الجمعة، مارس 23، 2012

سنة أولى ديمقراطية"28"



أمراضنا الاجتماعية العامة، وأمراضنا النفسية الخاصة. هل من علاقة. وماهو العلاج؟
                               ـــ 28 ـــ
عنونتْ اللوحة الذكية لفصل سنة أولى ديمقراطية الدرس الثامن والعشرين بالعنوان عاليه، وذلك تواصلا مع ما  تضمنه الدرس السابق من محاولة تشخيص مرض توابع بنج الدكتاتورية، ونقيضه فياجرا الديمقراطية، واعتبار كليهما حالة مرضية نفسية اجتماعية. كما أخذت اللوحة الذكية في الاعتبار ما ركز عليه الحاضرون من ضرورة اقتراح علاج العلل، وليس مجرد الإسهاب في وصفها وتشخيصها. ذلك أن العلاج أفضل بكثير من جلد الذات، والاكتفاء بالصراخ والنحيب فوق رأس المريض.

عرض الدرس السابق لعلتين ليبيتين بامتياز؛ إحداهما توابع نوبة البنج القديمة العميقة التي سببها لهم فيروس الدكتاتورية الشرس الذي سكن الجسم الليبي المبتلى، ولعقود طوال، وثانية هذه العلل جديدة جدة حدوثها، والتي تمثلت في ردة فعل الليبيين بعد خروجهم بشكل مفاجئ من ظلمة سراديب مغتصبهم المعتل نفسيا، إلى ألق ضحى الديمقراطية الخاطف للأبصار، وانطلاقهم على الفور في مضمار الديمقراطية الطويل الشاق، وذلك دون المرور بمرحلة التهيئة والتسخين الضروريتين لخوض مباراة لعبة الديمقراطية المجنحة الرشيقة، بعد التقوقع في كهوف الدكتاتورية المخدرة المعيقة.

إن طلب العلاج من قبل المستهدفين به يعني، في حد ذاته، توفر الحد المطلوب من كيمياء التواصل فيما بينهم، كما يشير  إلى توفر القبول بنتائج التشخيص، وكذا مطاوعة المعالج، وتقبل علاجه، وكلها مؤشرات وعلامات إيجابية مشجعة.
   
"التشخيص نصف العلاج"، هي عبارة جرت على ألسن الكثير من الناس، وذلك عند كلامهم عن أمراض البدن. وإذا صح هذا، وأمكن تطبيقه على علل المجتمع، كمخلفات علة البنج الدكتاتوري، ونوبات الهيجان الديمقراطي، فإن ذلك يضعنا في نصف الطريق الموصلة إلى البرء الكامل من أهم أمراضنا الاجتماعية الراهنة الخطيرة.

بيد أننا سرعان ما نصاب بالإحباط عندما يتكشف لنا الفرق بين دبيب المرض البدني المحدود، وعربدة وهيجان المرض الاجتماعي الممدود. فمهما بلغت شراسة  الأمراض البدنية، فإن إمكانية الأخذ بنواصي المرضى، والإمساك بتلابيب مسببات أمراضهم من فيروسات وغيرها، ووضعهم جميعا على طاولة المختبرات، وفي بؤرة مناظيرها الحادة، وإخضاعهم للتجارب المخبرية، قد سهل كثيرا الخلاص من هذه الأدواء، وإنقاذ حامليها.

الأمراض الاجتماعية التي تكتنف المجتمع الليبي الآن، والتي هي محل موضوعنا، تشبه إلى حد كبير الأمراض النفسية الفردية المعروفة، وذلك لتشابه كليهما في صعوبة إقناع المريض بعلته، وعسير جره إلى مشفاه، ومن تم مباشرة علاجه. هذا بالإضافة إلى أن الأمراض الاجتماعية أوسع انتشارا وأكثر تعقيدا، حيث يتطلب علاجها التعامل مع جماهير الناس المتباينين ثقافة، المختلفين عادات وتقاليد.

برغم ما يبدو على هذه المقدمة من طول وركاكة، إلا أنها أفلحت في الوصول بنا إلى ما يلي:

1ــ منطقية الربط بين العلل الاجتماعية العامة، والعلل النفسية الفردية.
2ــ الخطورة والأهمية النسبية الفائقة للأمراض الاجتماعية العامة.
3 ــ طريقة العلاج الوحيدة للعلل الاجتماعية، كما هو حال توأمها النفسية الفردية، تقتصر على ضرورة اقتناع المريض بمرضه، واشتراط مطاوعته من أجل مداواته وعلاجه.

إن عملية إقناع المجتمع بكامله، وعلى مختلف أصنافه وثقافاته وعاداته بوجود وحش مفترس في ثنايا تفكيره وسراديب وعيه، هي الخطوة الأولى والمفتاح الرئيس الذي لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه. وهي عملية أكد التاريخ ضرورة البدء بها عند الشروع في إصلاح مفاسد الناس، ووضعهم على سكة الصلاح والرشاد.


يتجلى ذلك واضحا عند تصفحنا لسير الرسل والحكماء والمصلحين، وحرصهم، وهم يعالجون مجتمعاتهم، على البدء بالصدمة الأولى المشحونة بتراكمات سوءات تلك المجتمعات، ووضع جبل سوءات الناس في بؤرة أبصار الناس،  ومركز بصائرهم، ووسط أحاسيسهم ومشاعرهم.

يقرب لنا هذه الفكرة أكثر، ذلك الذي يقوم بفعله طبيب البدن، وهو يجس بأصابعه، وأحيانا بمطرقته جسم المريض، حيث يقوم وبطريقة شبه عشوائية بالضغط على أمكنة كثيرة مشبوهة في الجسم الملقى أمامه، باحثا عن ضالته. وفي المكان الذي يصرخ فيه المريض من شدة ألم الضغطة، نرى الطبيب يتنفس الصعداء فرحا بما صادته أنامله.

ما لم يحس المجتمع بألم ضغط أصابع المصلح، ويئن من شدة صدمة مصارحته له بعلله، لا يمكن لهذا المجتمع المريض أن يبدأ في ممارسة عملية علاجه، وإصلاح أمره.


وعندما يتأكد المعالج بأن المجتمع تلقى صدمة مواجهته بعلله وعيوبه، وبأن المجتمع قد تنبه لما يحيق به من خطر، يطلق المصلح إيعازه للمجتمع بالاصطفاف أمام صيدليات التوعية الاجتماعية والقانونية والسياسية وغيرها، والتي وبمجرد ولوجها، وتناول ما تحويه من بلاسم، يبدأ العد العكسي لانطلاق قطار تحضر المجتمع وخروجه من نفق المرض وسرداب الموت.

في المقالة السابقة، أوضحت أن المجتمع الليبي خضع لعملية تخدير طويلة الأمد عميقة المدى، ثم كتب الله له النجاة من موت سريري ربما كان سيستغرق نفس المدى الزمني أو أطول. ومؤخرا، وبفعل الثورة انخرط مجتمعنا في نوبة هيجان فياجري ديمقراطي لا زال قائما، وهو وضع لا يقل خطورة عن سابقه، بنج الدكتاتورية القاتل الصامت!

العلل النفسية الفردية، والعلل الاجتماعية العامة. مقاربة من أجل العلاج.

افترضت فيما سبق وجود تشابه ما فيما بين العلل النفسية الفردية، والعلل الاجتماعية العامة، وأعود وأتكئ على هذا الافتراض من أجل استخدامه في الاقتراب من العملية المعقدة الصعبة، ألا وهي عملية إقناع المجتمع المريض بحقيقة مرضه، حتى نتمكن من فتح فمه، وإلقامه كبسولة العلاج الضرورية.

الإحصائيات البريطانية تقول بوجود شخص واحد، من بين كل أربعة أشخاص إنجليز، يعاني من مرض نفسي ما، وأن عليه القيام بمراجعة الطبيب النفسي المختص.

غالب الظن أن المرض النفسي الذي عنوه الإنجليز ليس اختلال وظائف المخ الفسيولوجية، وما تنتجه من أمراض عصبية بارزة، كالصرع أو الفصام، بل ربما عنوا تلك الأمراض النفسية غير الظاهرة، والمتربصة في مكان ما من خبايا أنفسنا، حتى إذا حان الظرف المواتي لظهورها، ظهرت بكامل هيئتها، وجعلت من صاحبها يظهر كما لو أنه إنسان آخر، غير ذلك الإنسان الذي يعرفه الناس، بل ربما غير الإنسان الذي يعرفه هو نفسه.

ينطبق هذا على القذافي نفسه، فمن عرف هذا الرجل وزامله في الدراسة الثانوية، صوره لي عكس القذافي الذي عرفه الجميع بعد خروج غول نفسه، وانطلاق شيطانه.

كما ينطبق هذا على بعض المتعاطين الآن وبإسراف حبات فياجرا الديمقراطية السوداء، والذين كانوا، كما كنا وكان كل سوي في مثل هذه الأوقات من عام مضى، يتضرعون إلى الله، خافضي رؤوسهم، رافعين أكفهم، واعدين إياه بأنه لن يراهم بعد انتصارهم على عدوهم على هيئة تغضبه!

المخلف وعد ربه، هو مريض ومعتل نفسيا.
المتجاهل دماء الشهداء، هو معتل نفسيا.
المتكالب على الامتيازات المادية والمعنوية، هو معتل نفسيا.
القبلي المتعصب، هو معتل نفسيا.
المحتفظ بالسلاح الخارج عن سيطرة الدولة، هو معتل نفسيا.
المعربد بالسلاح والسيارات والشعارات، هو معتل نفسيا.
المفرط الشك في نوايا من هم حوله الكثير التوجس من غيره، هو معتل نفسيا.   
المستغل فرصة غياب الدولة والمرتكب في ظل ذلك المخالفات القانونية الجسيمة، هو معتل نفسيا.
أما المنافقون والرماديون والمتربصون، فمرضهم أعظم، وعلتهم أشد وأخطر.

تُرى كم شخص من أربعة أشخاص من الليبيين، الخارجين للتو من حظيرة الدكتاتور القذافي الموبوءة بأشرس وأخطر الفيروسات، والمتعاطين وللتو أيضا جرعة الفياجرا الديمقراطية المفرطة، يعاني من مرض نفسي ما، قلب حاله من حال التضرع والخشوع إلى حال العربدة واقتراف المنكرات؟

الجواب على هذا السؤال سهل، ولكنه محرج ومزعج!

إلا أن الأمر الأصعب فيتمثل في إقناع الكثير من الليبيين المرضى بالتوجه إلى مستشفى الأمراض النفسية الحكومي العام، والانتظار في ممراته المزدحمة في انتظار مقابلة الطبيب النفسي النادر، أو حتى  الجلوس في صالة مريحة مكيفة من صالات انتظار العيادات النفسية الخاصة، لمقابلة الطبيب النفسي، ومصارحته وكشف كل الجروح له!

من المؤكد أننا نعاني من رهاب مجرد التفكير في زيارة الطبيب النفسي، وذلك برغم ما نعانيه من علل نفسية معقدة مزمنة.

ومن الأأكد أننا نعاني من حساسية شديدة جدا تجاه من يوجه إلينا أي اتهام، أو ينسب إلينا أي عيب، أو يمد يده إلى رسغنا لجس نبض قلوبنا، وقياس درجة حرارتنا الحضارية، وقياس كثافة المانع الحضاري المتراكب المتراكم فوق وعينا، وكذا فحص مختلف المؤشرات المعنوية المعطلة الصدأة.

أريد أن أقول إن عملية القيام بإقناع المجتمع كله بما يعانيه من علل، لابد أن تسبقها عملية إقناع الفرد نفسه بقبول حقيقة قابليته للمرض النفسي الشخصي، رافد المرض الاجتماعي العام، وأن عليه الانصياع للطبيب ومباشرة العلاج، وذلك سواء بسواء كقناعته بحقيقة تعرضه للمرض البدني، وعدم تحرجه من علاجه.

المؤكد أن شطرا لا بأس به من الليبيين غير سوي نفسيا، دليل ذلك ما يبدو على ملامح الكثير منا من تجهم، وما يعتري سلوكهم من انحراف ظاهر وباطن، وكل ذلك لم يأت من فراغ، وإنما هو وليد أوضاع عامة سيئة، وعلاقات اجتماعية معقدة مختلة.

لن نبذل كثير عناء لتأكيد هذه الحقيقة المرة، حقيقة اعتلالنا النفسي، فبمجرد حث ذاكرتنا على استدعاء صورة واحدة من الصور المرعبة الكثيرة لوجه حاكمنا المزمن، الدكتاتور القذافي، والذي لم نره، ولو لمرة واحدة، خلال العقود الأربعين إلا متجهما متشائما، وقد تطاير الشرر من عينيه، والحقد والانتقام ألذ ما أهدت لنا يديه، والشك والريبة وصنع الانهزام أوقف كل عمره عليه. أقول بمجرد مثول هذه الصورة الكريهة أمامنا نسترجع أثرها المدمر علينا، وندرك كيف أشبعت أنفسنا ضربا حتى سحقتها، وكيف أمعنت في ذاتنا إذلالا حتى مسختها.

وعن نفسي، فإنني أعترف بأنني مسكون بمرض نفسي حاد جراء الإدمان الإجباري للنظر في ملامح ذلك الأهوج الأعوج الأحمق الأخرق، وكذا ملامح بعض من كان حوله من شواذ ممسوخين، وذلك على مدى السنين الأربعين.

كيف لا أصاب بمرض نفسي، وأنا أجبر للنظر في وجه مستبد قوي قاتل، أرغمني على الإحساس بأن حياتي وحياة من حولي مرهونة باختلال بسيط في هرموناته المنفلتة، والتي عادة ما يصاحب كل اختلال من اختلالاتها الكثيرة، قيام هذا الدكتاتور بشطب أحلام السنين لضحاياه المساكين، بل وعمد في مناسبات عدة  إلى إزهاق أرواحهم دونما اقترافهم ما يبرر ذلك.  

لابد لمن أمضى سنينا طوالا على هذا الحال، أن يسكن الخوف نفسه، ويستحوذ عليه الشك، ويفترسه الإحباط، ويطوقه الانهزام، وتعبث بخلاياه الراشدة أنياب السفاهة والحماقة، ويلون وجهه البؤس، ويطمس ابتسامته الحزن، ويمحو أمله اليأس، وينهش رجولته إذلال أشباه الرجال له، بل ربما شوه طول عمر الفاسقين الفاسدين الظالمين، ما يحمله في نفسه من دين ويقين.

هل يمكن لذي عقل أن يتردد، إزاء وضع كهذا، في أن يضع خطا احمر في صفحة الحالة النفسية للملف الطبي للمواطن الليبي.

أجل إن حالة كالتي وصفت تستوجب قيام الجهات المختصة بتقييم الحالة النفسية للمجتمع الليبي كله، وتحديد لون خط الطوارئ الذي يجب اتباعه للشروع في عملية إعادة تأهيل نفسي ربما تطال أناسا، يتربعون على كراسي الحكم الآن، أو يترأسون كتائب مسلحة، أو أنهم، وهو الأخطر، قد يفوزون بكراسي المجلس الوطني بعد أقل من ثلاثة أشهر!   

وفي سبيل جسر الهوة بين الطبيب النفسي والمواطن الليبي، يمكن أن تقوم الجهات المختصة بتضمين الملف الطبي لكل شخص، صفحة تخصص للحالة النفسية لصاحب الملف، مع اشتراط شهادة الخلو من الأمراض النفسية، كلما كان ذلك ممكنا وضروريا. هذا بالتوازي مع الترشيد التثقيفي من خلال العملية التعليمية، وكذا الترشيد الإعلامي من خلال وسائل الإعلام المختلفة، مع الإكثار من مراكز العلاج النفسي وجعل العلاج بها مجانيا لكافة أفراد المجتمع. كيف لا، والعلاج النفسي يستهدف ضمن ما يستهدف جعل المواطن سويا راشدا!

حقا. إن جعل المواطن سويا راشدا هو هدف يتلاقى عنده الطبيب النفسي للمواطن الفرد، والطبيب الاجتماعي للمجتمع بأكمله، وهو ذات الأمر الذي حفزني إلى الربط بين المرض النفسي الفردي، والمرض الاجتماعي العام.

يمكنني الزعم بأن نجاحنا في إقناع الليبيين بأن نصفهم، على أقل تقدير، وأنا في هذا النصف، هم مرضى نفسانيون، وأن عليهم المسارعة بفتح ملف صحي نفسي، يخلعون أمام مراياه المصقولة كل أقنعتهم، ويتخلصون من كل ملابسهم الثقيلة الفاصلة وبعمق مخيف فيما بين الواقع المعاش ودرجة حرارته، وباطن الجسم البعيد جدا عن هذا الواقع والمتواري عنه.

وبمجرد تدشين علاقة طيبة بين المريض نفسيا أو اجتماعيا وطبيبه، نكون قد قطعنا أكثر من نصف الطريق، ولم يبق أمام المعالج الاجتماعي سوى إطلاقه إيعاز الاصطفاف والانتظام لجمهور مرضاه المتعافين، وحثهم على منح ثقتهم للبيئة الاجتماعية من حولهم، والتي يجب أن تكون مكتملة البنية التحتية للعمران الاجتماعي، والمتضمنة ضمن ما تتضمنه باقة من القيم الاجتماعية المتفق عليها، وحزمة من القوانين المنطقية المنسجمة المتناسقة، تقوم على تنفيذها سلطة شرعية ديمقراطية راشدة.

Aa10zz100@yahoo.com                    

السبت، مارس 17، 2012

سنة أولى ديمقراطية"27"



مساكين الليبيون؛ من بنج الدكتاتورية، إلى فياجرا الديمقراطية

وضعت اللوحة الذكية لفصل سنة أولى ديمقراطية الرقم المسلسل 27 على الدرس المعنون بالعنوان عاليه، وهو عنوان فاجأ التلاميذ الثوار، وذلك لما تضمنه من عبارات ذات مدلولات جريئة مقتحمة لامست نخاع الحقيقة الذي حال جداره المتكلس الغليظ دون تواصله وإحساسه بما حوله من حقائق صارخة صادمة، وأحداث عظيمة جسيمة.

استثمر المدرس حالة الصمت والذهول التي اعترت الحاضرين، واتخذها جسرا لنقل جبل الحقائق المرة الذي تئن بثقله كلمات العنوان، متخللا بهذا الجبل العملاق المسافة الدقيقة الفاصلة بين حالة البنج العميق للدكتاتورية المزمنة، وحالة التغلغل المفاجئ لجرعات فياجرا الديمقراطية التي سببت كل نوبات النشاط والهيجان المنفلت المعربد.


لا وصف يمكن أن يوصف به حالنا، نحن الليبيين، عندما كنا نغط في سباتنا العميق، ولعقود طوال، تحت كلكل أحد أكبر مجرمي العصر وأشدهم دموية، معمر القذافي، أدق وأبلغ من وصفنا بأننا تحت تأثير جرعة بنج مفرطة، حيث أفقدت هذه الجرعة قدرة الكثير منا على مجرد التحكم في جوارحهم، فضلا عن الاتصال بوعيهم والارتباط بعقولهم.

كانت أول آثار جرعات بنج الدكتاتورية، هي تلك التي خرجنا على إثرها نرقص ونصفق لشخص مجهول الهوية، كان قد سيطر للتو على الإذاعة، وألقى منها بيانا مقتضبا، نعى فيه نظاما دستوريا قائما، واستبدله بنظام آخر مريب المنشأ والنسب!

ثم تتالت جرعات شل ذواتنا وتنويمها، حتى وصل بنا الحال إلى إقدام بعضنا على قتل البعض الآخر، وتعذيب بعضنا بعضا، ناهيك عن استحلالنا المال الحرام خاصه وعامه!


من أعجب مظاهر هذا البنج الفظيع هو قيامه بعمليتين متناقضتين في آن؛ ففي الوقت الذي يقوم فيه هذا البنج بشل الحركة الإيجابية لضحيته، تراه يورم وينفخ في ذات الضحية ، محلقا بها بعيدا في آفاق التصاعد الوهمي.

ومن سحيق عمق بنج الدكتاتورية أيقظتنا، وعلى حين غرة، طرقات الديمقراطية الصاخبة المدوية، وهزنا زلزالها المزمجر الشديد، وبدا الكثير منا وهم يأخذون النفس الأول من أنفاس الديمقراطية التي لا عهد لهم بها، كمن تعاطى ولأول مرة جرعة زائدة من منشط الفياجرا المسيل لهرمونات النشاط الصاخب والهيجان المعربد، والذي لا هدف أمامه، ولا ضابط ينظم قوته ويقوم مساره.

سمعت كما سمع الكثيرون عن حالات شطط ديمقراطي موغلة في التطرف والانفلات، كما شاهدت بأم عيني حالات أخرى بسيطة ولكنها تصلح لإيرادها كمثل من أمثلة الشطط الديمقراطي الفياجري الأهوج.

رأيت بعض الذين ارتدوا رداء الثورة والثوار، وقد عمدوا إلى لوحات سياراتهم فنزعوها، وأحلوا محلها شعارا من الشعارات الثورية السائدة. ورأيت آخرين وقد وضعوا مسدساتهم في مكان ظاهر من خواصرهم، وآخرين وضعوا هذه المسدسات في مكان بارز في سياراتهم. كما بات من المألوف قيام الكثير من المواطنين المبتهجين بتحقيق حلم دولة النظام والقانون، يعمدون إلى خطوط التنظيم العمراني فيزيحونها، ويقومون وبكل جرأة بالبناء في ردود الطرق، ويستولون على الفضاء العام، وكثير غير ذلك.

أما إطلاق الألسنة، وإسالة المداد بالمقبول وغير المقبول من كلمات، فهو مظهر خطير آخر من مظاهر الجرعة الزائدة من فياجرا الديمقراطية.

ولعل أحدث أنواع هذا الشطط الديمقراطي الفياجري وأعنفها، هو تجمع فئة قليلة من المواطنين، وتجرؤهم على إعلان تغيير جسيم في البنية السياسية لكيان الوطن، واصفين ذلك بأنه مجرد تقنية من تقنيات الحكم والإدارة ليس إلا.
  
شعر المدرس بأن حالة الذهول التي ظهرت على الطلبة في بداية الحصة لا زالت قائمة، ورأى من المتوجب عليه كسر رتابة الدرس، وتغيير إيقاع فقراته، فأعطى الطلبة استراحة قصيرة، ثم استأنف الدرس قائلا:

كل من عرف القذافي كان يصفه بأنه دكتاتور محظوظ، وذلك لما حظي به من الشعب الليبي من مجاراة وانصياع له، وهو أمر دفع بالكثير من الناس إلى الاعتقاد باستحالة قيام الليبيين بمجرد إظهار التململ من تصرفات الدكتاتور، فضلا عن الثورة عليه، وإزالته من على خارطة الوجود المعنوي والمادي.

الثورة على الظلم واقتلاع الظالمين عمل نبيل عظيم، والتضحية من أجل ذلك حتى الموت شهادة لا تضاهيها شهادة، فطوبى للشهداء!

لا يوجد أدنى شك في أن حالة تضحية حي بروحه سواء كان في حالة اشتباك مع خصمه الظالم، أو مقتولا من قبله غيلة وغدرا، لهي من أعظم حالات البراءة، وأسمى مراتب نيل الحجة أمام خصم يبدو متلبسا بأعظم وزر وأشنع جريمة، كتلك التي تلبس بها القذافي وأعوانه، ألا وهي جريمة إجبار الناس على الاختيار بين فقدان حريتهم وكرامتهم، أو التضحية بمهجهم وأرواحهم!

تخيلوا معي شهيدا كأحمد الغرياني، بلال ليبيا، وقد اجتاز بنجاح فائق امتحان التمييز بين الحق والباطل، ووضع وبدون تردد أغلى ما يملك، إحقاقا للحق وتكريسا للعدل، وبعد أن رأى هذا الشهيد ما منحه الله من جوائز، وما غمره به من رضا، يقوم الآن، وينظر إلى حال الكثيرين منا وقد أنستهم نشوة اللحظة العابرة الحقيقة القارة التي من أجلها سالت أنهار الدماء، وانتظمت قوافل الشهداء، وبناء عليها تم إبرام صفقة البيع والشراء، وهذه الحقيقة هي إحقاق الحق، وإقامة العدل.

أجل فلو قُدِّر لأحمد، أو لأي من شهدائنا الأبرار، بعد أن مرَّ بحالة التسامي والتجلي وملامسة درجة الشهادة تلك أن يعود إلينا، ويمشي في شوارعنا، لكان حاله مختلفا أشد الاختلاف عن حال الكثير من ثوارنا، أو أشباه ثوارنا، بعد تناولهم جرعة مفرطة من فياجرا الديمقراطية.

لماذا؟

لأن الشهيد أذاقته حالة إبرام صفقة الشهادة طعم الحق، وقرت عيناه بنور العدل، فألبسه ذلك ثوب التواضع لرب الحق والعدل الذي هداه إلى ذلك الطريق، ورفعه إلى ذلك المقام.

هل يفتقر الكثير من الليبيين المستيقظين للتو من أعمق نوبات البنج الدكتاتوري، والمجنحين على الفور في آفاق الديمقراطية، وبعد أن أنعم الله عليهم بنعمة الحق والعدل، ومنحهم كرامتهم المستلبة، وحريتهم المغتصبة السنين الطوال، إلى ذلك الثوب المنسوج من خصائل التواضع للحق،  والإذعان لمسطرة العدل، والخضوع لصوت القانون والنظام؟

الجواب، وبكل أسف: أجل يفتقرون!

وليس من سبب وراء ذلك سوى ذلك الشعور المرضي لدى الكثيرين منا، والذي يوهمنا بأن الحرية معناها الانفلات، وأن الديمقراطية معناها الانطلاق، وأن العدل لا يعدو عن كونه جسما يتمدد وينكمش ساعة نريد، وبقدر ما نذيب في دمائنا وأذهاننا من مركبات الفياجرا المادية والمعنوية.

لا يمكن لأي إنسان أن ينكر جميل الحق الذي رأيناه يحارب معنا، أو يغمط من شأن العدل الذي استل سيفه البتار فقطع به عنق ظالمنا، إلا إذا لم يزل هذا الإنسان عالقا في بنج الدكتاتورية، أو أنه تناول وبإفراط فياجرا الديمقراطية، فحلقت به بعيدا في أفق لا نهاية له.

القذافي أبرز من أجريت عليه تجربة الجرعة الزائدة من فياجرا الحرية المطلقة، فملأه ذلك اعتدادا مفرطا بالنفس، وشحنه بسخرية زائدة بالثوابت والقيم والأصول، فأمضى عمره كله، وسخر إمكانيات بلد بكامله من أجل لي ذراع الحق المستقيم ليصير معوجا، وكذا العبث بقوام العدل ليضحى مهلهلا مرتجا.

في أحد مراحل هذه التجربة تهيأ للقذافي، وللكثير من قاصري النظر من حوله، أن ما يبدو عليه الحق من مرونة، وما يتصف به العدل من سعة وأريحية، ما هو إلا علامة علي تميع الحق، ودليل على هشاشة العدل.

كلا، ففي اليوم الذي أخذ الحق والعدل بثأره من  القذافي، رأينا أهل الأرض والسماء يملؤهم جلال مشهد الحق الغاضب، ورهيب مظهر العدل الثائر، ورأينا شدة انقضاض كلاهما على من استخف بهما وأمن مكرهما، حيث جعلا منه عبرة للمعتبرين ودرسا للمتأملين.

عاصرت مراحل نمو الوحش الدكتاتوري القذافي منذ نعومة أظفاره حتى بلوغه العنفوان، ثم شاهدت ما آل إليه من ترد وهوان، وها أنا ذا أشاهد ولادة الجسم الديمقراطي، وما تعانيه عظامه الهشة من ضربات، وما يتعرض له قوامه الرخو من هزات والتواءات.

كنت كلما رأيت ثوريا أهوج من ثوريينا البائدين، وقد أخذته العزة بالإثم، وملأه الشعور الكاذب بأنه فوق القانون، وإلى جانبه أشلاء ضحاياه من مواد شرعية وقانونية محطمة،  وأعراف ومبادئ إنسانية واجتماعية مهدرة، لا يزيدني فعله هذا إلا شعورا بحتمية انكساره وسقوطه.

وبالفعل تساقط أولئك الثوريون الهائجون الحمقى واحدا تلو الآخر، وشهد بعضهم المآلات السوداء البائسة للبعض الآخر. وما منع اتعاظ بعضهم بالبعض الآخر إلا مركب فياجرا الانفلات الذي أدمنوه، والذي صنع حاجزا حول خلاياهم الراشدة، مانعا المضادات الحيوية المكونة من مركبات العظة والاعتبار من تخلل تلك الخلايا وتحريرها من سلاسل وأغلال الاعتزاز بالإثم، والتفاخر بالمنكر، فتراكم الجرم فوق الجرم، وغدا الركام الهائل جبلا من ظلم، هز الأرض الكبيرة، في يوم سقوط هبل الأكبر.

ربما للمرة الأولى في التاريخ، يقوم حاكم دكتاتور بوصف رعيته المنتفضة بسبب ظلمه، بأنها تعاني من لوثة عقلية، سببتها لها مواد دخيلة على أجسامها، فأذهبت عقلها، وحادت بها عن رشدها!

كاد المريب أن يقول خذوني، وكاد القذافي أن يعترف باستخدامه هو نفسه عقاقير معنوية أو مادية، جعلت منه دكتاتورا منفصلا عن واقعه، مجنحا في فضاء كبره وغروره. ومن يدري فربما ألقمنا القذافي أقراصا أخرى معاكسة لتلك التي أدمنها هو، فأرغمتنا تلك الأقراص على النوم العميق بين أنياب وحش لا يتردد في تهشيم عظامنا متى شاء.

ألا يمكن لهذا الاتهام الغريب العجيب الذي ساءنا ساعة إطلاقه علينا أن يتضمن إشارات خفية تفيدنا في فهم ما نحن فيه من توابع ومخلفات الحقبة البائدة، فندرك وبروح رياضية عالية أننا لا زلنا في دائرة احتمال الإصابة بأمراض خطيرة تسببها المؤثرات العقلية الكثيرة، والتي بعضها مادي كتلك التي لوح بها القذافي، أو معنوي من مثل فياجرا الديمقراطية التي أكدت أعراضها الملموسة تفشيها بيننا، وعلى نطاق واسع مخيف.   

البنج الدكتاتوري، والفياجرا الديمقراطية، وبرغم ما يبدو عليهما من تناقض ظاهر، إلا أن الضرر الذي يلحقه أحدهما بالمجتمع، يساوي نفس الضرر الذي يأتي به الآخر. ذلك أن كلا العلتين، البنج والفياجرا، يستهدفان مركز أعصاب الجسم، وغرف تحكمه، ومفاصل الإرادة فيه.  

البنج والفياجرا كلاهما وسيط مثالي لاستضافة الفيروسات العابثة بالمجتمع، بدءا من فيروسات الفساد الاقتصادي والسياسي، وانتهاء بتفريخ الدكتاتوريين بمختلف ألوانهم وأحجامهم.

Aa10zz100@yahoo.com                    


الأحد، مارس 11، 2012

شركة الاستثمار المجدي ، نزيلة المقر المردي



السيد وزير المالية
السادة رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار وأعضاء مجلس أمنائها
         
                                    تحية وبعد
هل تعلمون أن:

"شركة الاستثمار المجدي، نزيلة المقر المُردي"؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

خلال عهد وصاية السفهاء، وطغيان المستبدين، قبلت عقولنا على مضض أصناف الحمق، وأضراب الجهل. بيد أننا وبعدما دفعنا المقابل من دمائنا وأعمارنا ومقدراتنا  لإفحام السفاهة وكسر قيود التسلط والاستبداد، فإن القبول بسيطرة حمق الحمقى وسفاهة السفهاء، أمر لا يقبله عقلنا الذي تحرر من كل قيد، ولا يخضع له فكرنا الذي عانق النور وحلق في سماء الحقيقة، كما لا تعايشه وتستسيغه أنفسنا التي ذاقت حلاوة المنطق وعذوبة وسلاسة الجدوى.

بعد الانتصار على الباطل ودحره، فإن أي مهادنة وقبول للباطل ومجاراته، لم تعد مجرد مكابدة اضطرارية لواقع لا نستطيع دفعه، وإنما هو تواطؤ مع بعض فلول جيش الباطل المندحر، واتفاقات جانبية رخيصة في  أمكنة مظلمة من أجل المساومة على مستقبل الوطن الذي  استرخص الرجال الأفذاذ أرواحهم من أجله!

هذه المقدمة، وإن كان قد قدح زناد فكرتها ما يراه كل ذي عقل من تناقض فاضح بين الاسم اللامع الكبير لشركة الاستثمار المجدي، الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية العالمية، وبين ما يلوح به مقر هذه الشركة العملاقة، نزيلة سجن بيداء "الهيرة" من تخلف وحمق وبؤس  ، حيث لا بيت ولا سوق ولا مصرف ولا دكان، بل ولا شبكة مجاري أو مصدر مياه بجوار هذا المشهد البائس الشاهد على حماقة من حكمونا السنين الطوال، إلا أن هذا الأمر لا يقتصر على شركة الاستثمارات الخارجية وحدها، وإنما ينسحب على الكثير من الشركات والمؤسسات المنفية عن مكانها الأصلي.

إن الفاصل التاريخي الكبير الذي أحدثته انتفاضة فبراير الشعبية بين عصر وصاية السفهاء المظلم الطويل، وعصر الانعتاق والحرية والشفافية وتقرير المصير الذي دشناه، لا يمكن أن يكون مجرد فاصل حرب ورعب قمنا خلاله بقتل أنفسنا وتقطيع أرحامنا وإهدار إمكانياتنا، ثم لنجد أنفسنا بعد انجلاء غبار المعركة المكلفة وجها لوجه مع نسخة مطورة من السفاهة والحمق وأصناف التسلط والاستبداد.

ثورة الليبيين على الباطل ليست ثورة نخبة سياسية أو حركة عسكر انقلابية تنتهي بمجرد استلام قادة الانقلاب مقاليد السلطة، وإنما هي يقظة فكر، وانتباهة نفس، وتحرر إرادة.

عندما قرر سفهاء عصر التسلط نقل الشركات والمقرات الحكومية بعيدا عن مساقط رؤوسها وأمكنة ولادتها الطبيعية المجدية، لم يكن لهم من مبرر حينئذ سوى إطاعة أوامر أعظم سفهاء العصر، معمر القذافي، والذي، وكما هو معروف، يتلذذ بلي ذراع المنطق والأصول، ويستمتع بمعاناة الناس وإرهاقهم.

أجل، ففي حلكة ليل الاستبداد، قبل حوالي عشرين عاما، تفتقت أفكار القائد وأعوانه على ضرورة تغيير وبعثرة خريطة الإسكان الإداري لمعظم وزارات وشركات الدولة الليبية ، وهو ما يضمن تفريغ الحواضر، وتطويعها أمنيا، من جهة، ومن جهة أخرى يجعل الليبيين المساكين يركضون كالمجانين دونما هدف أو غاية، إلا غاية إشباع نزعة السيطرة المرضية لدى الدكتاتور.

وكان للدكتاتور ما أراد!

فالوزارات التي يربطها بالعاصمة طرابلس أكثر من رباط تنقل إلى سرت!
القوات المسلحة جميعها تجلى إلى الجفرة!
شركة القرطاسية تتقرطس في صرمان!
شركة الأجهزة المنزلية تتزلزل وتزاح إلى زوارة!
الإدارة العامة لمصرف الجمهورية تصرف إلى غريان!
شركة الاستثمارات الخارجية تخرج إلى أعالي الجبال! وهلم جرا.

لو أن مجنونا فاقد عقل، تصور بطريقة أو بأخرى هذا العبث الدكتاتوري، لهزه هذا المشهد الغريب المريع،  ولصعقه ما يفعله البهلوان الجماهيري بكيس فئرانه، حيث تلذذ ذلك المعتوه وعصابته  بهز ذلك الكيس وما حواه من أناس مغلوبين على أمرهم العقود الطوال بلا رحمة ولا شفقة.

شركة الاستثمارات الخارجية، الشركة المالية الاستثمارية الصرفة، ولدت وترعرعت في قلب المدينة، طرابلس، حيث البيئة الطبيعية لهذه الشركة، وحيث المؤسسات المالية وغير المالية، والتي لا يمكن للشركة أن تزاول عملها دون أن تطرق بابها أكثر من مرة يوميا.

الآن، وبفعل سفاهة السفهاء، تبعد هذه الشركة ثمانين كيلو مترا عن مكان إنشائها الأصلي المجدي، وهو ما يعني سفر موظفي الشركة، والذين معظمهم من ساكني طرابلس ضعف هذه المسافة يوميا، وذلك وفقا لقانون عدم الجدوى الذي لا يزال يحكم الشركة حتى بعد احتفالنا بمرور عام كامل على الثورة على منطق الحمقى وعقلية السفهاء! ذات المشكلة بالنسبة لساكني غريان الذين يتوجب عليهم قطع ستين كيلو مترا متسلقين جبل عال وهابطين منه، وذلك مع مشرق كل صباح!

السؤال الكبير جدا هو:

ما جدوى هذا الفعل العبثي السخيف!

سؤال لا بد أن يجيب عليه كل موظف بالشركة الليبية للاستثمارات الخارجية، كما يجب أن يجيب عليه مجلس إدارة الشركة.
ونفس السؤال، ولكن بعلامة استفهام كبيرة، يجب أن تجيب عليه وزارة المالية والمؤسسة الليبية للاستثمار المالكتين لشركة الاستثمارات الخارجية.

أجاب موظفو الشركة على هذا السؤال إجابة بليغة قوامها عريضة وقع عليها معظم هؤلاء الموظفين، مطالبين فيها بإرجاع الشركة إلى مسقط رأسها ومكانها الطبيعي.

مجلس إدارة الشركة لم يجب على هذا السؤال بعد!

الكرة الآن في ملعب وزارة المالية والمؤسسة الليبية للاستثمار، والتي عليها القيام بإعداد دراسة جدوى تواجد مقر شركة الاستثمارات الخارجية في بيداء الهيرة!
  
فهل يا ترى يقرأ السيد وزير المالية ومدير المؤسسة الليبية للاستثمار، وكذا مجلس أمنائها، هذا المقال، ويقومون على الفور باتخاذ القرار الصائب؟

لو لم يتم ذلك، فما علينا إلا إقناع عقولنا وأعيننا وأسماعنا بالحقيقة المرة التي ملخصها أن القذافي لم يمت، وأن الفاتح أبدا، وأن الحمق والسفاهة والجهل في كل مكان وزمان.

الله المستعان.  

مقالات ذات صلة:





وول ستريت الهيرة؛ عبث الكبراء ومعاناة الضعفاء

أو مأساة مقر الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية

في    "الهيرة"     انهرتُ    وضاعَ   رجائي
لمّا      رأيتُ            حماقةَ          الكبراءِ

في     أرضِ      باديةٍ      أقاموا      مركزاً
للمالِ         منتصباً        بقلبِ         خلاءِ

خلف       الجبالِ      الراسياتِ       تمترسوا
وكأنهمْ         نفروا        إلى        الهيجاءِ

لم    تحوِ    "هيرة"   مصرفاً     أو   متجرا
أبداً       وما         فيها       قليلُ       بناءِ

ليس     جواركِ    "لافيكو"    من     منزلٍ
أو       مؤنسٍ      غير      عواءَ      جراءِ  


يلقون     من      مرّوا     السلام     ترحما
وكأنك           ثاوٍ          من       الغرباءِ


فمقركِ        المطروح       وسْط      مفازةٍ
جُرمٌ     تسلل       من     سحيقِ      فضاءِ
            
                 *****************

في        كل        يومٍ      رحلةٌ    محفوفةٌ
بالكربِ             والأهوالِ          والأرزاءِ

عشراتُ       أميالٍ         تحتَّمَ       قطعها
في        صبحنا       ومثيلها         بمساءِ

وهناكَ       تقذفنا       مراكبُ        شحننا
فنخرُّ      مِن       رهَقٍ      ومن     إعياءِ

البومُ       يرقبُ        حالنا        مستهجناً
ويضجُّ         مستاءً        من       الغرباءِ

وتراهُ       محتاراً        لطولِ        مقامنا
بمفازةٍ              مقطوعةٍ            جرداءِ
   
               ******************


                   

مَنْ      ذاك       يقنعنا     بجدوى     رحلةٍ
يوميةٍ       مُلئتْ         صنوفَ         عناءِ

وضياع        أموالٍ          بدون       مبرِّرٍ
وبهدر          أوقات       ونزف       دماءِ

لم      يبق      عذرٌ      واحدٌ      يضطرنا
للسير     عُميا       في     قطيع      الشاء

فالحاكمُ        المأفونُ      أضحى       رمةً
ونظامه     الباغي        مضى         لفناءِ

ما     عاد       للطغيانِ      قائمَ       دولةٍ
ما      عاد      للسفهاءِ        أيُّ       بقاءِ
   
                 ****************


لابد    من       كسر      القيود      جميعها
وجلاءِ       ما        للعقل      من      آراءِ

ما      كان     أردانا      سوى    استمرائنا
سفه        العقيد             سيد     السفهاء 

لمّا       هدمنا        للطغاةِ        صروحهم
ظهر     الذي       أخفوه     دون      مراءِ

لمّا        كشفناهم        بدتْ       عوراتهم
وفظيع      ما       أخفوه      من     ضرّاءِ
  
                  **************     

هل      كان    تحويل     المقر    لأجل    أنْ
تغدو      به       غريانُ       نبعَ      رخاءِ
             
أو      أنَّ       تحويلَ        المقرِّ    أحالها
بيداءُ        هيرة          جنةً         للرائي

كلا         فتحويلُ        المقرِّ        سياسةٌ
أمنية              الغايات             والأهواءِ

فزعيمنا       البالي         عدوُّ        تحضُّرٍ
ويرى     الحواضرَ      رحمَ      كلِّ    بلاءِ
                
كم      عانى     سكان      الحواضرِ    كلهم
من        وطأةِ       التهميشِ       والإقصاءِ

وعدِّ         أنفاسٍ         لهم           وتتبعٍ    
وكأنهم        بعضٌ         من         الأعداءِ

                ***************



مَنْ       ذاك       يسعفني     بأيِّ      مبرِّرٍ
لعذابنا          في       مشرقٍ       ومساءِ

أو       ذاكَ     يُقنعني     بعقمِ      قرارهم
ببناءِ      بيتِ      المال      في     البيداءِ

اليومَ       أكتبُ       بالحروفِ      جميعها
قد     زال     عصرُ    الحجر      والإقصاءِ

اليومَ       نكشفُ        للطبيبِ      جراحنا
ما       عادَ       ينفعنا      جحودُ     الداءِ

                   
                                  *********       



يا      أيها     المسئول      عن      مأساتنا
عن       ضُرِّنا      ومسلسلِ          الإشقاءِ

لا   تمضِ    أكثر    في      طريقٍ     بائسٍ
وتكرِّر        الماضي        من      الأخطاءِ

فيمَ      التلكُّؤ       في    اغتنامِ      فضيلةٍ
تلقى     بها      أجراً      وحسنَ        ثناءِ

هوِّنْ        علينا        للطريقِ        مشقةً
وانجزْ      وعوداً      لم      تفزْ      بوفاءِ
       
               ********