الخميس، نوفمبر 21، 2013

غرغور ............

غرغور ليست سوى أذن الديناصور!

من يتكلم عن غرغور في هذه الأجواء المشحونة يخاف على نفسه من تهمتين؛ تهمة الاستخفاف بنزف دم خمسمائة مواطن بريئ، أو، وهو الأشد، تهمة التشهير والتحريض. ذلك أن مقالي السابق أوقعني في نظر بعضهم تحت طائلة التهمة الثانية، وذلك رغم نظرتي البسيطة جدا للموضوع من حيث كونه مواجهة غير متكافئة وغير متوقعة بين جمع من المدنيين يحملون مطلبا واضحا مباشرا أجمع على شرعيته الجميع، وبين جماعة مسلحة مقابلة، ولينجلي المشهد على ما رأينا من عنف غير مبرر سقط على إثره المئات أمواتا وجرحى. 

حاولت وضع واقعة غرغور في مكانها الصحيح من حيث كونها نتيجة وعلامة بارزة لغياب السلوك الرشيد المسئول الذي ساد تصرف الكثير من المسيطرين على مجريات الأمور في ليبيا، وذلك بسبب شح المكون النخبوي الواعي بين صفوف هؤلاء المسيطرين أيا كانت اسماؤهم وشعاراتهم.

أحداث كثيرة خطيرة تعرض لها الوطن؛ من حرب بين مواطنيه، إلى تغيير سياسي شامل لم تؤسس له النخبة ابتداء ولم تتولاه وترعاه انتهاء، وهو ما أدى كله إلى أنيميا حادة في عناصر هذه النخبة، مع توالد سرطاني مواز سريع لكيانات وأجسام شريرة غريبة تملك القوة، ويعوزها الانضباط، ويتعاورها الخلل والتشتت والانحراف، ولتكون النتيجة ما ظهر لنا جليا عشية يوم جمعة غرغور.

حادثة غرغور المؤلمة، بلا شك، تألم لها كل الليبيين، بما فيهم مقترفو تلك الخطيئة أنفسهم، والذين يصدق في شأنهم حال قابيل قاتل أخيه هابيل، حيث لم يفرح ذلك القاتل المسكين بما فعل، ولكنه قال نادما متحسرا: يا ويلتي أعجزت أن أواري سوأة أخي!

الليبيون كلهم الآن أولياء دم شهداء قيلولة الجمعة، وعليهم جميعا أن يتمثلوا حالة قابيل تلك، وأن يتحسروا ويندموا على ما آلت إليه حالهم، والأهم من ذلك البحث في الأسباب، وعدم الاتكاء على نظرية المؤامرة والتي غدت شكلا من أشكال مرض الوسواس القهري الذي غالبا ما يميع القضية ويلقي التهمة على المتهمين الجاهزين دائما؛ الغير، أو الفتنة.

وبدونما حاجة إلى تحاليل سياسية معمقة لحادثة الجمعة، فإن الديناصور الذي تجشأ الجحيم في ذلك اليوم؛ فأحرق بنيرانه المئات، وأزهق في دقائق معدودة أنفس العشرات، ولوَّع أكباد الآلاف، هو ذلك الديناصور الذي تمدد على امتداد التراب الليبي ولمدة عامين حتى حينه، وظل يقذفنا بكل أصناف حمم العنف والقتل والخطف والسرقة بالإكراه والاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة وتجاهل القوانين والتلويح باسم القبيلة المنتصرة والمجموعة الغالبة، وما يكرره البعض من ادعاء فج بأنهم هم من حرر الليبيين، بل جعلوا ذلك علامة مسجلة يضعونها على جبهة المواطن فيسترقونه، كما يضعونها على أي صك من صكوك مطالبهم فينجزونه. هذا الديناصور الشيطاني البغيض لم يظهر من يوم غرغور سوى أرنبة أنفه، فحصد في خمس دقائق نصف ألف منا، مستعملا بعضنا لقتل بعضنا الآخر، ومالئا صدورنا برصاصنا.

حقا التبس علينا الأمر، وغدا حالنا يشبه إلى حد كبير حال تلك الضفدعة التي استمرأت الماء المتدرج السخونة ارتفاعا حتى سلقها. نحن أيضا استمرأنا ظلم الظالمين وعبث العابثين على مدى العامين الفائتين، ودفننا رؤوسنا في رمل المجاملة والقبول بالأمر الواقع حينا، وحينا آخر في رمل الخوف واتقاء شر الأخطر إذا ما احتككنا بالألغام التي انزرعت فجأة وانتشرت تحت أقدامنا، ولم تترك لنا إلا مسارب ضيقة، كلفت الخارجين عنها حياتهم. 

الله أكبر، وليبيا حرة، ويسقط الطاغية، وثائر وثوار، وقائد ميداني، ومدينة مجاهدة، وأناشيد وعبارات لذيذة كثيرة فعلت كلها فعل ذلك الموقد الذي سخن الماء شيئا فشيئا، وكلما زادت حرارة ذلك الماء درجة نقصت إرادتنا درجتين وتآكلت خلايا حِسِّنا درجات، حتى بتنا نرى أطرافنا وأحشاءنا تتفتت بسبب جحيم الثورة المدَّعاة، والتي كما رأينا أُريد لها أن لا تنتهي لتحل محلها الدولة، ويعود أولئك الأوصياء والأدعياء إلى حوانيتهم.

أصبحت مخالفة القوانين؛ بدءا من قانون المرور، وحتى قانون أمن الدولة من الأمور المألوفة. وأصبح خبر تخلل رصاصة أفقية أو عمودية رأس إنسان وصدره، ومن تم قتله العمود اليومي في جريدة بؤسنا الواسعة الانتشار. كما أصبح ضياع المليار كضياع الدينار، وإغلاق ميناء وحقل نفطي كقيام البقال المجاور لنا بغلق باب بقالته. أما الاقتحام وخطف الناس من غفيرهم إلى وزيرهم فأصبحت ملهاة وكوميديا يومية سجلنا بها سبقا دراميا عالميا مشهودا.

ولأننا لسنا ضفادع كما يتصور بعض الحمقى وضعاف النفوس، فإننا ها قد أدركنا غلطتنا وأبننا عن معدننا الأصيل الذي لن يصدأ أبدا بعد ما شرَّبناه بالدم وصنعنا منه سيوفا أطاحت وستطيح برأس كل طاغية مهما ألبس علينا أمره.

الدرس الأهم من فاجعة يوم الجمعة هو إعادة تقييم أنفسنا وأحوالنا والبحث عن حدود هذا الديناصور المتمدد فوق أرضنا واقتلاعه بما يحوي من تخلف ورجعية وجهل وظلم وطغيان واستكبار. وعلينا أن لا نخاف من حجم هذا الديناصور رغم عظم جثته المترهلة المتورمة، والتي تمكنا بوقفة صادقة شجاعة من تحطيمها ودك أركانها.

كل المعربدين المتعالين عن القانون والمجاهرين بذلك ، وحاملي الأسلحة غير المرخصة، والمرتدين بدلات الجيش والشرطة بدون رقم وشارة رسمية، وكل القابعين في جحور مظلمة قمئة لا تحمل اسم الدولة الليبية، وأيضا أولئك المجموعات والكوبيات والشلل المنتهزة حالة ضعف الدولة لتبني في غفلة من الآخرين مجدها السياسي الضيق، وتملأ جوفها سحتا من مال الليبيين، أو تعبث بمقدراتهم، كل أولئك من بقايا وأشلاء ديناصور غرغور يتحتم علينا إزالتها من طريقنا إذا أردنا لدولة ليبيا أن تقوم.

محمد عبد الله الشيباني
aa10zz100@yahoo.com

Libyanspring.blogspot.com   

الأحد، نوفمبر 17، 2013

أنيميا النخبة

أنيميا النخبة، و "متلازمة غرغور" القاتلة!

ورم غرغور الذي انفجر عشية يوم الجمعة الماضي، لم يفعل ما فعل فجأة وبدون مقدمات، ولكنه مرَّ بسلسلة من التفاعلات بدأت أولاها مباشرة بُعيد رشات ماء الزهر، وامتلاء البطون بلحم الجزور!

قال قائلهم بعد عامين من انتقاعه في ماء الزهر، وتخمته من لحم الجزور، وهو يدلل من حيث لا يدري على أنه لا هو ولا غيره من حرر طرابلس: إن طرابلس لم تنل نصيبها من الحرب، ولكنها سوف تأخذ حصتها منها! خيب الله ظنه وأحبط مسعاه!

قال ذلك لأنه استقبل بماء الزهر ولحم الجزور، وربما الورود! ثم التفت يمنة ويسرة بعد مضي أيام الضيافة الثلاثة، وانتهز فرصة قصور يتامى الدكتاتورية الذين حُقنوا لعقود طويلة بمضادات بلوغ سن الرشد وإمكانيات تشكل النخبة، وليتحول هذا الضيف الثقيل من مشارك في احتفال إنقاذ هؤلاء اليتامى من ربقة مغتصبهم بمنة خالقهم، إلى نسخة جديدة مطورة من فيروس أنيميا النخبة الذي زرعه ورعاه الدكتاتور المعمر!

نجّى الله طرابلس العاصمة من الحرب، وساعدها وحده على تقيؤ ولفظ الدكتاتور وأخلاطه بمخاض ناعم، لمسه وشهد عليه الجميع. إلا أنه وفي غفلة من الجميع، تسللت عبر أبواب ونوافذ العاصمة المفتوحة بقايا أدران وجراثيم الدكتاتورية، لتباشر من جديد عملها القديم الجديد في وأد وإقصاء النخبة، وتكريس الدكتاتورية.

الرماة الذين أسالت لعابهم الغنائم؛ فغادروا مواقعهم، وتسببوا في هزيمة جيشهم المنتصر، تكرر مشهدهم وبصورة واضحة فاضحة في خليط الثوار القلائل وأشباه الثوار الكثيرين الذين امتلأت بهم شوارع العاصمة بُعيد ظهور تباشير التحرر من الدكتاتورية، وانفساح المجال أمام رحم النخبة ليقذف بمخزونه المتراكم المعطل من أجسام النخبة، ولتكون النتيجة مأساوية كارثية، وذلك بانقلاب الانتصار إلى هزيمة نكراء، وتحول الرماة البناة إلى بغاة طغاة!

أجل امتلأت الشوارع والميادين بأفواج المنتصرين والمتوثبين لأخذ اماكنهم في طابور النخبة وقطار الدولة الذي بدأت عجلاته في التحرك مباشرة بعد آخر نفس لفظه الدكتاتور، إلا أن المشهد تغير بسرعة، وتحول طابور النخبة المأمول إلى آلة لقتل النخبة ووأدها، وخيانة الثورة وقتلها.

المؤكد أن جريمتي خيانة الثورة، ووأد النخبة قد وقعتا، ودليل ذلك ما نراه الآن من تعطل قيام الدولة، بل واختطافها! والمسؤولون عن هذه الجريمة هم كل من شغل مكانا مؤثرا في مجرى الأحداث بعد سقوط النظام السابق. ويستوي في ذلك من كان مرتديا ربطة العنق فوق اللحية السياسية، أو ذاك الذي أطلق العنان للحيته وبندقيته معا.

ها قد انفجر ورم متلازمة غرغور في جمهور المتظاهرين المدنيين المتوضئين المتحضرين المتريثين الصابرين عامين طويلين ثقيلين مرعبين مقرفين، فقتل العشرات شر قتلة، ومزق أجسام المئات، وقطع أيادي راشي ماء الزهر وحاملي الورود ومجهزي الولائم! أجل إنه مشهد حقيقي صريح حي مرعب لقتل النخبة الواعية المتحضرة.

ولكن لماذا حدث كل ذلك؟ لماذا لم تتشكل بدل الكتائب المدججة بالبنادق ومعاول الهدم، كتائب أخرى متحصنة بالمعرفة، والسلوك الرشيد، وحاملة لمعاول البناء؟

الجواب هو: أنيميا النخبة المتسببة في متلازمة غرغور.

العلاج: فيتامينات نخبة مركزة، ومضادات متلازمة غرغور.

أما مضادات متلازمة غرغور فهي تلك التي صنعها شهداء وجرحى  وأحياء جمعة غرغور، وكل من من سيفعل فعلهم ويحمل فكرهم.

أما فيتامينات النخبة فهي أمانة بيد كل من منحه القدر فرصة تقدم الصفوف السياسية والإدارية والإعلامية خلال العامين الماضيين، ولم يجرؤ حتى حينه بمد يده إلى الكثير من المواطنين الصالحين الواقعين في نطاق معرفته، والذين يعدون بالآلاف، حيث سبب تخلف هؤلاء الآلاف في أخذ مواقعهم ما رأيناه من فراغ المكان وامتلاؤه لاحقا بأفواج السفهاء أعداء النخبة وقاتليها. ويوم جمعة غرغور، كشف كل مستور!

تحياتي لكل المدافعين عن الحق الثائرين للكرامة العاشقين للحرية.

محمد عبد الله الشيباني

الثلاثاء، نوفمبر 12، 2013

الطابور جاهز للتفتيش سيدي!

الطابور جاهز للتفتيش سيدي!


بعد موسم فض الاعتصامات، بدأت مصر مؤخرا موسم التجريم على مجرد رفع الشعارات والإشارات، والعقاب على الهمس بالزفرات والأنات. نجوم الرياضة يجرمون لمجرد التعبير عن موقفهم الفكري؛ أبو تريكة وعبد الظاهر مثلا. الإعلاميون يقمعون؛ فسخرية باسم يوسف التي كانت تضحك الملايين، أضحت مما تجرمه قوانين الانقلابيين، وآخر وليس أخيرا، إجراء محاكمة علنية لرئيس منتخب، قرروا أن يحاكموه بلغة الإشارة.


لست من المنتمين لمرسي وحزبه ونظامه، ولم أنتمِ طول عمري لأي حزب، إلا أنني طول عمري أكره الظلم؛ وهل هناك ظلم أشد من قطع اللسان تمهيدا لقطع الشريان؟!


اليوم تم قطع لسان مرسي، وتم صب الرصاص في آذان مائة مليون من المصريين؛ فالطغاة يستكثرون على معارضيهم مجرد كلمة يبوحون بها. سلسلة طويلة من طغاة العرب ليس أولهم فراعنة مصر، ولا أوسطهم طاغية ليبيا، وعسى أن يكون آخرهم الفرعون السيسي؛ جميعهم لا يتحملون مجرد كلمة واهية ينطق بها مظلوم، وذلك رغم أجسام هؤلاء الطغاة الديناصورية التي سرقوا نسيجها المتورم من أجساد قطعان البشر الذين غرورا بهم ومسخوا إرادتهم،  وتمكنوا لعشرات السنين من سوقهم ملايين حفاة عراة؛ بدءا من ملايين مصر عبد الناصر، ومرورا بملايين القذافي، وآخرهم هذا الاسترقاق البشري الذي حدث في مصر مؤخرا على يد الفرعون السيسي!


لم يحاكم مرسي المعزول هذا اليوم، وإنما الذي حوكم هو الانقلاب العسكري الذي وأد أول مولود ديمقراطي عربي، وهو مولود فرحنا به جميعا، وغفرنا له ما بدا عليه من خداج بسيط مبرر، وذلك من أجل غاية سامية، وهي تنشيط الرحم الديمقراطي وتحفيزه وعدم كبته لمجرد تشوه بسيط بدا في ملامح مولوده البكر بسبب مكوثه في ظلمات رحم الديمقراطية المخنوق الحقب والآماد الطوال.

إن تجريم رياضي لمجرد التعبير عن موقفه الفكري من قضية ما، وإخراس صوت إعلامي يعبر بسخرية عن حادثة أو ظاهرة معينة، ومنع سماع مداولات محكمة علنية، وحرمان رئيس منتخب من إيصال كلامه للشعب أثناء محاكمته التي قالوا إنها علنية، إن كل ذلك ينسف مصداقية عسكر مصر الذين انقلبوا على الديمقراطية، ويحرج كثيرا أولئك الذين تعاطفوا معهم وفوضوهم على بياض.

لم يمنع مصر وهي الدولة العربية الأكبر من أن تكون كتوأمها كوريا إلا قيام العسكر بإجهاض الديمقراطية المصرية وخنق أرحامها وقطع ألسنتها. فمصر التي عرفت ما عرف الناس من ديمقراطية الأربعينات، لم تكن محظوظة كما كان أولئك الناس، حيث تم وأد ديمقراطيتها الغضة على يد العسكر في بداية الخمسينات، وها هي بعد ستة عقود من السبي الدكتاتوري العسكري تستعيد ديمقراطيتها لمدة عام واحد فقط، ثم تسبى من جديد على يد الجيل الرابع من العساكرة الدكتاتوريين.

مرسي، ومهما قيل فيه، لا أراه إلا حفيد دعاة الديمقراطية، وابنا بارا بآبائه وأجداده الذين استكثر عليهم الطغاة مجرد الوقوف على منصة التاريخ ليبوحوا بمكنونات صدورهم. ذلك أن ظهور مرسي الناطق باسم الديمقراطية هذا اليوم وهو معقود اللسان في عالم معلوماتي مفتوح، وبعد ستين عاما من عقد ألسنة أسلافه دعاة الديمقراطية ومناهضي الدكتاتورية إبان الزمن المعلوماتي المخنوق، لا يمكن إلا أن يكون صدى لصرخة أولئك الأسلاف المظلومين، والتي وإن طواها الزمن ونساها، إلا أن القدر حفظها وأبداها!

لقد وقف مرسي اليوم وبحضور الجميع على مسرح التاريخ لينعش ذاكرتنا، وليحي ذكرى شهداء الحرية، ممثلا نفس الدور الذي قام به أسلافه قبل عقود ستة، وذلك تخليدا لذكراهم وبرا بهم.

وفي الختام ألا يجدر بنا أن نتساءل عن سر هذه المزامنة القدرية العجيبة بين حادثة إخراس صوت مرسي، وحادثة إخراس صوت باسم يوسف! ترى أي الرجلين جاء لدعم الآخر ومساندته وتقوية حجته؟!

شخصيا لا أرى في ذلك إلا وسيلة الإيضاح الأخيرة، والحجة الخاتمة ضد أولئك الذين لا يريدون أن يفهموا الدرس رغم بساطته الشديدة!

الديمقراطية جسم لطيف شفاف، يخرسه التلقين، ويقتله التدجين!

محمد عبد الله الشيباني

Aa10zz100@yahoo.com