السبت، يونيو 30، 2012

رأس ورؤوس


رأس ورؤوس .. وجه ووجوه .. عين وعيون!

على مدى الأربعين عاما الطويلة وزيادة، وعلى مدى مساحة ليبيا الكبيرة، وربما أقصى وأبعد، وفي كل شارع، وفي كل زقاق، وفي كل ميدان، وفي كل سوق، وفي كل رواق، وفي كل مدرسة، وفي كل مستشفى، وفي كل مكتب، وأينما يممت وجهك، لا ترى إلا رأس ووجه دكتاتور ليبيا السابق، القذافي، ولا ترى إلا عينيه الجريئتين النهمتين!

وبمجرد اختفاء هذا الرأس، ومغادرته لحيزه الشاسع الواسع،  شرعت آلاف الرؤوس والأوجه والعيون لآلاف المواطنين الليبيين المرشحين للمؤتمر الوطني، تأخذ مكانها في ذلك الحيز الواسع الرحيب.

حقا ما أبشع الدكتاتورية، وحقا وصدقا كم كان نصف الإله القذافي مضيقا للمكان الواسع، ومختزلا للزمان الطويل، ومطفئا لآلاف العيون والوجوه، بل لملايينها!

ولكن لماذا نبش الماضي، والكلام على رأس الدكتاتور ووجهه وعينيه، وقد تواروا جميعهم، وإلى الأبد؟

ذلك لأنني كلما وقعت عيني على الصور الكثيرة من صور الدكتاتورية والفساد والتسلط في البلاد، رأيت ذلك الوجه الضخم للدكتاتور السابق وقد تربع في خلفية تلك الصور، محركا إياها بواسطة خيط رفيع.

كما أنني تابعت المراحل كلها لرحلة صورة رأس الدكتاتور ووجهه وعينيه، وذلك منذ أن أطل علينا، قبل أكثر من أربعة عقود، متصنعا البراءة، ومتوسلا القبول والتأييد، تماما كما يطل علينا أصحاب الصور الآن، ويتوسلون الدعم والقبول.

سيستغرق الليبيون مدى زمنيا ليس بالقصير من أجل أن يتقنوا المهمة الخطيرة التي من خلالها يتم التعاقد فيما بينهم وبين الحاكم،  والذي تخترق صورته الناعمة الأماكن الحساسة من عقولهم قبل أن يتحسسوا بحواسهم جوارح الحاكم الخشنة. وسوف يكون للملامح الظاهرية للحاكم في إتمام عملية التعاقد الخطيرة هذه دورا بارزا مهما.
صورة الحاكم وملامحه الناعمة، وجوارح الحاكم الجارحة الخشنة، كانا درسين بليغين من دروس الحقبة الدكتاتورية السابقة، وربما كانا أيضا من الدعائم الرئيسية التي وضع نظام الطغيان عليها بنيانه.

ها هم الحكام المرتقبون يضعون أمامنا صورهم، وما ظهر من ملامحهم الناعمة، طالبين منا مقابل ذلك التوقيع على العقد الاجتماعي بيننا وبينهم، مؤجلين تحسسنا لجوارحهم إلى حين.

حقا إنه امتحان صعب، ولكن لا مناص من خوضه.
فيما يلي بعض الأسئلة لمراجعة ما سبق دراسته من أمر صورة الحاكم وأثرها فينا وذكرياتنا معها، وأسئلة أخرى استرشادية لما يتحتم علينا عمله مع آلاف الصور التي حلت محلها:
ــ لماذا دأب القذافي على إزاحة كل الوجوه، وربما تشويهها، وتعمد إظهار وجهه هو فقط دون أي وجه آخر سواه؟
ــ هل وجوه الليبيين على هذا القدر من القبح، وذمامة الخلقة،  حتى يطمرها القذافي في تراب النسيان العمر كله؟
ــ هل كان معمر يظهر علينا بوجهه الكبير جدا تحببا إلينا، أم تخويفا وإرهابا لنا؟
ــ هل استخدم معمر الأثر النفسي الدعائي الخطير الذي تحدثه الصورة الكبيرة الوحيدة أسوأ استخدام، واختزل ألوان الطبيعة اللامتناهية العدد في لون يتيم واحد، فسبب بذلك عجزا جينيا في أعين الليبيين، جعلهم يرددون حتى الموت: معمر وبس؟
ــ هل هذا القصور الذي لازمنا في معرفة الوجوه والألوان وتمييزها من بعضها هو الذي جعلنا نمشي في طريق هلاكنا  مغمضي العيون؟
ــ هل كان للوجه الكبير الواحد المتسمر في كل مكان من أثر في استرقاق الناس، وسلبهم إرادتهم، ومنعهم من حرية الاختيار التي منحها خالقهم لهم؟
ــ هل ساهم الوجه الواحد المتجهم للقذافي في تردي الحالة النفسية لليبيين، وعمل على غرس الإحباط في نفوسهم، وجعلهم يعتقدون أن الدنيا كلها ما هي إلا شارع واحد، ذو اتجاه واحد، أوله الرحم وآخره اللحد؟
ــ هل يعزى تعلق بعض الليبيين بالقذافي بعد سقوطه، وهو الذي فعل بهم ما فعل، إلى مجال التأثير القوي لذلك الرأس والوجه والعينين، والذين كانوا بعض أدوات القذافي في السيطرة على الآخرين؟
ــ هل يفلح الليبيون بعد كل أهداف الرأس الماكرة الذكية الموجهة إلى مرماهم، في لملمة أفراد فريقهم الوطني المنهك المبعثر، وترجيح كفة الستة ملايين رأس على كفة الرأس الواحد؟
ــ .................................؟
ــ ......................................؟

وعلى الجانب الأخر من ورقة الأسئلة الصعبة، أسئلة أخرى أهم، وهي:

ــ هل كل هذه ألآلاف من الوجوه والعيون التي قضت كل عمرها سجينة دهاليز الدكتاتورية المظلمة، تستشعر، الآن، هذا الانعتاق والتعرض المفاجئ لألق شمس الديمقراطية، وتتمكن من تجنب صدمة التغيير الخطير؟
ــ هل تستطيع هذه العيون التي انفتحت للتو أن ترصد وبسرعة أبعاد الزمان والمكان الجديد الذي ولجته، وتتكيف معه، وتنجو بذلك من الحول المزمن الذي كثيرا ما يصيب أعين الحكام، عند تحولهم المفاجئ من مكان إلى مكان.
ــ هل تستطيع هذه العيون أن تنجو من فتنة مائدة الأضواء، فتتجنب تخمتها ؟
ــ هل تتعرض إلينا هذه العيون والوجوه الكثيرة والمنتشرة الآن في كل مكان من أجل أن تقدم إلينا بلسما يداوينا مما كنا نعانيه من التحديق الإجباري لوجه وعين دكتاتور سئمناه، أم أنها ستعاود النظر إلينا من اجل تنويمنا، وإعادة نفس المشاهد الدكتاتورية المؤلمة المقززة؟
ــ هل تطهرت هذه العيون من أدران المكر والخبث والخنس، واغتسلت تلك الوجوه من غبار النفاق متعدد الطبقات والألوان، ثم استحمت بعطر البراءة وبلسم الشفافية؟
ــ هل بإمكاننا أن نرى في هذه العيون والوجوه أثرا ما من غبار الحرب المقدسة على الاستبداد والطغيان، وكذا علامات إكبار وإجلال لأرواح الشهداء الذين خاضوا تلك الحرب، والذين هم من اقتلع رأس ووجه وعيون الدكتاتورية المقيتة، وأفسحوا المجال لملايين الهامات فارتفعت، ولملايين العيون فانطلقت؟
ــ هل سيبقى أصحاب هذه الصور على نفس الهيئة التي يظهرون بها علينا الآن أول مرة، وهم في غاية اللطافة والتأنق. وهل ستحافظ أعينهم على إرسال نفس القدر من موجات المغازلة التي منها الآن تتدفق؟
ــ هل هناك أي خيط رفيع تصعب رؤيته بين الصورة الكبيرة جدا التي كانت تشغل المكان، وبين كل أو بعض الصور التي خلفتها؟
ــ ....................................؟
ــ ............................................؟ 

كل هذه الأسئلة، وربما غيرها كثير وكثير، تطرحها علينا هذه المرحلة الخطيرة التي نعبر، وتجبرنا على الإجابة عليها قبل أن نختار ونقرر.

إنني قضيت عمري خائفا من رأس القذافي المتطاول، ومن وجهه المتمدد، ومن عيونه النهمة الجريئة المثيرة، ولن يزول خوفي هذا إلا إذا تأكد لي أن الرؤوس والوجوه والعيون التي حلت محله لا تمت له بصلة، ولا تربطها بالدكتاتورية أية وشيجة.

محمد عبد الله الشيباني



الأربعاء، يونيو 27، 2012

صك المصارحة، وصك المسامحة



المتبرع: سجين الرأي السابق الصادق الرقيعي، والمتبرع: المهندس امبارك الشامخ .. مثالا، لا حصرا.

بفضل الله ورحمته، لانت قلوب الليبيين، وتكاثرت هذه الأيام دعوات المصالحة والوفاق بينهم. ولم يكن الشعب الليبي عبر تاريخه الطويل المشرق شعب تفرق أو خصام، لولا ما شهدته البلاد مؤخرا من نزاع سياسي، كان للفئة الحاكمة القليلة، ممثلة في شخص القذافي وأبنائه وبعض أفراد قبيلته ومريديه، الدور الأبرز في تأجيج هذا الخصام، ودفع الناس إليه، وذلك بما توفر لدى هذه الفئة من نفوذ وسلاح وأموال.

ولعله من المسلم به الآن أن معظم الفرقاء، من نزح منهم عن الوطن، ومن لم ينزح، هم أولئك الذين وقعوا ضحية عملية التغرير الممنهجة التي امتدت على مدى وجود القذافي وفئته على كرسي الحكم، تلك العملية التي بلغت أوجها عندما أحس القذافي باهتزاز الكرسي من تحته.

ليس من العدل أن نفصل العمل الذي يقوم به شخص ما، خيرا كان ذلك العمل أو شرا، عن الزمان الذي وقع فيه، وعن الظروف التي اكتنفته.

الغالبية العظمى من الذين تركوا البلاد مجبرين، هم من الذين وقعوا ضحية تغرير نظام سياسي مزمن، لم يكن أحد يتصور زواله، حتى كاد أن يستقر في وعي الكثيرين منهم أن بقاء القذافي أمر محتم قدرا، وأن التفكير في تغييره هو ضرب من الخيال.

وليس من الصعب على القاضي المنصف الحصيف، وهو ينظر في جرم الكثيرين ممن غرر بهم القذافي، أن يرى مدى  التغرير في كل فعل من أفعال هؤلاء، وأثر ذلك في تحديد العقوبة العادلة.


وقبل ساحات القضاء وبعدها، وقبل حصافة القاضي وحنكته، هناك ساحات العفو الشاسعة، ورهافة حس المواطن الليبي الرشيد وذكاؤه، ذلك المواطن الذي لابد أنه يعلم بأن صك عفوه على من ظلمه من بني دينه وعرقه ووطنه، يضمن له حياة هانئة له ولأبنائه من بعده، كما أن عفوه هذا مما يستوجب رضاء ربه الذي لا يقدر بثمن.

طائر المصالحة المبارك، والذي ستعبر على ظهره بلدنا ليبيا من خضم النزاع والفرقة، إلى بر الوفاق والألفة، له جناحان؛ أحدهما جناح المصارحة من قبل المغرر بهم، وثانيهما جناح المسامحة ممن وقع عليهم الضرر. وهذا الطائر هو الذي تتجه كل الأنظار إليه الآن، كما أن كل الأيدي تربت على جناحيه، كي ينهض، ويحلق بليبيا بعيدا عن خرائب الخصام والشقاق، إلى حيث جنان المحبة والوفاق.

نقل إلينا الإعلام مؤخرا أخبار بعض محاولات المصالحة المباشرة، وهي محاولات نباركها، ونتمنى نجاحها. وإلى جانب هذه المحاولات هناك محاولات أخرى، لم تتيسر لدعاتها فرصة اللقاء والتفاوض المباشر، وإنما تلاقى الاثنان تلاقيا وجدانيا على بساط الأثير الذي نسجه عنكبوت الانترنت المبارك.

من دعاة المصالحة على الأثير، الأستاذ الصادق الرقيعي، وهو سجين رأي سابق، وإن شئت الإنصاف فهو شهيد ناطق، ذلك أنه من غير المحتمل كثيرا لمن أمضي في غياهب سجن أبي سليم سيء الصيت، ثماني سنوات أن يظل حيا، لولا أن الأعمار بيد الله اللطيف الحكيم.

وللأستاذ الصادق الرقيعي بذلك السجن وغيره زملاء ربما بلغوا الألوف، منهم من قضى نحبه، ومنهم من شاء الله أن يبقيه كي يكون شاهدا على ما جرى.

والصادق الرقيعي، وهو يسرد ذكريات سجين الرأي الليبي المرة، أطلعنا فيما نشر من مقالات على المكان الذي قضى فيه هو والمئات من رفاقه زهرة سنوات العمر، وحبل المشنقة يتدلى أمام ناظريهم صباح مساء، والموت على موعد يومي معهم، حتى أضحى توديع الأموات الطقس الاجتماعي الوحيد الذي يمارسه أولئك السجناء الأبرياء.

وبالإضافة إلى صناعة الموت اليومي، أفلح سجن أبي سليم، وغيره من سجون القذافي الكثيرة في صناعة العداوة ونشرها بين الليبيين، والذين شطرهم القذافي إلى شطرين لا ثالث لهما؛ شطر المساجين، وشطر الجلادين.

لم تفلح كل تلك الذكريات المرة في أن تمنع الصادق الرقيعي من مد يده بالمسامحة، والدعوة الصادقة إلى المصالحة، أكد ذلك في مقال له بعنوان: إن لم تكن المصالحة .. فالحرب قادمة، والذي رابطه بصحيفة المنارة هو:  http://www.almanaralink.com/press/2012/06/19014/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%82%D9%8A%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%86-%D9%84%D9%85-%D8%AA%D9%83%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D9%81%D8%A7%D9%84/

وكاد أن يمر هذا المقال كما مر غيره، ويطويه النسيان، لولا ذلك التعليق المعبر الذي وقعه المهندس امبارك الشامخ باسمه وصفته، وهذا نسخ له: 

مهندس امبارك الشامخ
يونيو 22, 2012 5:13 مساء
السلام عليكم اخ الفاضل الصادق الرقيعي….اولا اسمحلي ان نعبر لك عن تقديري واحترامي لشخصك الكريم الذي شاءت الاقدار ان لا اعرفه ولا اسمع به الا من خلال مانشرته حضرتك من مذكرات مؤلمه ومؤسفه لكل بني ادم لديه ذره من الانسانيه وايضا هي مشرفه لانها نضاليه من اجل عقيده ونصرة الحريه(خذ في الاعتبار قد نختلف وقد نتفق في بعض الرؤيا ولكننا متفقين في الثوابت وهي الهويه والعقيده)نعم انني اكن لشخصك كل الاحترام والتقدير وكم كنت اسفا ومتالما من بعض الحقائق والاشخاص التي كشفت عنهم حضرتك في مذكراتك وقد كنت احتسبهم في حساب الوطنيين…..علي كل حال انا حبيت ان اعلن اتفاقي معك التام في ماذهبت اليه في موضوع المصالحه وفق القواعد التاليه:ارجاع الحقوق بالقانون..(مايتعلق بالتلطخ بالدم والمال العام وانتهاك الاعراض سوي بالقذف او بالفعل)…ومن ثم العفو والتسامح…كله من خلال رغبة ومعرفة اولياء الدم والعرض…نعم هناك مجموعه من المجرمين يحاولون تكوين كتله بشريه من المليون والنصف خارج الوطن لتقويض الثوره الشعبيه وهناك ايضا مجموعه من الحاقدين علي الشعب والنظام وحتي الارض الذي عاش عليها هذا الشعب والنظام طيلة 42 سنه لانهم كما لدي انصار النظام قناعه ان الناتوا هو من انتصر عليهم فان الحاقدين ايضا يروا ان الناتو هو الذي حررهم من النظام وليس الشعب اللهم يارب احمي ليبيا والامه الاسلاميه من ثلاث الحاقدين (من كل جانب)والمتطرفين(من كل جانب)والتابعين(من كل جانب)….اخ الصادق بدون سابق معرفه ارجوا تقبل تحياتي واحتراماتي لك ولقد ابدعت في كتاباتك لمذركرتك ابدعت في صياغتها كتابه والاهم هو ابداعك في تسطيرها كبطوله علي ارض الواقع …قد لاتتقبل هذه الشهاده من شخص عمل في نظام سجنك وهذا من حقك ولكن ياسيدي ارجوا منكم ادراك انه هناك اخرون لهم رؤياء قد تختلف عنكم ولكن هم ايضا سجنوا وعذبوا وعملوا مع النظام وفق ثلاث ثوابت عدم التلطخ بالدم وعدم المساس بالمال العام وطالما البلد في مواجه وحصار ومن الاصلاح بقدر مايستطعيون….وهم علي استعداد للمحاكمه والمساءله لانه يوم النصر العظيم لهم لانه ستكشف الهويات والارتباطات لكل من هو علي المشهد السياسي سوي قوي المعارضه او النظام اسف اطلت والسلام…..

المهندس امبارك الشامخ الذي شغل أرفع المناصب في نظام القذافي، نراه بوضوح يمد يده إلى الصادق الرقيعي سجين عهد القذافي، وهي نفس اليد التي مدها الشامخ عبر إحدى القنوات الفضائية إبان الحرب بين مواطني البلد الواحد، واصفا إياها بالنظيفة، ومستعدا للتحدي والمراهنة على ذلك.

وبعد فراغي من قراءة مقالة الرقيعي، وتعليق الشامخ عليها، ونظرا لقيامي بإطلاق دعوة للمصالحة على الرابط:
والتي اقترحت من خلالها تأسيس بنك المصارحة وبنك المسامحة اللذين تتكون أصولهما، كما بينت، من مجموع صكوك المصارحة من طرف، ومجموع صكوك المسامحة من الطرف الآخر. بناء على كل ذلك، رأيت أن استثمر هذا الحراك، واغتنم فرصة هذا اللقاء النموذجي الذي احتضنته الشجرة العنكبوتية المباركة، محاولا مد أغصان شجرة الوفاق حتى يعم ظلها كل مساحات الخلاف التي تكدر وجه الوطن وتحزنه.

لم لا؟!
فهذان الرجلان؛ الرقيعي، والشامخ عينة علمية مثالية، ومعبرة بوضوح عن المجموعة التي تستهدفها عملية  المصالحة.  

كما أن المهندس امبارك الشامخ، والأستاذ الصادق الرقيعي ليسا هما المواطنين الليبيين الصالحين الوحيدين، بل هناك مثلهما الكثير، والذين سوف يصطفون طوابير من أجل تأسيس بنك المصارحة، وبنك المسامحة، حَجَرتي الأساس في بنيان ليبيا الجديدة السعيدة.    

إنني أدعو الأخوين الصادق الرقيعي، وامبارك الشامخ إلى الاتصال المباشر بينهما، ووقوف كل منهما على رأس الطابور الذي سينضم إليه الآلاف من دعاة المصارحة والمسامحة، ويشرفني أن أكون أحد الواقفين في هذا الطابور المقدس.   

محمد عبد الله الشيباني
مدونة ربيع ليبيا

الأحد، يونيو 24، 2012


أشقياء هنا يعربدون، وقبليون هناك يتقاتلون، والمسئولون، عن هذا وذاك لاهون!

بسبب إيغال النظام السابق في صنوف الظلم، وأضراب الفساد، أجدني دائما أبرر لقلمي جموحه وإيغاله في ذم وقدح ذلك النظام، نظام الطغيان، ولا ينتابني جراء ذلك ندم، أو شيء من وخز ضمير. بيد أنني لم أسمح لقلمي البتة في أن يفعل الشيء نفسه مع نظام الثورة على الطغيان، برغم ما ظهرت عليه من هنات، وما اعترته من مثالب وعورات.

طراوة عود النظام السياسي الحالي وحداثة سنه، هو أكثر ما يمنعني من المجاهرة بانتقاده، وإن كنت أحدث بذلك نفسي، وأسرُّ به للقريبين مني.

الانتقاد الوحيد الذي أعليت به صوتي، هو بطء الحكومة الواضح القائم الماثل، في ردة فعلها تجاه ما ينفجر في طريقها من مشاكل.


ولمشاكلنا الليبية القائمة عند انفجارها وجهان؛ أولهما انفجار ناعم، نراه في كل مكان، وكثيرا ما نعزوه إلى الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وإن كان تراكم تلك الانفجارات مهما بلغت من النعومة، سوف يكون له تبعات خطيرة مهلكة، ونتائج مخسرة منهكة.

أما النوع الثاني من الانفجارات الليبية، فهو انفجار خشن محرق مدمر، لا يمكن تجاهله، أو غض الطرف عنه، وإذا ما تأجل إطفاؤه، تطاول بأسه، وامتد بلاؤه.

والانفجار الخشن المحرق المدمر، هو الآخر له نوعان؛ أحدهما محدود بسيط، وثانيهما خطير مركب، إلا أن الاثنين مهلكين، وإلى النار والبارود ينتسبان.

أول هذين الانفجارين اللذين باتا شائعين، انفجار محدود بسيط، ولم أكن لأحفل به وأهتم، لولا أنه تكرر حدوثه أمام بيتي أكثر من مرة، وفي توقيت واحد، وهو حوالي الساعة الثانية من صباح يوم الجمعة. كما أن أبطال هذا الحادث هم أيضا أشخاص معروفون لدي، وفعلهم الشائن متكرر في كل شارع وحي.

هذا العمل الشائن الآثم، تدشن فعالياته بخصام ومشادات كلامية رخيصة على شيء تافه رخيص، ولكنه سرعان ما يتطور إلى تهديدات، ثم تتحول التهديدات بدورها إلى تلويحات بالهراوات والآلات الحادات، ثم يختم المشهد حلقاته، كما هو عادته في كل مرة، باستدعاء السلاح الناري؛ من بنادق، وقنابل يدوية، وغيرها.

ولأن هذه المعركة ساحتها الشارع الرئيسي الذي يفتح عليه بيتي، ولقصوري عن خوض هذه المعارك،  فإن أقل ما يجب علي عمله بعد وداعي لنومي، هو مشاركة جمهور المشاهدين، في مشاهدة الفيلم المبكي الحزين.

وتستمر الملحمة، وينتشر صوت الرصاص شاقا صمت الليل، وجاذبا إليه الكثير من السيارات، المثقلة بما أقرفونا به من شعارات، والحاملة للمسلحين من كل الأصناف والفئات.

أفرح بقدوم الحراس الأشاوس اليقظين، وذلك لتصوري بأنهم لم يأتوا في هذه الساعة، وبهذه الهيئة إلا ليقبضوا على العابثين، الذين هم لأمن الناس مهددين، ولنومهم طاردين، فيصادرون منهم ما سرقوه من الدولة من سلاح، ويرجعون إلينا ما فقدنا من أمن وسلامة وارتياح. ولكن، ويا للأسف، فسرعان ما تتحول فرحتي بهم، إلى  حسرة منهم، وغضب وحنق عليهم، وينقلب الاستبشار بقدومهم، إلى استوحاش من وجودهم، وذلك عندما أراهم يصافحون المسلحين العابثين، ويصبحون لهم مسامرين، ثم ينصرف الجميع، وكأن المكان لم يكن قبل قليل ساحة صدام مرعب مريع.

رب قائل يقول هذه نتيجة مفرحة، وطريقة ذكية لفض المعارك الليبية المسلحة، ولكن ما هي إلا بضعة أيام، حتى يأتي ليل الجمعة بما واعدنا به من آلام، ويعود شبابنا المعربدون المرهبون، لما عودونا به من شقاء وجنون، وذلك بسبب ما هم عليهم مدمنون، من مذهبات للعقول، وجالبات لكل شر ورعب وهول.

أما ثاني الحدثين اللذين دفعاني إلى المجاهرة بانتقاد الكبار وتحميلهم مسئولية ما يرعون من صغار، هو ذلك الحدث الذي أسال الدماء، وجعل الإخوة أعداء. إنه النزاع الفئوي القبلي في جنوب غرب ليبيا.

في مقابلة مع قناة الجزيرة، وعلى الهواء مباشرة، يتكلم أحد المواطنين القنطراريين المتواجد في بؤرة المعركة، وربما أحد أطرافها، متهما الحكومة بعدم الاكثرات، لما عاشته مدينتهم من أزمات وويلات، وما عربد فيها من لهب، وما سال حولها من دم، وهو عمل وتصرف ساهم بوضوح في امتداد ألسنة الحرائق، حتى شمل أذاه الكثير من المناطق.

قال ذلك المواطن، متعجبا مستغربا، إنه لم ير أي تواجد عسكري أو أمني من قبل الحكومة، أو المجالس العسكرية المعنية، بل ولم تكلف الحكومة نفسها مجرد إقامة غرفة مراقبة ومتابعة لهذه الحالة، وذلك على مقربة من خطوط التماس، على أن يشرف عليها مباشرة أحد الوزراء، أو حتى عضو واحد من بين ما تزخر به المجالس العديدة الكثيرة من أعضاء.

الرصاص يعربد في كل مكان وزمان، والمعربدون العابثون يحرموننا الأمان، وخاصة داخل مدينة طرابلس، وهم في معظمهم شباب صغار السن، وغير ذوي انتماءات قبلية أو فئوية معقدة، مما يجعل من ملاحقتهم، وافتكاك ما يحملون من سلاح، ليس بالأمر الصعب. إلا أننا لم نر جهدا يذكر حيال ذلك من قبل الحكومة، أو حتى المجالس المحلية والعسكرية المعنية.

كما أن الخلافات القبلية رغم شيخوختها وموتها السريري، إلا أنها وجدت في البيئة الحالية المملوءة بمركبات غياب الدولة، ولا مبالاة الكبراء الممسكين بزمامها، وحيرة عقلائها وحكمائها، فرصتها الذهبية في العودة للحياة، فقفزت من نعشها، وأنشبت فينا أنيابها.

ــ لا شرعية لمن يحمل السلاح، ولا شرعية لمن فتحوا دكاكين إصدار البطاقات غير الشرعية لحاملي هذه الأسلحة.
ــ لا شرعية لحكومة يتبعها وزير يسمع ويرى ما قد قلت وأبنت، ثم يتكئ إلى الوراء، وكأن كل ما سمع مني، وربما من كثير غيري، مجرد هراء.
ــ لا شرعية لمجلس مهما خلع على نفسه من أسماء، ثم تراه يعايش ويهادن العابثين السفهاء، ويستمرئ ما يسيل أمامه من دماء.

محمد عبد الله الشيباني
مدونة ربيع ليبيا

الخميس، يونيو 21، 2012

سلاح الطيران، شهاب في عين كل شيطان



سلاح الطيران، شهاب في عين كل شيطان

أرض، وشعب، وجيش، وحكومة؛ أرجل أربعة لا يمكن لدولة أن تقف، فضلا عن أن تمشي، إذا ما فقدت أيا منهم.

بحركة سريعة رشيقة ذكية يجب أن تواصل الحكومة الليل بالنهار، وبالسرعة القصوى، على إخراج ليبيا من مرحلة الثورة، التي أخذت أكثر من وقتها، إلى مرحلة بعث الدولة وقيامها. هذه الدولة التي انتظرنا طويلا، من أجل فك قيادها، وفتح المضمار لها؛ فما من عمل أخذ أكثر من وقته، إلا ونقصت فائدته، وربما انقلب إلى ضده.

في مثل هذه الأيام من العام الماضي، وبعد أن حسم الشعب الليبي أمره، وعزم على تغيير نظام سياسي جائر ظالم، كانت الثورة في عنفوانها، بل وفي مثاليتها القليلة النظير.

سدد الله خطى الثورة والثوار، وتم التغيير المبارك المبين، والذي ساهم فيه كل ليبي بدور مميز، وعمل فريد، وكأنه عازف في أوركسترا، يقوم كل عضو من أعضائها الموهوبين النابهين بتأدية ما تشير به أصابع المايسترو المحنك الخبير، وهو يقرأ نوتة السيمفونية الفريدة الخالدة، سيمفونية إنقاذ الوطن.

انتهت مرحلة الثورة، بسقوط من قامت عليه الثورة، وأعلن المايسترو نهاية فصل التحرير من السيمفونية الخالدة، وشرع في تهيئة الفرقة لعزف الفصل الأخطر والأهم، وهو فصل قيام الدولة وبنائها.

في أطراف مسرح الوطن المترامي الأطراف، وفي زوايا مبعثرة كثيرة منه، لا زالت أصوات نشاز من هنا وهناك، تصر على تكرار عزف بعض مقاطع سيمفونية الثورة، وبطريقة مزعجة مقززة، اختلط فيها صوت بصوت،  واصطدم فيها لحن بلحن، حتى أضحى لحن الثورة في آذاننا مرعبا مفزعا، وأي مظهر من مظاهرها في أعيننا مقذيا موجعا.

إن كل من يصر على العزف على أوتار الثورة بعد نجاحها، بقصد أو بدون قصد، ومهما كانت حماسة اللحن الذي يعزفه، إنما يصر على إيقاف عقارب الساعة، كما كان يفعل الدكتاتور السابق، وذلك عندما شل حركتنا، وأجبرنا على الجري واقفين، والتفرغ لملاحقة أصابعه، لنعزف مكرهين ألحانه الثورية النشاز، ولنرقص حتى الموت على إيقاعها الجنائزي السقيم العقود الطوال.

الليبيون للتو خرجوا من الحظيرة الدكتاتورية لأعتى طغاة الدنيا، ومن الطبيعي جدا، وبعد أن مكثوا عقودا طوالا في تلك الحظيرة، أن يعلق بعقولهم وجوارحهم شيء من ركام الجهل والتخلف وأدران الطغيان.

شيء من هذه الأدران، يزيله النصح والتبيان، وشيء كثير آخر لا يمكن زواله إلا بالسلطان.

سلطان الدولة، وأذرعها القوية الطويلة، هي الأداة الوحيدة لتأديب الخارجين على العرف والدين والقانون، ولن تكون أذرع الدولة فعالة إلا بقدرتها على الوصول إلى كل من يهدد أمنها، ويرعب شعبها، ويعبث بمستقبل أبنائها.

هؤلاء العابثون مستقوون بما استولوا عليه من سلاح الثورة، والذي يرفعونه الآن في وجه الثورة لإجهاضها، وهو في مجمله سلاح أرضي، محدود المدى، متدني التقنية.

وعابثون آخرون مستقوون بما سرقوه وهربوه من مال الليبيين، فاشتروا بذلك السلاح، واستأجروا المرتزقة، وتراهم من حين لآخر يرسلون منافيخ الاختبار لاستقصاء ما عليه جدار الوطن من حال، مترقبين تنفيذ حلمهم الخبيث في تدمير الوطن من الخارج بعدما فشلوا في تدميره من الداخل.

وحتى تكون كلمة الدولة هي العليا، فإنه ليس أمام الدولة، بعد يأسها من إمكانية تجميع سلاح المشاغبين والعابثين الداخليين والخارجيين، إلا استخدام السلاح المهيمن، سلاح الطيران، ذلك السلاح الذي لا يمكن لأحد غيرها أن يستعمله، وتسخير ذلك السلاح في بسط هيبة الدولة، وفرض قوانينها، وإنفاذ أوامرها وتوجيهاتها.

يجلجل هذه الأيام، في سماء مدينة طرابلس، ومن حين لآخر، صوت الطائرات الحربية، ذلك الصوت الذي كان لنا معه، نحن سكان هذه المدينة المعانية، ذكريات سيئة، وذلك عندما كان الدكتاتور السابق يستخدمه من أجل إرهابنا وتخويفنا، لا من أجل حمايتنا وتطميننا.     

بيد أن الأمر اختلف كثيرا الآن، فكلما سمعنا صوت الطائرة الحربية أحسسنا بالاطمئنان، ووددنا استمرار تحليق هذه الطائرات، وزيادة تشنيف أسماعنا بما تصدره محركاتها من صوت مؤنس لذيذ.

يجدر بوزارة الدفاع أن تقوم بدعوة كل كوادر القوات الجوية، وهم بفضل الله كثيرون، وتقوم بإعداد خطة سريعة محكمة من أجل إنعاش ما لديهم من علم وخبرة، وإن استدعى الأمر إلى جلب خبراء من الخارج للمساعدة في هذه المهمة الملحة.

كما يجدر بهذه الوزارة أن تقوم، ووفق خطة زمنية مدروسة، بتوفير  الطائرات، وإعداد المطارات، وورش الصيانة، وغير ذلك من بنية تحتية لازمة.

يجب أن لا نكرر أخطاء النظام السابق في الإسراف في التجنيد، ذلك أن رجلا كألف، وألف كأف، كما يقولون. كما يجب أن نتقي فيروس إسهال تكديس الأسلحة، ذلك الفعل الشائن الغبي الذي أرهق ميزانية الدولة، وجوع شعبها.

لابد أن خريطة الاحتياجات العسكرية، والجوية منها بالخصوص، قد تم إعدادها من قبل المختصين، وهي خريطة حريٌّ أن يغلب عليها لون الاحتياجات الملحة، كحماية الحدود وتأمينها، وملاحقة الفئات العابثة وتأديبها.

ليس ثمة من مشكلة أمام الحكومة من أجل تنفيذ هذا المطلب المهم؛ فالغطاء الشرعي لمثل هذا العمل متوفر، كما أن الغطاء المالي لتمويله متيسر متاح، أما جدوى هذا العمل وأهميته وضرورته، فلا تحتاج إلى كثير جهد لإثباتها.

فقط على الحكومة أن تسرع؛ فالبطء مَطل، وقتل للأمل، وعلامة على الخلل، وتبشير بالفشل.    

محمد عبد الله الشيباني
مدونة ربيع ليبيا     

الثلاثاء، يونيو 19، 2012

الشركة الليبية للإستثمارات الخارجية


الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية
هل هي بحاجة إلى نظام إدارة رشيد، أم هي بحاجة إلى مجرد مدير جديد؟!

الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية أحد الأذرع الاقتصادية الاستثمارية للدولة الليبية، وقد نبتت هذه الشركة كغيرها من أجسام وأجهزة النظام الشمولي السابق في تربة ظاهرها الخصوبة والنماء والإثمار، وباطنها يسكنه الجذب، وتملؤه العلل والآفات.

نشأت هذه الشركة في بداية الثمانينات، وما أدراك ما بداية الثمانينات، تلك الفترة التي تحول فيها القذافي من الحالة الشيزوفرينية الصفراء إلى درجتها المتطورة جدا؛ الشيزوفرينيا الحمراء!

خلال السبعينات، وربما قبلها، قامت إدارة التعاون الدولي بالخارجية الليبية بإنشاء بعض الشركات المشتركة مع بعض دول العالم، وبمنظور رمزي سياسي؛ وهو نهج تقليدي تعانقت فيه السياسة والاقتصاد عناقا خجولا بروتوكوليا، حيث بدا فيه الذراع الاقتصادي رغم قساوته وتصلبه وهو يلتف على خصر جسم السياسة الملتوية الماكرة في منتهى الليونة والأناقة والرشاقة، وذلك حتى يقوم هذا الذراع في المكان المناسب والساعة المناسبة بوضع اللمسات الذكية على الوجه الدبلوماسي للدولة الحصيفة الراشدة عند توتره أو تعكره.

أين دولة النظام السابق من الرشد والحصافة والذكاء، فمنذ أن استقر لقائد عصر الجماهير الأمر في بداية عقد الثمانينيات، وتمكن من تدجين الليبيين بواسطة سلاسل السلطة الشعبية، وأدخلهم إلى الحظيرة الجماهيرية ذات الأسوار الفولاذية، واطمأن على تصفية مفكريهم ونخبهم، وإفقار أغنيائهم وتشريدهم، حتى عمد إلى مقدرات الدولة الليبية التي بدت له بدون شعب، وأخذ يبني بهذه المقدرات أبراجه العاجية البعيدة كل البعد عما يطمح إليه شعب ليبيا ويتمناه.


أحد أهم ملامح تلك الدولة الجماهيرية الفوضوية هو ذلك التداخل والخلط المريع بين الأشياء، وهو تداخل أفضي إلى متاهة لا يمكن لمن سار فيها معرفة هدفه أو مكانه أو اتجاهه أو حتى قدرته على العودة  من حيث أتى!

وعلى هذا الأساس المضطرب المتناقض المختل تأسست شركة الاستثمارات الخارجية، وذلك في بواكير عقد الثمانينات، لتقوم بالاستثمار الخارجي الاقتصادي السياسي المختلط، وبفلسفة جماهيرية فوضوية من بنات أفكار الملازم القائد، ولتدار بعد هذا كله بواسطة خريجي المدرجات الخضراء ومكاتب التأهيل الثوري التابعة لمكتب الاتصال باللجان الثورية، وغير ذلك من جهات يصعب حصرها.

وفي نفس الوقت الذي تحرك فيه جيش المستثمرين الجماهيريين في بداية عقد الثمانينات ليجوب العالم، كان جيش الدبلوماسيين الجماهيريين هو الآخر بكوادره المتخرجة من نفس الصروح الجماهيرية، يجوب الدنيا، مبشرا بفلسفة دبلوماسية جديدة جدا أبدعتها النظرية العالمية الثالثة!

في هذه الشركة، شركة الاستثمارات الخارجية، التي تزوج فيها الاقتصاد السياسة جوازا غير شرعي، ووفقا لسنة التوالد والتكاثر، شرع الاستثمار الخارجي السياسي الاقتصادي المسخ في قذف مخلوقات ممسوخة، لا يمكن لعاقل أن يتبين رأسها من أقدامها.

الذي يؤيد هذه الحالة المسخ التي عاشتها الشركة خلال الحقبة القذافية، أنه ما من مدير أوكلت إليه إدارة هذه الشركة إلا وكان له وجهان؛ وجه يدعي الجدوى ويتكلف في إبرازها، وهو وجه يستعمله فقط خارج الشركة عند الضرورة الدعائية، أو يظهر به أمام موظفي الشركة، من ماليين ومهندسين؛ ثم فجأة ترى هذا المدير يخلع وجهه الأول ويستبدله بنقيضه، وجه اللاجدوى، وهو الوجه الذي يرتديه وهو يستلم الأوامر من مدير مكتب القائد، أو من أحد أبنائه، وربما منه شخصيا.

هذه الحالة من التناقض الفاضح بين المعلن والمطبق، والمخفي والمعلن، يلخصها موقف أشهد عليه أنا شخصيا. ذلك أن أحد الموظفين بهذه الشركة أخبرني بأن أحد مدراء هذه الشركة البارزين المزمنين كان يطلب منه صراحة القيام بتنفيذ عكس ما يأمره به، وهي لغة سرعان ما تعلمها ذلك الموظف وبرع فيها، فنال بذلك حظوة المدير وفاز بثقته.

كيف يمكن لشركة مسخ، يرأسها مدير مسخ، وحوله بطانة من أشباه ذلك الموظف أن تتهجى الحرف الأول من أبجديات الجدوى، وتقيم عليها مشاريعها!

معظم الشركات التي ساهمت فيها الشركة، وربما جميعها، لم يثبت لنا سجل حياتها بأنها مرت بالمراحل الطبيعية المعروفة لنشأة الشركات، والتي تبدأ بالفكرة الإبداعية لحس المستثمر الرشيد، ثم تقود هذه الفكرة الإبداعية فريق المخططين والمحللين إلى أماكن الاستثمار الواعد، وهي أماكن لم تكن يوما سرا ولا حكرا على أحد. وعندما يتأكد أهل الذكر والعلم والاختصاص بصلاح تلك الفكرة للتطبيق، ويتيقنون من توفر الجدوى للمشروع المنشود، عندها فقط يتخذ المدير قرار الاستثمار، ودونما أي حاجة للمرور على مكتب معلومات بو منيار!

الأوامر الصادرة من مكتب معلومات بو منيار بإنشاء شركة أو مشروع ما، هي وحدها الفكرة الاستثمارية الإبداعية، وهي وحدها دراسة الجدوى، وهي وحدها المحددة لنقطة تعادل المشروع، ومعدل عائده الداخلي، وفترة استرداده، وكل مؤشرات ربحيته.

إذا خلا مشروع ما من توقيعات خبراء المكتب المذكور، فليس أمامه إلا مخزن الأرشيف القابع تحت الأرض ليغرقه العنكبوت بلعابه، ويطرح عليه الغبار كفنه الأسود.
  
من الطرائف المضحكة المبكية، والتي هي في ذات الوقت من العلامات التي كان يعرف بها الموظفون العاديون بالشركة المشروع المحكوم عليه بالموت، هو قيام المدير بتكليف هؤلاء الموظفين بإعداد دراسة جدوى إقامة هذا المشروع، وهي الدراسة التي عند اكتمالها، تكون بمثابة شهادة الوفاة لذلك المشروع المسكين، ولو كانت هذه الدراسة مكللة بأطواق الأرقام الوردية، ومجللة بأكاليل النتائج المالية الواعدة السخية.

ويبلغ التوتر الدرامي حده والمهزلة مداها، وذلك عندما يأمر المدير، من حين لآخر، فريق المحللين الماليين والفنيين بإجراء دراسة جدوى إنشاء مشاريع قائمة بالفعل، وشركات شغالة، وهو ما يزيد في إرباك الحالة العقلية والنفسية للموظفين ويرهقهم.

حالة الحول الحادة التي كانت تعاني منها الشركة في إنشاء شركاتها وإدارتها، زادها استفحالا غياب الدور الرقابي لديوان المحاسبة، والذي تم مسخ خلقته هو الآخر مع بداية حقبة الثمانينات السوداء، ولينضم هو أيضا إلى طابور معاول هدم الوطن وتضييعه.

الذي يؤكد وبوضوح الحول الشنيع الذي كانت عليه الشركة ومن يديرها، هو ذلك الإجراء المضحك المبكي، والذي بموجبه تم قذف مقر الشركة، وفي أيام معدودة، من مكان بيئتها الطبيعية التي ولدت وترعرعت فيها، مدينة طرابلس، حيث توجد المصارف والمؤسسات والسفارات وغيرها، إلى ذروة جبل غريان، ثم لتتدحرج بعد بضع سنوات من فوق ذلك الجبل، حيث استقر بها المقام بين جنبات قبر تكلف بناؤه الملايين في رمال بيداء الهيرة الحارقة، حيث لا زالت الشركة هناك، تندب حظها وحظ موظفيها البسطاء العاثر، وتلعن كل من ساهم في هذه التراجيديا والعمل العبثي المذل، والذي بموجبه يجبر كل الموظفين المقهورين القيام بماراثون جماعي صباحي بطول ثمانين كيلو مترا، يتبعه، وفي نفس اليوم، ماراثون العودة المسائي المساوي له، وذلك بعدد أيام العام الطويلة، وبعدد سنوات العمر!

في هذا الوسط غير الصحي بامتياز، وجد الفساد تربته الخصبة المثالية، وفي هذه التربة الفاسدة تجذرت المحسوبية والشللية في أوضح صورها، فلا يمكن لك أن ترى شركة من الشركات التي تملكها الشركة الأم، وهي ذات مركز مالي جيد، إلا وعلى رأسها أحد أصحاب المدير الكبير!


وصل حال الفرز الشللي قيام مدير مزمن للشركة بطرد أكثر من خمسين موظفا منها في مرة واحدة، بحجة التقليص الوظيفي المجدي، إلا أنه وقبل مضي عام على تاريخ قرار الطرد هذا، قام المدير الثوري المتنفذ نفسه بتوظيف مثل ما سرح من موظفين مساكين، وربما أكثر!

لابد والحال هذه أن تكون الخريطة الشللية في منتهى الوضوح، وهي خريطة يبرز فيها بجلاء أشخاص وأسماء يتربعون السنوات الطوال على الشركات الحلوب التي تملكها الشركة في المغرب ومصر ومالطا وبريطانيا وتونس وغيرها، والتي يتجاوز دخل المدير فيها أضعاف دخل نظيره في شركة أخرى، كما ترى هؤلاء المدراء المفاتيح يتبادلون المواقع اللامعة والكراسي الباذخة في هذه الشركات التي يحرم على الموظف الغلبان مجرد التحدث إلى نفسه بها! وإلى حد الآن لا زالت آثار أصابع الشللية واضحة في خريطة شغل الوظائف المرموقة بالشركة الأم وشركاتها التابعة.


ليت الفرز كان مجرد فرز شللي اجتماعي أو قبلي فقط، ولكنه، ويا للمصيبة، كان فرزا سياسيا استقصائيا مقيتا. فبعدما يتجاوز الموظف العادي البسيط منخل الشللية في شكله الاجتماعي القبلي، يتحتم عليه لتولي وظيفة ما المرور من منخل الأمن والسياسة، وهو المنخل الأشد مقتا، حيث يتوجب على كل مرشح لأية وظيفة مهما حقر شأنها الذهاب إلى إدارة المعلومات بجهاز الأمن الداخلي، وإحضار شهادة البراءة السياسية، والتي يستحيل على من به شائبة من عدم ولاء، أو شبهة من عدم تأييد ورضا الحصول عليها، ولو نفذ من أقطار السماء.

أعرف شخصا من الموظفين العاديين بالشركة، تم حرمانه من العمل بالخارج بعدما رشحته إدارة الشركة لوظيفة بسيطة بإحدى شركاتها، وذلك لعدم تمكنه من الحصول على شهادة البراءة السياسية وإثبات الولاء، فبقي المسكين كالجمل الأجرب داخل الشركة التي يتعيش منها، فلا هو من أصحاب الشللية القبلية، فيستظل بجناحها، ولا هو من المجازين أمنيا وثوريا. ولك أن تتصور حال شخص كهذا، يراه مديره الثوري جدا من خارج شلته الاجتماعية والسياسية، وزيادة على ذلك يراه ملوثا بشبهة عدم الولاء للثورة وقائدها، وهو ما لا يغتفر البتة، حتى كاد هذا الحال أن يؤدي إلى فصل الموظف المذكور من الشركة لولا لطف الله به، وربما ليكون شاهدا ومعينا على كتابة هذه السطور.
...........................................................

أعان الله هذا المدير الجديد، وذلك لأنه المدير رقم تسعة في سلسلة مدراء الشركة، والمدير الأول في سلسلة مدراء الشركة ما بعد الثورة.

أعان الله هذا المدير الجديد لأنه سيتعامل مع إرث ثمانية مدراء كلهم تسمَّر في المكان الذي وضعه النظام السابق فيه، دونما أن يفعل ما من شأنه أن يزحزح، ولو قليلا، جبل الأخطاء والمساوئ الذي تراكم حول هيكل الشركة. ذلك أنني شخصيا لم أسمع بأن أي من أولئك المدراء السابقين، أظهر، ولو بعض التململ من الحال الذي عليه الشركة، ولو كان هذا التململ في مداه الضيق والبسيط جدا، وهو محاولة تغيير المقر، وإيقاف الماراثون العبثي اليومي، لما يزيد على المائة من الموظفين المساكين.

أعان الله هذا المدير الجديد، وذلك لأنه سيدشن مرحلة جديدة من حياة الشركة، تتناقض جذريا مع مرحلتها السابقة، وهو ما يحتم عليه القيام بإجراء جراحات خطيرة في جسم الشركة المعنوي والمادي.

الجراحات الخطيرة في الجسم المعنوي للشركة قد تصل إلى مفاصل مهمة في قانون تأسيسها، وسياسات الاستثمار التي تطبقها، وحتى سياسات التوظيف والاستخدام، وغيرها من أماكن ضيقة وحساسة وحرجة وخطيرة.

أما مشاكل الجراحة المادية المتعين مواجهتها، فسوف تبرز بمجرد التلويح بمشرط تغيير المقر، أو إحداث تعديلات في الهيكل التنظيمي للشركة، أو حتى بإعارة موظفين للعمل بالخارج، وإرجاع غيرهم.

يجدر بالمدير الجديد إزالة أورام التسيب الوظيفي التي تنخر جسم الشركة، والذي يعود في معظمه إلى التواجد غير المنطقي في المقر غير المنطقي للشركة، وما تركه ذلك في نفوس الموظفين من أثر فسيولوجي وسيكولوجي سلبي فائق الخطورة.  

سياسات التعيين والتوظيف السابقة الظالمة التي كانت تسير عليها الشركة، وخاصة منها ما تعلق  بالعمل في الخارج، وكذا ما تعلق منها بالتعيين في مجالس إدارات الشركات المملوكة، ترتب عليها جميعها حالة من عدم الرضا والشعور بالغبن لدى الكثير من الموظفين، وهو ما ساهم في تدني مستوى العلاقات الإنسانية بالشركة إلى درجة حرجة جدا.

المدير التاسع الحالي، يختلف عن المدراء الذين سبقوه، حيث لا يجوز له أن يتعذر بوجود قوة جائرة قاهرة تسيطر على قراراته، وتجبره على تنفيذ أوامر طائشة من هنا وهناك، كما كان يلوح بذلك المدراء السابقون، وذلك من أجل تبرير الأخطاء الكثيرة التي كانوا هم أدواتها.

المدير الجديد لن تفزعه مكالمة أو مقابلة يكون الطرف الآخر فيها حاكم دكتاتور، كالقذافي، والذي كان مخاطبه ينهض مرتعدا من على كرسيه، رغم أن بينهما جبال وبحار.

المدير الحالي يستطيع أن يحرك خط المهايا والحوافز المادية للعاملين بالداخل كيفما يريد، وهو إجراء من شأنه أن يخفف حدة التكالب على العمل بالخارج، كما أن هذا الإجراء سوف يعمل على إقناع الموظف قبل أن يجبره على أداء المطلوب منه، وذلك وفق اشتراطات الوظيفة التي يشغلها، وفي مقابل المهية المجزية التي يتقاضاها.

نأمل ألا يكون العمل بالخارج، كما كان سابقا جزرة وعصا في يد المدير الشللي، بل سوف يكون مجالا للتنافس بين موظفي الشركة على إبراز مواهبهم، وفرصة على مراكمة خبراتهم وتجاربهم، دونما أي تأثير للحافز المادي اللعين، والذي يمكن أن نعزى إليه معظم ما عليه حال الشركة وحال موظفيها من تدهور وضياع.

من مثبطات هرمون التكالب على العمل بالخارج القيام باستحداث ضوابط جادة يتضمنها عقد العمل بالخارج، بحيث تجعل الموقع على عقد العمل بالخارج، يفكر أكثر من مرة قبل قيامه بالتوقيع، وذلك عوض أن يتنازل عن كرامته من أجل أن يرضى عليه المدير ويوفده في رحلة استجمامية تسمينية مذلة.

يجدر بالمدير الجديد أن يحكم الرقابة المالية والإدارية على أصول الشركة بالداخل والخارج، كما لا يجدر به أن يترك هذه المهمة الخطيرة لتلك الهياكل القديمة المهترئة لمجالس الإدارة الارتزاقية، والتي لا يزيد دور العضو في الكثير منها على كونه دور بروتوكولي، يقوم صاحبه خلاله بالتوقيع على بعض الأوراق، والتي، وفي أحيان كثيرة، يتركها في غرفة الفندق الذي نزل به، أو في جيب كرسي مقعد الطائرة التي أقلته. بيد أن عضو مجلس الإدارة النبيه هذا لم يصادف ذات مرة أن نسي المكافأة المالية لهذه العضوية الهبرة!

مع تطور وسائل الاتصالات، وتقنيات برامج الكومبيوتر، أضحى من السهل تصميم برامج رقابة محاسبية فاعلة تمكن المالك من وضع عينه على كل ما يدور بالشركة التي يملكها، ولو فصلت بينها وبينه الصحاري والبحار.

يجدر بالمدير الجديد، وهو الشاب، أن ينظر بعين الشباب إلى جسم الشركة المترهل، ووجهها المتجعد، فيزيل ما ترهل من أجزائه، ويضع بلاسم التصحيح والعلاج المالي والإداري على المواطن المعتلة من جسم الشركة التي ناهز عمرها الثلاثين عاما.

المدير الجديد بيننا وبينه الله، ثم المسطرة والحاسبة، واللتان عليه أن يجعلهما أمامه قبل أن يقوم بالتوقيع على أي قرار، أو يتخذ أي إجراء.
نستودع المدير الجديد ما يختلج في صدورنا من عشم، وما يداعب أنفسنا من رجاء، في أن يكون ابنا شرعيا لثورة الشعب الليبي على الظلم والفساد والمحسوبية والقبلية، كما نأمل منه أن يجعل من الجدوى شعارا، ومن القانون سيفا، ومن النزاهة درعا.

أعانك الله أيها المدير رقم تسعة وفق التسلسل البائد، ورقم واحد وفق التسلسل الجديد الحديث الواعد .

آمين.   





وول ستريت الهيرة؛ عبث الكبراء ومعاناة الضعفاء

أو مأساة مقر الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية



في "الهيرة" انهرتُ وضاعَ رجائي

لمّا    رأيتُ      حماقةَ       الكبراءِ





في أرضِ باديةٍ    أقاموا      مركزاً
 
للمالِ     منقطعاً      بجوف   خلاءِ






خلف   الجبالِ   الراسياتِ تمترسوا


وكأنهمْ      نفروا    إلى    الهيجاءِ




لم تحوِ "هيرة" مصرفاً أو  متجرا

أو     مصنعا     أو  معلما    لبناءِ



ليس جواركِ "لافيكو" من صاحب

أو     مؤنسٍ    غير  عواء   جِراءِ



يلقون     من      مرّوا     السلام     ترحما

لذلك         الثاوي          من       الغرباءِ


فمقركِ        المنبوذ       وسْط      مفازةٍ
جُرمٌ     تسلل     من     سحيقِ      فضاءِ
            
                 *****************

في        كل        يومٍ      رحلةٌ    محفوفةٌ
بالكربِ             والأهوالِ          والأرزاءِ

عشراتُ       أميالٍ         تحتَّمَ       قطعها
في        صبحنا       ومثيلها         بمساءِ

وهناكَ       تقذفنا       مراكبُ        شحننا
فنخرُّ      مِن       رهَقٍ      ومن     إعياءِ

البومُ       يرقبُ        حالنا        مستهجناً
ويضجُّ         مستاءً        من       الغرباءِ

وتراهُ       محتاراً        لطولِ        مقامنا
بمفازةٍ              مقطوعةٍ            جرداءِ
   
               ******************


                   

مَنْ      ذاك       يقنعنا     بجدوى     رحلةٍ
يوميةٍ       مُلئتْ         صنوفَ         عناءِ

وضياع        أموالٍ          بدون       مبرِّرٍ
وبهدر          أوقات       ونزف       دماءِ

لم      يبق      عذرٌ      واحدٌ      يضطرنا
للسير     عُميا       في     قطيع      الشاء

فالحاكمُ        المأفونُ      أضحى       رمةً
ونظامه     الباغي        مضى         لفناءِ

ما     عاد       للطغيانِ      قائمَ       دولةٍ
ما      عاد      للسفهاءِ        أيُّ       بقاءِ
   
                 ****************


لابد    من       كسر      القيود      جميعها
وجلاءِ       ما        للعقل      من      آراءِ

ما      كان     أردانا      سوى    استمرائنا
سفه        العقيد             سيد     السفهاء 

لمّا       هدمنا        للطغاةِ        صروحهم
ظهر     الذي       أخفوه     دون      مراءِ

لمّا        كشفناهم        بدتْ       عوراتهم
وفظيع      ما       أخفوه      من     ضرّاءِ
  
                  **************     

هل      كان    تحويل     المقر    لأجل    أنْ
تغدو      به       غريانُ       نبعَ      رخاءِ
             
أو      أنَّ       تحويلَ        المقرِّ    أحالها
بيداءُ        هيرة          جنةً         للرائي

كلا         فتحويلُ        المقرِّ        سياسةٌ
أمنية              الغايات             والأهواءِ

فزعيمنا       البالي         عدوُّ        تحضُّرٍ
ويرى     الحواضرَ      رحمَ      كلِّ    بلاءِ
                
كم      عانى     سكان      الحواضرِ    كلهم
من        وطأةِ       التهميشِ       والإقصاءِ

وعدِّ         أنفاسٍ         لهم           وتتبعٍ    
وكأنهم        بعضٌ         من         الأعداءِ

                ***************



مَنْ       ذاك       يسعفني     بأيِّ      مبرِّرٍ
لعذابنا          في       مشرقٍ       ومساءِ

أو       ذاكَ     يُقنعني     بعقمِ      قرارهم
ببناءِ      بيتِ      المال      في     البيداءِ

اليومَ       أكتبُ       بالحروفِ      جميعها
قد     زال     عصرُ    الحجر      والإقصاءِ

اليومَ       نكشفُ        للطبيبِ      جراحنا
ما       عادَ       ينفعنا      جحودُ     الداءِ

                   
                                  *********       



يا      أيها     المسئول      عن      مأساتنا
عن       ضُرِّنا      ومسلسلِ          الإشقاءِ

لا   تمضِ    أكثر    في      طريقٍ     بائسٍ
وتكرِّر        الماضي        من      الأخطاءِ

فيمَ      التلكُّؤ       في    اغتنامِ      فضيلةٍ
تلقى     بها      أجراً      وحسنَ        ثناءِ

هوِّنْ        علينا        للطريقِ        مشقةً
وانجزْ      وعوداً      لم      تفزْ      بوفاءِ
       
               ********



محمد عبد الله الشيباني
مدونة ربيع ليبيا