الاثنين، أكتوبر 31، 2011

أكمل القذافي الدائرة


أكمل القذافي الدائرة، وعاد إلى جهنم صعلوكا كما جاء منها!

إنه الإيقاع الدائري لكل شيء؛ فالأرض دائرية وتدمن الدوران، ورحلة التاريخ الطويلة، وما تحمله من أحداث جسيمة هي أيضا ذات إيقاع دائري، حيث نراها تعيد نفسها من حين لآخر، كما أن الحياة كلها، وربما الكون برمته يعزف سيمفونية الدوران البليغة تلك، خاضعا ومنسجما ومتناغما مع الأمر الإلهي المقدس"منها خلقناكم وفيها نعيدكم، ومنها نخرجكم تارة أخرى" .. وكذلك " كما بدأنا أول خلق نعيده".

إن معمر القذافي وما حدث له، لا يبعث على الشماتة فيه، بالقدر الذي يدعو إلى الإشفاق عليه، والذهول مما حدث له، وكذا الاتعاظ بما آل إليه.

في مثل هذه الأوقات من عام مضى كان كل شيء في ليبيا مسكونا بهاجس مخلوق من مخلوقات الأرض، اسمه معمر القذافي.

دأب القذافي على طمس حقيقة انتمائه للأرض وتركيبته الطينية في أذهان الناس، وأجبرهم، إكراها أو إغراء، على نزع وحدة المعالجة المنطقية الفطرية المغروسة في عقولهم، واستبدالها بأخرى مزيفة ذات انحراف واختلال كبير، مما أدى إلى قلب ما لديهم من موازين، حتى بات البعض منهم يحسبون أن معمر القذافي هو كائن سماوي، وربما نصف إله.

هكذا كان الحال منذ أقل من عام، أو على الأقل هكذا أراد أن يظهر ذلك الكائن الأرضي البشري المتأله في عيون وأذهان من هم حوله.

وفجأة وبدون مقدمات انتفض ذلك الطين البشري الذي كذب على نفسه وعلى الناس، وارتعش رعشته الأخيرة، ثم تحلل وذاب وتسرب وغاب في طيات التراب الذي جاء منه.

أجل، فبعد أن ظل ذلك الهرم الطيني المتورم صامدا العقود الطوال، سقط سقوطا مدويا، امتدت موجاته الزلزالية حتى طالت كل الصروح الطينية المتورمة الشبيهة به، فسقطت كلها، أو كادت.

في لحظة السقوط تلك، واجه القذافي حقيقته، ووقف، ولأول مرة في حياته، أمام مرآة مصقولة شفافة، وبدا وكأنه لم يكن يملك بلدا، بما فيها وما عليها، ويحكمها وحده أربعين عاما وزيادة.


إن أهم ما يوحي به مشهد سقوط القذافي هو إكماله، مجبرا أو مختارا، الدورة التي بدأها من قريته جهنم، وعلى نفس حالة الصعلكة التي كان عليها إبان خروجه من قريته قبل نصف قرن.

إلى جانب هذه الصورة البؤرية، حوى المشهد البانورامي المريع صورا أخرى ذات دلالات بليغة، ومشاهد دائرية واضحة، نذكر منها ما يلي:

1ــ عودة معمر إلى قريته وحيدا كما تركها وحيدا، تاركا وراءه كل ما بناه من جيش وعناصر أمن وعناصر ثورية وغيرهم، والذين ربما يفوق عددهم المائة ألف أو يزيدون. كما ترك قلاعه وأبراجه ليقيم في سكن بدائي بسيط قريب الشبه من السكن الذي بدأ منه رحلته.

2ــ رجوعه وحيدا دون أبنائه الأثيرين إليه، هانيبال وإخوته، وسائر أفراد العائلة الملكية سامية المكانة والجناب، وكأنه لم يكن يوما أبا وصاحب عائلة، وهو نفس الحال الذي كان عليه يوم ظعنه قاصدا بيت العائلة الذي بناه بمشاعره وحطمه بمعاوله.

3ــ لم تحتو مخلاته المغبرَّة على دينار ولا دولار، رغم ما كان يملكه منها من مليارات، وكأن هذه المخلاة أرادت أن ترسم بغبارها القوس الأخير من دائرة بطر النعمة وإهدار مال الله، وهو فعل  مارسه القذافي دون رادع من رب أو حذر من قانون.

4ــ وقوفه فردا أمام محكمة سريعة أعدتها له الأقدار، حيث اعترف أمامها ضمنا بأنه كان قاتلا، وأنه بهذا يستحق القتل قصاصا، وهو حكم إلهي عادل تم تنفيذه في الحال، ليكمل هذا الحكم دائرة المحاكم السريعة التي تفنن فيها القذافي، والتي لم تكن تعطي للضحية حتى فرصة التعرف على الجرم الذي قام عليه الإعدام.

5ــ نتج عن السقوط الشخصي للقذافي وفنائه المادي السريع، سقوط كل ما شيده من أنظمة معنوية ومادية، وليبرهن هذا المشهد على أن كل ما فعله القذافي كان باطلا، وكأنه لم يكن، وبأن كل رحلته ما هي إلا دائرة بدأت من عدم، وانتهت إلى عدم.

6ــ أراه الله لون الدم وأذاقه طعمه، ذلك الدم الذي كثيرا ما استخدم لونه ومذاقه في إرهاب كل من طالته يده القاسية المغموسة في دماء المغدورين، وليرسم دمه المراق على التراب آخر حلقة من دائرة نهر الدماء التي أجراها القذافي السنين الطوال.

7ــ أحاطه الله عند موته بهرج ومرج ينخلع له القلب، وكأن القدر الحكيم أراد أن يذيقه في تلك الثواني القليلة ما كان يصنعه من هرج ومرج لتمرير وتنفيذ مكره وغدره. ألم يدأب على جمع الناس ليصرخوا مطالبين بتصفية معارضيه، جاعلا من صراخ هؤلاء وضجيجهم بمثابة موافقتهم وتأييدهم له على ما يفعل.  كما جمع آخرين ليصرخوا فوق رؤوس المقتولين ظلما ساعة تنفيذ حكم الإعدام فيهم، وهو مشهد اختزلته لحظ إعدامه على أيد الثوار الغاضبين.

8ــ شاء الله أن يمزق الرصاص جبينه وذؤابة هامته التي أدمن إعلائها كبرا وتفاخرا واستعلاء، لتعود هذه الهامة إلى حجمها الطبيعي ومكانها الأول كهامة رجل بدوي فقير بسيط ليس إلا. ذلك أن معمر لم يكن عالما أو فنانا أو شاعرا أو رياضيا مرموقا أو صاحب وجاهة وثراء.


9ــ صب الله في قلبه كل الرعب الذي أسكنه قلوب من طاردهم وأرعبهم، ولشدة رعبه لم يكن يدرك ما يقول، بل وربما عند تلك اللحظة تم تصفير مخزون ذاكرته الرهيب، حتى أنه لم يعرف ماذا يجري حوله، ولم يميز بين من هم معه ومن هم ضده، وهو ما يعني رجوع ذاكرته إلى الصفر الذهني الذي كانت عليه ساعة مغادرته قريته منذ عقود.

10ــ أذل الله أتباعه واستأصلهم من جذورهم، تماما كما كانوا يقتلعون الناس من جذورهم وأوطانهم وأهليهم، عندما كانوا ينفذون تلك السياسات الثورية الاستئصالية القاسية، والتي لقسوتها طالت حتى الأبرياء من أطفال ونساء. كما شتت الله مناصريه في أصقاع الأرض، وكأنهم بهذا يكملون الفصل الأخير من مسرحية تهجير الناس التي تمنى فيها القذافي على الليبيين ترك بلادهم واللجوء إلى بلدان أخرى.

11ــ قال لمن حوله مستجديا: حرام عليكم، وهي حالة من الضعف والاستسلام رجعت بذاكرته إلى الوراء العقود الطوال عندما كان بشرا عاديا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وينشد مساعدة الآخرين ويحذر بأسهم.

  
12ــ أسكنه الله قبرا منسيا كما فعل هو بالكثيرين من ضحاياه الذين صفاهم واستأصل كل أثر لهم، وليرسم ذلك القبر المنسي آخر محطة من محطات دائرة النسيان المرعب المخيف، والتي جمع القذافي كل مفاتيحها وأخفاها جميعها معه في ذلك القبر المنسي المجهول.

حقا إنه مشهد يبعث على الشفقة والعظة والعبرة أكثر مما يبعث على أي شيء آخر.

فهل من متعظ.

محمد الشيباني

الاثنين، أكتوبر 17، 2011

نيران شقيقة


                        نيران شقيقة

النار الشقيقة في ليبيا هذه الأيام نيرانان؛ نيران خشنة ساخنة، تضطرم وتتأجج بالبارود، وتقذف حمما من رصاص وشظايا.

وأخرى نار ناعمة، ولكنها أشد وأكثر ضررا من الأولى، وقودها شح الثقة في الآخر الشقيق رفيق السلاح، ومقذوفاتها كلمات وتصريحات نارية حادة، وتكتلات شللية ضيقة، وممارسات قبلية عصبية، ووصاية وتسلط، وربما نكوص وعودة إلى ارتكاب المعاصي ونكران نعمة الرب الذي نصرنا، وغير ذلك من أفعال سيئة.

لم نعان بفضل الله من النيران الشقيقة الخشنة، باستثناء ما نعانيه الآن من نزق بعض مطلقي الرصاص في الهواء، والذين لم تفلح معهم تحذيرات المسئولين ولا فتاوى المفتين في الإقلاع عن سلوكهم القاتل.

حدثني بعض المختصين بأن سرعة الرصاصة وهي ترتطم بالأرض بعد بلوغها أقصى مدى في السماء، يكاد يساوي سرعتها وهي منطلقة من البندقية تجاه هدفها المقصود.

في مدينة آهلة مزدحمة، كطرابلس، تزداد درجة احتمال مصادفة الرصاصة الساقطة جسم إنسان ما، بل ربما بلغت هذه الدرجة حدا بات من الضروري معه على كل من يتوخى السلامة ارتداء واق من الرصاص وخوذة ميدان!

القصص الكثيرة التي نسمعها عن ضحايا النيران الشقيقة، المتمثلة في الرصاص المتساقط، بلغت حد التواتر، ولدرجة جعلتني شخصيا أعزف عن المشاوير غير الضرورية، تجنبا لموتة غير مشرفة فوق رصيف بارد.

في فناء بيتي وقعت رصاصة، وصادف وقوعها وجود أحد أفراد عائلتي بفناء البيت، ولم تكن تبعد الرصاصة الساقطة عنه سوى سنتيمترات معدودة.

لم تسجل، على حد علمي، في ساحات الحرب التي خضناها، ولا زلنا نخوض، نيران شقيقة كتلك التي تنطلق الآن بدعوى الاحتفال أو التأبين أو غير ذلك من الأسباب التي لا تبرر بالقطع قتل إنسان غافل بريء، وهو يسير في الشارع، أو يسعى وراء رزقه، أو حتى وهو جالس في فناء بيته.

جريمة إطلاق الرصاص في الهواء، باتت من الجرائم المكتملة الأركان، وذلك  بما فيها من تعمد وانتفاء غفلة وجهالة لمرتكبها، وخاصة بعدما علم الجميع بضرر هذا الفعل، وكذا من بعد صدور فتوى بضرورة أداء كفارة القتل الخطأ تحرزا، لكل من تورط في إطلاق الرصاص بغير سبب في مكان آهل، وذلك لوجود شبهة وقوع القتل الخطأ جراء رصاص المنفلتين.

الكثير من مطلقي الرصاص يفعلون ما يفعلون، ويمارسون لعبة الموت ضاحكين، ولا يدري أولئك النزقون الطائشون أن ضحاياهم، وعلى بعد أمتار منهم، سكرات لعبة الموت يكابدون.

إن استمرار سماع دوي إطلاق الرصاص في المدن يعني مزيد استمرار صدور شهادات سوء السيرة وذهاب العقل لأولئك المحسوبين على فئة الثوار. وعلى الثوار الراشدين الذين تهمهم سمعتهم التحرك سريعا لضبط هذه العناصر الضارة المنتشرة بينهم، وتقويم سلوكهم، تفاديا لأخذ المجموع بوزر الأقلية.

كما أقترح على الجهات المعنية القيام بحث المواطنين على تزويد الجهات المختصة بحالات إطلاق الرصاص، وذلك من خلال غرفة متابعة لهذه الجريمة، يتم التواصل معها عن طريق أرقام هاتفية مدفوعة الكلفة، يبلغ خلالها المواطن العادي عن كل حالة من حالات النيران الشقيقة، لتقوم الغرفة برصدها والتعامل معها.

ذلك عن النيران الشقيقة الخشنة، أما ما يتعلق بالنيران الشقيقة الناعمة، والتي تصب حممها هذه الأيام عبر التصريحات النارية المهلكة، والمقالات المسمومة، والتعليقات غير المسئولة، فهي جميعها نيران يتبادلها الآن أشقاء الأمس الذين كانوا في خندق واحد يمارسون حربهم الإعلامية والسياسية المقدسة ضد عدوهم المشترك.  

أتساءل دائما متعجبا عن توقيت إطلاق هذه النيران، وأتساءل مستغربا كيف لا يمنح الشقيق شقيقه الفرصة الكافية للرد عن تساؤلاته وانتقاداته، وذلك قبل المسارعة بقذفها عبر ماسورة مدافع الإعلام المتخصصة في تضخيم كل قنبلة إعلامية وسياسية أضعاف حجمها الذي ولدت به.

لقد أحبطت، وأحبط الكثيرون مثلي، وهم يرون ويسمعون أشقاء الأمس القريب وقد أصبحوا أعداء اليوم.

المعركة لم تنته بعد، والجبهة الداخلية لا تزال هشة، ومن شأن هذه النيران الناعمة الشقيقة أن تفعل الأفاعيل في أنفس الناس ومعنوياتهم.

لا تفسدوا علينا فرحتنا بالخلاص من قيود وأغلال الدكتاتور التي طال بأسها كل الليبيين، والتي لم نصدق بعد أننا تخلصنا منها، وذلك بما تقومون به من أعمال أحسن ما توصف به أنها في غير وقتها.

دعونا نستمتع بشهر عسل الخلاص، ولو دفعكم هذا إلى مجاملة بعضكم بعضا ومسايرته في طريقة تفسير أحد المصطلحات السياسية، من مثل العلمانية، أو الليبرالية، أو غيرها. ذلك أنه مهما تباعدت تفسيرات تلك التعبيرات فإنها لن تلحق بنا ضررا كالذي سيلحق بنا عندما تبتعد قلوبنا عن بعضها، وهي لا تزال تقاتل من يتربص بها، ويغتنم فرصة انسحاب الرماة، وانكشاف ظهر الجيش.

دعونا نستمتع بشهر عسل الخلاص، ولو دفعكم هذا إلى نسيان انتمائكم القبلي، ذلك الانتماء الذي بالأمس القريب جدا هو الذي صنع منه عدوكم أمضى أسلحته، من أجل أن يدحركم به، ولكنه لم يتمكن، وها أنتم الآن وفي غفلة منكم، بل وفي نشوة تغمركم، تفعلون بأنفسكم ما عجز عنه عدوكم.

دعونا نستمتع بشهر الإحساس بلذة شكر الله على ما أنعم به علينا من نصر، يأسنا ذات يوم من تحقيقه، ولا تطلقوا علينا نيرانكم الشقيقة بعودتكم إلى ارتكاب ما كنتم ترتكبون من المعاصي التي أقلعتم عنها ذات يوم عندما كنا نرفع جميعا أكف الضراعة لله، سائلين إياه رفع يد من شحذ سكينه، وكاد أن يهوي بها على رقابنا المكشوفة، لولا لطف الحفيظ الحميد.

دعونا نستمتع بشهر عسل الإتحاد ضد الاستبداد الذي لم نذق يوما طعمه كما نفعل هذه الأيام، ولا تسارعوا بإطلاق نيرانكم الشقيقة المشحونة ببارود الحزبية النفعية الانتهازية، وبما يقوم به البعض من إلقام الناس السم بالملاعق الذهبية للديمقراطية.

هناك أيضا نيران شقيقة أخرى تنطلق من بنادق من نصَّبوا أنفسهم أوصياء وأولياء الجميع، فعقدوا المحاكم وأطلقوا أحكاما مفرطة أساءت للثورة ومبادئها التي قامت من أجلها، أو على العكس نراهم يطلقون أحكاما ميسرة جدا، بل مبرأة، لمن كانوا يوما أعمدة النظام الظالم وأعوانه، وثبتوهم في مناصبهم، وخلعوا عليهم ثقة لا يستحقونها.

كل الذي ذكرت نيران شقيقة منها الخشن ومنها الناعم، ولكنها كلها قاتلة فاحذروها!

محمد الشيباني

الأربعاء، أكتوبر 12، 2011

رمادي

                     ** رمادي **

اللون الرمادي، كما هو معروف، هو اللون الواقع بين اللون الأبيض المشرق المعروف، واللون الأسود بقتامته المعهودة. أما الرمادي الذي يعنيه عنوان هذا المقال الحواري، هو نموذج بشري أفرزته حقبة القذافي السوداء، وذلك  بسبب ما جرت في هذا العصر من ممارسات ظالمة طال بأسها أفئدة الناس وعقولهم، فظهرت منهم أنواع وأصناف جديدة، من بينها ذلك الشخص الرمادي الواقف دائما في المنطقة الحدودية بين القوى المتصارعة، وهو بموقفه هذا يحرص على أن يكون في حالة تربص من شأنها أن تساعده على التقاط الفرصة واصطياد الغنيمة.

طبقة الرماديون بطبيعتها الانتهازية النفعية، هي دائما على استعداد بأن تتعاطى مع أي وضع، واضعة منفعتها ومصلحتها الضيقة الآنية فوق أي مصلحة، ولو كانت مصلحة الوطن العليا.

ولأن في الأنظمة الدكتاتورية، كنظام القذافي المنهار، تتركز كل المنافع والمصالح في خزائن الدكتاتور وعصابته، تجمع الرماديون الليبيون حول القذافي وعائلته وحواريه، وركنوا إليه، حتى وصل بعضهم إلى الدوائر القريبة جدا من حمى الخيمة سيئة الصيت، متخذين لشخوصهم الرمادية مسميات مختلفة، مثل الأمناء، ورؤساء الأجهزة، ومدراء الشركات والمؤسسات والهيئات، وغيرها.

أنانية الرمادي وإمعته مسخت ذاته، وجعلته مجرد آلة صماء يستخدمها كل من أمسك بها وفق ما يريد، وفي الاتجاه الذي يشاء، ولكنه وبمجرد فقدان السيطرة على هذه الآلة تتحول إلى آلة ضده، وبمعنى أدق ليس في نفس الرمادي ميزان يقيس به الأمور، فيتبع أقومها، ويترك أرذلها، بل إنه يحمل بوصلة يتجه مؤشرها دائما نحو منفعته الشخصية الضيقة. 

المئات وربما الآلاف من الرماديين ساهموا بطريقة أو بأخرى في إفساد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيما مضى، وهم سيلعبون الدور نفسه، لو لم يتم رصدهم والعمل على إعادة تأهيل من به بقية من صلاح منهم، وطرح من تشربت نفسه النفاق، وران على قلبه الغش والخداع.

وفي هذا الحوار يفترض كاتبه قيام الجهات المختصة برصد أحد الرماديين والتحفظ عليه. ولأن هذا الرمادي وصل غرفة التوقيف متأخرا، قرر ضابط التحقيق استجوابه عند الصباح.

أمضى الرمادي تلك الليلة وحيدا، وانهالت عليه الوساوس والخواطر، فقضى الليل كله يسائل نفسه، مستفهما منها تارة، ولائما لها أخرى، مدونا كل ما طرحه من أسئلة، وما ردت به نفسه من أجوبة عليها.

وعند حلول الصباح، وشروع الضابط بالتحقيق مع الرمادي المتهم كما كان مقررا، سارع الرمادي بتقديم محضر استجوابه لنفسه إلى الضابط، فاستغرب منه الضابط ذلك، ولكن ما إن اطلع الضابط على المحضر حتى أعجب به ووقع عليه واعتمده.

ومكافئة للرمادي على ما قدم من عمل، وما حواه تحقيقه مع ذاته من شفافية، واعتراف بالخطإ، وندم عليه، دعاه الضابط إلى مشاركته وجبة إفطاره، مستبدلا جلسة التحقيق بجلسة إفطار رومانسية وادعة. 

وتعميما للفائدة، وتكريسا لقواعد الديمقراطية، وتفعيلا لمبادئ الإعلام الراشد، أمر الضابط الرشيد بنشر نص المحضر في وسائل النشر المختلفة، مؤملا من كل رمادي آخر أن يفعل الفعل ذاته، ويقوم بمسائلة نفسه، والتحقيق معها، متخذا من محضر محاورة الذات ومساءلتها المذكور، وسيلة إيضاح له.

وفيما يلى نص هذا المحضر كما نشرته مدونة ربيع ليبيا:

ــ هل أنا رمادي؟
ــ نعم

ــ لماذا؟
ــ لأنني لم أكن من ضمن عشرات آلاف القتلى والمفقودين والجرحى.

ــ ربما كنت معهم، وحاولت أن تفعل ما فعلوا، ولكن الله حفظك.
ــ كلا.

ــ ربما منعك مرضك، أو كبر سنك عن ذلك.
ــ كلا.

ــ ربما سارعت وكنت أحد أعضاء المجلس الانتقالي، أو التنفيذي، أو ما شابههم، واكتفيت بدورك السياسي أو الإداري.
ــ كلا.

ــ ربما كنت من أصحاب الملايين الذين أنابت عنهم ملايينهم في مجهود المعركة.
ــ كلا.

ــ ربما كنت ممن قدموا معونات عينية، أو ممن انخرطوا في العمل الخيري.
ــ كلا.

ــ ربما قفزت إلى أحد المنصات الإعلامية، وأسرف فني الماكياج في تلميع صورتك.
ــ كلا.

ــ أتعبتني حقا. ألا تقل لي من أنت، وأي عمل عملته حتى جعلك تحتفظ بوظيفتك ومركزك السابقين؟
 ــ أنا رمادي قديم مخضرم، كما تعلم، ولم أفعل شيئا سوى أنني قمت بالانشقاق عن النظام السابق في الوقت والزمان المناسب جدا.

ــ وبذا لم تخسر وظيفتك وامتيازاتك السابقة. أليس كذلك؟
ــ بلى، فالرماديون حاذقون، ودائما لا يخسرون.

ــ ألم تقل إنك أعلنت انشقاقك، وتخليت عن وظيفتك المرموقة السابقة التي كانت تفيض عليك بالكثير مما يعرفه الناس، والأكثر الذي لم يعرفوه؟
ــ أجل، ولكنني قدمت وظيفتي تلك التي انتهت صلاحيتها، لأستبدلها بأخرى جديدة أحسن منها.

ــ عجيبون أنتم أيها الرماديون الحذاق. خبرني عنكم أكثر؟
ــ نحن الرماديون يجمعنا معبد المصلحة المقدس، حيث نمارس فيه طقوسنا المنتظمة الثابتة.

ــ ما هي أهم طقوسكم؟
ــ من أهم طقوسنا الوقوف دائما إلى جانب الأقوى والأكثر نفعا لنا، حتى إذا شعرنا بتغير الموازين، قمنا على الفور بتغيير أماكننا، والوقوف في المكان الجديد، وهو بطبيعة الحال الأجدى والأنفع لنا.

ــ وماذا أيضا؟
ــ نحن الرماديون يغلب علينا الصمت.

ــ وماذا لو طلب منكم الكلام؟
ــ غالبا ما نلجأ إلى المعاريض، فكلامنا دائما حمّال أوجه.

ــ ذلك عن الكلام، وماذا لو طُلِب منكم الفعل؟
ــ نستخدم ذكاءنا المعهود، ونفعل ما يُطلب منا، ولكن من وراء دروعنا السميكة، وعصينا الذكية الطويلة.

ــ كأنكم بهذا تسكتون عن الحق، وتوسوسون بالشر!
ــ أجل نفعل ذلك ولكن بمهنية وتفنن.

ــ وهل نفعتكم هذه التقنية، وأفادتكم فنونها؟
ــ أجل. ألم تر أننا باستخدام هذه التقنية تحصلنا على نصيبنا من كعكة سبتمبر، وها نحن نقطف ورد فبراير بعد زوال شوكه. والأمثلة الحية على ذلك أكثر من أن تحصى، ذلك أن الكثيرين ممن ركبوا موجة فبراير، كانوا جنودا مخلصين للقذافي ونظامه، ولم يعرف عنهم يوما مجرد ضيقهم بما يفعل القذافي من موبقات، ولم يسجل لهم اتخاذ أي موقف يعبر عن ذلك.

ــ ولكنكم بذلك تفعلون فعل الشياطين.
ــ ماذا تعني؟

ــ أقصد التغرير بالآخرين ودفعهم لارتكاب ما تريدون؟
ــ ذلك لأننا وجدنا عند الآخرين الاستعداد لفعل ما يوكل إليهم من أفعال.

ــ ربما فعلوا ذلك لعدم توفر القدوة الصالحة فيكم.
ــ حقا لم نكن قدوة صالحة.

ــ ولكننا لم نر لكم أيضا موقفا إزاء ما يجري أمامكم من منكر ظاهر.
ــ لسنا مسئولين على كل ما يجري أمامنا، كما أن كثيرا مما يجري لا ندري به.

ــ ههه. كيف لا تدرون، والقتلة والمجرمون المأتمرون بأمر القذافي يجاهرون بكل ما يفعلون، ويستلمون الأوسمة عن كل ما يقترفون؟

ــ أيا كان الأمر، فذلك شأن الظلمة والقتلة ومسئوليتهم، وليس شأن الرماديون، فما من رمادي، كما هو معروف، تم ضبطه متلبسا بالجرائم التي ذكرت.

ــ ربما يكون هذا صحيحا، ولكن ما من رمادي إلا وصانع ظالما وركن إليه، ولولا ركون الرمادي وممالاته للظالمين الظاهرين لم يكن ليرشح لأي منصب؛ فكل مدير سابق لمصرف أو مرفق مالي إلا واقترحه وزكاه صالح إبراهيم، وكذا ما من مدير نافذ في قطاع الاستثمارات الخارجية إلا وباركه وقدمه محمد الحويج، وكذلك ما من مدير لمؤسسة تعليمية كبيرة إلا وأحمد إبراهيم هو من اقترحه وفرضه، وهكذا مع بقية القطاعات. هذا بالإضافة إلى التزكية والتعميد المعروف من قبل مكتب اللجان الثورية، أو قلم القائد الفار، أو غير ذلك من محطات تفريخ الرماديين الكثيرين.
 ــ أجل، فكل من اعتلى منصبا مرموقا في نظام القذافي من المناصب التي ذكرت كان ضمن هذه القائمة، أعني قائمتنا نحن الرماديين.

ــ وماذا تقول في ذلك. أعني الركون إلى أركان النظام السابقين الظالمين، وخطبة ودهم، وتنفيذ أوامرهم وتوجيهاتهم؟
ــ نعم فعلنا ذلك، ولكننا كنا نعرف من أين تؤكل الكتف.

ــ ماذا تعني؟
ــ أعني أننا نظهر لهم الطاعة، ونسرف في إطرائهم، ولكننا لا نفعل كل ما يريدون.

ــ أليس هذا ضربا من الخداع، وإخلالا بواجب الوظيفة؟
ــ بلى، ولكن هذا سلوك شائع كما تعلم، وهو ما يعزى إليه تدهور الأوضاع السابقة وانهيارها لاحقا.

ــ هذا مرعب. ولكن هل سيبقى الرماديون، وأنت منهم، على هذا الحال في عصر فبراير الجديد، فيتدهور وينهار كسابقه؟ 
ــ أخفتني!

ــ لماذا؟
ــ لأنني أحسست بأنك تقصدني، فأنا كما تعلم كنت مديرا لمؤسسة مالية في زمن القذافي بتزكية من صالح ابراهيم، وها قد تمت تزكيتي من قبل أحد أصدقائي بالمجلس التنفيذي، وتم تكليفي بالمهمة نفسها في عصر ثورة فبراير المجيدة المباركة المعظمة الرائعة الفريدة الـــــــــــ .........!

ــ لم تنس عادتك السابقة في التطبيل والتزمير!
ــ أعتذر، فالطبع يغلب التطبع.

ــ عجبا تعتذر عن التزمير والتطبيل، ولا تعتذر عن لونك الرمادي المزعج، وعادتك السيئة في التسلق والتملق!
ــ كيف أعتذر عن التسلق والتملق، وهما صفتان أساسيتان في كل رمادي مثلي!

ــ هل تعني أنك ستظل على حالك الرمادي هذا، حتى بعد زوال عصر القذافي الأسود، وقدوم زمن فبراير الأبيض الشفاف؟
ــ ليس لي من حل، ذلك أن نزع جلدي الرمادي، واعتزالي التملق والتسلق بعد هذا العمر الطويل، يعني إقدامي على توبة لا يمكن تحققها إلا بالتكفير عما أذنبت، والتضحية بما كسبت، وقبل كل ذلك الندم عما اقترفت.

ــ ذلك خير لك وأفضل. لا سيما وأنك بلغت أشدك وبلغت الأربعين، لا بل ربما جاوزت الخمسين من عمرك، فضلا عن وضعك المادي الممتاز.
ــ هذا صحيح، ولكنك تعلم النفس البشرية وضعفها، وأنها في أحيان كثيرة  ينفع معها الردع أكثر من الوعظ.

ــ ماذا تقصد؟
ــ أقصد أن ما قامت به ثورة فبراير من تساهل مع الرماديين مثلي، وأحيانا حتى مع السود، واكتفائها بمجرد إسداء النصائح، لأمر مغر لي ولأمثالي على مزيد الاحتفاظ بهذا اللون الرمادي اللعين.

ــ عجبا. كيف تلعن نفسك؟
ــ بدأت أشعر بوخز الضمير.

ــ حقا. وماذا بعد؟
ــ سأتوب عن كل ما اقترفت، وسأقوم بكتابة صحيفة اعتراف، أظهر فيها لوني الرمادي كما هو، واضعه أمام من رشحوني من رجالات فبراير، وأترك لهم بعد ذلك قرار تثبيتي أو خلعي.

ــ هذا موقف تشكر عليه، وسيسجله التاريخ لك. ولكن ماذا عن الرماديين  الآخرين الذين لا يمتلكون شجاعة مواجهة أنفسهم مثلك، والاعتراف برماديتهم اللعينة، والتبرؤ منها وخلعها؟
 ــ لا أدري، ولكنني أدعوهم إلى أن يفعلوا الفعل الذي فعلت، فإما مَنٌّ بعد وإما قصاص.

ــ وماذا لو لم يفعلوا، وبقوا سوسا ينخر ثورة فبراير، كما نخروا من قبل ثورة سبتمبر؟
ــ عندها سأقترح على من يهمه الأمر، الأخذ بزمام المبادرة، والقيام برصد هذه الحالات، والتعامل معها على أنها سوس يجب محاربته، وتنظيف جسم فبراير الناصع النظيف منه.

ــ هذا عمل رائع، ولكنه سيبقى مجرد أمنية ما لم توضع له آلية لتطبيقه وتنفيذه.
ــ أنت محق، ولذلك أقترح القيام بإلزام كل من تولى منصبا أو وظيفة مرموقة في العهد الدكتاتوري المقيت، أن يملأ استبيانا يقوم ذوو الخبرة والدراية بتحريره، آخذين في اعتبارهم قيام هذا الاستبيان بكشف وتعرية الجذور الرمادية العميقة لكل من شملتهم القائمة الرمادية.

ــ وماذا بعد؟
ــ ليس هناك من بعد، سوى توبة نصوحا كتوبتي، أو لا، فليس للسوس من دواء، سوى إبعاده عن أساسات البناء. 

محمد الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

السبت، أكتوبر 08، 2011

أيها الثوار المنتصرون


أيها الثوار المنتصرون:
الحق هو الذي ثأر لكم من عدوكم،  فلا تخذلوا الحق فيثأر منكم

أمضى الطاغية القذافي كل الوقت الذي حكمنا فيه غامطا للحق، بل ومحاربا له، حتى ظن ضعاف الإيمان مثلي أن القذافي قد هزم الحق وصرعه، أو على أقل تقدير تهادنا الاثنان، الحق والطغيان، وتواطآ كلاهما ضدنا.

طال أمد ظهور الطغيان وسواده، وانحسار الحق وارتداده، وزاد تبعا لذلك إلحاحنا على استدعاء ما تبقى لدينا من زاد صبر قليل لرحلة طالت، حتى بلغ معين الصبر عند الكثيرين منا خطه الأحمر الذي زاده اشتعالا انقطاع موارد الصبر ومدده المحمول على ومضات الفرج الغائب، وبوارق الانتصار التي عقم رحم الأفق عن ولادتها السنين الطوال، وحتى وإن حدث وولد الأفق بعضا من هذه البوارق، فإنها في الغالب تولد خداج، ما تلبث أنت تضعف وتموت.

غصت ساحة الصراع غير المتكافئ بين الطغيان وضحاياه بالكثير من الصور المرعبة والمخيفة، إلا أن أكثر المشاهد رعبا كانت تلك التي ظهر فيها الحق بجلاله ووقاره منهزما منكسرا، وقد داسه قدم الطاغية بحذائه القذر الثقيل، على مرأى ومسمع الدنيا، وعلى مدى زمني اتسع لأكثر من جيل من المحكومين المسحوقين المغلوبين على أمرهم.

وعلى غير ما ميعاد، وفي لحظة زمنية بلغت من الخفة واللطف حدا جعلها تمر من خلال أشد آلات الرصد والتحليل دقة، حاملة على جناحها النحيل أثقل حدث وأخطره، ألا وهو حدث ثأر الحق من الظالم القذافي، لصالح الليبيين المظلومين.

ولأن الحق يحمل قسطاسه المستقيم أينما حل، وعلى أي صورة ظهر، فقد رأيناه وهو يثأر من ظالميه، يفرق بين ظالم وآخر، تبعا لدرجة ظلمه وتجبره. فقد رأينا الحق يصفع بقبضته كلا من الظالمين بن علي ومبارك صفعة خفيفة قادتهما بلطف ظاهر إلى حيث يجب أن يكونا، غير أن الحق وهو يلطم القذافي ثأرا لليبيين، قوى من لطمته له، وذلك على قدر ما اقترف من ظلم، وما ارتكب من جرائم، وبطريقة مختلفة تماما عما فعله مع من سبقه من حكام ظالمين مستبدين.

أصر الحق وهو يثأر من القذافي أن يقتلع القذافي الظالم ومن والاه اقتلاعا، بل إنه مارس ضده حرب إبادة عرقية وأيديولوجية، استهدفت شخصه وفكره ونسله، بل وحتى أنصاره ومريديه.

رأينا في ساحة الصراع بين القذافي والحق جنودا كثر يحاربون القذافي، منهم من يحمل شعار الجامعة العربية، وآخر يحمل شعار مجلس الأمن، وثالث يحمل شعار الناتو، ورابع يحمل شعار الثوار، بل ومنهم جنود خلص للقذافي ونظامه، إلا أن كل أولئك الجنود ما هم إلا جند الحق الذين استدعاهم الحق نفسه في الوقت الذي شاء والمكان الذي أراد، فلم يتخلف أو يتباطأ منهم أحد أبدا.

كل السيناريوات التي كتبت للمسرحية الليبية تم الخروج على نصها خروجا واضحا  صارخا. فمن ذا يتوقع من الجامعة العربية موقفا كالذي وقفته، ومن ذا يتوقع من الغرب وأمريكا أن تنسف في سويعات جبلا من العلاقات الوطيدة بينها وبين القذافي، ذلك الجبل من العلاقات الذي استغرق السنوات وربما العقود في إقامته ورص حجارته المتخالفة المتنافرة.

وحتى إذا سلمنا بعدم غرابة ذلك كله، وافترضنا جدلا إمكانية حدوثه، فلا يمكن لنا أن نتوقع من شعب مقموع ومحكوم بالحديد والنار، كالشعب الليبي، أن يخرج عن القذافي ويواجه رصاصه ومرتزقته بصدور عارية.

عندما يقرر الحق أن يثأر من أعدائه، تستنفر له جنود السماوات والأرض، وتتجمع بين يديه، وعندها يصعب على أكبر القوى وأعظمها أن تقف في طريقه أو تصده.



لم يثار لنا الحق وينصرنا على عدوه وعدونا محاباة لنا أو مجافاة للقذافي، ولكن الحق هزم القذافي الذي أمعن في مناصبته ومعاداته، وسيظل الحق واضعا مسطرته، شاهرا سيفه في وجه كل من تسول له نفسه العبث بالحق وحدوده.

ولمن يصعب عليه معرفة حدود الحق التي خرقها القذافي، والتي خرقها البعض منا أو يكاد، فما عليه إلا التلفت إلى الوراء قليلا وينظر في قائمة اقترافات القذافي وجنوده، ثم ينظر ما يقترفه البعض من ثوارنا منها، والتي منها ما يلي:

1 ــ قتل النفس إهمالا أو تعمدا.
2 ــ هتك العرض.
3 ــ سرقة أموال الغير سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو اعتباريين.
4 ــ عدم التحرز والأكل بغير المعروف من مال الدولة الذي لا حارس له.
5 ــ إزعاج الناس وإرهابهم.
6 ــ اتهام الناس بالباطل وتخوينهم.
7 ــ التكبر والاستقواء بالعدد والعدة على حساب المبادئ والقيم والأصول.
8 ــ التهافت على المناصب ونيل المكاسب وانتهاب اكبر ما يمكن نهبه من الكعكة المغمورة في دماء الضحايا.
9 ــ التعصب للذات وأواصر الدم والقربى والقبيلة على حساب الوطن والوطنية.
10 ــ الاعتزاز بالإثم قليله وكثيره.
11 ــ التفاخر والتباهي بما أسبغ الله به علينا من نعمة نصر، وعدم التواضع ونحن نضع تاج حريتنا فوق رؤوسنا التي أعلاها الله تفضلا منه.
12 ــ استمرار بعض الثوار وخاصة الشباب منهم في ممارسة أخطائهم السابقة، وما درجوا عليه من أعمال سيئة، لا يمكن أن يظهر بها عاقل رشيد وهو يتسلم وسام النصر المهدى إليه من ربه الكريم.
13 ــ انطلاق الألسن والأقلام بالقدح والذم بغير ما بينة، والطعن في أهلية وذمة الآخرين لإلحاق الضرر بهم.
14 ــ المبالغة في الانتقاد لدرجة الاتهام، وترك التناصح النافع المحمود.

 كل ذلك، وربما غيره كثير بدأ يظهر في ساحة المعركة بعد انجلاء غبارها، وهو ما يتعارض، وبكل تأكيد، مع الحق وثوابته التي لا يمكن تجاهلها أو اللعب بها.

إن المثل الحي الذي رأيناه من ثأر الحق من الباطل، وكذا ما حل برجل اسمه القذافي كان يعبث بالحق وثوابته، لأمر يجب علينا أن نأخذه في الحسبان، لا سيما  ونحن نمر في هذه المرحلة الهامة والحساسة من مراحل حياة الدولة الليبية.

إن الثمن الذي دفعناه مقابل حريتنا ثمن باهظ، والنصر الذي صنعناه عظيم، ولكن كل هذا مرهون بقاؤه وديمومته بديمومة بقائنا محترزين حذرين من سيف سنن الحق ونواميسه التي وضعها رب الحق سبحانه وتعالى حماية للحق وأهله، وكبتا للباطل وعصبته.

محمد الشيباني