الاثنين، مارس 31، 2014

أحمال مفرطة

Over load!

مؤشر تجاوز أحمال الكتائب المحسوبة على قبيلة أو منطقة ما مداه، يرسل بتحذيراته الحمراء منذ مدة ليست بالقصيرة، منذرا هذه الكتائب بضرورة التحلل من أثقالها، ووضعها في مكانها الشرعي والصحيح، وهو كاهل الحكومة المركزية، أم جميع الكائنات القبلية والحزبية والمناطقية.

ومهما كان هدف ومسعى هذه الكتائب القبلية والمناطقية نبيلا، وهي تقوم، وبجرأة بالغة، بأعمال الدولة، ومهما كان عظم المنجز الذي حققته، إلا أن طغيان رائحة القبيلة أو المنطقة أو المذهب السياسي والأيديولوجي عليها، ها هو يجهض كل مساعي هذه الكتائب، ويفسد صالح أعمالها، والتي وإن كانت مشروعة ولا غبار عليها في غايتها، إلا أنها غير شرعية في طريقة إجرائها؛ حيث سوء الإجراء يفسد الإجراء برمته.

فالعمليات الأمنية التي تستهدف متهمين في مناطق أخرى، والتي هي من صميم عمل أجهزة حكومية مركزية خالية من أية رائحة قبلية أو حزبية أو مناطقية، ها هي تشعل شرارة النعرات القبلية المتحفزة للاشتعال أصلا، وتحدث سلسلة من الفعل ورد الفعل بين القبائل والمناطق، بل وتحول ذلك إلى تارات، وخطف وقتل على الهوية.

النتائج غير المجدية على الإطلاق التي أدى إليها التواجد غير الشرعي لكائنات بديلة عن كائنات الدولة، وتحميلها بأعباء  ومسؤوليات ليس من اختصاصها، ها هو يخلق أجساما في نسيج الدولة هي أشبه بالخلايا السرطانية في النسيج الحي، والتي وإن بدت نشطة وفاعلة، إلا أن ذلك يوصف بأنه نشاط وفعل مجنون، وذلك لا لشيء إلا لأنه غير خاضع للإيقاع المركزي لكامل الجسم، وخارج عن سلطانه.

إن النتائج السلبية المتراكمة والمتعاظمة لما تعتقد هذه الكتائب أنه إيجابي يتطور ويتطور، وبدأ يقذف بأبشع أشكاله، وهو تكوين مدار موازي لمدار الدولة، بدأت تتشكل في نطاقه أجسام يؤشر حجمها الكبير إلى انقلاب وتحول جسيم في خارطة الأثقال ومعادلة جاذبيتها.

أبرز مثال على نشوء هذا المدار المخيف، هو إقدام كتيبة ذات ملامح قبلية وجهوية وأيديولوجية على السيطرة على مورد قوت مواطني الدولة كلها، وهو بحق أظهر وأخطر هذه التشكلات في خارطة القوة الموازية لقوة الدولة. كما أن استمرار احتفاظ الكتائب القبلية والجهوية بشهادة ميلادها الأولى المكتوبة في زمن غيبوبة الدولة، وجعل هذه الشهادة جزءا لا يتجزأ من عقد تأسيس الدولة وضابطا أساسيا في تكوينها، لهو مما يؤكد على النظرة التشاؤمية المعروفة في أن كل ما حدث في ليبيا إن هو إلا فورة غير مضبوطة، وغير مأمونة النتائج والتبعات.



 محمد عبد الله الشيباني

الجمعة، مارس 28، 2014

مكعبات ليبية

مكعبات ليبية مُرَّة!


للمكعب ستة أبعاد تلزم السائر المتوخي السلامة وسط تجويفه ضبط إحداثياته مع هذه الأبعاد الستة، وتحديد موقفه تجاهها.


ليبيا الآن كلها مكعبات متعددة الأنواع والأشكال، وذات مذاقات متعددة المرارات، وبالطبع ليس من بينها أبدا مكعبات السكر وما نعرفه لها من حلاوة. من هذه المكعبات ما هو صغير كحجم مكعبي الذي أقبع فيه مجترا مراراتي، ومنها الكبير الذي يسع أصحاب الأوزان الثقيلة والحجوم الكبيرة والقادرين على الاحتفاظ بتوازنهم داخل هذه المكعبات وما تحويه من دوامات وزلازل وأعاصير. الليبيون جميعهم الآن؛ كبارا وصغارا، حكاما ومحكومين، مجبرون على السير خلال هذه المكعبات وتجرع مرارتها.


تحسسي ومعاناتي لمرارة مكعبي الصغير الذي أتجنب أي حركة فيه إلا لضرورة، هو أحد مكعبات بلدي ليبيا التي غدت أرخبيل من مكعبات عائمة في بحر واسع مضطرب عميق.


مكعبي الصغير الذي أقبع هو نموذج مصغر للمكعبات الليبية الكبيرة الكثيرة المرعبة، وهومكعب  حدوده جِدُّ ضيقة؛ إذ إنه يبدأ من بيتي الذي أطيل المكوث فيه توخيا للسلامة، وينتهي ببيت أمي الذي يصلني به سرداب، نطلق عليه تجاوزا شارعا!  هذا السرداب أقطعه راجلا، بعد أن طلقت السيارة، وذلك جبنا مني وهروبا من مكعبها الأكثر رعبا والأشد خطورة.


في بداية فناء بيتي حيث ينتهي سقف هذا البيت  ليبدأ سقف الشارع، سقطت أكثر من رصاصة من علوها الكيلومتري على بلاط أرضية الفناء الصلبة. وكلما زاد التشوه الظاهر في قالب الرصاصة دل ذلك على ارتفاع الرصاصة، ودل أيضا على حجم البندقية اتي انطلقت منها. إحدى هذه الرصاصات كانت في انتظار خروجي، ولم يحل بيني وبين لقائها الحار المميت بي سوى بعض من ثانية وقليل من السنتيمترات.


قبل أن أجازف بالخروج من قوقعتي إلى غابة الشارع أنظر من خلال ثقب موجود بالبوابة الحديدية الفاصلة بين فناء البيت ودهاليز السرداب، وذلك تحسبا لمفاجئات كثيرة غير سارة يعج بها الشارع، بدءا من التلاسن الموغل في البذاءة، ومرورا بمشاجرات الأيدي الساخنة، وانتهاء بالمنازعات الأشد سخونة التي تستخدم فيها الأسلحة النارية، حيث لا تقتصر تلك النار على مجرد حرق من أوقدوها، ولكنها تتعداهم إلى غيرهم من الغافلين الأبرياء عابري الطريق والساكنين على ضفتيه. الأمر ليس مجرد احتمال، فقد حدث أن دارت معركة بالرصاص الحي في بحر الشارع، والناس، ويا للعجب، يتقاسمون مع الرصاصات الغائدة والرائحة الطريق!


وبعد اطمئناني إلى عدم اصطدامي بمفاجئات عتبة مكعب الرعب تلك، ألتزم يمين الرصيف غير المرصوف والذي هو بالمخاطر محفوف، وأشرع في تشغيل مجسات أجهزتي الحيوية على وضع الطوارئ الأقصى، آخذا في اعتباري الاتجاهات والأسطح الستة لمكعب الرعب الذي ألقيت نفسي فيه!


ذهب بي الخوف حده بعد ما سمعت الكثير من الحكايات عن ضحايا الرصاص المتساقط من السماء، ففكرت في ارتداء الخوذة الحديدية . لا يمكنني فعل ذلك فمنظري وأنا أرتدي تلك الخوذة على ملابس مدنية مثير للسخرية، بل ربما تصبح تلك الخوذة هدفا مثيرا لحاملي أسلحة الحرب وأسلحة اللعب على حد سواء! انتهيت أخيرا إلى ارتداء قبعة ذات قوام كثيف قد يساعد في امتصاص ولو جزء يسير من طاقة هبوط المقذوف! يعني خير من بلاش.


في أي لحظة قد يصبح الرصيف المخصص للمشاة امتدادا لطريق السيارات وجزءا لا يتجزأ منه، وليس لك والحال هذه إلا قيامك بمد بصرك لعشرات أو مئات الأمتار، وتحسب الاصطدام بتلك الألغام السائرة في الاتجاه المعاكس للتيار المعهود للشارع، وهو تيار معروف قبل ولادة أولئك المجانين القابعين خلف مقاود السيارات والدراجات النارية بعشرات السنين، وربما بمئاتها.


إن هوامش اليمين والشمال غدت في مكعبات رعبنا شيئا من تراث الأقدمين، بل ربما مجرد ذكرك اليمين والشمال والاحتجاج بذلك مما يثير السخرية، ويبعث على التندر والتفكه، كما إن الألغام الآتية من الخلف أشد إثارة وخوف، وذلك لأن الشعور بالخطر وتحسب وقوعه المحتمل يكون أشد وقعا وأنت لا تستطيع رصده والتهيئ له، كما أن مجرد التزامك يمين الرصيف لا يعطيك الأمان الكافي من صفعة خلفية قاتلة تأتيك من علبة حديدية طائشة. أما السطح الأرضي لمكعب الرعب وما تحتويه الطريق من حفر ومصدات حية وجامدة، فعنها حدث ولا حرج، إذ لا تكاد تنجو من واحدة حتى تبادرك الأخرى.


ذلك هو مكعبي الصغير البسيط الذي يتحتم علي مواجهة مصاعبه تلك لمجرد ممارسة حقي المشروع في المشي في الشارع؛ أما إذا ما تجرأت وفكرت في ممارسة حقي في السير في مكعبات أكبر، فلابد لي قبل التفكير في ذلك من إجراء الكثير من الحسابات المعقدة والاستعداد لمراهنات ومخاطرات بالغة الجسامة والخطورة. أقصد بالمكعبات الأكبر هي تلك المسارات الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها.



أكبر مسببات فشلنا حتى الآن في تحقيق ما نريد هو تطاول الطريق أمامنا إلى ستة أضعاف طولها، وتعاظم مشاكل ومصاعب الطريق بنفس النسبة. ذلك إنه ما من مسؤول علا أو دنا شأنه إلا ويواجه هذه الأيام معضلة التعامل مع أكثر من هدف، وهو يحاول الوصول إلى الهدف الموكول إليه، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ أداء الحكومة، وربما شللها.
ِ

أجل سوف تكلفنا الأشياء التي سنقتنيها ستة أضعاف سعرها العادي، وستأخذ من وقتنا وجهدنا ستة أضعاف ما تأخذه من الآخرين المتحررين من مثل المكعب الليبي المر ذي الأوجه الستة الشنيعة ؛ الجهل، والفساد، والجهل، والتخلف، والعنف،   وحب الذات المرضي .  


محمد عبد الله الشيباني

الأربعاء، مارس 26، 2014

ولاذوا بالفرار

..... ولاذوا بالفرار، فمن لبنغازي من تلوذ به؟!

قبل عبارة: "ولاذوا بالفرار" المحيرة الملغزة هذه، تتكدس هناك جبال من المصائب الجسام، والكوارث العظام، وهي مصائب وكوارث أضحت وجبة يومية لليبيين المساكين. فقبل عبارة " ولاذوا بالفرار"، تتكدس جثت وأشلاء، وينتشر هناك موت ودماء، ومما يضاعف مرارة هذا المشهد الأليم أن الضحايا دائما غافلين أبرياء، وقد مزقهم رصاص غادر خائن أمام بيوتهم في وضح النهار، وتحت نظر الأهل والكبار والصغار!

الصورة حقا بشعة مؤلمة، والمشهد مفزع مرعب؛ إلا أن فرار من يقذف بكل هذه الكتل من الجرائم، لهو أشد غرابة وأكثر إيذاء وإيلاما.

في مدينة كبنغازي، وحيث جل سكان أي حي من أحيائها الصغيرة البسيطة يعرف بعضهم بعضا جد المعرفة، وفي شارع من الشوارع المعدودة لذلك الحي، وفي قارعة النهار، وتحت ضوء الشمس ، تقبل سيارة بطول يناهز الخمسة أمتار، وبلون ظاهر مميز، وبزجاج معتم، وربما بدون لوحات، وكأنها تلوح للجميع، وتصرخ في وجوههم: ها أنذا قدمت إليكم لأقتل أحدكم يا أهل هذا الحي فاستعدوا. ثم ما هي إلا لحظات حتى تقذف تلك السيارة بسيل من رصاص، يملأ صوته المرعب المكان، ويخرق الآذان، ويستفز دخانه المثير الانوف والحلوق ، وينسخ مشهد اليوم مشهد الأمس؛ سقوط  أحد سكان الحي غارقا في دمائه.

"ولاذوا بالفرار"! أجل القتلة المتكررون يفرون، هل تصدق؟! ربما تصدق مرة أو مرتين، إلا أن تصديق ذلك مرات ومرات، لهو بحق عبث بعقولنا أكبر من عبث الرصاص بصدورنا!

من يسرق دجاجة ينجو بها مرة، وربما مرتين، إلا أن فراره بالدجاجة الثالثة ضعيف الاحتمال، وذلك وفق نظريات الحساب والمنطق وما يقول به الواقع المعاش. أما قاتل إنسان على قارعة الطريق وأمام بيته ومسجد حارته، وربما في دكانه، ينجو وينجو وينجو! لا أصدق. في الأمر شيء!

في مقال سابق لي اقترحت تقسيم بنغازي إلى مربعات أمنية بعدد مناطقها الثلاثين، وقيام سكان كل إقليم بإعلان حالة النفير الأمني القصوى داخل منطقتهم، على أن يكون التجول داخل كل منطقة، وكذا من بين منطقة وأخرى ببطاقة عبور مميزة لكل منطقة، على أن يلتزم الجميع بحمل هذه البطاقات معهم، وإبرازها في مكان ظاهر في واجهة سياراتهم، مع اتخاذ كافة الإجراءات الأمنية الوقائية الأخرى من مثل؛ إقامة الدوريات الثابتة والمتنقلة، ومنع تعتيم زجاج السيارات، وحظر حمل السلاح غير المرخص، وتثبيت الكاميرات أمام المنازل والمساجد والأسواق، وغير ذلك من إجراءات أمنية سهلة الإجراء ولكنها عظيمة الفائدة.

إن مقاول إرهاب بنغازي بات يفصح شيئا فشيئا عن شخصيته، وخاصة بعد حادث انفجار الفنية العسكرية الآثم، وما سبق هذا الحادث ولحقه من اغتيال لشخصيات ذات لون سياسي مميز. إنهم طابور خامس ليس صعبا على أهل بنغازي تمييزهم، واجتثاثهم.

ليس لبنغازي من تلوذ به بعد ربها سوى أهلها.

محمد عبد الله الشيباني





الثلاثاء، مارس 25، 2014

دعوة إلى تنكيس الشعارات

دعوة إلى تنكيس الشعارات لمدة عام !
لا يعني تنكيس شعارات القبيلة والمذهب الفكري والشعار الحزبي وغيرها من شعارات كثيرة مرفوعة الآن إبطال هذه الشعارات أو تهوينها. كلا، ولكن هذه الشعارات تهون وتفقد قيمتها عندما يساء فهمها، أو يتخذها الحمقى والجهلة والمغرضون وسيلة للهدم بدل ما كان معولا عليها أن تقوم به من إصلاح وبناء. 

قذفنا بكل أدوات البناء وعدد الإصلاح جانبا، وانخرطنا في نوبة اجترار شعارات شوه الجدل والضجيج ملامحها وغير معالمها وداخل بين حروفها ونصوصها وصورها حتى غدت "كاربج" لا يمكن فهمها إلا بعد إعادتها إلى حالتها الأصلية التي كانت عليها قبل عبثنا بها.

عندما ننكس كل ما نتجادل تحتها من شعارات سوف ينادي بعضنا البعض بأسمائنا الأصلية المعتادة وغير المثيرة، وسوف لن يجد أي منا من صفة يصف بها الآخر ويناديه بها سوى كلمة: يا مواطن يا ليبي، كما لا نجد أمرا أو نداء نتبادله بين بعضنا البعض سوى: حي على الفلاح. وهي كلها كلمات إيجابية متعادلة الأثر في كيمياء نفوسنا المرهقة الثائرة.

عامان ونيف ونحن نمتطي شعارات أسيئ فهمها من جانب الكثير منا الخارجين للتو من سرداب الدكتاتورية وقبو كتم الأنفاس القمئ المظلم.

ونحن نمتطي هذه الشعارات يظن كل واحد منا أنها تطير به وتحمله إلى الأمام. الأمر خلاف ذلك، إن هذه الشعارات أخذتنا بسرعة إلى الخلف وهوت بنا إلى الأسفل حيث حفر الاتهام والتخوين والجدل المقيت.

يتضاعف احترامي لكل حامل شعار وصاحب فكرة أو رأي، وهو يقوم بجردة حساب يقارن فيها بين ربح وخسارة المجتمع ككل من التلويح بشعار لا ترى فيه الكثير من الأعين إلا الجزء المثير لها، وهي إثارة تحول بينه وبين مجرد فهم الشعار فضلا عن التعامل معه وقبوله. إن جردة الحساب هذه هي وحدها التي تحدد جدوى ما نحمله من شعارات وما نتبناه من أفكار.

من المؤكد أننا نحتاج إلى مرحلة تهدئة وتهيئة لنفوسنا وعقولنا الخارجة للتو من صراع عنيف سبقته حالة غيبوبة فكرية طويلة وعميقة، وربما بعد فواقنا وامتثالنا للشفاء من أمراضنا وعللنا نكون في مستوى حمل وتداول ما نريد من أفكار وشعارات، والصبر طيب.

الاثنين، مارس 24، 2014

يا دعاة الفيدرالية


يا دعاة الفيدرالية المريبة، "التهميش" حجة داحضة معيبة

أزال الهامش العملاق الذي صنعته الدكتاتورية في ليبيا، والذي امتد عبر الزمان مدى العقود، وانتشر عبر المكان على طول فضاء ليبيا الممدود، كل شك في أنه خطة دكتاتورية متقنة، تم وضعها لتستغرق العمر الافتراضي للحكم الدكتاتوري، ثم تتجاوزه كي تغطي فترة انسحابه من المشهد وتلاشيه.

الهامش الواسع العميق الذي صنعه النظام الفاسد المنتهية صلاحيته والمتجاوز عمره، هو هامش واضح المعالم بيِّن الحدود، قد خَطته يدٌ جعلت بصمتها الفريدة لونا وحدا مميزا لذلك الهامش، كما جعلت من سلطة الحديد والنار التي تمتلكها أداتها الوحيدة لغرز ذلك الهامش الشيطاني البغيض في الكيان الليبي الغض.

في 69.9.1 وبمبرر الثورة والتغيير، تم وضع اللبنة الأولى والأهم في جدار ذلك الهامش، وذلك عندما استغل ملازم مغمور نومَ الليبيين وغيابَ مَلكهم، فنفذ عملية قرصنة واستيلاء على أداة الحكم دون مشاورة أحد من الملايين النائمة، عدا عن بضع عشرات من الذين شاركوه أعظم وأكبر عملية تهميش لإرادة شعب بكامله واختزالها في إرادة قرصان ليلي ماكر مباغت.

وبعد سنوات قليلة اطمأن خلالها القرصان إلى استقرار جذور هامشه وتخلله إرادة الليبيين، قام هذا القرصان بتعلية سور هذا الهامش بلبنات ما سماه ثورة ثقافية، وهي الثورة التي جعلت من ليبيا كلها؛ من الجبل الأخضر الشرقي، إلى جبل نفوسة الغربي، إلى أطراف صحرائها الجنوبية جزيرة معزولة عن العالم، وذلك في وقت شرع فيه هذا العالم في بناء قريته الواحدة.

وتستمر أعمال بناء وتعلية وتعميق هامش الدكتاتورية حتى وصل ذروته بإعلان الجماهيرية التي توهم صاحبها حصوله على صك الحصانة والتميز بمجرد إعلانها، بل وإحراز لقب مخلص ومحرر الشعوب من قيود وأغلال الديمقراطية التي استبدلها للتو بما سماه سلطة الشعب ونظام الجماهيريات.

تلك هي أبرز مكونات جدار التهميش السياسية التي صنعتها الدكتاتورية مستهدفة منها العالم كله، فضلا عن ليبيا شرقها وغربها. أما مكونات جدار التهميش الأخرى كالاقتصادية مثلا، فإن ما يعرفه جميعنا عن قانون المرتبات المعروف، والذي يمر من تحت مسطرته الحادة السواد الأعظم من الليبيين، ينفي كل شبهة في أن التهميش الاقتصادي لم يستثني أي ليبي باستثناء أعوان القرصان وتنابلته. 

وإذا ما شئنا تفحص الكلاليب الأمنية لهامش الدكتاتورية ذلك، فإننا لن نبذل كثير جهد حتى نتيقن من أنه ما من ليبي إلا ووضعته تلك الكلاليب في مرمى نظرها الحاد، وجمدته في نطاق مدى يدها الذي تجاوز الحدود السياسية للدولة الليبية وامتد خارجها مرهبا ومطاردا وحتى قاتلا.

كلاليب هامش الدكتاتورية وهي تغذي نهم صاحبها في بناء مجده الموهوم، طالت الليبيين كلهم، وذلك عندما ساقتهم جميعا إلى ساحات الحرب التي صنعها الدكتاتور في أوغندا وتشاد وغيرها، وحيث لم تستثن أحدا في شرق البلاد أو غربها أو جنوبها.

وبعد، وبذكاء ونظر بسيطين، يمكننا أن نرى فوق بياض حسن نية بعض دعاة الفيدرالية جراثيم سوداء واضحة غابت عن نظر أولئك الدعاة، وهي جراثيم تشي بتغير صفات فيروس التهميش الدكتاتوري الأصلي، وتحولها كي تتمكن من إكمال مهمتها وهي مهمة تغطية سقوط الدكتاتور صانع التهميش ومبدعه.

الذي يجري الآن من تحالف مريب بين دعاة الفيدرالية والمستولين على الموانئ النفطية خير دليل على نجاح فيروس التهميش في تغيير ملامحه وخطة عمله، وذلك وفاء بوعد الدكتاتور في جعل ليبيا كلها جمرا.

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

الاثنين، مارس 17، 2014

ومرة أخرى؛ ثورة هي، أم فورة؟

ومرة أخرى؛ ثورة هي، أم فورة؟!

لا مراء في أن الملامح الأولى لانتفاضات الربيع العربي كانت أقرب لملامح الفورة منها إلى ملامح الثورة، إلا أن حالة المفاجأة التي اعترتنا ونحن نشاهد السقوط السريع المدوي لأبراج وحصون التسلط والدكتاتورية، ألغزت علينا الأمر، فاختلفنا في معرفة جنس مولود التغيير من حيث كونه  ثورة أم فورة!

من ناحيتي، وربما بسبب جرعة تشاؤمي الزائدة، جازفت وتسرعت بإطلاق اسم الفورة على ذلك المولود، وذلك بمجرد رؤيتي لذلك الاندفاع العشوائي لركوب قطار التغيير وامتلائه بسرعة بركاب لا يحملون بطاقات الركوب الثورية الشرعية المعروفة، ولما لاحظته من تباين صارخ في سحنات أولئك الراكبين، وكذا في اختلاف محطات وصولهم وغايات سفرهم!

معذورون أولئك الذين سارعوا بإطلاق اسم الثورة على ذلك المولود، والذين اعتمدوا، كما يبدو، على التحليل المبدئي لسائل طلق الولادة وغبار تلك المعركة التي فرضها دكتاتور متسلط ظالم على شعبه، حيث ما كان لنتائج ذلك التحليل إلا أن تتطابق مع تلك الشعارات التي رفعها المتظاهرون الصادقون الأوائل في شوارع البيضاء وبنغازي وطرابلس والجبل ومصراتة وغيرها من المدن الليبية المنتفضة، وحيث كان سيد هذه الشعارات هو شعار: "الشعب يريد إسقاط النظام"!

"الشعب يريد إسقاط النظام"، هو شعار بكر بليغ ثقيل ردده كل المتظاهرين الأوائل الذين دشنوا الانتفاضة المباركة ضد ظلم الأنظمة الدكتاتورية، وهو شعار سرعان ما تحول إلى رافعة قوية أفلحت في سحب كراسي الحكم من تحت كلاكل غاصبيها، وأتاحتها لنخبة ثورية من المفترض أنها لا تكتفي بحمل شعار" الشعب يريد إسقاط النظام" فحسب، بل إنها تجاوز ذلك لتأتي بالتتمة واللازمة المنطقية لهذا الشعار، وهي: "الشعب يقيم النظام الذي يريد"! ومنطقيا أيضا لا يمكن لأحد، والحال هذه، أن يسمي مولود ربيع التغيير باسم آخر عدا اسم الثورة.

سقط النظام البائد، ورأى النور مولود جديد أسميناه، تفاؤلا، ثورة؛ بيد أنه سرعان ما بدأت تظهر على هذا المولود علامات مزعجة تشي بوجود تشوه خلقي ما فيه، بل ربما تشوه جنيني جسيم! إذ أنه وبمجرد تلاشي الدوافع والمحفزات الغريزية الباعثة للفورة، والمتمثلة في هيكل النظام السابق، تبين بوضوح جنس مولود التغيير؛ إنه وبدون شك مجرد فورة! وللإنصاف فإن مجرد الفورة تلك قد أدت ما عليها،  وذلك بنجاحها في تفكيك منظومة حكم دكتاتوري عتيد، وتمكنها من انتشال الليبيين من بين أنيابه وكلاليبه.

وهنا أقف لأقول وبكل ثقة أن شهداء الحرب على الدكتاتورية، والشهداء الأحياء ممن قارعوا الدكتاتورية بما تيسر لهم من سلاح قلب ولسان وقلم ويد، ثم لم تزغ قلوبهم ولم تتلوث أيديهم وألسنتهم بأدران مخلفات الفورة، هم جميعهم كادر الثورة المقبلة التي حسب ظني لم تبدأ بعد.

أدعو المقارعين التاريخيين للتسلط والظلم والدكتاتورية مهما كانت ألوانهم ومشاربهم، وكذا أشبالهم الذين تعففوا عن غنائم الفورة ونفضوا أيديهم من بوائق تجارها؛ أدعوهم إلى تجميع صفوفهم، والبدء في ثورة حقيقية قوامها سلاح الفكر الناعم الذكي الذي يستهدف أول ما يستهدف أوكار الجهل والتخلف والفقر والمرض والفساد. إنني على يقين أننا عند تمكننا من استئصال شأفة ساكني هذه الأوكار سوف ننجو جميعنا، وينجو مركب الوطن كله من الغرق الذي يتهدده.

ثلاثون شهرا مضت على سقوط هيكل الدكتاتورية، ولم أسمع أي بيان من جبهات المعارك الكثيرة الدائرة ليل نهار بين الليبيين يفيد بإحراز أي هدف في مرمى الخصوم والأعداء الحقيقيين؛ الجهل، والتخلف، والفساد، والفقر، والمرض، ........... !

ولذلك أسميتها فورة، فاعذروني!

محمد عبد الله الشيباني



     

الهيرة



بعض من شجون وإيقاعات الهيرة، حيث مقر 


الشركة الليبية للاستثمارت الخارجية " لافيكو"!


في "الهيرة" انهرتُ وضاعَ رجائي

                          لمّا رأيتُ حماقةَ الكبراءِ





في أرضِ باديةٍ أقاموا مركزاً

                        للمالِ منقطعاً بجوفِ خلاءِ





خلف الجبالِ الراسياتِ تمترسوا

                       وكأنهمْ نفروا إلى الهيجاءِ





لم تحوِ "هيرة" مصرفاً أو  متجرا

                      أو  مصنعا  أو  معلما  لبناءِ



ليس جواركِ "لافيكو" من صاحب

                    أو  مؤنسٍ  غير  عواء  جِراءِ