الأحد، يوليو 28، 2013

مؤامرات وجنرالات

مؤامرات وجنرالات وببغاوات وإمعات!

برغم ما يكتنف المشهد المصري هذه الآونة من تعقيد، وبرغم ما يعتريه من تناقض وغموض، إلا أن ذلك لا ينطلي على العين الشفافة المحايدة المتوازنة الزوايا، والمعافاة من الحول الذي تقذف به الصور الظاهرية للمشهد، والتي أعدت بحرفية بالغة بقصد إرباك هذه العين وتضليلها تمهيدا لإنهاك وإرباك العقل والتشويش عليه ومنعه من اتخاذ القرار الصائب والموقف العادل تجاه الأحداث المتسارعة الهامة الخطيرة الجارية في مصر حاليا.

وحتى ندرك معدل سرعة هذه الأحداث وإلحاحها وقوة طرقها، ما علينا إلا تجميع مفردات المشهد المصري القائم من أطرافه المتعددة والمترامية مكانيا وزمنيا، وحصر مكونات تركيبته المعقدة الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، وقسمة ما تجمع لدينا على المدى الزمني القصير جدا الذي لم يتجاوز العام من عمر أول نظام ديمقراطي يحكم مصر الفرعونية على مدى تاريخها الدكتاتوري الطويل. ناتج هذه القسمة هو معدل السرعة الذي أركض المصريون رئيسهم المنتخب مرسي به!

ليت الأمر وقف عند هذا الحد، وترك المصريون فرعونهم الخجول الضعيف المنشق حديثا عن أسرته السياسية الفرعونية العريقة، وساعدوه ولو بصمتهم وصبرهم عليه، وأمهلوه حتى بلوغ فترة الفطام الديمقراطي المتعاقد عليها عرفا وقانونا، والبالغة أربع سنوات، والتي بعدها فقط تتراءى أعراض وعلامات الفشل، أو حجج وأدلة النجاح.

كلا، إنهم استدعوا كل مخزون فهلوتهم المنفلتة، وقذفوا بكل سيل غريزة استعجالهم، وطلبوا من الفرعون المنشق الخجول المتردد أن يقطع في عام واحد ما كان عليهم هم وفراعنتهم الذين أطاعوهم وخضعوا لهم أن يقطعوه في آلاف السنين!

ولكن هل حقا فهلوة المصريين واستعجالهم هما فقط من سببا في إرباك الفرعون الديمقراطي، ومن تم رميه بصفة الفشل الذريع، ومعاقبته بالإعدام المعنوي، وربما المادي؟

كلا، فالجرح المصري أعمق من ذلك بكثير، وما الفهلوة والاستعجال المصري الساذج البسيط إلا خشبتا المركب الذي عبر عليه الجنرالات وأمسك به الإمعات والببغاوات حتى تتحقق المؤامرات!

المؤامرات البادية على السطح كثيرة، إلا أنه يكفينا منها أبرزها وأظهرها للتدليل على ما خفي منها.

أبرز هذه المؤامرات هي التي تحقق بالفعل هدفها الآن، وهو شطر الشعب المصري إلى شطرين. وعندما نقول شطرين لا يتحتم علينا ضرورة إثبات ذلك بالطريقة الغبية التي تبناها الجنرالات وفرحوا بها وكرسوها وكأنها فتح علمي جديد، ألا وهي طريقة الاقتراع بالفدان البشري العقيمة، ولكننا نعني بها انقسام المصريين إلى كتلتين بشريتين كبيرتين ظهر حجمهما بوضوح، كما ظهر اختلافهما حتى درجة الاحتراب وسيلان الدم.

هاتان الكتلتان المكوننان للشعب المصري، يشكل الشباب المتحمسون معظم نسيجهما، كما وتعبث الأمية بحوالي النصف منهما، وهو ما يعرض هاتين الكتلتين وبقوة لتفشي ظاهرة القطيع فيهما، وتحول الجزء الأكبر منهما إلى إمعات تجمعهم صيحة وتفرقهم أخرى.

ها قد ظهر رأس جبل جليد المؤامرة، وذلك بإفلاحها في قسمة المصريين إلى فريقين متخاصمين، وقامت بتحويلهما إلى ملايين من الإمعات يسوقهم كلب الراعي، وتحركهم صفارة ببغاوات الإعلام التجاري العاهر.

بيد أن ما تريده هذه المؤامرة بشكل أدق، فقد تمثل في تركيز ضرباتها على رأس الفرعون المنشق والرئيس المنتخب مرسي، وتصويره على أنه أحد العيوب الكثيرة لثورة 25 يناير التي أسقطت حكم الجنرالات الفراعنة العريق!

طابور من الكتاب والمذيعين والسياسيين، ومن ورائهم الملايين الإمعات المغرر بهم يتغزلون هذه الأيام في الجنرال السيسي، كما تغزلوا سابقا في جنرالات فراعنة ساموا المصريين سوء العذاب، وضربوا بأحذيتهم رأس مصر وشدوه في الأسفل حتى تكون هذا الفرق الصارخ بين قامتي التوأم كوريا ومصر، وتوائم أخر كثيرون لمصر كالصين والهند وغيرهما.

تصرف الرئيس الديمقراطي الأول لمصر خلال عامه الأول بدرجة عالية من الديمقراطية تمثلت في:
ــ حرية في الإعلام لدرجة الانفلات لا تخفى على كل عين منصفة.
ــ نعومة أمنية مترفة وصلت إلى حد إتيان المتظاهرين بونش لخلع باب قصر الفرعون المنشق الخجول الضعيف.
ــ خلو السجون المصرية ولأول مرة في تاريخها من أي سجين رأي.
ــ خطاب رئاسي منطقي سلس متجاوب خال من كل أصناف التحدي والاسنكبار، وظهور رئاسي في منتهى التواضع والتودد.

لا يربطني بمرسي وحزبه وجماعته أي رابط سياسي، ولكنني أجد نفسي مضطرا إزاء ما عرضت إلى أن أشهد وأقول:

لو لم يحقق مرسي في عامه الأول غير هذه المكاسب الديمقراطية المذكورة لكفاه!     
أما الحقيقة المحزنة فهي رسوب المصريين في سنة أولى ديمقراطية.

محمد عبد الله الشيباني



الثلاثاء، يوليو 23، 2013

الاقتراع بتقنية الأفدنة البشرية

الاقتراع بالأفدنة البشرية؛ اختراع انتخابي مصري!

إذا ذُكِرتْ مصر فلابد أن يذُكِر الفراعنة وحكمهم الاستبدادي الظالم الطويل، ذلك الحكم الذي أبى التاريخ إلا أن يحفظه ويعرضه لنا في الكتاب الحجري العملاق الممتد في طول مصر وعرضها من الجيزة وأهراماتها  ومقابرها شمالا، إلى الأقصر جنوبا.                

ومنذ أيام الفراعنة قبل خمسة آلاف عام من الميلاد إلى 25 يناير بعد 2011 سنة من الميلاد لم ترتفع مطرقة الدكتاتورية والاستبداد عن رأس المصريين المقهورين، ولم يجرؤ مصري واحد على كتابة كلمة "ارحل" المشهورة إلا على صفحة ماء النيل مستودع شجون المصريين والأمين على أسرارهم.

وإزاء هذا الحال الصعب لم يجد المصريون في كنانتهم من سهام يرمون بها حاكمهم المتسلط عليهم سوى سهم النكتة الناعم، وسهم الفهلوة الرشيق الذكي. والنكتة المصرية على مدى زمن الدكتاتورية المصرية الطويل تراكمت وصارت تراثا ووردا ثقافيا نافعا. إلا أن الفهلوة، وخاصة الفهلوة السياسية الزائدة التي نراها هذه الأيام،  قد جاوزت حدها، وأصبح ضررها أكبر من نفعها بكثير، بل تحولت إلى  إسفين شطر مصر إلى شطرين متباينين وفريقين متنازعين.

و"الفهلوة"، هي كلمة ذات منشأ فارسي تستعمل في مصر لوصف الشخص المتفنن المبتكر للحلول. وهذه الصفة في حدودها المعقولة لا بأس بها؛ إلا أن زيادة جرعتها لدرجة التعالم والإسراف في الإتيان بحلول جديدة متكلفة، وربما غريبة من شأنه أن يخلق إرباكا في حركة الفريق الذي يكثر به عدد الفهلويين وما يقذفون به من حلول وآراء لا تزيدها كثرتها إلا بوارا وخسارا.

في إجابة خبير إدارة مصري لسؤال عن سبب تخلف مصر على كوريا القريبة الشبه من مصر في رحلتها الحديثة نحو النمو والتحضر؛ أجاب الخبير الإداري: الفهلوة!

الكوريون والأسيويون عموما يتميزون بإذعانهم للنظام القائم وانسجامهم مع مدير الفريق؛ بدءا من فريق عمال، وحتى فريق رئاسة دولة، وهو ما صنع من الأسيويين المتحررين للتو من أسر الاستعمار وذيوله نمورا وربما أسودا.

هذه المليونيات، وحركات التمرد والتجرد، وجبهات الرفض والرفض المضاد، وحملات الإعلام ضد أول رئيس جمهورية منتخب لم يكمل عامه الأول المثقل بتوابع وذيول دهور الدكتاتورية، كل ذلك لا يمكن تصنيفه إلا في إطار التنازعات والخصومات السياسية ذات التفكير والسلوك الفهلوي الساذج. إلا أن أهم ما أبدعته الفهلوة السياسية المصرية الحديثة هو تقنية الانتخاب بطريقة الأفدنة البشرية، والتي انشغل بها المصريون على مدى عام مضى، ولا زالوا يشغلون بها العالم من حولهم.

وطريقة الأفدنة البشرية المخترعة كما هو ظاهر من اسمها لا تعرف الصوت الانتخابي الورقي ولا تثق في الصناديق الانتخابية، كما لا تشترط الخلوة الانتخابية للناخب وصفاء وشفافية فكره، وإنما تعتمد على اللياقة البدنية لهذا الناخب وقدرته على تشكيل صفوف ودوائر داخل الفدان الانتخابي الذي يشغله هو وأعضاء فريقه في مواجهة الفدان الانتخابي الآخر الذي يشغله أعضاء الفريق المضاد.


لا تشترط تقنية الانتخاب بالأفدنة البشرية طريقة محددة في الترويج لفكرتها، حيث أن الماكينة الإعلامية للجيش الانتخابي الفداني تظل شغالة بأقصى طاقتها، ودون التقيد بالضوابط الشائعة للإعلام الانتخابي، من مثل زمن انطلاقه، وفترة صمته، كما هو متبع في النظام الانتخابي التقليدي المعروف. وإعلام طريقة الانتخاب بالأفدنة البشرية المصرية المبتكرة هو إعلام ألتراسي ليس له هدف سوى تسجيل الأهداف في مرمى الخصم، وهي حالة تجعل من نقاط تماس الخصوم نقاط ساخنة تستدعي وجود قوة شرطية وعسكرية تحول دون صدام الفريقين المتنافسين، وهو ما حتم مؤخرا قيام الجيش بالتدخل للفصل بين الخصمين السياسيين بالقوة العسكرية المفرطة ذات الأدوات الخشنة وربما القاتلة.


ولاستحالة الحصر الفردي الدقيق للمنتخبين المنتشرين في الأفدنة الانتخابية، انبثقت من العقلية الفهلوية الفذة لمخترعي الاقتراع الفداني فكرة الاستعانة، وللمرة الأولى في تاريخ جوجل، بمسطرة جوجل إرث، وكذا سائر تقنيات التصوير الأرضي والجوي، بل وحتى الاستعانة بالمخرجين السينمائيين العباقرة.

الناخبون المصريون جميعهم، أنصار الرئيس وخصومه، متوزعون الآن في أفدنة انتخابية متضادة متخاصمة، ويقذفون بعضهم البعض بشتى أسلحة العصف الانتخابي الفداني، والذي يتخذ من الفارق المساحي وضجيجه رافعة تزيح الخصم، وربما تستأصله.  

ولكن لماذا كل هذا؟

يجيب المعارضون الفهلويون: لأن الرئيس المنتخب ارتكب أخطاء أدت إلى انخفاض الرضا الاجتماعي العام نحوه، ولا يوجد في النظام الديمقراطي التقليدي المعروف طريقة لإسقاطه بهذه التهمة قبل إتمام مدته الانتخابية؛ وهو ما حتم على المصريين القيام باستنفار فهلوتهم، وابتكار طريقة الأفدنة البشرية لقياس اتجاهات الرأي العام، ومن تم استخدام طاقتها في إسقاط الرئيس قبل نهاية عامه الرئاسي الأول!

وبالفعل نجحت الفكرة وتمكنت حركة تمرد الشبابية من حشد الجموع في الأفدنة وتمكنت بمساعدة الجيش المغرر به من تكسير الصندوق الانتخابي وتمزيق الدستور المستفتى عليه واسقاط الرئيس المنتخب  بالضربة الفنية القاضية التي قذفت به من كرسي الرئاسة إلى كرسي الاتهام بالخيانة العظمى.

ولأن المدد الفهلوي المصري لا ينضب، فسيشجع نجاح طريقة الأفدنة البشرية في إسقاط الرئيس المنتخب، مرسي، على تقعيد هذه الحالة والتنظير لها بما يجعلها نظرية مبرهنة ثابتة تزاحم نظرية الصناديق العتيقة المعروفة، وقد يقنع المصريون العالم كله بتقنيتهم المبتكرة في حشر الناس في مربعات مقومة بالفدان، ويصبح يوم الانتخاب الذي يتوجه فيه الناخبون صامتون يوم عرس مهرجاني ألتراسي صاخب ترصده مسطرة جوجل، وتصوره الكاميرات الرقمية الطائرة، وتصبح البقعة الدائرية الملونة بلون شعر الإنسان أو بلون صلعته هي وحدة العد الوحيدة، والذي بمجموعها يتحدد فوز رئيس على آخر من عدمه.

ها قد نجحت هذه التقنية الاقتراعية الفدانية الفهلوية في مصر، وها هي تجد طريقها إلى دول أخرى، أرجو ألا تكون ليبيا إحداها!

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

الأربعاء، يوليو 17، 2013

ليلة صوت المصريون بأقدامهم


يحرص منظمو عمليات التصويت الديمقراطي على وضع الناخب في أجواء مثالية من حيث توفر المعلومة الانتخابية الدعائية والإجرائية الكافية والعادلة، وإيجاد أجواء التفكير النقي المفتوح، وضمان الاختيار الحر العاقل الرشيد.

في آخر خطوة يخطوها الناخب في طريقه الطويل نحو النقطة الحاسمة والمحطة الأخيرة لإطلاق رصاصة صوته التي لا سبيل لعودتها بعد أن يطرق القرار الحر للناخب الرشيد زنادها؛ في هذه الخطوة الأخيرة يحرص مشرعو قوانين الانتخابات ومنظموها على أن يكون الناخب في مكان معزول بعيد عن كل عين، وفي منأى من أي تأثير.

في هذا المكان المعقم يتخفف الناخب من جميع أثقال البيئة المحيطة التي من شانها أن تعيق تفكيره وتشوه إرادته، ويتحلل ويتجرد من كل المنغصات والمشوشات الجارحة لإرادته والخادشة لضميره.

في هذا المكان الحساس الخطير يقف الناخب أمام ضميره وجها لوجه، وتستنفر ذاكرته كل ما مر بها من مواعظ وإرشادات وتضعها في ذلك المدى القصير من السنتيمترات القليلة الفاصلة بين يد الناخب الحذرة المرتعشة الحاملة لبطاقته الانتخابية، وبين ذلك الشق الرفيع للصندوق الانتخابي الزجاجي الهش، حيث يبدو ذلك الشق الرفيع في عيني الناخب الواعي بحرا من دروس ومثل وقيم، وجبلا من محاذير ومسئوليات.

أين هذه الحالة التي بصلاحها تصلح العملية الانتخابية وبفسادها يفسد كل شيء من حالة التصويت بالأقدام التي لجأ إليها إخواننا المصريون هذه الأيام بعد أن منَّ الله عليهم بتحطيم رأس آخر فرعون من طابور الفراعنة الذين داست أقدامهم عقول المصريين وضمائرهم منذ الأزل وحتى 25 يناير 2011!

مهما حشدت ملايين الأقدام المحشودة من أعذار، ومهما ألقت من علل قد تمنحها الحق في معارضة الرئيس المنتخب، إلا أن كل ذلك لا يعفيها من جرمها الكبير وغلطتها الفادحة عندما داست بأقدامها على الصندوق الانتخابي فحطمته واستبدلته بصندوق معتم خشن صنعه غبار الأقدام، وملأت بزفراتها الغاضبة جو خلوة الانتخاب الشاعري النقي فسممته وكدرته واستبدلته بجو ألتراسي غريزي مغبر مسموم صاخب.

على مدى أسبوع واحد انطلقت فيه هذه الأقدام الانتخابية رأينا ما جرته من ضرر على قيم ومثل الديمقراطية؛ بدءا من تسفيه العملية الديمقراطية برمتها في أذهان المؤلفة قلوبهم من المصريين المراهقين ديمقراطيا، وانتهاء بجر العسكر والزج بهم في اللعبة الديمقراطية ذات النسيج الناعم الحساس الذي يمزقه مجرد صوت الرصاص فضلا عن ناره وحديده!

قال الفرعون المنشق لتوه عن أسرته الدكتاتورية العريقة والرئيس المنتخب ديمقراطيا "مرسي" عبارته المشهورة: (الخطأ وارد، وتصحيحه واجب)، ومارس كل أنواع التلطف والمسايرة، بل والخنوع، إلا أن ذلك لم يحل دون تدفق الهرمون المجنون لحب الانتخاب بالأقدام الذي تم حقن محفزاته بليل في العقل والوعي المصري،  ذلك الوعي الذي، كما هو معروف، يشكل 70% من نسيجه شباب يقل عمرهم عن الثلاثين عاما قرابة نصفهم أميون.

إنني على يقين بأن معظم المحشودين في مليونيات التمرد قد منعهم تدافعهم الغريزي وأجواؤه الصاخبة المشوشة من تصور عاقبة الحملات الانتخابية بالأقدام، وبدا لهم المشهد كما لو أنه تشجيع لفريق رياضي، يمده صياح ألتراسه بحماس يتحقق به هدف النصر، ثم ما يلبث أن ينصرف الجميع وهم على موعد بمباراة أخرى. لو علم المتمردون أن الأمر ليس كذلك، وأنه أخطر من ذلك بكثير، لما أقدمت الملايين الموقعة بأقدامها على ما أقدمت عليه.

يقيني هذا ستعززه نتيجة استفتاء شعبي يُدعى إليه كل المصريين، وذلك لا على الاستفتاء على اسم الرئيس، ولكن على الاختيار بين الانتخاب ببطاقة الانتخاب، وبين الانتخاب بالأقدام. حتما سيتبرأ الكثير من أقدامهم! 

إنه من التسطيح والتبسيط المخل اعتبار ما يجري بين المصريين الآن مجرد خلاف أيديولوجي؛ كلا إنه صراع تلونه حالة رهاب وإثارة التجربة الأولى، وأجواء امتحان سنة أولى ديمقراطية الذي يلعب فيها تردد الإرادة وتزويرها دورا لا يمكن تجاهله.

يجب أن لا يمر هذا الدرس علينا نحن الليبيين دون الاستفادة منه، والعمل منذ الآن بتصحيح أخطائنا الانتخابية السابقة، والشروع في تأهيل الناخب الليبي ودفعه بلطف واقتناع نحو خلوته الانتخابية، حيث يكون ذلك الناخب ثالث ثلاثة؛ نفسه، وضميره، وصوته. وحيث يجب أن يكون أنسه ورشده في تلك الخلوة والغربة الانتخابية أكبر بكثير من أنسه وهو في وسط الآلاف من المتمردين المتجمهرين المتدافعين الراقصين؛ المجازين عقولهم،  المرهقين والموقعين بأقدامهم!

لا للتوقيع بالأقدام!!!!!!!!!!!

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

السبت، يوليو 13، 2013

رهاب وإثارة .....

رهاب وإثارة التجربة الأولى

لابد أن مرسي، والذين أرسوه، وكذا من خلعوه؛ جميعهم نال من إثارة ورهاب التجربة الأولى ما نال!

فشطرٌ لا بأس به من أخطاء الفرعون المنشق المنتقل للتو من السجن إلى القصر، والتي اعترف هو نفسه بها، وعزم على تصحيحها، لابد أنه قد صنعها تحت وقع حالة إثارة ونشوة التجربة الأولى لممارسة السيطرة والحكم، والتي مارس فيها مرسي نيابة عن حزبه وجماعته السلطة المغرية بعد تلهف إليها وكدح في سبيلها قارب القرن من الزمن المشبع بالمعاناة والذلة والحرمان.

كما أن الكثيرين من الذين أرسوا مرسي، حبا فيه أو اضطرارا إليه، وقعوا تحث تأثير نفس درجة الرهبة والإثارة، وهم ينتخبون أول فرعون انشق عن أسرته الفرعونية وتقاليدها  الإلهية الاستبدادية العريقة، وخلع لأجل الديمقراطية المثيرة ثياب الآلهة المقدس واستبدله بكاجوال ديمقراطي وثوب فلاح وجلابية واعظ في مسجد.

أما الذين غيروا رأيهم بسرعة لافتة، وحولوا موقفهم 180 درجة من إرساء مرسي ، فإنه لا يمكن تفسير ما فعلوه إلا من خلال القراءة النفسية لتأثير تجربة المرة الأولى المذكورة على نفسية هؤلاء المتحولين.
.................................
...........................................

هذا هراء! وإلا أجبني بالله عليك:

كيف تشكلت جبهة الإنقاذ التي ضمت أقطاب السياسة والمال والقضاء والإعلام والفن؟!

وكيف لان بناء القضاء المصري الصلب العتيد، وأخذ يرقص على إيقاع الشباب المولعين والمنهمكين في أمسيات ميدان التحرير الشاعرية؟!

وكيف تصلب إيقاع الإعلام والفن المصري الناعم حتى الميوعة، وتحول إلى صخرة صماء صدت صرخات وزفرات وتأوهات الفرعون المنشق المسكين، ومنعتها من الوصول إلى أسماع المصريين السميعة ذوي الحس المرهف والوجدان الرهيف؟!

وكيف تمكن شباب عشرينيون تجمعوا في ظلال دخان أرجيلات إحدى المقاهى القاهرية من التمرد على القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية، وإغراء ستة وعشرين مليون مصري، وحشدهم بأرقامهم الوطنية وتوقيعاتهم، وحشوهم في خلية لقلب نظام الحكم، كان عقاب المتورطين فيها منذ وقت قصير جدا يتراوح بين الإعدام والسجن المؤبد؟!

كيف تشكلت دستتان من المليونيات خلال عام واحد، وزحف بعضها بثقة مفرطة نحو قصر الفرعون المنشق، وطرقت بعنف شديد أبواب قصره حتى كادت أن تقتلعه. إحدى هذه المليونيات تقدمها فيلٌ من حديد: ونش؟!

كيف تمكن الفرعون المنشق الخائف من الإطاحة بالهامان العسكري الأول العتيد المزمن، واستبدله بآخر في زمن قصير جدا؟! 

...................................
............................................ الخ

حقا. كيف حدث كل ذلك؟

أجزم أن العامل الرئيسي في تناقض الحالة المصرية التي أمامنا هو عامل نفسي صنعه مركب إثارة ورهاب التجربة الأولى بعد عطش وشبق وحرمان آلاف السنين.

قد يساعدنا في تقبل هذا الافتراض البسيط حقيقة أن اللاعبين الكبار في هذا المشهد: الرئيس المنتخب، ومعارضوه الكبار، والذين منهم من نافسوه على كرسي الرئاسة، قد ارتكبوا أخطاء يغلب عليها عيب أثر عنصر المفاجأة وردات الفعل المباشرة الناشئة في معظمها من إثارة ورهبة التجربة الأولى وما يصحبها من تنكر لقواعد اللعبة والشماتة من الخصم.

كما يساعدنا أيضا في قبول هذا الافتراض حقيقة أن أعمار 70% من المصريين تحت الثلاثين عاما، وأن 40% من المصريين أميين!

لابد أن الفرق الشاسع بين التجربة التركية والمصرية مرده إلى كوابح صدمة رهبة وإثارة التجربة الأولى تلك، حيث مر أردوغان عبر درجات سلم عمادة بلدية اسطنبول قبل أن يتجرأ ويلج أبواب قصور سلاطين بني عثمان. كما أن المارد التركي لم يدفع فجأة نحو فوهة قنينة حزب العدالة والتنمية الديمقراطي الديني، وإنما سحب ببطء وتؤدة، وهو ما أدى إلى انعدام تأثير إثارة ورهاب تجربة المرة الأولى الذي جن جنون المارد المصري حتى أبعده عن قنينة حزب الحرية والعدالة الديمقراطي الديني، بل وأخرج هذا المارد عن السيطرة.   

ماردنا الليبي أصغر حجما وأقل بأسا، ولكنه هو الآخر واقع الآن تحت تأثير حالة رهاب وإثارة التجربة الأولى، وهو ما يفرض علينا ضرورة معالجته وتهيئته نفسيا قبل دفعه نحو مصيره المحتوم: الحلبة الديمقراطية وألعابها العنيفة.

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com



الثلاثاء، يوليو 02، 2013

كابوس وحلم


كابوس عسكرة الثورة، وحلم تثوير العسكرية!

القارئ المتعجل تكفيه كلمات العنوان، ذلك أنه رغم طول مقالتي هذه، إلا أنني لم أتمكن من الخروج من قوقعة الكابوس، وطبقات طيف الحلم !

لا أبالغ إذا قلت أنَّ ألحَّ وأهم بند في أجندة أعمال الوطن بأكمله؛ بدء من أجندة مؤتمره الوطني وحكومته، وانتهاء بأجندة أصغر مجلس محلي، هو: علاج مشكلة عسكرة الثورة، وعملية تثوير وإصلاح وتطوير المؤسسة العسكرية من جيش وشرطة!

وإذا كان تشخيص وتعريف المشكلة والكشف عن جذورها وخلفياتها هو نصف حلها، كما يقولون، فإن أهم ما يجب أن نعرفه جميعنا هو أن جذور هذه المشكلة نبتت هناك في كف الدكتاتور الذي ثار عليه الجميع، والذي هو من سبب في عسكرة الثورة، وأرغم المتظاهرين السلميين على اللجوء للسلاح، والتحول إلى عسكريين، أجبروا على خوض الحرب، بدل ممارسة فعل الثورة الناعمة الذكية، وإجراء الإصلاح والتطوير والتغيير السلمي الذي حلموا به. ومن جهة أخرى فإن الدكتاتور نفسه هو من شوه ومسخ المؤسسة العسكرية، ومنعها من أداء دورها، وجعلها عمودا من ديناميت يتفجر بتوقيت ماكر محسوب، حيث يحرق أوله كل من يواجه الدكتاتور مواجهة ساخنة، ثم يتحول آخره، بعد انتهاء المرحلة الساخنة، إلى قنابل موقوتة كثيرة متوزعة تتفجر تباعا وتحرق كل ما حولها، وهو ما نعانيه الآن، والذي ينسجم تماما مع نبوءة الدكتاتور ويحقق حلمه في جعل ليبيا من بعده نارا حمراء، كما وصفها الدكتاتور صراحة بلسانه!


ولمشكلة العسكرتاريا صورة أخرى يعرفها الجميع، وهي أن النظام السابق أسكن عقلنا الباطن العسكرتاريا،  بل وصبغ بها أفكارنا وسلوكنا؛ فرئيسنا القذافي وعلى مدى عقود أربع لم يكن عقيدا في معسكره باب العزيرية، إذن لهان الأمر، ولكن القذافي نفث دخانه العسكرتاري في كل مكان من ليبيا؛ فالرجل عسكري، والمرأة عسكرية، والمدرسة عسكرية، والجامعة عسكرية، والمصنع عسكري، والوزير عسكري، والطبيب عسكري، حتى أبناؤه عمدهم بالدخان العسكري، وأعطى لكل منهم رتبة ومنصبا عسكريا!


إن أقل ما يمكن أن يفيدنا به الإلمام بهذه الحقائق واستيعابها، هو جعل كل دافعي ضرائب الثورة في صف وفريق واحد يجعل من تسفيه نبوءة الدكتاتور هدفه الأول، وهو هدف لا يمكن أن يتحقق إلا بإزالة كابوس عسكرة الثورة الجاثم فوق صدورنا الآن، وتحقيق فعل تثوير وتطوير عسكرية الدولة الليبية الذي يداعب أحلام كل ليبي!  

ولكن لماذا التركيز فقط على العسكرة والعسكرتاريا؟! ألا توجد نقاط ضعف وعقبات كأداء كثيرة أخرى عرقلت الثورة، وأبطأت من قيام بناء الدولة الليبية؟ فبالإضافة إلى عقبة العسكرتاريا، هناك عقبة الثورتاريا، وأيضا عقبة السياستاريا، ذلك أن كلا منهما أغرانا ببريقه؛ فأغرقناه بسيل عاطفتنا حتى انتفخ وتضخم وبلغ درجة الترهل، فعجز وأعجزنا عن تلبية طموحات المرحلة الصعبة التي نعيش!

أجل، إن الإفراط في جرعة الثورة، والانتشاء بخمر السياسة، عملا كلاهما على إبطاء المسيرة، إلا أنهما لم يقودا إلى ما قاد إليه التسربل بالسلاح، والتكلم من خلال فوهات البنادق، والحنحنة بأصوات الديناميت.

يتحاور، وربما يتعارك السياسيون والثوريون في حلبات الصراع السياسي والفكري، وهم يحملون شتى أنواع أسلحة الفكر والثورة والسياسة، ثم يخرج جميعهم سالمون من حلبة الحوار؛ إلا أن حوارا عسكريا ديناميتيا قصيرا جرى مؤخرا في معسكر الكويفية وصلاح الدين، خلَّف جرحا وطنيا عميقا بعمق إزهاق أكثر من خمسين نفس، حرّم خالقها قتلها إلا بالحق!

من المؤكد أن حاملي السلاح واقعون الآن تحت ضغط نفسي يجعلهم يتوجسون خيفة من كل دعوة تجردهم من سلاحهم، حتى مع علمهم بأن ذلك لابد منه لإقامة الدولة وبناء قوتها العسكرية المنضبطة، وهو توجس في محله وتبرره الحالة التي عليها الدولة، ولابد لكل من يدعو هؤلاء الشباب إلى وضع سلاحهم أن يؤمن لهم الوقاية من خيبة الأمل ونكران الجميل التي باتت رائحتها تملأ المكان، ويؤمنهم أيضا من تطبيق العدالة الغبية، كعدالة العزل البائسة.

لابد لي أن أعترف أنني عند بلوغ هذه المرحلة من الحديث، والذي أحاول من خلاله أن أساهم في كتابة وصفة علاج داء الوطن، قد أحسست بأنني أمام معضلة رياضية منطقية معقدة جدا، ليس أعقد منها ما نعرفه عن الأحجية المعروفة واللغز المحير الشهير:  أيهما أسبق وجودا الدجاجة أم البيضة!

ظني بأن الدجاجة أسبق من بيضتها، والدولة أسبق من الجميع!

إذن:
هل يتمترس الثوار في خنادقهم في انتظار قيام الدولة، ومن تم يسلمون أسلحتهم لها؟
أم أن الثوار جميعهم، وما لديهم من سلاح هم بعينهم اللبنات التي يشاد بها صرح الدولة؟

لا جواب لدي! ولا أحد يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال إلا أقطاب القوة العاملة على الأرض، والممثلين في أولئك القادة من الثوار، والذين ربما يناهز عددهم عدد أصابع اليدين، بحيث يقومون مجتمعين بتشكيل فريق يضع على عاتقه إعداد وإبرام أجندة سلام الوطن، وتثوير وتطوير جيشه وشرطته.

وإذا ما سُمِح لي بالمساهمة في وضع هذه الأجندة؛ فإنني لن أساهم بأكثر من الدعوة إلى تحصين الشباب أعضاء الكتائب، حالا ودون تأخير، من التأثر بأي دعوة حزبية أو أيديولوجية أو قبلية، عدا عن حزب لبيا وأيديولوجية ليبيا وقبيلة ليبيا، وهو ما يهيئهم للعيش والعمل في تلك الأجواء المحايدة التي تتميز وتختص بها المؤسسة العسكرية. 

بقدر ما يتحمل قائد كل كتيبة من كتائب الثوار مسئولية ما تحت يده من كتل بارود ومئات وربما آلاف من حاملي السلاح من شباب ليسوا كلهم على قدر كاف من الشعور بالمسئولية، فإنه يتحمل مسئولية أكبر في تهيئة هؤلاء الشباب وترويضهم للدخول إلى حظيرة الجيش الحكومي الوطني عاجلا أو آجلا، وهو أمر يحتم على قادة هذه الكتائب القيام بندوات ومحاضرات يكون هدفها  الأكبر التخفيف من حدة إفراز هرمون العسكرتاريا في دماء الشباب الذين يقودونهم، وذلك قبل التفكير في نزع فتيل انفجار ما يحمله هؤلاء الشباب من سلاح.

إن الجميل الذي صنعه وأسدوه هؤلاء الثوار القادة لوطنهم، سوف يكون ناقصا مشوها، إذا لم يكلل بالهدية الكبرى والجميل الأعظم؛ بناء الجيش الوطني، هذا الجيش الذي لن يقوم إلا بتحول هذه كل الثوار إلى لبنات لا يميزهم عن بعضهم البعض سوى الرقم المسلسل الذي يكلل به كل منهم صدره.

أعلم أن هذه المقالة قد غلب عليها الطابع الوعظي الإرشادي البسيط الذي يزفر به كل من يسكنه هم الوطن.
نحن المواطنين العاديين الضعفاء لا نملك إلا الدعاء.
أنتم أيها الثوار الأقوياء مسئولون عن دفع البلاء.

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com