الأحد، نوفمبر 27، 2011

معا من أجل الناخب الرشيد

معا من أجل الناخب الرشيد

معظمنا يعلم أن رحلتنا الطويلة المضنية من أجل الثورة على الاستبداد والدكتاتورية لم تبدأ في فبراير 2011 ، ولكنها بدأت منذ فترة طويلة ربما جاوزت أربعين عاما، قضاها الشعب الليبي رافضا لمحاولات الدكتاتور القذافي في مصادرة كرامة المواطن وحقه  المقدس في أن يكون ناخبا حرا رشيدا يختار حاكميه.

خلال هذه الفترة الطويلة سخر القذافي كل إمكانيات الدولة من أجل تزوير إرادة الناخب، وصنع الكثير من أصناف التزوير وسلب الإرادة. وتأتي نظريته الثالثة، أو ما يعرف بسلطة الشعب في مقدمة هذه الأصناف.

وعلى الجانب الآخر سعى الغيورون على كرامتهم من أبناء الشعب الليبي في محاربة هذا النظام الدكتاتوري الغاشم بكل الوسائل الممكنة، وخاضوا معارك غير متكافئة مع حاكم يرى في نفسه نصف إله، ويرى في شعبه أنصاف بشر، حتى كانت ملحمة فبراير الشهيرة التي أرجعت القذافي إلى بشريته، وردت للإنسان الليبي بشريته المغتصبة لما يزيد عن أربعة عقود.

كلمة " الناخب" هي أشد ألفاظ قاموس السياسة التي كانت تغضب دكتاتورنا السابق وتثيره، فسعى بكل ما يستطيع من جهد من أجل تشويه هذه الكلمة وطمسها، وناضل كثيرا لإيجاد مرادف لها. ولما بلغ به الجهد حده، تقيأ مرادفا نشازا، ضمته عبارة تحوي أربع كلمات لا تمت أي منها بأية صلة لكلمة الناخب، بل إن هذه العبارة استخفت وأنقصت من قيمة المواطن الذي أجبر على حملها والتسمي باسمها؛ تلك هي عبارة " عضو مؤتمر شعبي أساسي"!

" عضو مؤتمر شعبي أساسي"، عبارة طويلة ركيكة لا تفوح منها أية رائحة من روائح الديمقراطية، ولا يظهر عليها أي ملمح من ملامح عزة الناخب وسموه. 

أجل، فقد صنع القذافي متاهة من الكلمات والإجراءات، وأهدر الأموال والأوقات، وذلك لا لشيء إلا لتفريغ كلمة الناخب من محتواها.

ــ لماذا؟

ــ لأن تفريغ كلمة الناخب من محتواها يسهل عملية سرقة أصوات الناخبين، ومن تم وضعها في الصندوق الذي يريده سارق السلطة.

ــ ولكننا انتصرنا على السارق الحصري للأصوات القذافي، ودفناه إلى الأبد في بحر الرمال، ولن نتعرض بعد الآن لسرقة أصواتنا.

 ــ كلا، فالمشكلة لا زالت قائمة، وفيروس سرقة الأصوات، كأي فيروس آخر، يتطور بتطور الظروف المحيطة.

ــ حقا؟

ــ نعم.

ــ هذه مصيبة، لا سيما أننا دفعنا الكثير من أجل استرداد تاج الناخب الذي اغتصب منا عقودا طويلة، والذي لم نفرغ بعد من مسح غبار المعارك عنه. تلك المعارك التي كلفتنا كما هو معروف عشرات آلاف الضحايا ووضعت البلاد كلها في أتون حرب شاملة أكلت الأخضر واليابس.

ــ وهل فعلنا كل ذلك من أجل هذه الكلمة الصغيرة النحيفة، الناخب؟

ــ أجل. فلو أردنا اختزال كل الشعارات التي رفعناها خلال حربنا الطويلة ضد الطواغيت لوجدنا أن كلمة الناخب بمعناها الأصلي الحقيقي تتسع لها وتختزلها.

ــ ولكن هل يعلم المواطنون العاديون البسطاء، محدودو الثقافة والإدراك، وهم كثيرون، بأن أصواتهم الانتخابية على هذا القدر من الأهمية والخطورة؟

ــ غالب الظن لا.

ــ هذا مرعب حقا، وربما استحق التنبيه إليه والتحذير منه؟

ــ حقا، فالجهل بهذا الأمر الخطير يؤدي إلى أعظم المصائب، وأية مصيبة أعظم من أن يتولى سارقو الأصوات وسالبو الإرادات مسئولية قيادة الدولة وحكمها.

ــ سارقو الأصوات وسالبو الإرادات. ما أبشعه من وصف!

ــ نعم، ولكن الأبشع من هؤلاء أولئك المستخفون بأصواتهم المتاجرون بكرامتهم وإرادتهم.

ــ تعني الناخبين؟

ــ أجل. ومن غيرهم!
..............
............
.............
ــ هكذا هو حالكم يا من تكتبون المقالات دائما تتعبوننا بالمقدمات المطولة، ولا تعطوننا "الزبدة" بيسر وسهولة.

ــ وما هي الزبدة التي تريدها منا؟

ــ أخبرونا ماذا نعمل حتى نتلافى هذه المصيبة الواقفة على الباب كما تزعمون؟

ــ بسيطة. نقوم منذ اللحظة بالإعلان عن القيمة الحقيقية لصوت الناخب، والطلب من كافة حاملي هذه الأصوات عدم بيع الصوت إلا بثمنه، ونحرم على مقتني هذه الأصوات اقتناءهم أي صوت إلا بثمنه الحقيقي والعادل.

ــ كأنك تدعو إلى ميثاق شرف يوقع عليه كل من له حق الانتخاب، وذلك بأن يستحلف كل ناخب بأغلظ الأيمان على البر بحق الانتخاب، وأن لا يضع صوته إلا لمن هو أهل له.

ــ أجل.

ــ عدت بي إلى المربع الأول!

ــ كيف؟


ــ لابد قبل الدعوة إلى الميثاق الذي ذكرت من التأكد من الأهلية الثقافية والأخلاقية للناخبين. إذ لا قيمة للمواثيق والناس في جهل عميق.

ــ هذا صحيح، ولكن أخبرني عن أقصر المسارب لتوعية الناخب.

ــ الطريق المبين لتبصير الناخبين هو تعريفهم بقيمة صوتهم الغالي الثمين.

ــ وما هو في تقديرك الثمن المناسب لصوت الناخب؟

ــ ليس هناك من ثمن لصوت الناخب سوى منحه للحاكم المناسب.

ــ حقا إن هذا الثمن لا يضاهيه ثمن!

ــ ولكن ذلك يحتاج إلى ناخب رشيد حر الإرادة. أليس كذلك؟

ــ بلى.

ــ كأنك تشترط ضرورة ترشيد الناخبين، وتحرير إرادتهم قبل دعوتهم إلى الانتخابات؟

ــ بالضبط، ولو اضطرنا ذلك إلى تأجيل موعد الانتخابات عما كان مقررا.

ــ حسنا. لنبدأ. ماذا تقترح؟

ــ من جانبي كمثقف مسكون بهم الوطن مستشعرا خطورة المرحلة، أطلب من كل مثقف التحرك سريعا من أجل تعريف جمهور الناخبين بأهمية وخطورة ما هم مقدمون عليه من عمل، وكذا تعريفهم بأهمية الصوت الانتخابي الذي يحمله كل منهم، وقد اقترحت مجموعة من الشعارات والمقولات التي تبين للناخب دوره وتعمق لديه الشعور بالمسئولية عند إدلائه لصوته الانتخابي.


ــ هذا رائع. هلا سردت لنا هذه الشعارات حتى نطلع عليها، وربما أضفنا إليها مما يساعد على إثراء حملة التوعية والتثقيف الانتخابي، من أجل الوصول بالمواطن إلى مرحلة الكفاءة الانتخابية.

ــ الكفاءة الانتخابية! بدأت فعلا تقنعني بطرحك، وتحفزني على مجاراتك من أجل تأطير الأفكار وإسقاطها على الواقع. أخبرني عن متطلبات شهادة الكفاءة الانتخابية؟
ــ  كما تعلم فإن الشعب الليبي لم يسبق له أن دخل المضمار الديمقراطي، ولا استأنس أدواته الكثيرة المعقدة، فوجدت من المفيد البداية ببعض الدروس الأساسية المعرفة والموضحة للأمانة الانتخابية، الحجر الأساس لصرح أمانة الأمة، واقترحت  بعض الشعارات والمقولات التي سأقوم بطبعها وتوزيعها. كما قمت بإنشاء صفحة على الفيسبوك عنوانها" معا من أجل الناخب الرشيد"، والتي عنوانها:
http://www.facebook.com/groups/144005739040293/
حيث تستهدف هذه الصفحة شريحة الناخبين المتواجدين في الفضاء العنكبوتي، والذين أتشرف بدعوتهم إلى زيارة هذه الصفحة والمشاركة الإيجابية في الحملة الوطنية لتأهيل الناخبين لشهادة الكفاءة الانتخابية.

ــ هذا رائع حقا. إنك بهذا تزيد في حماسي من أجل الإطلاع على ما كتبت من شعارات، وأعدك بزيارة صفحة " معا من أجل الناخب الرشيد " على الفيسبوك، والمساهمة في الحملة التي دعوت إليها.

ــ شكرا لك. وهذه هي الشعارات التي أعددتها، بأمل نجاحها في الوصول إلى الأذهان، بعد ملامستها الأعين والآذان:
  
أخي المواطن الليبي الكريم، ها قد امتلكت صوتك، فاحرص قبل منحه أن تعلم ما يلي:

1 ــ  صوتك هو بصمتك وشفرة جينتك، وهو بهذا غير مكرر ولا ينبغي لأحد سواك.
2 ــ صوتك ملحق باسمك، فاحرص على أن تربط اسمك بكلمة أمين وليس كلمة خائن.
3 ــ صوتك هو شطر كيانك المعنوي ومقياس رجولتك ومرآة شخصيتك.
4 ــ من ساومك صوتك فقد ساومك عرضك.
5 ــ سوق بيع الأصوات هو سوق رقيق العصر الحديث.
6 ــ بيعك لصوتك بيع لمستقبل أبنائك الذين تحب.
7 ــ بيعك لصوتك تحقير لدماء الشهداء الذين بذلوا أرواحهم من أجل أن يكون لك صوت لا يقيل البيع.
8 ــ من أعطيته صوتك بحقه بايعته ونلت درجة المبايع.
9 ــ يوم إدلائك بصوتك هو يوم تساويك مع من هم أعلى سلطة وأكثر منك مالا، فاجعل يوم إدلائك لصوتك يوم وجاهتك وغناك.
10 ــ الوطن ملك مشاع للجميع، وصوتك هو وثيقة تملكك لحصتك في وطنك.   
11 ــ صوتك درجة من درجات سلم الولاية الكبرى ورئاسة الدولة وبيع صوتك إلغاء لهذه الدرجة وسبب لسقوط صرح الدولة وتهاويه.
12 ــ  صوتك إثبات لمواطنتك وتأكيد لها.
13 ــ صوتك دعوة للشهادة، فلا تكن شاهد زور.
14 ــ صوتك هو شرف والشرف لا يباع.
15 ــ منحك صوتك لمن لا يستحق ظلم صارخ لمن يستحق.
16 ــ صوتك منه تنشأ السلطة التي تحكمك فأحسن وضعه يحسن من يحكمك.
17 ــ صوتك صانع القوانين فلا تبعه للمقاولين.
18 ــ إعطاء صوتك لصديقك أو قريبك الذي لا يستحق، توريط له في مهمة لا يستطيعها وتبشير له بالفشل.
19 ــ ندمك عند اكتشاف سوء من يحكمك لا يعوضه أي ثمن مهما علا، ووخز الضمير لا تسكِّنه الدنانير.    
20 ــ إذا أمَّرت من لا يستحق، فقد أمَّرت المرتزق.
21 ــ صوتك صيتك، فبأي ثمن تبيع صيتك؟
22ــ من باع صوته باع بلده، ومن باع بلده فلا موطن له.
23 ــ انتخابك من يزيد، انتخاب بنكهة التصعيد.
24 ــ لا تجعلوا يوم الانتخابات يوم مزاد الأصوات.
25 ــ ستلعن على رؤوس الأشهاد، لو عرضت صوتك في مزاد.
........................
...........................
.................................. الخ
ــ هذا حقا رائع، وسيكون نشره بكافة وسائل النشر، من مطويات، وملصقات، وحتى على هيئة فواصل إعلانية في الراديو والتليفزيون، مفيدا جدا.

ــ إن أمر الرئاسة وأمانة الأمة،  يستحق هذا وأكثر.
وفقك الله.


محمد الشيباني
Libyanspring.blogspot.com

الأربعاء، نوفمبر 23، 2011

حرام عليكم


"حرامٌ عليكم"

أوغل الدكتاتور القذافي في  ارتكاب الحرام؛ فتداعت عليه قوي الخير والعدل مدعومة بالقدرة الإلهية الجبارة، وتعاونت هذه القوى جميعها، بما فيها قوة ثوارنا، على إسقاط الدكتاتور، صانع الحرام وراعيه.

عندما واجه القذافي الحقيقة، صرخ بأعلى صوته قائلا:

حرامٌ عليكم!

قالها معمر القذافي، وسمعها الليبيون منه، ربما للمرة الأولى.

كيف يكتم المستبد مدمن الحرام هذه العبارة البليغة السنين الطوال، ثم يفاجئنا بقولها يوم سقوطه ومغادرته  لنا، بل ومغادرته الدنيا؟

هل أراد أن يعلمنا القذافي  درسا عجز هو عن فهمه طيلة عمره؟

أم إنها عناية السماء الحكيمة أجرت على لسانه هذه القاعدة القانونية الفذة، وأصرت على إسماعنا إياها من قبل شخص أدمن الحرام وصنع منه جبلا، ولكنه  عند حصحصة الحق تنصل وتبرأ منه، وحاول أن ينسفه بهذه الكلمة الديناميت، "حرامٌ عليكم"!

أجل لم يقل عيب عليكم، أو لا تفعلوا بي ذلك، أو ما شاكله، ولكنه قال: حرامٌ عليكم!

إن قيام القذافي برفع صوته بالتحذير من الحرام استوقفني، وكأنني أسمع هذه العبارة لأول مرة. ذلك لأن القذافي كان من رؤوس الحرام، ومجرد قيامه بالتحذير من الحرام وتغليظه له، في ذلك اليوم المشهود الذي أرخ لسقوطه وكذا قيامته، لهو أبلغ درس لمن يعرف بليغ الدروس ويستوعبها.

نطق القذافي بهذه العبارة ومات، وانتهى بموته عهد حكمه وتهدمت أركانه، ولكن الشعب الليبي الذي ابتلاه الله بولي أمر حرايمي كالقذافي لا يمكن له أن يبرأ من مرضه المزمن، معايشة الحرام وممارسته، إلا بوقفة جادة مع النفس ومواجهة صريحة معها تستمد من لحظة مواجهة القذافي مصيره وإعلاء صوته بالتحذير من الحرام ما يساعدها على إدراك الحرام والتخلص منه قبل فوات الأوان.

يعرف الليبيون كلمة الحرام معرفة جيدة، ويستخدمونها في لغتهم الشائعة استخداما واسعا، يبدأ من الأعمال السيئة البسيطة، مثل إلقاء أذى بالشارع، وينتهي عند أكبر الجرائم وأعظمها، وهو إهلاك الحرث والنسل.

ها نحن نحث الخطى نحو عملية صياغة الدستور، العقد الاجتماعي الأعظم، والأب والمهيمن على مجموعة القوانين المبينة والمفصلة للمشروع وغير المشروع والمباح والممنوع. وسوف ننفذ هذه العملية الفنية بنجاح، ونقوم بطبع دستورنا الجديد وغيره من القوانين، وسوف نقوم بتغليفها بغلاف جلدي ثمين، ونزين بها مكتباتنا.

ولكن هل هذه الخطوة التاريخية ذات فعل سحري، نجد أنفسنا بعدها نسير في نهج الحلال ودروب الخير والصلاح؟

غالب الظن لا!

الحرام كما يعرفه جميعنا يبدأ من إلقاء أحدنا كوبه الفارغ في الشارع، وينتهي  بما نعرفه من جرائم غلاظ.

لن يفعل الدستور الأب وأبناؤه القوانين، والذين نشمر جميعنا ثيابنا من أجل كتابة متونهم، أكثر من التأكيد على حقيقة الحلال والحرام، والمشروع وغير المشروع، متخذا من بحار الألفاظ والكلمات مطية له في رحلته الطويلة منذ حامورابي وحتى حينه.

وأعود وأسأل. هل يكفينا هذا العمل الفني البحث، فيفلح وحده في تجفيف منابع الحرام وتنظيف أيدينا وأرجلنا وألسنتنا منه؟

وأجيب بـكل ثقة: كلا!

ما العمل إذن؟

ليس هناك ما نعمله سوى مواجهة الناس بحقيقة مفادها أن إسقاط رأس الحرام أسهل بكثير من إقامة صرح الحلال.

كأنني أرى الأنظار تتجه إلى الثوار من أجل إنجاز هذه المهمة، مهمة تعريف الناس بالحرام وحثهم على اقتلاعه، والبدء منذ اللحظة في بناء صرح الحلال.

لم لا؟

منطقيا يستطيع الثوار فعل ذلك، وهم أهل لذلك وأحرى. ولكن كيف؟

كما أمضى الثوار الثمانية أشهر السابقة في اقتلاع أب الحرام، أحرى بهم أن يكملوا جميلهم، ويقومون خلال الثمانية أشهر القادمة بمساعدة الحكومة الجديدة على اقتلاع الحرام.

ما زال الكلام بسيطا وفضفاضا لإيغاله في التنظير وعدم لمسه عتبة العمل والتطبيق!

حسن، لنحاول التطبيق.

شخصيا أدين لكل ثائر ساهم في إزالة أب الحرام وراعيه، القذافي.

ولكنني بدأت هذه الأيام أنظر بعين السخرية لحاملي السلاح خفيفه         وثقيله، وهم يجوبون شوارع المدن، رافعين السلاح الخطأ في المكان الخطأ أمام العدو الخطأ.

عدونا الحقيقي الآن هو الحرام، والذي لا زال يعربد بيننا، رغم سقوط أبيه وصانعه وراعيه.

كأنك يا بوزيد ما غزيت!

كيف والثوار أزالوا كل عقبة أمام الليبيين من أجل صياغة دستورهم وما يلزمهم من قوانين؟

لن تكون هناك أهمية لأبي القوانين، الدستور، ولا لأبنائه القوانين، ما دام الكثير منا لا يحترم قانون المرور مثلا.

ماذا لو بدأ الثوار منذ اليوم بحث الناس وإجبارهم على تطبيق قانون المرور؟

لن تكون هناك أهمية لأبي القوانين، الدستور، ولا لأبنائه القوانين ما دامت قوانين حماية البيئة غير مفعلة.

لماذا لا يتضافر الثوار من أجل المحافظة على البيئة وتعليم الناس احترامها والمحافظة عليها؟

لن تكون هناك أهمية لأبي القوانين، الدستور، ولا لأبنائه القوانين ما دام الحياء العام يخدش وينتهك في وضح النهار، والناس وقوفا ينظرون.

ماذا لو انطلق الثوار ومعظمهم من الشباب وجابوا الشوارع، ودعوا الشباب خادشي الحياء إلى التزام الأدب في الطرقات والكف عن أذي المارين بها؟

لن تكون هناك قيمة للقوانين كلها ومافيا المتاجرة بالمخدرات تمارس عملها في الفتك بالمجتمع على مرأى ومسمع الجميع.

لماذا لا يشكل الثوار مفارز من أجل القضاء على هذه الظاهرة التي لن تفلح القوانين وحدها في محاربتها والقضاء عليها.

وهكذا بالنسبة لكل شأن من شئوننا التي تستحق الإصلاح.

وإذا سأل سائل وما دخل كل الذي قلته بالدستور؟

أجل. ليس لما قلت أية علاقة فنية مباشرة بالدستور، ولكن انخراط الثوار ومن خلفهم كل فئات الشعب في تفعيل القوانين الملامسة لواقع الناس، كقانون المرور، وقانون حماية البيئة، وقانون صيانة الحياء العام، وقانون المؤثرات العقلية، وغير ذلك من قوانين، ومحاولة ربط ذلك زمنيا وحركيا وإجرائيا بقيام الثوار بإسقاط رمز الحرام، القذافي، من شأن كل ذلك أن يضع الأرضية الملائمة لسن القوانين وإنفاذها بدءا من أبيها، الدستور، وانتهاء بالقوانين الأخرى.

من المعلوم أن من أكبر عيوبنا وأكثرها وأخطرها هو استخفاف الكثيرين منا بالقانون وتهوينهم لمبادئه، وفراغ أفئدتنا وأفكارنا من روحه، وليس ذلك بسبب عدم توفر القوانين، فهي كثيرة والحمد لله، ولكن سبب ذلك يعود إلى ما ربانا عليه طواغيت العهد الهالك وما مارسوه من استخفاف وعبث في حق القانون تشريعا وتطبيقا.

أجل فرأس الظلم والاستبداد والحرام سقط، ولكن جسمه المتعفن النتن لا يزال ممتدا على مدى الوطن، تزكم رائحته الأنوف وتقزز الأبدان وتنغص الشعور بالنصر، بل ربما يفعل فينا جسم الحرام الهالك أكثر من ذلك، فيقيد أرجلنا عن السير إلى الأمام، ويشل أيدينا عن البناء، ويلجم ألسننا عن قول الحق، وقبل وبعد كل ذلك يطمس على الأفئدة والقلوب؛ فترى الحرام حلالا والمنكر معروفا والممنوع مشروعا.

وعندها تكون يا بوزيد كأنك ما غزيت!

 محمد الشيباني
  
 




الأربعاء، نوفمبر 09، 2011

هل يفلح الكيب



تُرى هل يفلح الكيب في أن يجد وزيرا؟!

بُعيد تكليفه بتشكيل الحكومة، وبعد مداولات شاقة، خلا عبد الرحيم الكيب إلى نفسه، واختار أعضاء حكومته. ثم خطر له أن يضمن قرارات التكليفات الوزارية، رسالة الإرفاق التالية:

إلى كل من ابتلاه الله فولاه

سلام وبعد

ردَّدنا خلال العقود الأربعة الماضية، وبإفراط، مقولة "الوظيفة تكليف وليست تشريف"، غير أننا وجدنا أولئك المكلفين قد التصقوا بتلك الوظائف التصاقا حميميا بلغ حدَّ الشذوذ، وما سمعنا أحدا منهم أطلق أنَّة أو آهة أو أبدى تململا أو إعياء من تكاليف الوظيفة وأعبائها، بل وجدنا جلهم قد هاموا في الوظيفة حتى الجنون!


لا شيء يبرر الهيام حتى الجنون، سوى غرق أمناء ورؤساء ومدراء ذلك العهد المشئوم في بحار المتعة والسعادة والرضا، وهو ما أفقد ذلك الشعار، "الوظيفة تكليف وليست تشريف"، صلاحيته ومصداقيته، وقلب مدلولات ألفاظه، فصارت كلمة التكليف، تعني نيل الحظوة والتشريف، وأصبحت الوظيفة العامة مغنما لا يناله إلا أحمق سفيه سخيف. وكأن النفاق  بعد أن طبع القلوب والنيات، تسرب إلى الألفاظ والكلمات، وأصبحت هي الأخرى تظهر ما لا تبطن!


تلك أمة قد خلت، وزمن قد ولى. وهو زمن سيطر فيه شخص سفيه، فولى أمور البلاد والعباد أزلامه ومريديه، وجعلهم خداما وعبيدا له ولبنيه.


إن الوظيفة التي كان يتكرم بها القذافي على كل من ألهه وركع له وقبِّل قدمه، لم تكلف القذافي النزق المغامر شيئا، وما كان يرجو القذافي من تلك الوظائف سوى توطيد حكمه والدعاية له. وهو ما يفسر اقتصاره في إسناد تلك الوظائف على ذلك الصنف من الناس القادرين على تلبية شبقه وشذوذه الذي يبدأ بما نعلمه من مدح وإطراء سمج سخيف، وأجزم، ولدي أدلة، أن ذلك المدح والإطراء يصير في الخفاء ركوعا وسجودا لنصف الإله، معمر القذافي!


ها قد سقط نصف الإله، ورأينا عوراته البشرية بأم أعيننا. وبسقوطه المدوي هذا سقطت سلسلة من المفاهيم والمبادئ الظالمة الجائرة التي أسس عليها النظام السابق منظومة حكمه وأركان مملكته التي ذهبت إلى غير رجعة.


قال القذافي ذات يوم أنه ليس لديه مشكلة في الإتيان بوزير أو عدة وزراء ساعة يشاء، ذلك أن وزراء القذافي المرتزقة المأجورين لم يكلفوه شيئا يذكر. ولكنكم يا وزراء فبراير المحترمين بلغت تكاليفكم عشرات الآلاف من الليبيين ما بين موتى وجرحى وذوي عاهات، وهو ما أوقع الوطن كله في دوامة الأحزان والحسرات. وفي أسفل فاتورة هذه المآسي نجد ذلك الرقم المرعب المخيف للخسائر المادية المرهقة الجسيمة.


أيها الوزراء:

إن آلاف الضحايا، من فاقدي حياتهم، وفاقدي أطرافهم، وفاقدي أحبابهم، هم الذين صاغوا بمداد المأساة هذا القرار الذي بين أيديكم، محملين إياكم أمانة ما أحرزوه من نصر على الظلم والظالمين والفساد والمفسدين، ومحذرينكم من أن أي زلل ترتكبونه بموجب قوة هذا القرار، إنما هو خذلان وخيانة لدماء زكية على التراب سالت، واستخفاف بأرواح طاهرة نقية  في ساحة الوغى والحرب فاضت، واحتقار لأجسام احترقت وانطمست معالمها وزالت، وتهوين لفقدان أعين وأيد وأرجل من أجسادها اقتطعت وتلاشت.


إن تلك القائمة الطويلة من ضحايانا الكرام، قد قدموا أعز ما لديهم  لا لشيء إلا لطرد الظلم والاستبداد، والطغيان والفساد، من أوسع أبواب الكفاح والجهاد، فاحذروا أن يتسلل كل ذلك، ويعود إلينا من النافذة، ونحن في غفلة من أمرنا.


تذكروا!

ـــ           أنه كلما حققتم بهذا القرار الوزاري إنجازا، فإن هذا الإنجاز كان ذات يوم حلما من بعض أحلام الشهداء. وما كان هذا الإنجاز ليتحقق لو لم يتقدم أولئك الشهداء الأبرار، ويجعلوا من دمائهم حجر أساس لذلك الإنجاز.

انتبهوا!

ـــ                  فإن كل مشهد من مشاهد ليبيا الجديدة، والذي قد تصنعه قوة هذا القرار، إن هو إلا أحد المشاهد التي حلم بها الشهداء ذات يوم. وما كانت انتفاضتهم السلمية الأولى إلا تأويل بريء لأحلامهم ومناماتهم اللذيذة التي سرعان ما تدخل الكابوس، القذافي، وأوَّل كل تلك الأحلام على إيقاع لعلعة الرصاص، وغرغرات المحتضرين، وأنات المجروحين.


لا تنسوا!

ـــ                      فكلما تنسمتم عبير الحرية، وشربتم أنخابها العذبة، كان حري بكم أن تعلموا أن تلك الأنخاب هي نفسها التي امتدت إليها أصابع شبابنا الطرية، فقذف بها السفاح بين أنياب مقصلته، ولم يسمح لتلك الأنامل الغضة حتى بتحسس ملمس أيقونة الحرية، والتلذذ بمجرد النظر إليها عن قرب.

اعلموا!

ـــ                     بأن كل شارع أو ميدان سيمر به ركبكم الوزاري المهيب كان قد ارتوى أديمه بدماء الشهداء الأبرار، وما شجرة الحرية السامقة التي تتفيئون  ظلالها الوارفة إلا حصاد ذلك الدم الطاهر الزكي.

من فضلكم تذكروا ضحايا الحرية الحمراء في كل موقف، وعلى الخصوص في المواقف التالية:

ـــ         كلما قمتم بإعلاء صوتكم لإحقاق الحق وإبطال الباطل، دون اضطراركم إلى التلفت يمنة أو يسرة مخافة أن يصفعكم دكتاتور، أو يبطش بكم أحد حراسه.

ـــ                 كلما وردتم موارد المعرفة، فلم تجدوا أبوابها موصدة، وقد وقف عليها السفهاء الأغرار، وهم يمارسون وصايتهم على عقولنا، ويستخفّون بتطلعاتنا المشروعة إلى الاغتراف بأيدينا من معين العلم والثقافة، والنهل منه حتى الارتواء. ولمّا لم نطاوعهم  قاموا بقطع كل يد تمتد لكتاب، وبإخراس كل لسان يتهجى ألف باء التعبير الحر.           


ـــ           كلما جُلتم بأبصاركم في رحاب الوطن، فلم تصدمكم وتفقأ أعينكم صورة وترهات ذلك الطاغوت الذي أجبرنا السنين الطوال على وضع منظره البشع بين أجفاننا والمقل.


ــ       كلما أصختم بأسماعكم إلى إيقاعات ما خلق الله من حناجر وأوتار، ووجدتم هذه الإيقاعات قد صفت وخلت من ضجيج أبشع صوت لامس سمع إنسان، صوت القذافي الآثم الكذاب.

ـــ            كلما رأيتم الجدوى في قرار ما فاتخذتموه، ولم يحل بينكم وبين ذلك جهل جاهل، ولا طمع طامع، ولا فساد مفسد.
  
ـــ           كلما وقعتم على عقد، وتيقنتم بأن هذا العقد لم تشبه شائبة من فساد، ولم يجبركم متسلط بإضافة نسبة مئوية تحول إلى حسابه بالخارج.   

ـــ             كلما مارستم لعبة الديمقراطية الممتعة المشوقة، ولم يأت حاكم جلف، ويقلب الطاولة على المجتمعين، ويضرب بإرادتهم عرض الحائط، كما كان يفعل الطاغوت.

ـــ      كلما امتد بكم الحلم لتجعلوا ليبيا توأم سنغافورة أو ماليزيا، ووضعتم الخطط الذهبية للوصول إلى الهدف السامي، فلم يصدمكم حاكم سفيه بابتسامة ساخرة وعبارات متهكمة، واضعا حذاءه القذر فوق ما أعددتموه من دراسات وخطط.
    

وبعد، وإذا ذكرتم كل ذلك، وغيره كثير كثير، فلا أخالكم تنسون ما ينتظره منكم الليبيون المنتصرون، وما يعقدونه عليكم من آمال وطموحات عز عليهم تحقيقها فيما خلت من سنوات.

أيها الوزراء المحترمون:

الأطفال ينتظرون ويأملون.
الشباب ينتظرون ويطمحون.
الكهول وحتى الشيوخ  أيضا ينتظرون ويأملون.

الكل ينتظر ويأمل ويتمنى، فلا تخيبوا آمالهم وتسفهوا أحلامهم.

لابد أنكم إذا أدركتم كل ذلك، سوف تفكرون ألف مرة، قبل أن توقعوا بما يفيد استلام قرار التعيين، والذي هو بحق قرار ينضح ابتلاء، ويقطر عناء.  


إذا تجرأتم، وتسلمتم هذا القرار، وقبلتموه، فرجاء احذروه.


وإن وجدتم أنفسكم لا تقدرون عليه، فخير لكم أن تتركوه.


وفقكم الله.


كبير المبتلين
عبد الرحيم الكيب

........................................................................................................................................................
محمد الشيباني