الأربعاء، أغسطس 06، 2014

لا نتعلم الوقاية



لا نتعلم الوقاية من المرض، حتى نتأكد من قدرته على إماتتنا!

لو فعل ذلك جحا، لغدا فعله الأحمق هذا طرفة تتناقلها الأجيال! بيد أن هذه الطرفة، أو قل المأساة، ها هي نراها تمشي بيننا، وربما وضعت بعضنا في رأس قائمة سجل حمقى جينز الذين يدعون الطب ويموتون بالعلة!

قد ينصرف تفكير الكثير إلى أن العلل التي أعنيها هي تلك التي تصيب الأجسام، وما نرتكبه ونجنيه من أخطاء حيالها، رغم معرفتنا الكاملة بمخاطرها، وكثرة تحذير ذوي الاختصاص منها.

العلة التي أعنيها ها هنا، هي أكبر بكثير من ذلك، إنها علة قصور عقولنا وحواسنا عن تحسس الخطأ الفادح، والظلم الجسيم، بل واستمراء ذلك، وعدم الخوف والحذر من عواقبه الوخيمة التي رأيناها رأي العين تطيح بأنظمة، وتفتك بمن يظنون أنفسهم أكبر من مسطرة العدالة، وأقوى من سنن الحياة ونواميس الكون.

الذين غضوا الطرف عن هذه المسطرة وتلك النواميس، رأيناهم أمامنا يسقطون، ويسقطون معهم ليبيا كلها في أتون حرب كلفتنا عشرات آلاف الضحايا، والكثير الكثير من الإمكانيات والمقدرات.


ولعل من أهم أعراض هذه العلة، هو قيام المصاب بها بغلق عينيه وأذنيه، والتوغل دون بوصلة في بحر الظلم مدلهم الأمواج سحيق القاع!

أجزم بأن الكثير من ظالمي اليوم كانوا بالأمس القريب يعددون مظالم ظالمي عتاولة النظام السابق؛ من قتل، وسرقة، وغير ذلك من بوائق، بل ربما اتخذوا ذلك سببا ومبررا للثورة على ذلك النظام.

شاب في مقتبل العمر، انخرط كغيره في فوضى ما بعد الثورة، ثم حدث الخطأ المحتوم، وألقت به الفوضى في أحد حفرها التي يصعب فيها تمييز الظالم من المظلوم، واضطر ذلك الشاب إلى مواجهة المصيبة منفردا. وفي لحظة من لحظات  شفافيته عبَّر لي هذا الشاب عن كامل إيمانه بأنه ما من أحد ارتكب سيئة في هذه الثورة إلا وعاجله الله بالقصاص!

عند اندلاع شرارة الحرب التي تعيشها العاصمة هذه الأيام، ثارت في نفسي التساؤلات الكثيرة عن حكمة اشتعال هذه الحرب، وفيما إذا كان اشتعالها قد هيأت له وأدارته نفس معادلات القصاص الإلهي ومسطرته ونواميسه التي أدارت كل نواتج أعمال الظلم السابقة، بدءا من القصاص بعتاولة الظلم الكبار، وانتهاء بذلك الشاب المسكين.

أطلس وتضاريس الحرب الدائرة الآن، تظهر بجلاء خطوط الظلم وسراديبه، وكيف تشكلت خلال سنوات ما بعد الثورة بخطايا ومخالفات الكثير منا الذين لكثرة ما ارتكبوا من ظلم وما تواتر عنهم من أخبار قطع طرق وسرقة بالإكراه، وربما إزهاق أنفس، غدوا مثلا وخبرا يتداوله التاريخ وقراؤه. ذات الأطلس أظهر لنا وبسرعة مهاوي وحفر القصاص، وهي تبتلع أولئك الظالمين الأغبياء، وفي مكان وزمان وشكل لم يحسبوا له أي حساب!

هذه الإشارة العابرة لحكايات الظلم والظالمين،  أراها أكثر من كافية لتمييز أشخاص الحالة وأبطال المشهد الذي أعني. ومهما كان من أمر هؤلاء، فإن الذي يهمنا من قصتهم هو تشخيص الحالة، ومعرفة أسبابها ونواتجها وطرق الوقاية منها، وهو ما يجب التفصيل فيه أكثر وأكثر، حتى لا نموت قبل أن نتعلم الوقاية.

محمد عبد الله الشيباني

ليست هناك تعليقات: