السبت، سبتمبر 13، 2014

انفجار ثانية


انفجار ثانية!

إنه انفجار جزء من الثانية، وليس الثانية كلها، ذلك أن الثانية تبدو ممتدة وفارهة جدا عندما يحدث الانفجار الحاد جدا الذي أعنيه،  والذي يتخذ من نقطة مجهرية قصية في رقعة المجرة الزمنية؛ الثانية المذكورة، مقرا لعملياته الخطيرة!

وإذا اتخذنا هذا المدى الزمني، الجزء لحظي، الذي يحدث فيه هذا الانفجار المذكور وحدة قياس، فإن أعمارنا رغم ما نشكوه من قصرها، تبدو في غاية الرفاه والامتداد والاتساع!

إحدى الثواني المليارية لعمري الفاره جدا وفق التقويم الجزء لحظي المذكور، وقع بها انفجار ضخم مساء هذا اليوم، ولترتيبات قدرية ليست من اختصاصي ولا اختصاص أحد، لم يصلني من هذا الانفجار إلا شذرات لا تذكر من غباره ودخانه، واللذان منهما كان مداد كلمات وصور هذا الريبورتاج، والذي ما كان لي أن أكتبه، وما كان بوسعكم أن تقرءوه، لولا غشاء نحيف جدا من ثوان غير متفجرة حالت بيني وبين تلك اللحظة موقع الانفجار!

وفق التقويم العادي لم يفصلني بين الانفجار القاتل سوى بضع ثوان، وبضع الدرجات السفلية الأخيرة من سلم بيتي ثلاثي الأدوار، وحيث كان من المفترض أن يسقط على رأسي عند آخر تلك الدرجات باب النافذة العلوي بهذا المبنى، والذي أخرجته من مكانه غلطة اللحظة، ليهوي محملا بكامل شحنته من معدن وزجاج، ومدفوعا بكمية حركة جعلت من باب تلك النافذة بعدما ارتطم بالأرض مجرد كومة من شظايا زجاج وحديد!

وبناء على قوانين الحركة، ومعادلات المكان والزمان، لم تكن لي أية فرصة في الحياة بعد هذا الانفجار الذي حدث في زاوية من إحدى ثواني يومي المنصرم، كما لم يكن بمقدوري، وفق تلك القوانين، تصوير ذلك الانفجار، لأنني ببساطة سأكون بعض بارود ذلك الانفجار ودخانه وغباره!


مثل هذا الانفجار المرعب يحدث في هذا الكون بعدد ثوانيه، وعدد ذرات رماله، وقطرات مياهه، وما عمرنا الذي نعيش سوى سلسلة من هذه الثواني المتفجرة الرهيبة.

قد يقول قائل: إن هذا الكلام من ترف الحديث، فما دام هذه الانفجارات كثيرة ومنتشرة وقدرية وليس بوسعنا التحكم فيها والنجاة منها؛ فلم نضيع وقتنا في الحديث عنها، ونملأ نفسنا خوفا ورعبا منها؟!

ذلك صحيح، ولكن هذه اللحظة المتفجرة المرعبة، هي منجم كنوز ثمينة، منها:

#   هذه اللحظة المنفجرة هي اللحظة المقابلة تماما لتلك اللحظة الأولى في حياة الإنسان، والتي أحدث انفجارها بداية سريان تيار الروح في القوام المادي له.

#     الخط الواصل بين هاتين اللحظتين، هو أشد الخطوط كثافة، وأكثرها اكتنازا بعنصر الحقيقة، ضالة العاقلين.

#    تقع هذه اللحظة عند الحافة الحادة جدا من حس الإنسان ووعيه، والتي عندها يصبح بصره حديدا، وعندها يتحدد مصيره ومقره الدائم.

#  الاقتراب الشديد جدا من فوهة بركان اللحظة المتفجرة، كما حدث لي ويحدث للكثير، مع الظفر بفرصة العودة السالمة من هذه التجربة، يمنح المستكشف شهادة معرفة، تتضاءل أمامها كل شهادات معارف الدنيا.

# الرجوع السالم من فوهة بركان اللحظة المتفجرة، يمنحك ربحا لا يمكن تقويمه بأدوات التقويم المعروفة لدينا.

#  محاولة استئناس وترويض هذه اللحظة، وجعلها مما نألف ونعايش، من شأنه أن يسهل علينا تطبيع علاقتنا مع مصيرنا الحتمي، وبالتالي ضمان مصافحته مصافحة ناعمة، وتأمين استقبال كريم من جانبه.

  ولمن ينشدون حالة افتراضية غير مكلفة لظاهرة اللحظة المتفجرة، ليس عليهم سوى وضع سماعة الطبيب على قلوبهم، ليجدوا هناك كرنفالا دائما من اللحظات والثواني المتفجرة.

  شطر من درس اللحظة المتفجرة هذا علمتني إياه حالة اضطراب دقات القلب وتباطؤه التي تعتريني من حين لآخر.        

..................................................................
.................................................................
................................................................  الخ!

وبعد فإن درس اللحظة المتفجرة هذا، ما هو إلا النموذج الأكبر للحظات الكبرى كثيرة، والتي ربما منها تلك اللحظات الحبلى التي تزف وحي الله لرسله وأنبيائه، وكذا تلك اللحظات التي عندها يسري تيار الحكمة على ألسنة الفلاسفة والمفكرين؛ وما لحظة سقوط تفاحة نيوتن، ولحظة فيضان حوض أرشميدس، ووقت مخاض معادلات اينشتاين، وغيرها كثير، إلا أبناء وبنات تلك اللحظة المتفجرة الأم!
 


ليست هناك تعليقات: