الاثنين، فبراير 13، 2012

سنة أولى ديمقراطية " 23 "



عجبا، بقعة دم أحمر، أصبحت ثقبا أسود، فالتهم اليابس والأخضر!!!!

مقتل عبد السلام خشيبة القذافي مثالا لا حصرا.



سنة أولى ديمقراطية " 23 "

فيديو مقتل عبد السلام خشيبة القذافي المعروض حديثا، برغم أنه درسٌ عارضٌ، إلا أنه ذو إيقاع أكثر قوة وعمقا من إيقاعات دروس سنة أولى ديمقراطية المعتادة، ولذلك حُقَّ له أن يقطع سلسلة هذه الدروس.

رابط اليوتيوب عاليه الذي أظهرته اللوحة إلى جانب عنوان الدرس يحوي شريطا مرئيا ومسموعا لحادثة قتل استثنائية ومرعبة ومخجلة ومخزية بكل المقاييس!

محتويات الصورة كافية في حد ذاتها لتعريف المشاهد بأنه ذات يوم من الأيام السوداء التي تكررت أكثر من 15300 مرة بعدد أيام حكم القذافي الطويلة، تجمع العشرات من العسكريين الليبيين من كتيبة امحمد المقريف الفوج 219، في مكان ما من معسكر باب العزيزية، مقر الدكتاتور القذافي، وقاموا بقتل زميل لهم من عائلة القذافي نفسه، وذلك بعد اتهامه بمحاولة قتل القذافي، كما يزعمون. وبدل أن تكمل لجنة القتل مهمتها وتواري القتيل التراب، تلقت أمرا مفاجئا، نسخ أمر الدفن، وأحل محله أمر إخراج الجثة من مكان قتلها سحبا على الإسفلت، والتمثيل بها على الصورة التي يبينها الشريط المرعب المذكور.

اللوحة الذكية لفصل سنة أولى ديمقراطية ذهبت إلى أبعد من مجرد تخزين وعرض محتويات الشريط من صوت وصورة، فغاصت أكثر في مدلولات هذا الفيلم الذي قسمته إلى مجموعة من المقاطع،  يحمل كل منها رمزا ودلالة أكبر بكثير مما تحمله الصورة العامة للمشهد، وذلك برغم ما تركز فيها من قبح وبشاعة ظاهرين. وهذه الرموز والدلالات هي:

# 1 ــ القتيل هو عبد السلام اخشيبة الخطري من أحد أفخاذ قبيلة معمر القذافي، ومن الحرس الشخصي له.

# 2 ــ مكان القتل والتمثيل بالجثة، هو مقر قيادة القذافي بباب العزيزية، وهو المكان الذي منه حكمت ليبيا كلها العقود الطوال.

# 3 ــ لم يتم قتل الضحية بوسائل القتل السريعة، وإنما تم بوسائل القتل البطيء، كالضرب بالعصي والحجارة، وغيرها.

# 4 ــ التمثيل بالجثة كان علنيا، وجماعيا، وفي وضح النهار.

# 5 ــ الحرص من جانب القذافي والقائمين بالجريمة على توثيق الحادثة بالصوت والصورة.

# 6 ــ  لم يظهر المشهد عملية القتل، وإنما اقتصر المشهد على عملية التمثيل بالجثة.

# 7 ــ  بدأ المشهد بتصوير العناصر القيادية لفرقة القتل وهم يجرون مسرعين نحو مكان تواجد جثة القتيل، وبما يشير إلى أنهم كانوا في حضرة سيدهم، وبأنهم للتو تلقوا أمرا صارما بالتوجه مسرعين نحو مكان تنفيذ الفصل الثاني من الجريمة، وهو التمثيل بالجثة، وليس الدفن كما هو معهود.

# 8 ــ  بعد إخراج الجثة سحبا من رجليها، لوح "الزغرات" أحد قادة فرقة القتل بيديه، فهب على الفور وبسرعة العشرات من أعضاء الكتيبة الموجودين بالجوار.

# 9 ــ تم ضرب القتيل ودوسه بالأقدام وبعنف بالغ على وجهه، في تعمد واضح لإخراج الدم من جسمه الميت، وتصوير الدم المستخرج، ربما كدليل على إنجاز المهمة بالشروط التي يريدها المقاول الكبير للصفقة.

# 10 ــ تركيز الكاميرا على بقعة الدم فوق الإسفلت، والتي خلفتها ركلات الأقدام على رأس الضحية، مع قيام أحد أفراد الفرقة "حسن المهدي"، أصلع الرأس، بلفت الأنظار إلى بقعة الدم، وذلك  بالإشارة المتكررة إليها بيديه، ثم النظر إلى الكاميرا وقيامه ببعض الحركات والطقوس الغريبة العجيبة.

# 11 ــ تعرية القتيل وتجريده من ملابسه الساترة لعورته بالكامل.

# 12 ــ تم تعليق القتيل في جذع شجرة عالية من رجله اليسرى فقط، مع ترك رجله اليمنى متدلية وبما يتيح انكشاف عورته إلى أقصى حد ممكن.

# 13 ــ تم جعل مؤخرة عورة القتيل في مواجهة الناظرين، بينما تم إلصاق مقدم عورته وبطنه بجذع الشجرة، وفي هذا إشارة ما إلى النكهة الجنسية للجريمة، أو أن مستلم الخدمة، القذافي، يصر على توفر مثل هذه اللمسات في الخدمة المتفق عليها!   

# 14 ــ بعد تعليق الضحية عاريا، وعلى ارتفاع يسمح بالنظر إليه من أي مكان، بدت في الصورة سيارة زرقاء تقترب من مشهد المأساة، ولن تكون هذه السيارة سوى السيارة التي تحمل مقاول الصفقة الكبير، القذافي، الذي حضر إلى المشهد بعد إجراء اللمسات النهائية عليه من قبل مقاولي الباطن.

# 15 ــ تحمل السيارة لوحة خضراء بما يشير إلى أن تاريخ الجريمة كان قبل تغيير ألوان اللوحات إلى اللون الأبيض، ربما في منتصف تسعينيات القرن الماضي. يؤيد القول بهذا التاريخ تصوير الفيديو بكاميرا غير رقمية، حيث أن الكاميرا الرقمية لم تتوفر إلا مؤخرا.

#  16 ــ تعمد مخرج المأساة التاريخية المخزية إلى شق طريق وسط كتلة الذئاب البشرية المسعورة، حيث صنع من ذلك الطريق مجالا يسمح برؤية الضحية المدلاة بوضوح، وبكيفية تشير إلى وجود القذافي نفسه في أول ذلك الطريق، وفي الكرسي الملاصق تماما لخشبة المسرح الشيطاني، وذلك للاستمتاع عن قرب برؤية ضحيته وهو ميتا معلقا من رجل واحدة ومكشوف العورة!

# 17 ــ تم ترك القتيل متدليا بالشجرة لعدة أيام، كما أفادت بعض المصادر. يؤكد ذلك ما رأيناه مؤخرا من جثامين ضحايا القذافي، وقد حفظت في ثلاجات ولعشرات السنين.

# 18 ــ ملاحظة تجمع منفذو الجريمة أمام الكاميرا، وحرص كل واحد منهم على إظهار صورته وصوته دون الخوف من أية تبعات اجتماعية، مما يدل على صرامة أمر القتل والتمثيل بالجثة من ناحية، ومن ناحية أخرى، وهو الأهم، شعور هؤلاء القتلة بأن معمر القذافي لن يزول. كيف لا وهم يرددون منذ نعومة أظفارهم بأن الفاتح باقيا أبد الدهر!

# 19 ــ تم حمل أحد عناصر لجنة القتل فوق الأكتاف، والرقص به على إيقاع الشعارات المؤيدة للقذافي، والمنددة بالقتيل الذي وصف بالخائن، وبما يشير إلى أن هذا المرفوع على الأكتاف هو بطل العملية المشهودة.

# 20 ــ إعداد بيان مكتوب وتلاوته من قبل أبرز أعضاء فرقة القتل، وذلك بعد قيام الفرقة بتنفيذ ما أوكل إليها من عمل.

# 21 ــ أقر القتلة في بيانهم بما فعلوا، وبأنهم فعلوا ذلك من أجل تنفيذ إرادة القذافي وإرضاء له.

# 22 ــ لم يشر البيان إلى تفاصيل الجريمة التي قام بها الضحية، ولكنه اكتفى باتهام الضحية بمحاولة قتل القذافي ودون الإشارة إلى أي إجراء قضائي تم اتخاذه بالخصوص.

# 23 ــ برغم مضي السنوات على هذه الجريمة إلا أنها كمثيلاتها لم تظهر إلى العلن إلا بعد سقوط القذافي، مما يعزز تلك المقولة التي كنا نرددها خائفين: ما خفي كان أعظم! .  

#  24 ــ جميع من ضمتهم ساحة الجريمة، والذين يقاربون المائتين هم رجال بالغون ليبيون مسلمون، وواعون بكل ما يفعلون.

# 25 ــ كل الحاضرين لم يرتكب الضحية بحق أي منهم شخصيا ذنبا يبرر له قتله والتمثيل بجثته على الطريقة التي رأينا، وإنما اجترحوا هذه الجريمة البشعة بالوكالة ولصالح طرف ثالث دفع لهم مقابلا لذلك.

# 26 ــ قام أعضاء الكتيبة بعملهم الشنيع هذا وهم في غاية الجرأة، ولم يبد على أي منهم التردد أو الوجل، كما لو أن القتيل خروفا، وربما أدنى من ذلك، جرذا مثلا!

# 27 ــ لابد أن عناصر الكتيبة، ومنذ ذلك الحين، كان يتم تدريبهم وتأهيلهم على أن يروا كل ليبي من أمثال عبد السلام اخشيبة مجرد جرذ، وهو افتراض يساعدنا في حل لغز كلمة السر" شدوا الجرذان" التي بدأ بها القذافي حربه الأخيرة على الشعب الليبي.  

# 28 ــ جرت الجريمة، كما يبدو في الصورة، في وقت الظهيرة، وقبيل موعد غذاء ذلك اليوم المشئوم، وهو ما يبعث على الافتراض بأن عناصر الكتيبة جميعهم قد تحلقوا بعد تنفيذ مهمتهم القذرة على مائدة غذاء زاخرة بكل أصناف اللحوم الشبيهة، بعض الشيء، بلحم زميلهم عبد السلام، والذي لابد وأن رائحة لحمه ودمه لم تزل عالقة بأصابعهم وثيابهم!!!. ( رأيت ذات مرة ميتا في المشرحة، فلم أذق اللحم شهورا)!!.

# 29 ــ في مساء ذلك اليوم عاد القتلة إلى بيوتهم واحتضنوا زوجاتهم اللاتي لابد أن أكثرهن يعرف زوجة المغدور عبد السلام. كما لابد أنهم قاموا بمداعبة أطفالهم الذين يفترض أنهم هم أيضا يعرفون أبناء الضحية، وربما كانوا يلعبون معهم عندما كان آباؤهم يلعبون لعبة أخرى مع والد أولئك الأطفال، والذي لم يؤخره على الوصول إلى بيته في الموعد المعتاد، واحتضان زوجته وأولاده، سوى غدر أبناء عمومته وزملائه به، وتركه معلقا عاريا في جذع شجرة في ليلة هي الأسود والأطول على الزوجة والأبناء المنتظرين أباهم الذي لن يعود أبدا.
# .........
# ............
# ............

ونظرا لتزاحم الصور وعظيم بشاعتها، ضجَّ بها المعالج الفائق الذكاء للوحة الإلكترونية، وتوقف عن قبولها، مما جعل اللوحة الذكية تصدر أصواتا وأضواء تحذيرية صاخبة، أعقبتها بالاستنتاجات الخطيرة التالية:

> حادثة القتل الشنيعة هذه لم تكن الأولى ولا الأخيرة التي تجري بأوامر وتوجيهات القذافي؛ فمنذ منتصف السبعينيات واستقواء القذافي بضعاف النفوس والحمقى والمرضى كالذين ظهروا بالشريط المذكور، شهدت المعسكرات والجامعات وغيرها جرائم مماثلة لجريمة مقتل عبد السلام اخشيبة.

> نجاح القذافي في الحصول السهل الرخيص على هذه النماذج فائقة العدوانية، هو الذي سهل له اتخاذ قرارات القتل الكبيرة، سواء التي حصلت خارج الحدود في أوغندا وتشاد وغيرها، أو تلك التي جرت بالداخل، مجزرة سجن أبي سليم مثلا.

> هذه الحادثة المأساوية ومثيلاتها الكثيرات، هي التي مهدت إلى ارتكاب المجزرة الأخيرة الأكبر، والتي عمت الوطن بكامله، وتسببت في مقتل عشرات الألوف من الليبيين.

> الذي يشاهد الدمار الذي لحق بباب العزيزية، مسرح الجريمة المذكورة، يستطيع أن يدرك بحسه الفطري أن الدمار الأخير وغير المتوقع الذي لحق بباب العزيزية، ما هو إلا ناتج تلك الجريمة التي بلغ تركز الظلم فيها حدا جعل منها ومن  مكانها ثقبا أسود، قام بابتلاع كل ما حوله من خرسانات ودشم وأنفاق وأسوار وذخيرة وأعتدة وكتائب أمنية عالية التدريب والتجهيز، كما قام هذا الثقب الأسود وبقوة بالغة بسحب ملك الملوك وطاغية العصر من أعماق ملاجئه وحصونه الحصينة، وقذف به إلى ماسورة مياه على بعد مئات الأميال، ثم ليسحب من تلك الماسورة، ويجر عاريا نازفا، تماما كما جُرَّ وعُرِّيَ عبد السلام اخشيبة وغيره.

> ثقب الظلم الأسود الذي صنعه القذافي بيديه، امتد وكبر عبر العقود الطويلة السوداء، وأخذ بخناق الأرض كلها، فغير مسارها إلى حيث لم يحتسب القذافي ولم يتوقع أبدا، فإذا أصحاب القذافي وحلفاؤه من ملوك الأرض وكبرائها ينقلبون بين عشية وضحاها إلى أعداء له، ويرغمونه على التنحي والخضوع لسنن الدنيا ونواميسها.
  
> إن حاكما كالقذافي تصل به القسوة إلى الحد الذي رأيناه، ليعجب الإنسان أشد  العجب من أولئك المؤيدين له،  والذين لابد أنهم يعلمون أن ما فعله بالمواطن عبد السلام وغيره سوف يفعله بهم أيضا وبأولادهم، وذلك عند حلول دورهم!

> العجب كل العجب من الذي لا يزال يستنكر مقتل القذافي على الصورة التي قتل بها، وقد رأى بأم عينيه ما كان يفعله القذافي بضحاياه، عبد السلام مثالا!

> العجب كل العجب أيضا من الذي تعمى عيناه، فلا يرى خطوط القدرة الإلهية الحكيمة، وهي تربط وبوضوح ظاهر بين الشجرة التي علق فيها القذافي ابن عمه عبد السلام عاريا، وبين ماسورة المياه التي سحب من جوفها القميء ملك الملوك معمر القذافي، ثم عُرِّيَ وفُعِل به ما فُعِل بعبد السلام، وربما أكثر!

> أي شخص عاقل سويٍّ ذاك الذي يرضى بأن يرى إنسانا من بني جلدته ودينه، وبعد أن تم تنفيذ حكم الموت فيه ظلما، لا يدفن كبقية الأموات ويوارى التراب، ولكنه يعرى من كل ملابسه، ويعلق برجل واحدة حتى تنكشف عورته بالكامل، ثم، ويا للعجب، يصر هذا الشخص العاقل على تأييد الجاني والتماس العذر له، وذلك بدل التعاطف مع الضحية، ولو معنويا، واستنكار ما فعله الجاني الأثيم!

> من ذاك يسأل نفسه عن سبب قيام القذافي بالحض والتحريض على فعل الجرائم التي يهتز لها عرش الرب، ثم يكتفي، القذافي، بالنظر من بعيد إلى أولئك البشر الذين استطاع أن يغويهم، ويحولهم بفعل ما لديه من مكر إلى ذئاب وكلاب مسعورة؟

> ألا يلاحظ أقل الناس ذكاء التشابه الكامل الواضح بين القذافي وإبليس، فإبليس يوسوس ويحث ويثير ويغري ويغوي الإنسان، ثم ما يلبث أن يتنحى جانبا، ويقول إني أخاف الله رب العالمين. ألم يدأب القذافي على التصريح بأنه لا يحكم، وبأنه ليس مسئولا عن كل ما جرى من فظائع!


> مثل هذا الفيديو وأشباهه، ربما هو هدية السماء الأخيرة التي أهداها العليم الخبير وكاشف الأسرار وفاضح الأشرار لكل من في قلبه أثر من براءة وطيبة وإنابة وإذعان للحق، وذلك رحمة منه سبحانه في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أولئك الذين غرر بهم القذافي ودفعهم إلى ارتكاب جريمة القتل، والتي هي أعظم عند الله من زوال بيته الحرام وكعبته المقدسة.   

> إن هذا الفيديو الفضيحة يحمل من الإشارات والدلائل ما يكفي وحده لإدانة نظام القذافي كله، ويبرر لشعب يحكمه مجرم كالقذافي أن يستعين على القذافي ليس بالناتو فقط، بل بالشيطان.

> يا ليت كل من يبحث الآن عن عذر للقذافي وعصابته، يحاول فقط أن يتصور مجرد التصور أن ابنا أو أبا أو أخا له في مكان عبد السلام اخشيبة أو الوافي امبية أو حفاف أو المدني أو كعبار، أو كثيرين غيرهم، ممن قتلوا بلا ذنب ولا جريرة.

> إن البقاء على تأييد قاتل كالقذافي، وبالبشاعة التي رأيناها في حالة عبد السلام اخشيبة، لهو بحق داء خطير، ويتحتم على المصاب به إنقاذ نفسه وعلاجها منه قبل أن تنعدم فرصة المراجعة الذهبية الأخيرة هذه، والتي يمثل الفيديو المنشور أحد نواقيسها وأجراسها الصادحة.

> إن مجرد ملاقاة القذافي لجزاء من جنس ما عمل، لهو الدليل الصارخ على أن القذافي هو المسئول عن هذه الجريمة التي أبت حكمة السماء إلا أن تتولى ملفها بنفسها، وتصدر حكمها العادل فيها.

حقا إن السماء هذه الأيام بالأدلة تمطر.
وإن الحقيقة عن وجهها الجلي تسفر.
وأن الفضائح المدسوسة بدأت تنكشف وتظهر.
فهل من آئب راجع وربه مستغفر.

محمد الشيباني




الخميس، فبراير 09، 2012

سنة أولى ديمقراطية"22"



فيروس الألتراس سبب كل مصيبة وبأس

 منشورات ضد ألتراسية

ما زلنا في فصل سنة أولى ديمقراطية، وفي الدرس"22" سياسة، وموضوع درس اليوم هو الإجابة رقم 9 عن السؤال الكبير:
                            " من نحن؟ "

سألت اللوحة الذكية السؤال عاليه، وأتبعت سؤالها بالجواب التالي:
       "نحن قبليون بسطاء أبرياء، لولا الألتراسيون المتعصبون الأشقياء"
                                 


وكسبا للوقت قصرت اللوحة الذكية فعاليات الدرس 22 على اقتراحها مجموعة منشورات ضد ألتراسية، وحددت دور  الطلبة في نشر وتوزيع هذه المناشير، والتي هي:

# 1ــ الألتراسية، وكما يعني اسمها المعجمي الزيادة عن الحد، وربما التطرف. وعندما اتخذ بعض المعجبين والمشجعين الرياضيين المغالين في حماسهم اسم الألتراس رمزا واسما لهم، فإنهم بذلك أثبتوا أنهم فئة متطرفة في شعورها، ومتجرئة في فعلها وسلوكها، وأنهم تبعا لذلك يتحملون المسئولية الأخلاقية والجنائية الكاملة عن كل ضحايا السعار الرياضي الناتج وبشكل أساسي عما يقوم به الألتراس من أعمال إثارة وتحريض، وربما سب وتشهير.

# 2 ــ العمل الألتراسي الرياضي المتطرف، ومهما تغزل فيه أنصاره، فإنه في صورته الأخيرة لا يعدو عن كونه تعبيرا بصوت معربد صاخب عن مكنونات نفسية غريزية مخجلة محرجة، تماما كما هو مخجل ومحرج صوت من يعلي عقيرته عندما يكابد لسعة الجوع أو غلمة الشبق، وهي حالة تقابل هزيمة نادي الألتراس، أو وهو  في ذروة النشوة وقمة الإشباع الغريزي، وهي حالة تقابل الانتصار الكروي الهزيل للاعب ما أو فريق ما. ولم يكتف الألتراسيون الرياضيون المتطرفون وغيرهم بمجرد رفع أصواتهم، بل رفعوا أيديهم بالأسلحة، فأحالوا الملاعب الخضراء بركا حمراء!

# 3 ــ المجموعات الألتراسية المتطرفة، رياضية أو غير رياضية، أثبتت عبر التاريخ أنها مكون طفيلي انتهازي متقوقع، وأنها وهي تحاول السيطرة على المجتمع وتقوده لا تتخذ وهي تفعل ذلك مسارا أفقيا بنائيا يعم المجتمع ويشمله، ولكنها دأبت على التشكل على هيئة مجموعات عصابية متطرفة تراهن على الثغرات المكشوفة في الوعي الجمعي للوسط الاجتماعي المبتلى بها، ثم تجره إلى حيث تريد. ودليل ذلك عدم اقتناع المجتمع بعملها بل واستنكاره لما يقوم به الألتراسيون المتطرفون.

# 4 ــ القبيلة أية قبيلة، مهما كبرت وعظمت وامتدت، ومهما نفخ فيها النافخون من جشاء كبرهم وتعصبهم وتعاليهم، لم تكن في أصلها سوى عائلة صغيرة من ذكر وأنثى، ثم أصبحت العائلة الواحدة عائلات متعددة ارتبطت فيما بينها بالروابط الوجدانية والاجتماعية المعروفة وشكلت القبيلة، النموذج الحتمي للتناسل والتكاثر الطبيعي المعروف.

# 5 ــ وكما إنه لكل واحد منا اسم ينادونه الناس به، ويضعه على باب بيته، وأمام مكتبه، كما يتخذه رمزا  لبوابته الالكترونية وعنوانا لها؛ كذلك ترفع القبيلة اسمها على حدود رقعة المكان الذي تسكنه، والأرض التي تزرع أو ترعى فيها؛ فيضحى اسمها وما يتشكل منه من حروف سياجا ورادعا معنويا يحيط بحمى القرية ويحميها. وكما هو معروف فإن أول راية رفعتها القبيلة هي راية اسمها المكتوب بحروف بسيطة واضحة طاهرة من كل غرض، وخالية من كل شائبة، ولم يكن للقبيلة من هدف وراء إعلاء راية اسمها سوى هدف التعريف بنفسها .. " لتعارفوا "

# 6 ــ ربما جرَّ التدافع من أجل لقمة العيش بعض القبائل وما شابهها من كيانات اجتماعية إلى التنازع مع غيرها، إلا أن هذا التنازع الاقتصادي لم يكن مسئولا إلا بقدر بسيط عما جرى من حروب دامية كثيرة بين الكيانات البشرية الاجتماعية المختلفة على مدى التاريخ، والذي أكدت أحداثه أن الناس يقومون بمقايضة ما يملكون أكثر بكثير من تحاربهم وتقاتلهم على ما يملكون.

# 7 ــ المتهم الأبرز في الصراع البشري هو "أجندة الألتراس المتطرف" لكل قبيلة أو إمارة أو امبراطورية، وحتى لكل دين وملة.

# 8 ــ الألتراس هو ذلك الورم الخطير الذي تتكاثر خلاياه بطريقة منفلتة مجنونة، وتشكل قوة مؤثرة تتمركز في أمكنة حساسة من جسم الكيان الاجتماعي، وتأخذ بناصيته حيث تريد أجندتها التي تضع في أولوياتها تحقيق الهدف القريب الضيق لأجندة الألتراس، ولو كان ذلك على حساب الهدف الأسمى للقبيلة أو الأمارة أو الدولة، وربما البشرية جمعاء.

# 9 ــ ما أشبه الألتراس المتطرف بكل أصنافه وأنواعه بالنائحات بأجر، واللاتي يأتي بهن صاحب أو صاحبة المأتم من أجل تسخير طاقاتهن الشيطانية في تأجيج وإذكاء العواطف واستدرار الدموع، وأحيانا النفخ في نار الأخذ بالثار عندما يكون الفقيد قد لاقى حتفه مقتولا عمدا أو خطأ. وبفعل نكهة النواح المثيرة النفاذة ينقلب المأتم إلى صف أمامي من جيش ثأر لا يشبع وحشه النهم حتى يلتهم بدل القتيل الواحد طابورا من القتلى. والأمر ذاته ينطبق على المغنيات بأجر( الزمزامات)، واللاتي تتركز مهمتهن كما هو معروف في  تحريك الحاضرات وحثهن على الغناء والتصفيق والرقص بما يفي ومتطلبات العرس  ويرضي أصحابه.   

# 10 ــ  النائحات والزمزامات يعملن بأجر معلوم معقول، ولكن الفرق الألتراسية المتطرفة بلغ نهمها وتورم فاتورتها حد العبث بالمجتمع والمقامرة بأمنه واستقراره.

# 11 ــ أسلحة الألتراس كثيرة وفتاكة، إلا أن أخطرها هو سلاح السيطرة على مشاعر الناس وأفكارهم وأفهامهم، وذلك بما يستخدمه الألتراس من وسائل إثارة وتهييج مكتوب على أغلفتها ألفاظ وعبارات مغرية ومشجعة، إلا أن داخل هذه المغلفات يتركز السم الزعاف ويتربص الموت الزؤام.

# 12 ــ إطلاق الألسنة بالإطراء والمديح المبالغ فيه لقبيلة أو كيان اجتماعي ما، يلقي في روع النشء وبسطاء أهل هذه القبيلة صورة خيالية غير واقعية عن حقيقة حالهم. كما أن الهجو والإنقاص المتعمد من شأن الآخر وازدراءه، يشيع الفرقة ويبعث على التباغض والتشاحن.

# 13 ــ يبلغ الألتراس المتطرف ذروة خطره وضرره عندما يشكل مركز قوة وتأثير داخل المجتمع، وبذا يقوم بسوق المجتمع بأسره وراء شعارات الألتراس وأهدافه، أيا كانت هذه الشعارات، ومهما اشتطت تلك الأهداف.

# 14 ــ الألتراس الرياضي أو القبلي أو غيره، هو كيان مشحون بالعاطفة المعربدة والأهواء والعصبيات المنفلتة. وتتوسع دوائر هذه الألتراسات وتضيق وفق معادلات ساذجة محدودة مؤقتة يخترعها وينفذها عرابو الألتراس وكهنته وتجاره.


# 15 ــ عصابات الألتراس بمختلف أشكالها وأصنافها تعمد إلى الكيان الاجتماعي المبتلى بها فتقسمه إلى شطرين؛ حيث تستغل وقار ولياقة ومسالمة الشطر الأول، فتوقع باسم صمته على ما تريد. كما تستغل ذوي المشاعر الجياشة المنفلتة وصغار السن، فتغرر بهم وتضعهم تحت قيادتها جنودا مأمورين، ولأجندتها منفذين.
منذ وقت ليس بالبعيد، لعب الفريق الوطني المصري ضد الفريق الجزائري، فأوقد الألتراس الكروي المتطرف لكلا الجانبين حربا باردة بين البلدين. وقبل ذلك أشعل أيضا السعار الألتراسي الكروي حربا ساخنة بين دولتين في أمريكا اللاتينية. وقبل وبعد هذا وذاك كانت الألتراسات السبب الأبرز في جريان الكثير من وديان دماء البشر ضحايا السعار الرياضي البغيض!
ألتراس فريق الأهلي المصري ومناظره المصري البورسعيدي كانا ذات يوم في جبهة واحدة اسمها جبهة الفريق الوطني المصري، والتي شنت حملة شعواء ضد كل من حمل مجرد اسم الجزائر، ولو لم يكن ألتراسيا أو كرويا أو حتى رياضيا. بل مجرد جزائري وكفى!
قبل بضعة أيام انقسمت الجبهة الألتراسية المصرية الواحدة إلى شطرين متضادين محتربين، وحدث بينهما ما لم يحدث مع عدوهما المشترك، إبان حربهما الرياضية الكروية المشتركة المقدسة ضد إخوانهم في الإسلام والعروبة، الجزائريين!  

# 16 ــ الكثيرون من المفتونين بكرة القدم سوف يعترضون على هذا الخلط بين الألتراس الكروي والألتراس القبلي، وينزهون الألتراس الكروي المسكون بالروح الرياضية عن الألتراس القبلي المشحون بالعصبية العرقية المقيتة.

# 17 ــ الكثيرون من المنتشين بخمر التعصب بالقبيلة والاعتزاز بها، المقدسين لرابطتها، سوف يتأففون كثيرا من تشبيههم بالمشجعين الكرويين الأغرار الذين لا تربطهم سوى شعارات وأسماء أندية وألوان قمصان وغلالات، مقابل ما يربط ألتراس القبيلة من روابط جينية محكمة.

# 18 ــ الألتراس القبلي والألتراس الكروي كلاهما إفراز ثقافي له من البيئة التي نشأ فيها نصيب، سواء كان ذلك في مرحلة النشأة والتكوين، أو في مرحلة الفعل والتأثير. ذلك أن الألتراس المتطرف سواء كان كرويا أو قبليا، ومهما بلغت قوة إثارته وتهييجه لمن حوله، إلا أنه لن يجد في بيئة العقلاء الحكماء مكانا يتخلق فيه، كما أنه لن يجد في بيئة ذوي الأحلام والأفهام والألباب من يعيره أي اهتمام وهو ينعق بأناشيد الحماس الطفولي الكروي الرخيص، أو وهو ينشد أهازيج السعار القبلي العنصري الأثيم.

# 19 ــ كم هي جميلة خلابة تلك اللوحة السريالية التي رسمتها ريشة  الثوار الليبيين وهم يدوسون فوق الواقع الاجتماعي والسياسي السابق المتيبس المصمت بأقدامهم، ويرجعون نصف الإله القذافي إلى أدنى من نصف إنسان. وكم كان جميلا اسم القبيلة بحروفه السريالية الثائرة التي فاجأت كل أبجديات الدكتاتور التقليدية العتيقة، والتي عقدت الألسنة وحجرت على الأفهام العقود الطوال.
جميلة وساحرة جدا تلك اللوحة التي خطت بدماء الشهداء خطا أحمر على حدود كل قبيلة ليبية أبية، حيث صد ذلك الخط الأحمر الوهاج الطاغية وجنوده ودفنهم إلى الأبد، وكذا يفعل بكل طاغية من بعده.

# 20 ــ ليس جميلا، وعلى الإطلاق، أن يقوم، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، ألتراس بعض القبائل الليبية بجوب شوارع العاصمة، أو شوارع مدن وقرى أخرى غير مدنهم وقراهم، وهم يلوحون باسم القبيلة ويتغنون بأمجادها، ويتفاخرون ببأسها وشدتها، متمنطقين بأحزمة الرصاص.

# 21 ــ ليس جميلا البتة أن يزاحم اسم القبيلة الصغيرة مهما عظم شرفها وعلا مقدارها اسم الأم والقبيلة الكبيرة، " ليبيا". ذلك أنه لو أجرينا إحصاء بسيطا لمعرفة نسبة عدد القبائل التي نقرأ أسماءها على اللوحات الثابتة والمتحركة في شوارع العاصمة طرابلس مثلا، لوجدنا الطغيان الظاهر الملحوظ لأسماء هذه القبائل على اسم الدولة الليبية التي نكابد من أجل إقامتها ورفع اسمها على كل اسم سواها.

# 22 ــ الألتراس القبلي، وبكل أسف، كان حاضرا بكل صخبه وضجيجه، وبكل شعاراته وأهازيجه، في كل خطوة خطتها الدولة الليبية الجديدة رغم عمرها الذي لم يصل نصف العام بعد.

# 23 ــ الألتراس القبلي يستبق الأحداث هذه الأيام، ويعيد تنظيم صفوفه، ويشحذ همم رعاته ومموليه وبلطجيته، وذلك من أجل اختراق أهم وأخطر عمل سياسي تشهده ليبيا، ألا وهو القيام بانتخاب أعضاء المؤتمر الوطني الذي سيأخذ على عاتقه تنفيذ وصية آلاف الشهداء المتضمنة بندا رئيسيا مهما واحدا، وهو: بناء الدولة الليبية.

# 24 ــ ليس عيبا أن تقوم القبيلة بتعداد رجالها والدفع بأفضلهم وأكفئهم لشغل الأمكنة التي يخصصها لها القانون المنظم للعملية الانتخابية، ولكن العيب كل العيب أن يقفز ألتراس هذه القبيلة على إرادة كل أفراد القبيلة، ويقوم بتنويم القبيلة مغناطيسيا على إيقاع صخبه وضجيجه الألتراسي المخدر، مشكلا من أفراد هذه القبيلة كتائب عسكرية محتربة، بدلا من القيام بتشكيلها على هيئة دوائر ديمقراطية منتخِبة.

# 25 ــ الألتراس القبلي المتطرف بما يقوم به من عمل مدمر للكيان الاجتماعي التابع له أغرى، ومنذ القديم، شياطين الجن والإنس المتربصين بنا، فعقدوا معه الصفقات السرية والمعلنة من أجل تنفيذ خططهم وتحقيق مآربهم. وآخر من أغراهم بنا هذا الألتراس القبلي هو حاكمنا السابق الذي عزف وبشدة على وتر القبلية والجهوية، واتكأ على كاهل الألتراس القبلي المتطرف، سواء كان ذلك في أوقات السلم عندما تعمد الاعتماد على بعض القبائل وخصها دون غيرها بحمايته والمحافظة على نظامه مقابل ما كان يقذف به إليها من فتات، أو في أوقات حربه المسعورة الأخيرة عندما استعان بالألتراس القبلي المتطرف لبعض القبائل، ليقوم بتجنيد أغرار تلك القبائل، والزج بهم في حرب غير لازمة وغير شريفة.

# 26 ــ القبيلة المتخلفة، وألتراسها المتطرف، لا يمكن لهما أن يحييا ويمارسا فعلهما الغريزي الرخيص في أجواء المدينة والحضارة، ذلك أن المدينة بما تزخر به من حراك اجتماعي واقتصادي وثقافي، وبما تفيض به حلبتها من أصناف التحدي الحضاري الهادف البناء، تقوم بانتشال من يسكنها من أدران القبلية، وتفك من يألفها من أسر ألتراس القبيلة المتطرف.

# 27 ــ القبيلة بناء اجتماعي بسيط، وهي وليدة وحليفة بيئتها البسيطة، وتبقى القبيلة على ما هي عليه من بساطة طالما ظلت بيئتها على بساطتها، ولكن القبيلة تتحول وتتطور وتفقد الكثير من خصائصها القبلية بمجرد تزلزل البيئة من تحتها وارتدائها ثوب المدينة الحديث المتطور.

# 28 ــ إن المصر على التشبث بالقبيلة والرازح في قيودها، والرافض للمدنية والحضارة وأدواتها، كالذي يصر على الذهاب إلى مضارب قبيلته البعيدة عنه مئات الأميال على ظهر جمل مرددا حذاء القبيلة التراثي المميز، ليصل إلى قبيلته بعد شهر بدل أن يصلها على جناح الريح في ساعة واحدة. أو كالذي أصابه الحول القبلي فرأى صورة أفريقيا بقبائلها المتناحرة أفضل وأزهى وأبهى من صورة أوربا وأمريكا المتمدنة المتحضرة المتبرئة من القبيلة وعللها وأسقامها.

# 29 ــ النظام الظالم البائد، وعلى مدى عمره الثقيل الطويل، اعتمد اعتمادا كاملا على الألتراسيين المتطرفين، فمثابات اللجان الثورية، ومراكز التوجيه والتثقيف الثوري التي بنى عليها النظام السابق صرحه منذ تأسيسه، هي محطات تفريخ ألتراسية متطرفة. وقد قام القذافي بإلباس خريجي هذه الأماكن ألبسة ألتراسية عديدة، كان من أسوئها اللباس الألتراسي القبلي الكريه.

# 30 ــ تُرى هل تعي القلة القليلة من ثوارنا التي أسكرتها كأس الانتصار، وأغراها ما تحت يديها من عتاد، أن كل أوراق انتصارها وجميع ما تحمله من سلاح، سوف ينقلب ضدها، إذا ما حدث، لا قدر الله، أن هزت أفرادها أهازيج القبيلة، وأغراهم ما يقوم به الألتراس القبلي المتطرف.

# 31 ــ  ليس من المعقول على الإطلاق، وبعد أن منَّ الله علينا بالانعتاق من قيد وأسر طاغية كبير كالقذافي، أن نقوم وبسهولة بتسليم أنفسنا لطغاة أقزام من أمثال أغرار الألتراس القبلي الذين لن تصمد عيونهم أمام أشعة شمس الديمقراطية التي غطت البر الليبي من أقصاه إلى أقصاه.       

# 32 ــ التهييج والتحريض الإعلامي الألتراسي القبلي كان سببا رئيسيا لمجزرة رواندا المليونية، حتى أن المحكمة الجنائية الدولية أدانت ذلك المذيع القبلي الألتراسي المحرض.  


# 33 ــ إن فيروس القبلية أخطر كائن قد يدمر دولة ليبيا الحرة ، وما لم يتفهم مثقفو القبائل الكوارث التي قد يجرها هذا الفيروس الخطير ، و يشرعون في محاربته بين أبناء قبائلهم ، ستغدو ليبيا أشلاء ممزقة متقاتلة كما كانت جزيرة العرب قبيل ظهور الإسلام ، وكما يجري اليوم في العراق.  ومن شاء تأكيدا لقولنا فلينظر إلى ما حدث و يحدث في بني وليد ، وما يحدث بين الحين والآخر في العاصمة ، وقد يحدث غدا في أي مكان من ليبيا.

# 34 ــ أيها الثوار الأشاوس: كما قذفتم اسم "ليبيا" في عين القذافي ففقأتها، أقذفوا اسم ليبيا في عين كل قبلي ألتراسي متطرف وافقئوها.

تحيا ليبيا.
تسقط القبيلة.
تباً لكل قبلي ألتراسي متطرف.

محمد الشيباني

الثلاثاء، فبراير 07، 2012

في الهيرة نعبده هبلْ


ونرتلْ
سفرَ الصعود إلى الأسفلْ
أو
الدرس الواحد والعشرين من دروس سنة أولى ديمقراطية.

ديدنُ أي حاكم طاغية مستبد نصف إله، هو محاولة محاكاة الله جلَّ وعلا. وتزداد محاولاته هذه قوة وجرأة وجموحا عند امتداد إمهال الله الحليم له.

حاكمنا السابق، القذافي، مدَّ الله له حبل الإمهال، مما حفزه على إدمان المحاكاة الساذجة المستحيلة لخالقه الذي سواه من طين وماء مهين، وها قد أرجعه ترابا تذروه الرياح!

ما من مواطن ليبي عايش بعض أو كل فترة حكم الدكتاتور نصف الإله القذافي، ولو أنه كان من أنصاره ومريديه، إلا ويدرك بينه وبين نفسه أن ما من قرار اتخذ، أو  إجراء أبرم، على مستوى الإدارة العامة للدولة الليبية، بكل وزاراتها وهيئاتها وشركاتها وأجهزتها المختلفة، إلا وتم إبداعه من بنيات أفكار القائد، أو أن أحدا ممن هم حوله أوحى له بفكرته، فاستحسنها القائد وأمضاها، أو غير ذلك من آليات اتخاذ القرارات الدكتاتورية التي لوَّنت كل شبر من رقعة تراب الوطن، ومسخت كل خلية من خلايا نسيج العقل والذهن.

بلغ بالقذافي الهوس، وهو يمارس لعبة نصف الإله الأثيرة لديه، تصوره إمكانية متابعة وتقييد ورصد كل حركة يقوم بها أي ليبي وليبية، وعلى مدى الليل والنهار، سواء كان هذا الليبي في بيته الصغير يمارس دوره الشخصي المعروف، أو في عمله موظفا في أجهزة الدولة وهيئاتها ومؤسساتها المختلفة، أو طالبا في مدرسته وكليته، أو ماشيا بطريق، بل وحتى مريضا يتلقى العلاج بمشفاه!

حال لطف الله بالليبيين دون إنفاذ رغبة القذافي في جعل الليبيين جميعهم، يعيشون في معسكرات وتجمعات سكنية مغلقة، ذات نظام معيشي صارم، تقوم فيه الدولة بإسكان الناس وإطعامهم وفق نظام واحد، مقابل ما يقدمون من عمل، وفق ما كان يجرى في بعض الدول الشيوعية المتطرفة سابقا. وهي فكرة شيطانية تم بالفعل التهامس بها خلال سبعينيات القرن الماضي، وذلك تساوقا مع أطروحات الكتاب الأخضر وتطلعات القائد الدكتاتور التي بلغت آنئذ ذروة ثورتها وشططها وجموحها.

ما لا يدرك كله لا يترك جله أو حتى أقله، وإذا لم يتحقق لنصف الإله، القذافي، الهيمنة الكاملة على الليبيين على مدى الأربع وعشرين ساعة، فلا يمنع ذلك من الاكتفاء بالهيمنة عليهم في معسكرات عملهم وكانتونات سخرتهم، في المعسكرات والمؤسسات والشركات والأجهزة الحكومية المختلفة.

وفي خلوات الفرعون مع نفسه تارة، وتارة أخرى مع هاماناته، وعلى إيقاع مكر الليل والنهار الذي أدمنه عتاة النظام الجماهيري وعرابوه طوال فترة تسلطهم وحكمهم، تفتقت أفكار القائد وأعوانه على ضرورة تغيير وبعثرة خريطة الإسكان الإداري لكل قطاعات الدولة الليبية المعروفة، وهو ما يضمن تفريغ العاصمة، وتطويعها أمنيا، من جهة، ومن جهة أخرى يجعل الليبيين يركضون كالمجانين دونما هدف أو غاية، إلا غاية إشباع نزعة السيطرة المرضية لدى الدكتاتور. وكان للدكتاتور ما أراد!

الوزارات التي يربطها بالعاصمة طرابلس أكثر من رباط تنقل إلى سرت! القوات المسلحة جميعها تجلى إلى الجفرة! شركة القرطاسية تتقرطس في صرمان! شركة الأجهزة المنزلية تتزلزل وتزاح إلى زوارة! الإدارة العامة لمصرف الجمهورية تصرف إلى غريان! شركة الاستثمارات الخارجية تخرج إلى أعالي الجبال! وهلم جرا.

لو أن مجنونا فاقد عقل، تصور بطريقة أو بأخرى هذا العبث الدكتاتوري، لهزه هذا المشهد الغريب المريع،  ولصعقه ما يفعله البهلوان الجماهيري بكيس فئرانه الذين يتلذذ بقتلهم راقصين.

كاتب هذه السطور موظف بسيط بشركة الاستثمارات الخارجية، الشركة المالية الاستثمارية الصرفة، والتي ولدت وترعرعت في قلب المدينة، طرابلس، حيث البيئة الطبيعية لهذه الشركة، وحيث المؤسسات المالية وغير المالية، والتي لا يمكن للشركة أن تزاول عملها دون أن تطرق بابها أكثر من مرة يوميا.

وفجأة وبدون سابق إنذار صحوت ذات صباح لأجدني وزملائي المائتين مجبرين على السفر يوميا ضعف المسافة التي كنت أقطعها من بيتي إلى مقر عملي أكثر من عشر مرات، أي مائة وعشرون كيلومترا بالتمام والكمال فقط لا غير، وبمعدل وجبتين في كل نهار!

لعن الله السفهاء الظلمة وأخزاهم، بما جرّوه من ويلات على الضعفاء. آمين.

وفي الأجواء المحمومة لحملة الإجلاء المرعبة المفاجئة، دار هذا الحوار بيني وبين أحد الزملاء:

ــ لماذا يفعلون هذا، ويقذفون بنا بعيدا؟

ــ توجيهات القائد.

ــ ولماذا هذه السرعة؟

ــ الحويج (المدير المدلل، ولاحقا الوزير المبجل)، اختار أكثر شركات النقل سرعة لتقوم بهذا العمل المجنون، وذلك رغم تكلفتها النسبية الزائدة على منافساتها في عملية الإجلاء المرعبة.

ــ نحن نقتسم، والمصرف الخارجي المُضمَّن بنفس قرار النقل والترحيل عن طرابلس، البرج الإداري رقم اثنين بذات العماد، إلا أن المصرف لم يحرك ساكنا بعد. لماذا؟!

ــ لأن مديرنا خفيف ومتحمس جدا للنقل. (يعني بالفلاقي يحفظه ويزيد فيه)!

ــ لماذا؟

ــ لإثبات الولاء، وكسب الأوراق.

ــ ولكنه هو أيضا سيعاني من هذا المشوار المرهق؟

ــ كلا، فلذة تلبية رغبة القائد المحبوب، تُنسي ما في المشوار من آلام وكروب! ثم إنه، المدير العام، لن يمارس هذا العمل الشاق سوى بضعة أيام في الشهر، وبقية الشهر سوف يقضيها في أجوائه المخملية، إما في مكتبه بطرابلس، أو فنادق الخمس نجوم ضيفا على مدراء شركاته بالخارج، والذين له عليهم جميل سابق سابغ.
...............

كنا ذات يوم شتوي بارد الطقس، وملبد بالغيوم وممطر أيضا، مسافرين راكضين لاهثين من طرابلس إلى غريان، وكنا نصعد، وبالصعوبة المعروفة، جبل (تنية بوغيلان) الشاهقة، ولاحظ أحد الزملاء تذمري وشكواي البالغين من ممارسة طقوس عبادة هُبل اليومية بالسفر العبثي اليومي المضني، ولدرجة تفكيري بالبحث عن مكان عمل آخر، وسألني:

ــ ما أكثر شيء يضايقك في هذه الرحلة العبثية اليومية؟

أجبته:
ــ الصعود إلى الأسفل!

وبرغم أن زميلي السائل هذا تخصصه رياضة وكمبيوتر، وخلايا دماغه مهيأة للتعامل مع المعضلات المنطقية، من مثل الصعود إلى الأسفل، إلا أن فكرة الصعود إلى الأسفل صدمته، وشقَّ عليه فهمها، وحاول تمثل هذه الفزورة بتحريك يديه إلى الأعلى وإلى الأسفل كما لو أنه حوذي أو بهلوان، ثم التفت إلي قائلا:

ــ الصعود الذي أعرفه، ويعرفه كل عاقل، يكون دائما إلى الأعلى، أما الصعود إلى الأسفل، فلا أعرفه، ولم أستطع فهمه!

ــ أنت الآن يا صديقي صاعد إلى قمة الجبل. أليس كذلك؟

ــ بلى، وسأصل إلى قمته، ثم أعود وأنحدر منه عصرا، وهكذا أفعل كل يوم، وكل أسبوع، وكل شهر، وكل سنة، وربما كل العمر!

ــ لماذا؟

ــ لأمارس عملي بالشركة التي أتعيش منها.

ــ ولكنك كنت تمارس عملك هذا بكلفة أقل، ودونما الحاجة إلى قطع قرابة المائتين وأربعين كيلو مترا مع مشرق شمس كل يوم، وكذا حرق ثلاث ساعات نهارية غالية يوميا. أليس كذلك؟

ــ هذا صحيح، ولكنني مع مرور الوقت تعودت على هذا العمل العبثي الشاق، حيث أنني وبمجرد صعودي السيارة، وتكوري في مقعدها، للقيام بالماراثون اليومي، انخرط في حالة شبيهة بالإغماء الإرادي، حيث أكاد أفقد خلالها التحكم بمؤشرات جسمي البيولوجية والنفسية والذهنية.

ــ هل يمكن تشبيه هذه الحالة، حالة الإغماء الإرادي التي تعتريك، بحالة انعدام الوزن المعروفة؟

ــ لم أمر بحالة انعدام الوزن من قبل، ولكنني حقا أحس بانعدام وزني المعنوي والإدراكي على أقل تقدير.

ــ باعترافك بفقدان وزنك المعنوي، تكون قد أثبتت حالة الصعود إلى الأسفل التي أعنيها، وما صعودك كل يوم وأنت مجرد كتلة مادية بيولوجية فاقدة لكل وعي وإدراك، إلا خصم تراكمي لمحصلة الصعود المعنوي إلى الأعلى التي يجب أن تتناسب طرديا مع كل فعالية تملأ بها حيز زمكانك المحسوب المحدود. فزمانك أو عمرك، يا صديقي،  يسرق وبشكل متعمد ممنهج، ومكانك لا تملك السيطرة عليه، كما أن إدراكك يتعطل في كل مشرق شمس ثلاث ساعات. أبعد هذا التصاعد المضني  نحو التساقط المدوي من مثل لحالة الصعود إلى الأسفل؟

تلك مجرد عينة واحدة فقط من عينات وحالات العبث الجماهيري، فعلى مدار الأربعة عقود التي عشناها في ظل الديكتاتورية السفيهة، كنا نمارس مكرهين الصعود إلى الأسفل، لا لشيء إلا لمطاوعة نزعات الدكتاتور الموغلة في الجهالة والحماقة.

إن أي يوم يمر علينا بعد قيامنا بسداد أكبر وأبهظ فاتورة دماء ومقدرات، ونحن لا زلنا نمارس بقايا طقوس السفاهة والطغيان، لهو بحق إجهاض لثورة التغيير، وخيانة لمن ضحوا بأرواحهم من أجل هذا الخلاص المكلف.

إن أي يوم نقوم فيه بهذا المشوار العبثي، يعني أننا نمارس عملا غير مجدي البتة، ولا يتناسب إطلاقا مع مفهوم الجدوى الذي تقوم الشركة كلها على فلسفته، وتسير وفق معادلاته وآلياته.

إن مشوارنا الصباحي والمسائي العبثي هو طقس من طقوس عبادة هبل، وإن ممارسة عبادة هبل ميتا، ولعقنا صباحا ومساء ما تقيأه هو وعصابته السفيهة، لهو أشنع وأنكى وأخزى من ممارسة عبادته وهو حي!

رجاء أيها المسئولون، لا تسخروا من عقولنا، وتقولوا لنا إن هبل مات ودفن، ثم تجبرونا على إحياء ذكراه، ومواصلة السير وفق هواه.


لا نطلب منكم التسرع المخسر وغير المدروس، ولكن يجب أن نلمس منكم السرعة في طمس ودفن كل معالم وروائح الحقبة الدكتاتورية البائدة.

نطلب منكم حساب جدوى بقاء مقر شركتنا في بيداء الهيرة، حيث لا مصرف ولا مؤسسة خاصة أو عامة، وحيث يتوجب على الغالبية العظمى من الموظفين قضاء أكثر من ساعتين يوميا ليصل كل واحد منهم إلى مكتبه، وحيث يتحتم أيضا قضاء نفس المدة يوميا مع كل إجراء إداري أو مالي له علاقة بمصرف أو وزارة أو سفارة أو أية جهة أخرى، والتي جميعها تبعد على مقر الشركة ما لا يقل عن ثمانين كيلو مترا.

مقالات ذات صلة:
http://libyanspring.blogspot.com/2011/10/blog-post_22.html

http://libyanspring.blogspot.com/2011/10/blog-post.html

محمد الشيباني


          

الخميس، فبراير 02، 2012

سنة أولى ديمقراطية"20"



أوفت اللوحة الذكية لفصل سنة أولى ديمقراطية بما وعدت في نهاية الدرس التاسع عشر السابق، وجعلت من السؤال التي ختمت به الدرس الفائت استهلالا لدرس اليوم الحالي العشرين.

هل استعد الناخبون والمرشحون الليبيون كلاهما، بعد خلاصهما من وحل التصعيد وترهات القبيلة الجماهيرية، إلى الصعود إلى كوكب الانتخابات المتحضرة والدولة الديمقراطية؟

لهذا السؤال عدد إجابات ربما بعدد الأصوات الانتخابية كلها.

وللتبسيط نجيب بالقريب البسيط، وهو ما يلي:

 #قمنا بإعداد قانون الانتخابات الذي ينظم طقوس العرس ويرتب مراحله.

#  قمنا بحساب وتعداد الناخبين، والذين هم قوام العرس التاريخي الكبير.

# سيكون من السهل، وربما من المغري، لأناس ميسورين كثيرين التبرع بطباعة البطاقات الانتخابية، وذلك مهما بلغ عددها، وغلت طباعتها.

# كما أنه ليست هناك مشكلة البتة في لوجيستيا العرس وبروتوكلاته وبروبوغانداته، فكل ذلك متيسر سهل متاح.

ما المشكلة إذن؟

أجل. هناك مشكلة بلغت من اللطف والدقة حدا حال دون رؤيتها بالعيون، كما بلغت من الأهمية والخطورة مبلغا قد يجهض العرس الديمقراطي الوطني كله وينسفه!

هذه المشكلة ذات قوام معنوي شفاف، وهي بهذا ليست سلعة يتم تداولها في أسواق السلع، أو مقايضتها بذهب أو عملات، كما أنها لا تورث ولا تستعار.

هذه المشكلة اصطلح العشاق على تسميتها بالحب.

ــ حب إيه! قال أحدهم بصوت خافت.

ــ أجل الحب والوفاق المتبادل بين العريس وعروسه. ردَّ المأذون. وأضاف قائلاً:

ألسنا في عرس وطني كبير!

ألسنا نقوم ولأول مرة بزف أمنا ليبيا وهي مبتسمة منشرحة الأسارير؟

ألسنا ولأول مرة في التاريخ نمسك بصوت انتخابي حقيقي غير منقع في وحل التغرير والتزوير؟

ألسنا ولأول مرة نرشح شخصا من بيننا لا نعلم أينجح هو أم غيره، وقد كنا سابقا نلقن تلقينا إجباريا أسماء الناجحين، والذين يتم إجلاسهم على كراسيهم عشية يوم التصعيد، وربما قبل ذلك بكثير؟!

ــ ولكن ما دخل الحب في طقوس العرس وترتيباته وإجراءاته، والحال أننا كنا نعقد أعراسنا الجماهيرية التصعيدية السابقة دونما أي وجع رأس بهذه المشكلة الطارئة؛ الحب!! . قال أحد العرسان وهو يفتل شاربيه، ويتحسس أشياء مشبوهة تحت إبطيه.

ــ إنها إجراءات جديدة طارئة أصر على ضرورة توفيرها هذا المأذون الفبرايري المعقد العنيد. رد عليه آخر.

ــ لماذا يا أيها المأذون تفعل هذا، وتنغص علينا فرحتنا بعرسنا الليبي الكبير؟ تساءل ثالث.

اعتدل المأذون في جلسته، وتفحص أوراقا كثيرة بين يديه، وبدأ طقوس العرس بالمعروف والمعهود من كلمات، ثم صمت برهة، وصمت الجميع ترقبا لما سيقول.

فجأة نهض المأذون، على غير عادته في أحوال كهذه، ورفع صوته بعبارة هزت الجميع وأرعبتهم:

ــ ليبيا لم توكل أحدا من الحاضرين ينوب عنها ويتكلم باسمها.

ــ كيف! لا يمكن. لابد من وكيل. ردد مستغربا أحد الحاضرين.

ــ ليبيا وكلت أبناءها الشهداء الذين كتبوا بدمائهم الوصية التالية:

"عروسنا ليبيا التي أبى مغتصبها تخليصها وتسليمها لنا إلا بعد أن سكر حتى الثمالة بدمنا، هي حرام حرام حرام على أي عريس تأخر عن موكبنا إلا بحقها "

أجاب المأذون.

مضى وقت ليس باليسير قبل أن يسترجع الحضور أنفاسهم، ويفيقوا من وقع الصدمة التي ألقت بها الوصية الثقيلة المزلزلة.

وقبل أن يتكلم أي من الحضور المتلهفين لمعرفة حِلِّ ما حرم المأذون، بادر المأذون، وقال بصوت أجش:

أيها العرسان المتحفزون، اسمحوا لي بتأويل الوصية وشرح مضمونها:

# عروسنا ليبيا شبَّت عن الطوق، وما عاد يغريها فستان عرس مطرز بأغلى جواهر الأرض، كما لا يثيرها ما يثير العرائس اللاتي تعرفون.

# عروسنا ليبيا التي سنقيم عرسها المشهود في يونيو القادم، هي عذراء مكسور خاطرها جراء ما تعرضت له من أفظع عملية سبي واختطاف واغتصاب عرفتها عرائس الأرض.

# عروسنا ليبيا أم ذبح أبناؤها في حجرها، وغطى دمهم المسفوح وجهها ويديها.

# عروسنا ليبيا زوجة ترملت في عز شبابها.

# عروسنا ليبيا لن تفتح خدرها الموصد بابه بجماجم عشرات آلاف الضحايا من أبنائها إلا لذلك العريس الحافظ عن ظهر قلب أسماء فلذات كبدها المغدورين، متعهدا بالبر بهم وتنفيذ وصاياهم دونما تبديل أو تأويل.

# عروسنا ليبيا لن ترفع رأسها في وجه أي عريس مهما بلغت أناقته ووسامته، ولن تفتح معه حديثا مهما بلغت ذلاقة لسانه وعذوبة ألفاظه، دون أن تضع يدها على قلبه، وتجس إيقاع نبضاته، وتقرأ بصمات وجدانه وفؤاده. فإما كان ذا قلب أبوي رحيم؛ فقبولٌ وعناق، وإما كان نفعيا متلونا خداعا؛ فصدٌّ وطلاق.

# عروسنا ليبيا لن تمد يدها لأي عريس قبل أن تشم يد هذا العريس، وتدرك بحاسة الأمومة لديها أن هذه اليد لم تلتصق بها رائحة دم حرام من دماء أبنائها، أو تفوح منها رائحة هتك عرض لأحد منهم، أو أن هذه اليد قد نهبت أموال اليتامى المغبونين.

# عيون عروسنا ليبيا شديدة الحساسية لأي لون رمادي، وبأي درجة كان، ولن تقبل بأن يكدر لون فستان فرحتها الناصع البياض بياض قلبها العذري الشفيف بأي لون له صلة ما باللون الرمادي المنافق الخداع.

# عروسنا ليبيا تمنعت طوال العقود وتبتلت حتى شاب مفرقها، وذلك ترفعا من أن يلوث طهرها فاقد غيرة عديم وفاء لها ولفلذات أكبادها.

# عروسنا ليبيا سبق وأن حملت خارج رحمها، وأنجبت مضطرة أبناء عاقين تعرفهم ويعرفونها، وسوف تغلب رحمتُها بهم حنقَها عليهم، إذا ما بادروا بالتطهر من عقوقها، وسارعوا إلى استرضائها.

# عروسنا ليبيا سوف لن يحضر عرسها أي من صويحباتها ولداتها من بلدان كثيرة، وذلك لتأخر تاريخ فرحها طويلا، وهي بهذا لن تضيع وقتا ثمينا مع الحضور، ولن تقيم شهر عسل كما تفعل كل عروس، وسيكون يوم صباحيتها هو يوم بداية التقويم الليبي الديمقراطي، وانطلاق صافرة الركض الحضاري الذكي الرشيد.

# عروسنا ليبيا سئمت العرسان من ذوي الشوارب الطويلة والمناكب العريضة المتفاخرين بزي وتراث القبيلة المتشامخين بتاريخها المصنوع والموضوع حتى زاحمت قبيلتهم الصغيرة  القبيلة الكبرى، ليبيا، وملأت قلبها غيرة متأججة ولعقود طوال، بل وقذفت بها في غياهب النكران والعقوق.

أيها الليبيون في مايو المقبل سيستضيفكم سجل جينز لا محالة، ولكن في أي صفحة يضعكم يا ترى؟

هل سيمنحكم لقب الدولة الأسرع تعافيا ديمقراطيا بعد أسوأ غيبوبة دكتاتورية.

أم سيسميكم الشعب الأبطأ حبوا في مضمار الديمقراطية.

والأكثر هوى للفوضى وعدم الالتزام.

والأشد تعلقا بالطغاة والمستبدين.

والأشد تلذذا وانتشاء بأوحال من ساموهم الرق والعبودية.

سؤال في غاية الأهمية، وإن أجدر جهة بالإجابة عنه هي تلك الجهة التي حملت على عاتقها مسئولية العملية الانتخابية الليبية الأولى، توقيتا وتعبئة وتنفيذا.

النخبة المثقفة هي الجهة الثانية في سلم المسئولية على نجاح أو فشل هذا المشروع الحضاري الخطير.