الخميس، يوليو 28، 2011

هَبْ، يا قاتل شعبك، أنك انتصرت!

                
                هَبْ، يا قاتل شعبك، أنك انتصرت!

أعلم أن سنوات مكوثك في أرجوحة حِلم الله وإمهاله، جعلت منك كائنا غريبا عن كل ما حوله من تضاريس مكان، وتصاريف زمان، بل وأفقدتك قدرتك على التعامل مع من هم مثلك من بني الإنسان.

ربما لم تكن الحاكم الوحيد الذي يقضي كل هذه الفترة حاكما، ولكنك أنت الحاكم الوحيد الذي حظى ببيئة حكم تكاد تكون مثالية، في اتساعها وتجاوبها وليونتها مع كل ما أثقلتها به من أصناف تخلفك وسفاهتك وتسلطك ودكتاتوريتك، وما أرهقتها به من عقد شخصيتك، وغرابة أطوارك.

أجل. أمهلتك السماء، إمهالا تحسد عليه، وأسلمت لك الأرض قيادها، وطوَّع لك المال الذي سرقت، والسلطان الذي اغتصبت، الكثير من النفوس التي مسخت بعضها فألهتك، وبعضها لخبثها نافقتك وخدعتك، ولكن ما من أحد على وجه الأرض اقتنع قط بما تهذي به من ترهات وإفك .

هدهدتك أرجوحة الإمهال الإلهي على إيقاعها المسكر طويلا، فانخرطت في نوبة شبيهة بحالة فقدان الوزن التي تختل فيها كل المعادلات المألوفة، ويفقد كل من وقع في نطاقها كل ما كان يربطه ببيئته الأرضية والإنسانية.

أفقدتك أجواؤك المصطنعة حتى مجرد الإحساس بما يفعله سيف الزمن البتار، والذي، ورغم تجاهلك المخجل لما عمله فيك حدُّه البيولوجي من ضربات موجعة، إلا أنك تحاول يائسا مقاومة ذلك، وبطريقة أضحكت عليك كل من رآك، وإن كتم ذلك وراءاك.

وكما حاولت، بذكائك الرخيص، إخفاء أثر الزمن في مظهرك، ظننت أنك بذلك تخفي أثر الزمن في كل شيء سواه؛ في وضع أصابعك في أعين الناس أربعين عاما، وفي الحجر على عقولهم، وفي إبطاء بل إيقاف دورة حياة أحلامهم وآمالهم، بل وفي إيقاف حركة عقولهم.

مسحت رياح الفراغ الهائجة التي تلوح بك في كل اتجاه، كل البيانات التي على لوحة بوصلتك، واضطربت بذلك كل مؤشراتك، ففقدت الإحساس بجهات الدنيا الأربع، وصرت تسير متخبطا وعلى غير هدى.

اقتصرت وجبات تغذيتك النفسية والروحية خلال مدة حجرك الطويلة على ما يقدمه لك طباخوك المتخشبون من أغذية فاسدة ومسمومة، أجهزت سمومها المدسوسة لك على ما تبقى من خلاياك الواعية الراشدة.

ولأن فترة الإمهال قاربت على الانتهاء، اضطربت حبال أرجوحتك مؤخرا، وتغير إيقاعها، ودقت بعض أجراس الخطر، فاستيقظت مفزوعا مرعوبا من إغماءتك الطويلة، لتتمتم ببعض عبارات الإصلاح الفارغة، وتلقنها من تراه أهلا لخلافتك، فلم تسعفه فصاحته المتكلفة في ترديد هذه العبارات، ولا فسحة الوقت الشحيحة التي أبقيتها له في تنفيذ هذه الإصلاحات.

وكما قامت تلك الأجراس بإيقاظك من نومك العميق، أيقظتْ أيضا من مواطنيك من ظننت أنهم نائمون إلى يوم يبعثون، وذلك لفرط ما حقنتهم به من مخدرك المركز، والذي هو الآخر فقد مع طول الوقت فعاليتهـ والتقى هذا وذاك على تاريخ قد قـُدِر، ألا وهو يوم السابع عشر من فبراير الأغر.

يا أيها السادر في نومك وغيك:

إن الأرجوحة التي كانت تهدهدك، تآكلت حبالها، والوقت الذي كان ممتدا أمامك تقلص، ولم يتبق فيه سوى سويعات احتضارك الحرجة القصيرة.

كما أن تلك الجموع التي عهدتها نائمة استيقظت، وانتبهت من غفلتها العميقة، وهي في غاية التحفز للثار ممن قتلها سريريا السنين الطوال.

 تبدلت الأرض غير الأرض، وتبدل الزمان غير الزمان، وحتى كاريزمتك التي صنعتها من غفلتنا، وجهلنا، وحاجتنا، أذابت شمس السابع عشر من فبراير طبقة جليدها الهشة، فتحولت تلك الكاريزما المغشوشة إلى طاقة إجرامية ملأت أركان الوطن بأفعال القتل والاغتصاب وجلب المرتزقة، وفضائح أخرى لا حصر لها.

هب، أيها الغاش رعيتك، أنك انتصرت!

هل ستظهر علينا بوجهك القبيح المقرف المقزز، الذي يمقته كل الليبيين لما عهدوه فيه من شؤم، والذي سيتضاعف آلاف المرات بعد أن غطت دماء ضحاياك كل بقعة من جسدك.

هب، أيها الغادر، انك انتصرت!

هل ستعود حاملا سياط كتابك الأخضر التي جلدتنا به العقود الطوال، ولتعيد على مسامعنا ما كنت تتقيأه من إفكك وترهاتك القديمة البالية.

هب، أيها السفاح، أنك انتصرت!         

كيف ستظهر أمام آلاف الثكالى، واليتامى، والأرامل، وهم يعلمون أنك أنت من صنعت لهم هذه الفجائع، وأفقدتهم أعز ما يملكون.

هب، أيها السكران، أنك انتصرت!

هل ستجد حلاوة ونشوة كأس الكرسي الذي أدمنت، وقد أصبحت هذه الكأس ممزوجة بدماء رعيتك الغافلة البريئة، والتي خولك الله حكمها، من أجل أن ترعاها، فغدرت بها وأسلت دمها وديانا.

هب، أيها القاراقوز، أنك انتصرت!

هل ستجلس متشامخا متعاليا على كرسي الحكم، كما هو ديدنك، وهل سيقوى على ذلك هيكلك العظمي الهش، وبدنك السبعيني العليل المتهالك، والذي زاد من تهالكه ما قمت به مؤخرا من صولات وجولات مخجلة مخزية في ساحة حرب، ورطت فيها شعبك، بعد أن حكمتهم مكرهين أربعين عاما.  

هب، أيها المستبد، أنك انتصرت!

هل ستحتفل بيوم عيد استيلائك على الحكم، وتفاخر بإنجازاتك العظيمة، والتي سيكون أعظمها وأحبها إليك، قيامك بإخماد انتفاضة شعبك من اجل الديمقراطية.

هب، يا هاتك الأعراض، أنك انتصرت!

هل ستظهر علينا في كامل زينتك، كما كنت تفعل، وقد أجلست أبناءك القتلة السفاحين من حولك، وبيد كل واحد منهم سيف تقطر منه دماء عشرات الآلاف من الليبيين.

انتصر، أو لا تنصر، فأنت مهزوم.
انتصر، أو لا تنصر فأنت لا محالة نادم.
انتصر، أو لا تنتصر، فلن تتجرع سوى الحسرة.
انتصر، أو لا تنصر، فلن يطلق عليك التاريخ سوى هازم شعبه.
انتصر، أو لا تنصر، فلن تتحصل سوى على جائزة أشرس دكتاتور.
    

محمد الشيباني

aa10zz100@yahoo.com

الثلاثاء، يوليو 26، 2011

ماذا لو جاء القذافي بالشمس من المغرب؟

ماذا لو جاء القذافي بالشمس من الغرب، وانتصر في حربه على الشعب؟

ربما الكل يعلم أن النفس النمروذية تسكن القذافي وتصرفاته منذ اليوم الأول الذي فجر فيه قنبلة البيان الأول، والتي لم يكن يتوقع أن ينجو من شظاياها بمجرد إتمامه قراءة ذلك البيان الانقلابي. غير أنه وعلى عكس ما كان يتوقع فوجئ بالجماهير المغفلة تملأ الشوارع، لا لترده عما فعل، وتعيب عليه الخروج على ولي الأمر، كما تفعل نفس الجماهير المغفلة الآن، ولكنه وجدها ترحب وتهلل لصاحب الصوت المتشنج، مجهول الاسم والهوية.

أجل من حق القذافي أن يصبح نمروذ، وقد وهبه الله هذه الجماهيرية الدافقة بواطنها ذهبا أسود لامعا، والطافحة شوارعها شعبا لينا طائعا.     

ومنذ تلك الدفعة الصاروخية الشعبية المتميزة التي حظي بها ذلك الملازم الصغير المغمور، في الأيام الأولى لانقلابه على ولي الأمر، والمتمثلة في تلك الكتل البشرية الرخيصة الجاثمة بين يديه بمجرد حركة واحدة من سبابته، منذ تلك الحادثة وهو يتمثل النمروذ في كل تصرفاته وأفعاله.

كيف لا يصبح القذافي نمروذ، وهو الذي تمكن، وفي غضون سنوات قليلة، من تجنيد ميليشيات ثورية لا تعصي له أمرا، ولو كان هذا الأمر متعلقا بقتل نفس، جرم من قتلها، كجرم من قتل الناس جميعا.

كيف لا يصير القائد نمروذ، وهو يغير اسم الدولة ونشيدها وعلمها ودستورها كما يغير جواربه.

كيف لا يصير نمروذ من استطاع أن يصفَّ أفراد شعب برمته، ولأول مرة في التاريخ، وعلى ظهر كل واحد منهم صُرَّة تحوي كل ما يملك من نقود، ليسلمها إلى خزائن النمروذ مقابل قصاصة من ورق.

كيف لا يصير نمروذ من يتقيأ بعض الكلمات صباحا، فإذا هي آيات تتلى مساء. أو يحلم ليلا، فيرى أضغاث أحلامه حقائق تسبق الشمس في طلوعها، وتبزها في سطوعها.

كيف لا يصير نمروذ من يقف أمام قادة الأرض، كل الأرض، فيسفِّه ما هم عليه، ثم لا يكون ردَّ فعلهم سوى نظرة ساخرة، أو بسمة ماكرة، لا تزيد النمروذ إلا تطاولا.

كيف لا يصير نمروذ من، ولأجل مجرد مساواة نسله النبيل، بالنسل السويسري الهزيل، أقام الدنيا ولم يقعدها، ثم لا يرى إلا رؤوسا منكسة تجاريه وتتجاوب معه.

من حقك، يا قذافي، بناء على ما سبق، أن تكون نمروذ.

بيد أن السؤال الملح الآن هو: ماذا لو انتصر القذافي في حربه هذه؟

لقد دخل القذافي هذه الحرب، وهو مسكون بالنفس النمروذية القذافية المتطورة، والتي لم تكتف بمجرد قدرتها على الإحياء والإماتة، كما هو حال النفس النمروذية القديمة، بل إنها، وكما يخيل إليها، النفس، تملك من القوة والتأثير المعنوي والمادي ما يجعلها تفعل ما عجز النمروذ القديم عن فعله، وهو تغيير النواميس الكونية، والإتيان بالشمس من المغرب، لا من المشرق كعادتها.

نمروذ العصر القذافي، يتحدى الآن السنن والنواميس الكونية، والتي من أبسط أبجدياتها خضوع كل شيء في هذا الكون لسطوة الزمن.

القذافي فقد القدرة على الإحساس بالزمن، لتجاهله الزمن، برغم ما خلفه الزمن على جسمه، وعلى كل شيء حوله.

القذافي فقد القدرة على الإحساس بما تفعله القوانين والمعادلات التاريخية والاجتماعية والسياسية، وتصور أنها هي الأخرى تجمهرت، ودخلت حظيرة جماهيريته، الثقب الأسود لكل كيان أخلاقي أو ديني أو اجتماعي.

القذافي صرح أخيرا بأنه ينتظر يوم القيامة، لا لحسابه أو عقابه، حاش لله، بل لإثبات أن الجماهيرية هي آخر المطاف، باعتبار أن ساحة الحشر، واكتظاظ الجماهير فيها، ما هي إلا الصورة الأخيرة لجماهيرية النمروذ القذافي، وما يوم القيامة إلا يوم القيامة الجماهيرية الذي ينتظره النمروذ، ليخطب الجماهير هناك.

قد يضحك البعضَ بعضُ الذي قلت، غير أن ما يبكينا جميعا، هو تأكيد القذافي في خطاباته الأخيرة، والتي يلقيها من وراء متاريس الحرب التي يشنها على شعبه، على نجاح نظام السلطة الشعبية، بل وعزمه على الاحتفال بعيده النمروذية الثانية بعد الأربعين التي تحين بعد أكثر من شهر بقليل.      

لو فعلها القذافي، واحتفل بما يحاربه شعبه عليه، لهو بحق في غاية النشوة من الكأس النمروذية المطورة، والحاملة لبراءة الاختراع" القذافي نمروذ العصر".

وعندها سوف يظن القذافي أنه قادر على الاتيان بالشمس من المغرب.

وعندها سيفاجئنا، ويفاجئ الناس أجمعين بما لم يكونوا يحتسبون أبدا.

محمد الشيباني
aa10zz100@yahoo.com

الاثنين، يوليو 25، 2011

رمتها بدائها وانسلت


رمتها بدائها وانسلتْ
ورمانا القذافي
بأدوائه وتعنَّتْ!

امرأة جاهلية الثقافة والتاريخ، وُصِمت بوصمة الإسقاط النفسي لعيوبها، وهو رمي الآخرين بما تفعل، وتنزيه وتبرئة نفسها من ذلك. ورغم مضي الزمان وتعاقب الدهور، إلا أن هذه الصفة المنكرة الذميمة التصقت بصاحبتها مدى العصور، بل أصبحت مثلا سائرا يردده الناس  حتى يوم الناس هذا.

المرأة الجاهلية أسقطت عيوبها وانسلت، وربما كان انسلالها وعدم تعنتها مما يحسب لها لا عليها، ذلك أنها لم تفعل بعد أن أسقطت عيوبها على الآخرين سوى الانسلال والانسحاب، ربما لبقية حياء في وجهها. ولكن صانع عصر الجماهير، وصاحب النظريات الأخلاقية، وحامل مفتاح خزائن صلاح البشرية وسعادتها، بدا أخس أخلاقا، وأسفه عقلا، وأحط ثقافة من تلك المرأة الجاهلية، وبدل أن يرمي الناس بأدوائه وينسل، رمى الناس وتعنت وتكبر وتغطرس وجهِلْ.

دأب طاغية وصعلوك جهنم، القذافي، طوال العقود يعطينا، نحن الليبيين بظهره، احتقارا وازدراء لنا، واستنقاصا  من شأننا، وفي الوقت نفسه ينبطح للآخرين على بطنه، ويتملقهم بذل ظاهر، ويبسط إليهم وجهه بخضوع سافر. فعل القذافي ذلك مع العرب، والعجم، والفرنجة، والأمريكان، وأخيرا، وليس آخرا، الأفريقان!

أكد السادات رئيس مصر الأسبق، أن القذافي وقَّع على بياض، راهنا مقدرات ليبيا كلها مقابل استرضاء السادات وقبوله ترهات القذافي وشطحاته الوحدوية في منتصف السبعينيات. وتكرر هذا التملق الرخيص مع رؤساء دول عربية، وربما غير عربية أخرى، وكأن إمكانيات ليبيا ومقدراتها ومصيرها ومستقبلها، بعض ما ورثه القذافي عن آبائه وأجداده.


لم ينقطع مسلسل الارتماء في أحضان الأجنبي والتنازل له، حيث ظهر ذلك صراحة في خطابات القذافي وتصرفاته المعروفة، كما لمسه كل من شارك أو اطلع على محاضر جلسات اللجان المشتركة التي تبرمها ليبيا مع الدول الأجنبية، حيث الطرف الليبي، وفي جميع الأحوال، هو الطرف المتنازل، بل ربما كان هو المتضرر.

تشرَّب هذه الثقافة، ثقافة التنازل دون مقابل، كل أو معظم المسئولين في نظام القذافي، وأصبح كل مسئول منهم يتجنب، وبحساسية مفرطة، عند مفاوضته الطرف الأجنبي، كل ما من شأنه أن يغضب الطرف الأجنبي، أو يجرح مشاعره الرهيفة، وذلك خوفا من أن يصل ذلك إلى القذافي فيعاقبه على ذلك أشد العقاب.

حدثني أحد المدراء بشركة الاستثمارات الخارجية، أنه ذات مرة كُلِّف بالتفاوض مع وزير غاني، وصادف أن أغضب مسار المفاوضات الوزير الغاني، فغضب وقرر الرحيل، فما كان من الحويج مدير هذه الشركة في تلك الآونة إلا أن وقَّع على ورقة بيضاء، وكلف الموظف المسئول بأن يحملها إلي الوزير الغاني في الفندق، وأن يعمل على استرضاء هذا الوزير بشتى الطرق، وفعل الموظف ما أراد الحويج، والذي بدوره فعل ما يريده سيده، القذافي. ورضي الجميع وسخط الشعب الليبي المغلوب على أمره.

مبالغ طائلة، في صورة قروض أقرضتها ليبيا لدول أجنبية، وأصول نقدية وعينية كثيرة أخرى، ضاعت هدرا، لا لشيء إلا لقناعة الجهات الخارجية المقترضة بأن الجانب الليبي إرادته مجروحة، وموقفه مهزوم، وذلك لما خبره هؤلاء من لعنة الخذلان، وطأطأة الرأس التي تلازم كل مفاوض جماهيري، يضع أمامه علم الجماهيرية العظمى التي آلت على نفسها، كما يصرح صانعها، بأن تكون بقرة حلوب، يردها كل عجول الأرض، وربما خنازيرها!

ألف طز وطز لأمريكا، أرهق بها القذافي أسماعنا، حتى أشفقنا على أمريكا من أن تغيبها هذه القنابل الطزية من على وجه الأرض. ثم تفاجئنا الأخبار، وبدون سابق إنذار، بتحول هذه القنابل الطزية إلى دغدغات حميمية، جعلت بوش الابن يخرج عن طوره، ويصرح بنعومة الجماهيرية حتى الشذوذ. وبدل أن يقوم القذافي بتدمير وحرق أسلحة الدمار الشامل في ليبيا، نزولا على رغبة بوش، وبالطريقة السهلة والبسيطة والاحترافية التي حرق بها القذافي الجبل الأخضر، قام القذافي، وبكل إتقان وعناية، وأناقة ودراية، وحمل المفاعل الذري الليبي، على ثقله وخطورته، قاطعا الصحاري والمحيطات، ليكون ذلك المفاعل بين يدي بوش، وفي الوقت الذي أراد، تماما كما حدث مع سليمان وبلقيس وعرشها. طبعا مع الفارق.        

هذه مقدمة لم آت فيها بجديد، وربما يعرفها كل ليبي له إلمام بما يحيك العقيد، وما دفعني إلى نفض التراب عن الأحداث التي ذكرت، سوى تلك الدموع المنسكبة ليل نهار، من عيني القائد وبنيه وزمرته الأشرار، طالبين رفع الضيم عنهم، وإيقاف حملة الناتو عليهم.

غريزيا نتفهم منهم ذلك؛ فما من ضعيف إلا ويستنجد بالآخرين، كي يرفعوا وطأة القوي عنه.

وغريزيا أيضا يجب أن يبرر القذافي صرخات وتأوهات ما يزيد على المليون ونصف المليون إنسان يقطنون بنغازي، ليس أمامهم، في تلك الليلة الليلاء، إلا البحر، أو مواجهة النحر.

هكذا كان حال سكان مدينة بنغازي، بعد أن طمأنهم ولي أمرهم، القائد، في ليلة السبت السوداء، ووعدهم بأنه سيكون رحيما بمدينة بنغازي، حبيبته، وأهلها، وبأنه سيقتلهم رميا بالرصاص الكبير القوي المستورد، رغم باهظ ثمنه وصعوبة الحصول عليه. مش خسارة.

والله لو كنت في بنغازي في تلك الليلة، ووقف إبليس اللعين عليَّ، ومد إليَّ يده لينقذني لشكرت له فعله. فكيف إذا أتاني إنسان مثلي، وبيده قرار دولي، تم تداوله في أعلى سلطة على وجه الأرض، وأغلق باب الجحيم الذي فتحه عليَّ ابن عمي وولي أمري.

أجل، يا قذافي، إنه الناتو، الجهة الأجنبية الوحيدة التي توفرت لنا في ذلك الوقت العصيب، ولو قمت وتكرمتَ، باعتبارك ولي أمرنا، ودللتنا على جهة أجنبية أخرى من تلك الجهات التي تعرفها وتتعامل معها السنين الطوال دون علمنا، وأشرت علينا بطلب الحماية منها، وصدِّ أرتال كتائبك ومرتزقتك المتحفزة، والتي تنتظر، وعلى أحر من الجمر، انتهائك من كلمتك الشهيرة المرعبة، لتلتقط كلمة السر المتضمنة،  وبوضوح، قتل كل من يتحرك. لو فعلت ذلك، لشكرنا لك حسن فعالك.
  
قال أطباء النفس الكثير فيمن يسقط عيوبه وجرائمه على الآخرين، وصنفوه في خانة المرضى وغير الأسوياء. ذلك أن ارتكاب الخطأ وتحميل الآخر به، بالإضافة إلى أنه جريمة مركبة شرعا وقانونا، فهو علة نفسية معقدة وخطيرة، تشمل ضمن ما تشمل الشك في الآخرين والريبة فيهم والتكبر عليهم، وغير ذلك من الأمراض النفسية الضارة.

تلك العلل اتصفت بهم المرأة الجاهلية البسيطة التي رمت من هم حولها بدائها وانسلت، أما أنت، ولأنك طاغية، فإن عيوبك أكثر وأعظم لأنك ترمي الناس بأدوائك وعيوبك ثم تتعنت.    

محمد الشيباني
aa10zz100@yahoo.com

 

الأحد، يوليو 24، 2011

ابشروا بتحقق الأمل، فالهكسوس ينعون هبل.

يوم  صنعوا  الصورة  العملاقة  للقذافي
ابشروا بتحقق الأمل، فالهكسوس ينعون هبل

أبشري مدينتي، طرابلس، فهذه الصورة العريضة الطويلة طول سنون الهكسوس السوداء الاثنين والأربعين، الثقيلة ثقل مقامهم المزعج المضني، المغرقة في الاستفزاز، الباعثة على التقزز والغثيان، لهي، وبكل تأكيد، آخر بصقة من بصقات هؤلاء الأغراب الغلاظ الجفاة المتخلفين على أديم أرضك الطاهرة، ميدان الشهداء. ذلك الميدان الذي احتله( صعلوك جهنم وهبلها) وجعله على مدى العقود الأربعة الماضية مكان تقيئه، وكنيف فضلاته وبصقاته القذرة، هو ومن حوله من عصابته ورهطه وتابعيه السفهاء الأنذال.

اعذريني مدينتي العزيزة الغالية إن خرجت عن اللياقة، وأنا أبدأ حديثي معك من أجل أن أصبرك وأعزيك في مصابك الجلل هذا، والمتمثل في أكبر وآخر بصقة من بصقات هؤلاء الهكسوس الأنجاس، صورة الطاغوت الأكبر، على أديمك الطاهر.

ما أخالك، مدينتي، ترفضين عذري، وأنت تلمحين علامات الغضب والأسى تغشاني وتغشى كل طرابلسي غيور متحضر، وهو يرى هذه العصابة الدخيلة على طرابلس وأهلها، تمارس آخر طقوس عبادتها لهبلها، معمر صعلوك جهنم، الذي أحضرته هذه العصابة قزما، ومنذ زمن بعيد من مكان قصي، اسمه جهنم، من هناك من بادية سرت، وألبسته أثواب التقديس والتأليه المزيفة، وبنت له معبدا في هذه المدينة الطيبة،  ليقوم الصعلوك بعد ذلك بتحصينه وتوسيعه، وليمارس فيه أبشع أضراب طقوس التأله، وأسوأ أصناف استعباد الناس واستغلالهم.

على حين غرة منا ومنك تسلل هذا العتل الأثيم، واستغل طيبتك، وسماحة أهلك الذين لم يغلقوا أبوابهم في وجهه، عندما كان يأتي إلى طرابلس خائفا، يتوجس حذرا من أن يغلب عليه تخلفه وجهله، فيفعل ما درج على فعله من أخطاء بيئته التي عجزت عن إيوائه وكفالته، فنكرها وذهب مغاضبا، ميمما وجهه الناضح خبثا وغدرا صوب المدينة، قبلته وحلمه، كما هي قبلة وحلم الكثيرين أمثاله.

تردد عليك هذا الصعلوك الآبق، ملتمسا في حارتك العتيقة، المدينة القديمة، مكانا يقيم فيه،  فكان دكان أحد الطرابلسيين، محمد، محطته الأولى.

لم تتردد طرابلس في إيواء أي بعيد غريب، بل لم يعرف الغربة في طرابلس أحد، ولم نكن نحن الطرابلسيين نأبه كثيرا للتعصب القبلي السخيف، الذين يطبلون له ويزمرون، ولو كان مجرد سؤال عابر.

غزا هؤلاء الأجلاف مدينتنا، وظلوا يمنون علينا بانتصار الخيمة على القصر، وانهالوا بعصيهم على كل معلم حضري، فهدموه وأقاموا مكانه هياكل حمقهم وجهلهم وتخلفهم.   
لم يكن ذلك الطرابلسي الطيب صاحب الدكان المتواضع بِناءً، الشامخ سماحة وعطاءً، يعلم أن ضيفه البدوي البسيط الزائغ العينين يخفي تحت إبطه خنجرا مسموما يتصيد به قلب طرابلس النابض بالحب، الدافق بالود.

غرس صعلوك جهنم خنجره في مقتل منك يا طرابلس، وشرع في تقطيع أوصالك، ومسخ كل ما وصلت إليه يده الآثمة المفسدة من ملامح وجهك الحيي البريء، ساعيا ما وسعه جهده إلى فقئ عينيك وطمس نورهما الذي طالما أرقه ورأى في سطوعه انفضاح أمره القبيح وسره الخبيث.

ولمّا لم يتم لهذا الطاغية ما أراد، وسقط عن عورته كل ستر، وبدا مفضوحا أمام الجميع، عمد إلى سلاحه الأخير، وهو التنكيل بالجميع، وتقتيل كل من أفسد عليه لعبته الآثمة، إغواء الجماهير.

افتضح أمر الطاغية أخيرا، وانطلقت ريحه العفنة، عندما انكشفت سوأته أمام الملأ، ورأوه جهارا نهارا، يهشم رؤوس فلذات كبدك، يا طرابلس، ويمزق أجسادهم بسكاكين نارية صنعت لقص الفولاذ، لا لتمزيق صدور الشباب الأوفياء الأفذاذ.

أبى أتباع هذا الطاغية المتأله إلا أن يختموا عهد معبودهم الآفل، وعصر استعمارهم واحتلالهم لمدينتنا، بهذا العمل المشين المقزز، حيث أوحى إليهم شيطانهم بصنع هذه الصورة الطاغوتية لكبيرهم"هبل"، وأن يطرحوها أرضا، فيجربوا عبادة الطاغية مستلقيا، بعدما عبدوه واقفا السنين الطوال.

تفتق ذهن الهكسوس السفيه عن آخر إبداعاتهم، بل حماقاتهم المضحكة المبكية، فطرحوا هذه الصورة العملاقة أرضا، وقد ألبسوا الطاغية صاحبها لباس التعجرف والزهو والخيلاء، كما وحجبوا عينيه المنطفئتين وزادوهما ظلمة على ظلمتهما، وكأنهم يرقدانه رقدته الأخيرة.

تُرى كيف ينظر الطرابلسيون الأنقياء الأبرياء إلى صورة القذافي الطويلة المتحدية المستفزة، وهم يعلمون أن صاحب هذه الصورة، هو من هشم رؤوس أبنائهم الشباب، ومزق صدورهم برصاص لم يصمم ليجرح أو يقتل قتلا رحيما، بل صمم ليمزق الفولاذ ويثقب الخرسانات ويفرم الأجساد الآدمية إذا ما صادفها خطًأً، لا ترصدا وعمدا، كما يفعل أنصار هبل في شوارع طرابلس المغتصبة.

إنكم بهذا العمل الأحمق، أيها الهكسوس، إنما تعرضون على أهل الأرض والسماء الفصل الأخير من ملحمة العار الطويلة التي فاضت فصولها الممتدة بأبشع فنون العبادة لطاغية متأله، جاء هذا الفصل الأخير على الحال الذي عرضتم، وهو قيامكم، طائعين لا مكرهين، بإلقاء جثة معبودكم النتنة على الزفت، وتوجيهه وجهة الأموات، لتعلنوا، مختارين لا مكرهين، نهاية الطاغوت.

أجل. إن لله في نهاية الطغاة سنن، يندهش العقل أمامها ويحار. فقد حار العقل في نهاية النمروذ، واندهش وتعجب أمام نهاية فرعون، وها هو يقف متعجبا أمام بروفة نهاية طاغية ليبيا، القذافي، وهو يرى أنصاره لا أعداءه، يأتون بصورته المجسدة لجبروته وطغيانه، وكأطول وأعظم ما تكون، ثم لا يضعونها واقفة منتصبة كما هو ديدنهم وديدنها خلال السنين، بل طرحوها أرضا، ومسحوا رأس الطاغية المتأله بزفت الطريق وما التصق به من فضلات الإنسان والحيوان.      

أجل إن لله في نهاية الطغاة سنن. 

محمد الشيباني
24/7/2011

السبت، يوليو 23، 2011

إلى معمر القذافي: أما وقد ذكرت يوم القيامة!




أنا المواطن الليبي الجنسية، المسلم الديانة، ذو صحيفة جنائية بيضاء، ليس لي أي عداوة مع أحد، وليس لي أو علي أي دين أو ثأر مع أي كان.
لا أخاف إلا من الذي لا يذكر ولا يخاف يوم الحساب.
قضيت جل عمري أخافك، وأخاف من الذين جعلتني أخافهم من أعضاء أجهزتك الأمنية والثورية ومحبيك ومريديك والمتعصبين لك والمدعين قرابتك والراكنين إليك المتكلمين بما تتكلم به، المقلدين لك في كل شيء المعتزين بإثمك وإثمهم، المركضين الناس بعصاك.
كنت أخافك وأخافهم لا لشيء إلا لأنك وإياهم دأبتم مدى العقود الطوال، تحاسبون ولا تحاسبون، وتعاقبون ولا تعاقبون، ولا يوم القيامة، ولو همسا، تذكرون.  
أما وقد ذكرت يوم القيامة، فقد أشعرتني بأنك على استعداد أن تحاسب، وكذا كل من عمل معك ولأجلك.
إنك وبمجرد ذكرك ليوم القيامة وقبولك الجلوس للحساب، ألقيت إلينا بكتيب الشفرة السرية لكل كلمة ذكرت وكل فعل فعلت، أسررت بذلك أو أعلنت.
أستطيع الآن أن أتحدث معك، وبمقدوري تفسير وفهم تلك القوائم الطويلة من طلاسم الكلمات التي أمطرتنا بها السنين الطوال، فقبلناها وفهمناها كما أردت، لا كما نعرفها ويعرفها الناس لغة ومصطلحا.
وبرغم أن كلماتك جبال وقيزان رمال، وأفعالك كثيرات ممتدات ثقال، وأيام حكمك سود طوال، وحسابك يشق على آلاف الرجال، فإن لحسابك نكهة تفوق الخيال. كيف لا وأنت عميد من تبقى من طغاة الزمان.

 ولأنك من ذوي السوابق الكثيرات المتراكمات، فلا مناص من اللجوء إلى العينات. وبذا سوف سنقتصر في هذه الجلسة على أول كلمة لنا وجهت،  وبها صلت وجلت، وأغريت وأرهبت، وبشريعتها حكمت، ألا وهي كلمة ثورة. كما أننا سوف نقتصر على اليوم الأول فقط من أيامك الخمسة عشر ألفا أو يزيدون.
كتيب الشفرة الذي ألقيته إلينا يؤكد لنا أن كلمة ثورة كلمة عربية، وأن معناها متوفر في القواميس، لغة، واصطلاحا، والتي تعني ضمن ما تعني ما يلي:
ــ تغيير النظام السائد لفساده، وإقامة نظام صالح بدلا منه.
ــ لا تعني استبدال اسم نظام باسم نظام آخر، جمهوري مثلا، بل تعني إقامة نظام ديمقراطي، ولو كان ملكيا.
ــ لا تعني الثورة شطب النظام السابق وتشويه سمعته دون منحه حق الدفاع عن نفسه، ومحاكمة أعضائه محاكمة عادلة.
ــ حالة ومدة الثورة مؤقتة كما هو معلوم وهو محدد بنجاحها.
ــ نجحت الثورة الليبية في يوم قيامها بتنازل ممثل النظام السابق عن الحكم في ظهيرة ذلك اليوم. وكان عليك في مساء ذلك اليوم العودة لسابق عملك ملازما بالجيش الليبي، وكذا من شاركك هذا العمل، وتترك للشعب اختيار من يحكمه، ولكنك لم تفعل.
ــ لا تعطيك الثورة حق الكسب المعنوي بإظهار اسمك والترويج للعمل الذي فعلت، بتسيير المسيرات وإلقاء الخطب، وحتى تمثيل البلاد، ذلك أنك مجرد رجل إطفاء حريق، يؤدي عمله ويعود إلى مكتبه.
وإذا أضفنا إلى هذا كله خروجك بطريقة عنيفة على ولي الأمر الذي أقسمت بالله على طاعته وحمايته وعدم خيانته. كما قمت بالتشهير به وتأليب الرأي العام عليه وعدم منحه الفرصة في الدفاع عن نفسه، ثم أتبعت ذلك بتنصيب نفسك حاكما دون تحديد فترة زمنية لذلك، ووقعت مراسيم وأصدرت أوامر خطيرة، ولمّا تغرب شمس اليوم الأول لثورتك.
ــ  ألم تفعل كل ذلك؟
ــ  بلى فعلت.
كل الذي ذكرنا يتعلق بالكلمة الأولى، واليوم الأول من أيامك فقط. وإذا أردنا الخلوص إلى نتيجة سهلة سريعة، وجردة حساب هي بالتأكيد لصالحك، نقوم بضرب مخالفات اليوم الأول في عدد أيام بقائك عل هذا الحال، حاكما دون تخويل من أحد، فستتضاعف هذه التهم والجرائم خمسة عشر ألف مرة فقط لا غير.
ــ هل تقبل ذلك؟
ــ أمممم..............
أعلم أنك لن تقبل، وتريدني أن أعد كلماتك كلمة كلمة، وأحصي أيامك يوما يوما، وهو ما لا يتأتى إلا يوم القيامة، كما تعلم. غير أن العينات تحل ما أشكل من معضلات، فاستمع لما هو آت، وما ارتكبته في أيامك الخاليات:
ــ يوم إعلان السلطة الشعبية وتعطيل القوانين وتكميم الأفواه وسجن أصحاب الرأي المخالف.
ــ يوم إعلان الجماهيرية التي وحتى هذه الساعة لا يفهمها أحد سواك.
ــ يوم إصدار الفصل الأول من الكتاب الأخضر وفرضه بقوة الثورة.
ــ يوم إصدار الفصل الثاني من الكتاب الأخضر، وتنفيذه بشريعة الثورة.
ــ يوم إصدار الفصل الثالث من الكتاب الأخضر، وتمريره ببروبوغاندا الثورة.
ــ يوم سبعة أبريل الأول عام ستة وسبعين، وأيام ذكراه التالية الثلاثون أو يزيدون.
ــ يوم توريط الليبيين في قتال المصريين.
ــ يوم اغتصاب أموال الناس ومصانعهم ومحالهم، فيما يعرف بثورة المنتجين سيئة الصيت.
ــ يوم الزج بالمواطنين الغافلين في حرب أوغندا وإلقائهم طعاما للتماسيح.
ــ الأيام العديدة التي قامت فيها عصاباتك ولجان الموت بتنفيذ حكمك بإعدام بمواطنين لبوا نداء ربهم بالهجرة درءا لشرِّك، وهروبا من جحيمك.
ــ يوم سحب العملة، مخزن ثروة الناس، بالكامل وإفقار الناس في ليلة واحدة، وجعلهم يتسولون.
ــ يوم فضحنا على أعين الناس وقيام إحدى لجان قتلك الغبية بقتل الشرطية البريطانية، لينتصب في ذلك المكان، جيمس سكويير بوسط لندن، وإلى يوم القيامة، تذكار عار ولعنة على بلد اسمها ليبيا قتل حاكمها، ومن على بعد آلاف الأميال، شرطية أنثى.
ــ أيام إعدامك لمعارضيك شنقا وعلى الملأ.
ــ يوم التدخل العسكري في تشاد، وما فرخ من سنوات سود عجاف.
ــ يوم تورطك في لوكربي.
ــ يوم تورطك في الطائرة الفرنسية.
ــ يوم تعريضنا للقصف الأمريكي.
ــ يوم تجريمك بلوكربي، وإجبارنا على دفع ثمن أخطائك وجرائمك، وما نتج عن ذلك من أعوام حصار مشئومة، ودفع لدية قتلاك من قوتنا ودوائنا.
ــ ضحى ذلك اليوم المشهود، وذبحك المئات وهم قعود، فإذا غياهب المجهول لهم قبور ولحود، وأرض وسماء بو سليم عليك شهود.
ــ ................
ــ  ...............
ــ ...............الخ

أما يوم السابع عشر من فبراير، فلا أستطيع أن أضمنه قائمة أيامك السابقة، لا لشيء إلا لأنه كان يوم قيامتك وحسابك.

فأي قيامة، يا هذا، تنتظر؟

 محمد الشيباني
  aa10zz100@yahoo.com


            

الخميس، يوليو 21، 2011

دوار صعلوك جهنم


دوار صعلوك جهنم

حِلمُ الله، ووساوس إبليس وتلبيساته، وخمر الشباب، وضربات الحظ، ونفاق الأقارب والأصحاب، ودهاء ومكر الأغراب، وفتنة المال والولد، وهرمون الكبر منفلت الصمام، وبساطة وبراءة وسذاجة الليبيين، وربما أشياء أخرى لا أعرفها، شكلت جميعها خيوطا نسجت للقذافي أرجوحة احتضنته وهو في مقتبل العمر، عندما كان قادما للتو من بادية سرت، وغبار رمال قريته"جهنم" لم يزل عالقا ببزته وحذائه العسكري الخشن.

مَن ذا يتوقع ممن قضى ثلاثة أرباع عمره متأرجحا في أرجوحة كهذه أن لا يصاب بدوار يقلب الدنيا أمامه رأسا على عقب، فيرى الأبيض أسود، والخير شر، والظلم عدل، والاستبداد تحررا وانعتاقا، بل ربما يطال هذا الدوار جينة صاحبه، فيحدث فيها تغييرات جوهرية، تجعل من كيانه الإنساني كيانا آخر غريبا.


وإذا كان أهم الأعراض الفسيولوجية للمصاب بالدوار، أي دوار، هو ظهوره على حالة غير سوية في مظهره وحركته، ونظرته، وكلامه؛ فإن صعلوك جهنم، القذافي، ومنذ أن ابتلعه هذا الدوار، لم يره الناس على حال سوية أبدا.  


أدمن صعلوك جهنم التقيؤ، أحد أهم أعراض مريض الدوار، وإن كان هذا التقيؤ في صورته اللفظية الكلامية، إلا أنه أشد وطأة على المستمع، وأدعى لتقززه من سماع سعال وجشاء المتقيء المصاب بالدوار العادي، ورؤية ما يقذفه من فيه.

 كان صعلوكنا القرصان يتأرجح أمامنا في كل اتجاه، عابثا بدفة السفينة التي نركبها جميعا، ولم يستطع أي منا الاقتراب منه وإيقافه عن عبثه، وذلك لما استحوذ عليه هذا القرصان من أسلحتنا المعنوية والمادية.

وبلغ هذا الدوار صورته الكاملة وعنفوانه الأقصى عندما عمد إلى المعنى المعجمي لاسم صعلوك جهنم، معمر، فنسخ معناه القديم المعروف، وقلبه إلى معنى آخر معاكسا تماما لمعناه الأول، فصار المعمر مدمرا، واكتملت بهذه الخطوة كل ملامح هذا الدوار ومعالمه المرعبة.


وضعت ليبيا حسب التصنيف الإلهي الرحيم ضمن منطقة الكوارث، وذلك بسبب خضوعها لسيطرة صعلوك جهنم، ولعبت بركة الله وعنايته دورا كبيرا في إنقاذنا من مخططات مهلكة كثيرة خطرت على بال هذا الصعلوك الذي حاول مرات عديدة الزج بنا، وتعريضنا لكوارث خطيرة جدا، كان للطف الله وسلبية الليبيين الإيجابية أثرا واضحا في تلافي هذه الكوارث والنجاة من هولها.
         

مللنا هذه السلبية، ونحن نرى العالم من حولنا يتغير ويتطور سريعا، وحسبنا أن القرصان قد أوهنته شيخوخته، وطالبنا بأن نكون كجيراننا شرقا وغربا، ننعم بالحد الأدنى من وجبة الديمقراطية التي يشترطها خبراء الصحة الحضارية، ويعتبرونها الخطوة الأولى على طريق بناء أنفسنا حضاريا، غير أن القرصان وإن أوهنته شيخوخته، إلا أن مفعول دوار صعلوك جهنم الذي أصابه منذ عقود طويلة لا زال مسيطرا عليه، قالبا في عقله وعينيه كل شيء، ولدرجة جعلته يرى ستة ملايين ليبي يقولون له سئمناك ارحل، كعددهم جرذانا.

 حاضن فيروس دوار صعلوك جهنم يعيش الآن أخطر مراحل حياته، وذلك بتمكنه من تنشيط هذا الفيروس وتطويعه حتى أصبح معديا لأعداد كثيرة من الناس الداعمين للقرصان الذي يدفع السفينة الليبية ومن فيها نحو منطقة أعاصير سوف تجعل من السفينة أثرا بعد عين. لا قدر الله.

أوقفوا القرصان، صعلوك جهنم.

قوا أنفسكم وأهليكم فيروس دوار صعلوك جهنم.

محمد الشيباني
  aa10zz100@yahoo.com

الأربعاء، يوليو 20، 2011

مرة أخرى. لماذا لم يسقط القذافي؟


كرة الطغيان القذافي .. قشرة مستفيدة ظاهرة، وكثرة محشوة خاسرة

حاولت في مقالة سابقة تجدونها بهذه المدونة، بعنوان: لماذا لم يسقط القذافي بعد؟ أن أورد أكثر من مائة عورة من عورات القائد المفضوح، وهي عورات تكفي واحدة منها فقط لإسقاط رئيس ديمقراطي لأي من الدول الثماني الكبار، إذا ما صادف وارتكبها هذا الرئيس.

هناك يسقط الرئيس، إذا لمح أيٌّ من الناس سوأة فيه، تماثل إحدى  السوءات الكثيرة التي نعرفها كلنا عن القذافي، والتي بلغت من التواتر درجة اليقين.

القذافي يرتكب الموبقات المهلكات، ولكنه لم يسقط. تُرى ما هو السبب؟

هذا السؤال يحتمل ثلاث إجابات هي:

ــ  قدرة القذافي الخارقة على تغطية عوراته، رغم عظمها وكثرتها.
ــ وجود القذافي في مجال خارج المدى الحضاري الذي تعمل فيه النواميس الحضارية، والقوانين والمعادلات الاجتماعية والسياسية المعروفة.  
ــ توفر قطع الخرق الرخيصة التي يتستر بها القذافي، ويواري بها عوراته وفضائحه.   

ولنبدأ بما هو طريف، وهو أن يكون للقذافي قدرة خارقة، السحر مثلا.
هذا وارد، وقد أكدته بعض الشواهد التي أثبتت تعامل القائد مع السحر والسحرة. بيد أن السحر، وكما هو معروف، ليس بتلك القوة التي تجعل الأسود أبيض أو العكس، وفي وضح النهار. ولو كان الأمر بهذه السهولة، لاستعمل رؤساء الدول المتقدمة تقنية السحر الخارقة هذه لاتقاء كشف عوراتهم، ولتحاشوا بذلك فضائح كثيرة، يقعون فيها من حين لآخر، والتي يعاقبون عنها سياسيا حتى الاستقالة، وجنائيا حتى السجن المؤبد أو الموت.

أما من حيث وجود القذافي في مجال بعيد عن مجالات الدنيا والناس في جزيرته المنفصلة، ليبيا، فهو حقيقة، وهو أمر دأب القذافي على تأكيده، والتصريح به حتى وهو يغرغر في أيامه الأخيرة هذه، طالبا من الآخرين عدم التدخل، وكأن ليبيا إقطاعية أهداها له أجداده الفاتحون، كما هو يخطط الآن لتوريث أبنائه الذين ينتشرون بكتائبهم في أرجاء ليبيا لتأكيد أحقبتهم في أرض الأجداد.

وربما كانت الإجابة الثالثة، وهي قدرة القذافي على تغطية عوراته، هي الإجابة المعبرة عن الحقيقة المؤسفة. ذلك أن الخِرَق التي يغطي بها القذافي سوأته إنما اقتطعها اللئيم، ترغيبا وترهيبا،  من الكيان المعنوي المقدس لمواطنيه، كرامتهم وشرفهم، وأداته في هذا مكر الليل والنهار الذي دأب عليه القذافي وأتقنه، هو ومن حوله الذين بايعوه على جنة ليبيا، وجهنم الآخرة.

ولكن مهلا. ها أنا ذا المواطن البسيط لم يثنني مكر القذافي الليلي والنهاري ولؤمه عن رؤية عوراته، والتي ظهرت لي واضحة منذ سنوات طويلة مضت، وحدثت بها من هم حولي، فوجدت الكثير منهم، رأى الذي رأيت من عورات ظاهرات، وحدَّث بالذي رأى كما حدثت، ولكن بدل أن يسقط القائد، حدث العكس، وأخذ القائد يتشامخ ويتعالى ويخلع على نفسه الأسماء والألقاب العظيمة التي تعني المعنى المعاكس تماما لما هو عليه من صور حقيقية نراه بها.

وبرغم انغمار القائد حتى أنفه في مستنقع الفضائح والعورات والسوءات العقود الطوال، غير أنه لم يعاقب من قبل المتضرر الأول، وهو شعبه، قبل انتفاضة فبراير، لا سياسيا ولا جنائيا. وحتى بعد هذه الانتفاضة المتأخرة، لا زال القائد يتعرى ويعرض سواءاته وعوراته الفاضحة على الملأ دون اكثرات.

لم يعد هناك شيء، في العالم الذي نشاهد، يمنع القذافي من السقوط، سوى ما يتكأ عليه القذافي المتهاوي في مستنقعه من أدران وطحالب، والذين في مجملهم ممن يستملحون القبيح، بمقابل وبدون مقابل.

حقا. إنها جريمة كبرى أن يستحسن المرء ما يُجمع الآخرون على استنكاره. غير أن الجريمة الأكبر منها، هو أن ينتهز حاكم ما براءة وبساطة وحاجة من يحكم؛ فيغريهم، أو يجبرهم، ولدرجة تجعلهم  يستملحون السيئ القبيح، ويستقبحون الحسن المليح. وهي جريمة وقعت بالفعل في ليبيا، ودليل وقوعها هو وجود ضحاياها المتناثرة أشلاؤهم تحت أقدام ولي أمرهم السفيه.

وحيث أن أكثر المتهمين شبهة بارتكاب جريمة ما، هو أكثرهم استفادة من وقوعها، فليس هناك من شك في أن القذافي هو المستفيد الأكبر من تجهيل الليبيين والتغرير بهم، وهو عمل خبيث قديم يطوره القذافي ويقوم باستثماره في هذه المحنة التي يمر بها الليبيون. وهذه بحق أكبرعورات القذافي، بل هي أم عوراته. ذلك أن تسخير كل إمكانيات الدولة لإغواء الناس، وشراء ذممهم، ترغيبا أو ترهيبا، ولدرجة تجعلهم يرون الأسود أبيض، والخير شرا، والقذافي الأخرق السفيه، ولي أمر رشيد، لا يحق الخروج عليه ورده عن غيه، لهي حقا جريمة العصر.   

ولكن هل حقا فعل القذافي هذه الجريمة الشنعاء، وحاول استمالة الناس، وترغيبهم وترهيبهم لمقاتلة بعضهم بعضا؟

أجل. بل إن هذا العمل الخبيث كان ديدن القذافي منذ اغتصابه السلطة، وكنا لبعض سذاجتنا نري بساطة القذافي في سنوات حكمه الأولى، وزيارته للطلبة، مثلا، في كلياتهم، وحتى في أمكنة إقامتهم، تواضعا منه، وتقربا إلى رعيته، ووقع هذا في قلوب بعضنا موقعا حسنا.

طلبة بسطاء جدا، أعرفهم بالاسم، في السنوات الأولى من الجامعة، في أوائل السبعينات، تفاجئوا بطلب القذافي شخصيا للاجتماع به، حيث سألهم أسئلة تعجبوا منها في حينه، من مثل ماذا تعرف عن فلان وعلان من زملائهم الآخرين. وبهذه الطريقة تمكن القذافي مبكرا من استمالة بعض الطلبة حتى أصبحوا من خلصائه. ثم دأب على هذا النحو في جمع المؤيدين له، مع إجراء ما يلزم من تطويرات على أساليبه وفق ما تقتضيه ظروف كل مرحلة من مراحل حكمه الطويلة، والتي ربما آخرها هذه المرحلة، والتي، ورغم امتداد الدهر وشيخوخة القائد، لم ينس القذافي خلالها قديم وخبيث عاداته في جمع المؤيدين المغفلين، وإن استبدل التقنية القديمة بأخرى جديدة، من مثل الانتماء القبلي، والصمود في وجه الصليب، والتعفف عن خيانة الحاكم، وغير ذلك.

خلاصة القول أن ما فعله القذافي من إغواء للناس، هو الذي ساعده فيما مضى، ويساعده الآن على إخفاء عوراته الكثيرة القبيحة.

ولعله من المضحك المبكي أن القليل جدا من تلك الكثرة المؤيدة هم من دفع لهم القذافي مقابل موقفهم، وهم الذين يحملون الآن رتبة قواد مضلل، ونرى عينة منهم في أجهزة إعلام القذافي، بينما الكثرة الكاثرة هم مجرد ضحايا عدوى تفشي مرض الموالاة الغبية، وبدون مقابل، رغم ما يدفعونه من عزيز كرامتهم، وثمين أوقاتهم، وأحيانا يخسرون دينهم وأرواحهم.

إن هذه القلة المتورطة هي قشرة كرة الطغيان القذافي، هم أنفسهم الذين لم يتورعوا يوما عن فعل أقبح القبائح وأكبر الكبائر، قتل النفس البريئة مثلا، وهم الذين لا يمكن إزالة الورم القذافي دون كشطهم معه.     

أما حشو هذه الكرة، فهم شريحة الإمعات الأكثر عددا والأكثر خسارة، وهي نفسها تلك الطائفة التي كانت تتسابق طيلة السنوات الماضية في الخروج في مسيرات دأب على تنظيمها القذافي، كما أنها هي نفسها التي كانت تواظب، وبدون إلزام ملحوظ، على حضور المؤتمرات الشعبية الهزلية. وهي نفسها التي تتملق الثوريين وأزلام النظام، وبدون تحرج، برغم ما يعرفون عنهم من أعمال مشينة وسمعة سيئة. وهي طائفة من طوائف المجتمع تفرزها الحالة الثقافية وتحدد درجتها.

  محمد الشيباني
aa10zz100@yahoo.com