقضه وقضيضه، ويُصعِّد أمانات مؤتمراته ولجانه الشعبية النوعية والعامة، وحتى رئيس الدولة، وفق المعايير الجماهيرية طبعا!

هذا الافراط في تشغيل الدماغ، والاتيان بحلول متكلفة مخترعة غريبة لمشاكل قديمة معروفة قد  أشبعت نقاشا وتجربة وأثقلت حلولا،  لهو إفراط مشين وإسراف ظاهر، ولا يمكن أن نسميه حلا لمشكلة، بل تعقيدا لها.

ولكن هل النية وراء هذا الاختراع الانتخابي المصري الفداني الجديد هي مجرد نية استحداث تقنية انتخابية جديدة، أم أن الأمر ليس كذلك؟!

الأمر ليس كذلك، والذي ينظر بعين محايدة يرى بوضوح مدى استغلال تجار السياسة للحالة الرخوة التي عليها الوعي الجمعي المصري الذي خرج لتوه من فرن إعادة تشكيله وتأهيله لحالة ديمقراطية مفاجئة أعقبت حالة دكتاتورية مزمنة، حيث لم يعط هؤلاء التجار الانتهازيون الوقت الكافي للوعي المصري حتى يتشكل على راحته، ويتمكن من امتصاص وهضم الوجبة الديمقراطية الثقيلة المفاجئة.

تجار السياسة ذوو الجذور الفرعونية الممتدة، وذوو التقليد الاستبدادي العريق، لا يمكن لفورة اجتماعية غير منظمة مثل فورة 25 يناير أن تقتلعهم من جذورهم، حيث استخدموا دهاءهم المعروف بانحنائهم أمام الموجة ليعودوا بعد مرورها لشراستهم المعهودة. هذه الشراسة تجسدت بوضوح في مواجهة عدوهم اللدود؛ الديمقراطية وقوانينها الحادة!

مسطرة الديمقراطية الحادة رسمت منذ عام مضى ذلك الخط التاريخي المتوهج الذي فصل بين عصر الدكتاتورية العميق، وزمن الديمقراطية النحيف الرقيق، وهو ما يعني بداية النهاية لفئة المرتزقين السياسيين الذين رأوا في تقاسيم وجه الفرعون المنشق الحادة ما يؤكد هذه النهاية.

وبالطبع لا يمكن الرجوع إلى الخلف ولطم الديمقراطية على وجهها وكسر مسطرتها، فتلك حيلة مفضوحة، بل إن الممكن المفيد في هذه الحالة هو التكلف في التغزل في الديمقراطية، ووضع أكداس الماكياج على وجهها البريء حتى تصبح مسخا وتقتل نفسها بنفسها.

اختراع طريقة الأفدنة الانتخابية البشرية، والقول بأن الشرعية الديمقراطية ليست في الانتخابات الصندوقية، وإنما هي في الانتخابات الفدانية الشوارعية الميدانية، كل ذلك ما هو إلا تغزل قاتل للديمقراطية، وتسفيه وتعطيل لقوانينها، وإغراق لها في برميل من عسل!

مليونيات تتلوها مليونيات، عطلت الانتاج، وأفسدت الأجواء، وسممت العلاقات، وورطت الجيش، وأغرت الشرطة، وقسمت المصريين، وأوقعتهم تحت الابتزاز الخارجي، وكل ذلك ليس وراءه من أحد غير أباطرة التجارة السياسية المقيتة الذين رأوا في الصبر على التجربة الديمقراطية الأولى بضع سنوات يعني تشكل الوعي المصري برفق على الإيقاع الديمقراطي الهادئ، ومن تم انطلاقه، بعد قيامه بكسر السلاسل الدكتاتورية التي يتكأ  عليها هؤلاء التجار، والتي قيدوا بها المارد المصري حقبا طويلة.

السحر انقلب على الساحر، وتحولت ثمرة فهلوة المصريين إلى أشواك، وتعرت عورة تجار السياسة الذين علموا بعد فوات الأوان أنهم خارج الأوان، وأن للكون قيوم يدبر أمره.   

محمد عبد الله الشيباني




ليست هناك تعليقات: