الأربعاء، مارس 26، 2014

ولاذوا بالفرار

..... ولاذوا بالفرار، فمن لبنغازي من تلوذ به؟!

قبل عبارة: "ولاذوا بالفرار" المحيرة الملغزة هذه، تتكدس هناك جبال من المصائب الجسام، والكوارث العظام، وهي مصائب وكوارث أضحت وجبة يومية لليبيين المساكين. فقبل عبارة " ولاذوا بالفرار"، تتكدس جثت وأشلاء، وينتشر هناك موت ودماء، ومما يضاعف مرارة هذا المشهد الأليم أن الضحايا دائما غافلين أبرياء، وقد مزقهم رصاص غادر خائن أمام بيوتهم في وضح النهار، وتحت نظر الأهل والكبار والصغار!

الصورة حقا بشعة مؤلمة، والمشهد مفزع مرعب؛ إلا أن فرار من يقذف بكل هذه الكتل من الجرائم، لهو أشد غرابة وأكثر إيذاء وإيلاما.

في مدينة كبنغازي، وحيث جل سكان أي حي من أحيائها الصغيرة البسيطة يعرف بعضهم بعضا جد المعرفة، وفي شارع من الشوارع المعدودة لذلك الحي، وفي قارعة النهار، وتحت ضوء الشمس ، تقبل سيارة بطول يناهز الخمسة أمتار، وبلون ظاهر مميز، وبزجاج معتم، وربما بدون لوحات، وكأنها تلوح للجميع، وتصرخ في وجوههم: ها أنذا قدمت إليكم لأقتل أحدكم يا أهل هذا الحي فاستعدوا. ثم ما هي إلا لحظات حتى تقذف تلك السيارة بسيل من رصاص، يملأ صوته المرعب المكان، ويخرق الآذان، ويستفز دخانه المثير الانوف والحلوق ، وينسخ مشهد اليوم مشهد الأمس؛ سقوط  أحد سكان الحي غارقا في دمائه.

"ولاذوا بالفرار"! أجل القتلة المتكررون يفرون، هل تصدق؟! ربما تصدق مرة أو مرتين، إلا أن تصديق ذلك مرات ومرات، لهو بحق عبث بعقولنا أكبر من عبث الرصاص بصدورنا!

من يسرق دجاجة ينجو بها مرة، وربما مرتين، إلا أن فراره بالدجاجة الثالثة ضعيف الاحتمال، وذلك وفق نظريات الحساب والمنطق وما يقول به الواقع المعاش. أما قاتل إنسان على قارعة الطريق وأمام بيته ومسجد حارته، وربما في دكانه، ينجو وينجو وينجو! لا أصدق. في الأمر شيء!

في مقال سابق لي اقترحت تقسيم بنغازي إلى مربعات أمنية بعدد مناطقها الثلاثين، وقيام سكان كل إقليم بإعلان حالة النفير الأمني القصوى داخل منطقتهم، على أن يكون التجول داخل كل منطقة، وكذا من بين منطقة وأخرى ببطاقة عبور مميزة لكل منطقة، على أن يلتزم الجميع بحمل هذه البطاقات معهم، وإبرازها في مكان ظاهر في واجهة سياراتهم، مع اتخاذ كافة الإجراءات الأمنية الوقائية الأخرى من مثل؛ إقامة الدوريات الثابتة والمتنقلة، ومنع تعتيم زجاج السيارات، وحظر حمل السلاح غير المرخص، وتثبيت الكاميرات أمام المنازل والمساجد والأسواق، وغير ذلك من إجراءات أمنية سهلة الإجراء ولكنها عظيمة الفائدة.

إن مقاول إرهاب بنغازي بات يفصح شيئا فشيئا عن شخصيته، وخاصة بعد حادث انفجار الفنية العسكرية الآثم، وما سبق هذا الحادث ولحقه من اغتيال لشخصيات ذات لون سياسي مميز. إنهم طابور خامس ليس صعبا على أهل بنغازي تمييزهم، واجتثاثهم.

ليس لبنغازي من تلوذ به بعد ربها سوى أهلها.

محمد عبد الله الشيباني





ليست هناك تعليقات: