الجمعة، ديسمبر 28، 2012

ترمومتر



ترمومتر

مبتلون، وأيضا محظوظون، نحن الذين عشنا لحظة انفجار مراجل الدكتاتورية والاستبداد  في آخر معاقلها؛ الجماهيرية العظمى!

أما ابتلاؤنا فمؤكد وشواهده وعلاماته أبلغ من أن تعد أو توصف؛ وهل بعد خوض غمار حرب أهلية طاحنة من حاجة للتدليل على هذا البلاء الوبيل.

وأما أننا محظوظون فلأننا شهدنا حدوث حدث كان وقوعه أشبه ما يكون بمعجزة، وبتحقق وقوعه تحقق أمل تعسرت ولادته وطال انتظاره حتى انقلب الأمل إلى ألم أو كاد.

وإننا إذ كنا ننتظر لحظة انفجار المرجل، وما سيقذفنا به من عنيف ألم أو لطيف أمل، كانت عيوننا لا تتحول لحظة عن مؤشر بل مؤشرات ترمومتر مرجل الظلم والطغيان والاستبداد وهي تتسارع  نحو المنطقة الحمراء والنهاية السوداء؛ إعلان الحاكم الحرب على شعبه.

ليس هناك من أحد أقرب إلى ترمومتر ذلك المرجل من الدكتاتور السابق وزبانيته لأنهم هم وحدهم المسيطرون على أجهزة الدولة جميعها، وهم الذين تعرض عليهم صباح مساء مؤشرات الفساد والمرض والجهل والفقر، وما يحدثه كل ذلك في هيكل الدولة ونفوس مواطنيها من شروخ وتصدع وانهيار، وكذا ما يفعله كل ذلك من تآكل واضمحلال في رصيد ثقة العالم بالدولة ونظامها.
       
مؤشرات ترمومتر المرجل جميعها تتحرك بوتيرة متزايدة نحو نقطة الصفر ولحظة الانفجار، ومؤشرات تركيز أدرينالين الحكام الدكتاتوريين الحمقى هي أيضا تتحرك، ولكن بكسل ظاهر وبوتيرة أقل.

وفي كل مرة يحسب فيها المراقبون الفرق بين سرعتي المؤشرين، مؤشر انفجار الأوضاع ومؤشر ردة فعل الحكام لذلك، ترى المراقبون يصرخون بأعلى صوتهم محذرين الحكام بالفارق غير المأبوه له بين المؤشرين. وبدل أن تتجاوب صمامات المرجل مع أصوات التحذير، تزداد الثقة العمياء للحكام في أنفسهم، ورائدهم في ذلك أنهم طالما لا زالوا يسمعون صوت الرصاص، إذن فهم أحياء!

رأينا ذلك بأم أعيننا ساعة سقوط دكتاتور رومانيا ودكتاتور العراق ودكتاتور ليبيا، وها هو دكتاتور سوريا يتبعهم دون تردد!

أسدل الستار على تجربتنا الدكتاتورية المرة المكلفة، وأفرغ المضمار وهيئ للّاعبين الجدد المكونين من الفريقين الدائمين؛ الحكام، والمحكومين،
مع الأخذ في الاعتبار أن كل شيء قد تغير في المضمار وكذا في الراكضين فيه، إلا أن شيئا واحدا ظل صامدا ولم يتغير؛ إنه الترمومتر!   

وبسبب تغير معادلات الواقع وزيادة معدل حساسيتها، زاد تبعا لذلك توهج مؤشر الترمومتر، وزادت درجة تركز الأدرينالين لدى الحكام الجدد، وبالمقابل زيادة حساسية  الفارق بين قراءة الحكام وقراءة المحكومين لأرقام  ذلك الترمومتر، أولئك المحكومين الذين تحولوا من ضحايا حكام إلى صناع حكام.

سوف لن ينتظر الشعب صانع الحكام طويلا كما انتظر في السابق، الأمر الذي سيقلب الوضع السابق رأسا على عقب، وهو ما يحتم أن يكون الفارق بين قراءتي مؤشر الترمومتر لصالح الحكام، وليس كما كان سابقا لصالح المحكومين؛ أي لابد للحكام هذه المرة من الحرص على قراءة المؤشرات قبل خروج المظاهرات وغلق الطرقات، بل وربما التفكير في الانقلابات، كما أشيع أخيرا!

بعد انقضاء العام على سيلان نهر الديمقراطية وجريانه، وكذا مرور عامين على جريان نهر الدماء الرافد الوحيد لنهر الديمقراطية، يكون من الصعب قبول خطأ الحكام في تهجي أبجدية التغيير، سواء كان أولئك الحكام في غرفة المؤتمر الوطني، أو في الغرفة المجاورة؛ غرفة رئاسة الوزراء، أو في غرف كثيرة أخرى تملك السلطة والسلاح.

الرئيس الأمريكي يلقي بيانا أسبوعيا يخاطب فيه أمته. لو لم يكن هناك تغييرا أسبوعيا إيجابيا يستحق الذكر لتوقف أكبر رئيس دولة عن الكلام، ولعم الصمت المكان، ولانفجر البركان!

وبعيدا عن الترف السياسي الفج، فإن الملفات المعلقة المنتظرة التغيير  لدينا كثيرة ومتنوعة، والناظرون إليها هم أيضا كثيرون ومتنوعون؛ منهم من همه الحصول على عمل طال انتظاره، ومنهم من همه السكن، ومنهم من همه المركوب، بل إن منهم من همه توفير صرف صحي لمنزله، أو مجرد تسوية الطريق المؤدية إليه.

الخطأ الجسيم الذي صبغ الفترة الدكتاتورية السابقة،  هو إصرارها على استخدام ترمومتر واحد تسمر في باب العزيزية، واقتصرت قراءته على جهة واحدة، بل ربما شخص واحد.

كانت المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية كثيرة، ولكن جميعهم لم يكونوا يملكون ترمومترا، سوى ترمومتر المحافظة على مزاج القائد من أي تعكير تسببه أحيانا كلمة يخربشها صبي بقطعة فحم على جدار مدرسته!

يجب أن لا نكرر الخطأ ونكتفي بترمومتر واحد، بل علينا زرع عشرات بل مئات الترمومترات، والتي يجب أن تكون محصلة قراءتها مطابقة تماما لقراءة الترمومتر الرئيسي المعلق في قاعة المؤتمر الوطني، أو قاعة رئاسة الوزراء.

ــ أعمال صيانة بسيطة لطريق أو مدرسة، أو استجلاب آلة لمستشفى،  أو حتى توفير سيارة تسليك مجاري، أو غير ذلك من أعمال مهمة وملحة، لا تحتاج إلى دراسات فنية معقدة أو عملية تمويلية ضخمة تبرر التباطؤ المريب في تنفيذها.

ــ نظام إداري عقيم في مؤسسة، لا يحتاج إصلاحه إلى كثير جهد، ولكنه يبقى كما هو رغم أنف الثورة والتغيير.

ــ شركة مالية كبرى قذفها نزق  الحمقى والسفهاء إلى مكان ناء بعيد عن كل عمران ومفتقر إلى أبسط عوامل الجدوى، ولكن هذه الشركة تبقى في مكانها، وتبقى صلوات تأليه هبل تتلى في محراب هبل رغم تحول هبل العظيم إلى رميم.

ــ صبيان قصر يعربدون في الشوارع، بل ويغلقونها، ولا ترى من يأبه لذلك أو يحرك ساكنا.

ــ بناء عشوائي في كل مكان سوف تكون له تبعات فنية ومالية جسيمة سترهق خزانة الدولة وتهدر إمكانياتها ولا أحد من أي جهة كانت يقوم ولو بمجرد إزعاج المخالفين. 

ــ  العمالة الواردة غير المضبوطة تستغل الظرف وتبيعنا بضاعتها بأسعار مضاعفة، وهو أمر يمكن تلافيه بإجراء إداري بسيط يعلمه أهل الاختصاص، ولكن لا إجراء.

وكثير غير ذلك.

لا سبيل إلى إصلاح هذه الفتوق المنتشرة في كل مكان من ثياب الوطن إلا بتعدد أدوات الرتق، والتي لن تتوفر إلا بتعدد الترمومترات وانتشارها، وملاحظة مؤشراتها ساعة بساعة وشبر بشبر.

رب قائل يقول إن ترمومترات قياس هذه الظواهر السلبية موجودة في كل مكان، ومؤشراتها تصرخ بأعلى صوت، ولكن لا أحد يترجم صرخات الترمومترات إلى علاجات وإصلاحات ملموسة، بل الكل يصرخ والكل يشجب والكل يستنكر ولا شيء غير ذلك.

العجيب أن الكثير من المشاكل يمكن حلها على مستوى محلي، وفي نطاق كل بلدية؛ ففي كل بلدية هناك مركز شرطة وكتائب ثوار ومجلس عسكري ومجلس محلي وفرع شركة مياه وصرف صحي وفرع مرافق، وبإمكان هذه الجهات أن تقوم بحصر ما تعترض منطقتها من مشاكل وتشرع في حلها بالتنسيق مع الجهات الأعلى  قانونيا وإداريا وتمويليا.

كنا نبرر بقاء حفرة في شارع رئيسي السنين الطوال بدون إصلاح وذلك لما اتصف به النظام الدكتاتوري السابق من انغلاق وكبح لمبادرات المصلحين، إلا أن هذا المبرر سوف يكون جريمة لا تغتفر ونحن نعلي أصواتنا بأننا ثوار ورواد إصلاح وبناء وتطوير.

كتبت هذا المقال بلغة بسيطة وأفكار ساذجة سطحية، ولكن هذه اللغة البسيطة هي اللغة التي يتكلم بها عموم المواطنين، وتلكم الأفكار هي أفكار السواد الأعظم منهم.

وببساطة أكثر:

الشعب غيَّر النظام، كي تتحقق الأحلام، لا من أجل أن تتجدد الأوهام.

كل من يعلي شعارات الثورة ويصرخ بها ولا يلقي بالا لصراخ مؤشرات الترمومترات، فهو بائع للوهم!

كل من يهرول وراء الكاميرات ويرهقنا بعقيم التأويلات والتحليلات والاتهامات الممجوجات ويتجاهل صراخ مؤشرات الترمومترات، فهو بائع للوهم!

كل من يصب كل جهده من أجل أن يبني عرينه الحزبي ومجده الانتخابي، ولا يسخر شيئا من جهده لكبح جماح مؤشرات" العوج" المجنونة، فهو بائع للوهم. 


محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com
http://libyanspring.blogspot.com






  

الثلاثاء، ديسمبر 25، 2012

هيا بنا نغلق الشارع


هيا بنا نغلق الشارع يا أصحابي الصبيان

عبارة "قطع الطريق" من العبارات الصارخة الواضحة التي لا تحتمل التأويل الذي يلطف من وقعها أو يُنعِّم من ملمسها. كما لا يمكن لقاطع الطريق مهما تلطف أن يخفي ملامحه التي عرفه بها الناس قديما وحديثا.

وقاطع طرقنا هذه الأيام، وإن لم يقم بسرقة متاع المارين ويسبي حرائرهم، كما هو معروف على أسلافه القدامى، إلا أنه يفعل أشد من ذلك عندما يتسبب في تأخير امرأة في حالة مخاض أو مأزوم قلبيا أو نازف دم إلى الوصول إلى المشفى في الوقت المناسب، وهو ما يسبب كما هو معلوم في الموت المحتوم.

لم يعد قطع الطريق من أعمال أعضاء الكتائب العسكرية الكبار، بل أصبح لعبة يتسلى بها الصبيان الصغار.

في طريق رئيسي كبير بالعاصمة طرابلس تجمع عشرات الصبية ممن لا يجاوز عمرهم الثامنة عشر، وقاموا بإغلاق ذلك الطريق بما توفر لديهم من حجارة وقطع أخشاب وحتى قمامة.

هؤلاء الصبية لم يكونوا يحملون سلاحا ولا يرتدون لباسا مميزا، كما كان يغلب على تصرفاتهم وكلماتهم العبث الصبياني الظاهر، إلا أنهم، ويا للأسف، أفلحوا في غلق جزء كبير من ذلك الشارع، وأرغموا طوابير السيارات على تغيير مسارها نحو مسارب وزقاق لا يعرف سالكها أين تفضي به نهايتها.

راعني في هذا المشهد امتثال المئات من كهول وشيوخ من سائقي السيارات إلى ما يمليه عليهم هؤلاء الصبية العابثون.

كما راعني وأحزنني غياب أولياء أمور هؤلاء الصبية وترك أبنائهم يلعبون لعبة الموت، وذلك بممارستهم جريمة قطع الطريق الرهيبة، وهم لم يبلغوا سن التكليف، ولم يدركوا مسئولية ما يقترفون من آثام.

أما المفزع المرعب حد اليأس فهو عجز السلطات المحلية وبطئها في استرداد الطريق المختطفة في الوقت المناسب.

إن قطع الطريق والسيطرة عليها من قبل صبيان صغار، لا ولي أمر يمنعهم ولا حاكم يردعهم، وبإمكانيات متواضعة جدا كالتي رأيت، يعبر بوضوح عن هشاشة درع الأمن الذي نحمي به بيوتنا الصغيرة وأفنيتها، فضلا عن بيتنا الكبير، الوطن، وحدوده الطويلة الممتدة.

دفعني فضولي إلى الاقتراب بحذر بالغ من هؤلاء الصبية الذي اختطفوا الطريق لساعات طويلة، وحاورت من تيسر لي محاورته، فلم أجد فيهم من براءة الصبيان شيئا، كما لم يبد على ملامحهم سمة من اعتبار وتقدير لعرف أو دين أو قانون أو أخلاق، بل لم يكونوا آبهين بأحد حولهم.

ليس أمامي إلا الرقم 1515. رد علي مناوب غرفة البلاغات: إننا على علم بذلك.

المؤكد أن الجهات المسئولة أخذت علما بالكارثة، وتم بحمد الله استرداد الطريق المخطوفة بعدما فعل فيها الصبية ما فعلوا.

هل يكفي مثل هذا الإجراء الخجول جدا ردا على جريمة  كبيرة جدا بحجم قطع طريق؟

غالب الظن أن الإجابة المتوفرة حتى الآن هي: نعم.


وغالب الظن أيضا أن الاكتفاء بإجابة كهذه سوف يجعل من هؤلاء الأحداث الجانحين مجرمين وقاطعي طرق محترفين.

هناك خمس جهات جدير بها أن لا تقبل هذه الإجابة المبتذلة البسيطة على هذا السؤال الخطير المعقد، وهذه الجهات هي:

أولا: جمهور القاطنين والمارين من هذه الطريق والذين كانوا يتفرجون على هذا المشهد المخزي، بل وامتثل جميعهم لأوامر الخاطفين الصغار.

ثانيا: السلطة العليا، والتي هي إن علمت وسكتت واكتفت بما عرفت فبئس السلطة هي. أما إن كانت لم تعلم بعد فالمصيبة أعظم.


ثالثا: السلطة المحلية، والتي لابد أنها كانت هي صاحبة الفضل في استرداد الطريق المختطفة، إلا أنها ستتحمل أكبر وزر إن هي اكتفت بذلك، ولم تقم باتخاذ ما من شأنه منع تكرار جريمة كهذه الجريمة.

رابعا: خطباء المساجد القريبين من موقع الجريمة، والذين يجب عليهم التفرغ قليلا لتنبيه المؤمنين من جهنم الشارع وسلاسلها وأغلالها وبأس صبيانها الغلاظ الشداد.

خامسا: آباء وإخوان وأخوات وأولياء أمور هؤلاء الصبيان المراهقين، والذين، وبدونما أدنى شك، رأوا صبيانهم وهم يرتكبون جرما ليس لهم ولا لآبائهم وأجدادهم عهدا به من قبل.

محمد عبد الله الشيباني


السبت، ديسمبر 22، 2012

وول ستريت الهيرة؛ عبث الكبراء ومعاناة الضعفاء



وول ستريت الهيرة؛ عبث الكبراء ومعاناة الضعفاء


أو مأساة مقر الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية



في "الهيرة" انهرتُ وضاعَ رجائي

                          لمّا رأيتُ حماقةَ الكبراءِ


في أرضِ باديةٍ أقاموا مركزاً

                        للمالِ منتصباً بقلبِ خلاءِ


خلف الجبالِ الراسياتِ تمترسوا

                       وكأنهمْ نفروا إلى الهيجاءِ


لم تحوِ "هيرة" مصرفاً أو  متجرا

                      أو  مصنعا  أو  معلما  لبناءِ



ليس جواركِ "لافيكو" من صاحب

                    أو  مؤنسٍ  غير  عواء  جِراءِ






يلقون     من      مرّوا     السلام     ترحما
وكأنك           ثاوٍ          من       الغرباءِ


فمقركِ        المطروح       وسْط      مفازةٍ
جُرمٌ     تسلل       من     سحيقِ      فضاءِ
            
                 *****************

في        كل        يومٍ      رحلةٌ    محفوفةٌ
بالكربِ             والأهوالِ          والأرزاءِ

عشراتُ       أميالٍ         تحتَّمَ       قطعها
في        صبحنا       ومثيلها         بمساءِ

وهناكَ       تقذفنا       مراكبُ        شحننا
فنخرُّ      مِن       رهَقٍ      ومن     إعياءِ

البومُ       يرقبُ        حالنا        مستهجناً
ويضجُّ         مستاءً        من       الغرباءِ

وتراهُ       محتاراً        لطولِ        مقامنا
بمفازةٍ              مقطوعةٍ            جرداءِ
   
               ******************


                   

مَنْ      ذاك       يقنعنا     بجدوى     رحلةٍ
يوميةٍ       مُلئتْ         صنوفَ         عناءِ

وضياع        أموالٍ          بدون       مبرِّرٍ
وبهدر          أوقات       ونزف       دماءِ

لم      يبق      عذرٌ      واحدٌ      يضطرنا
للسير     عُميا       في     قطيع      الشاء

فالحاكمُ        المأفونُ      أضحى       رمةً
ونظامه     الباغي        مضى         لفناءِ

ما     عاد       للطغيانِ      قائمَ       دولةٍ
ما      عاد      للسفهاءِ        أيُّ       بقاءِ
   
                 ****************


لابد    من       كسر      القيود      جميعها
وجلاءِ       ما        للعقل      من      آراءِ

ما      كان     أردانا      سوى    استمرائنا
سفه        العقيد             سيد     السفهاء 

لمّا       هدمنا        للطغاةِ        صروحهم
ظهر     الذي       أخفوه     دون      مراءِ

لمّا        كشفناهم        بدتْ       عوراتهم
وفظيع      ما       أخفوه      من     ضرّاءِ
  
                  **************     

هل      كان    تحويل     المقر    لأجل    أنْ
تغدو      به       غريانُ       نبعَ      رخاءِ
             
أو      أنَّ       تحويلَ        المقرِّ    أحالها
بيداءُ        هيرة          جنةً         للرائي

كلا         فتحويلُ        المقرِّ        سياسةٌ
أمنية              الغايات             والأهواءِ

فزعيمنا       البالي         عدوُّ        تحضُّرٍ
ويرى     الحواضرَ      رحمَ      كلِّ    بلاءِ
                
كم      عانى     سكان      الحواضرِ    كلهم
من        وطأةِ       التهميشِ       والإقصاءِ

وعدِّ         أنفاسٍ         لهم           وتتبعٍ    
وكأنهم        بعضٌ         من         الأعداءِ

                ***************



مَنْ       ذاك       يسعفني     بأيِّ      مبرِّرٍ
لعذابنا          في       مشرقٍ       ومساءِ

أو       ذاكَ     يُقنعني     بعقمِ      قرارهم
ببناءِ      بيتِ      المال      في     البيداءِ

اليومَ       أكتبُ       بالحروفِ      جميعها
قد     زال     عصرُ    الحجر      والإقصاءِ

اليومَ       نكشفُ        للطبيبِ      جراحنا
ما       عادَ       ينفعنا      جحودُ     الداءِ

                     
                                  *********         



يا      أيها     المسئول      عن      مأساتنا
عن       ضُرِّنا      ومسلسلِ          الإشقاءِ

لا   تمضِ    أكثر    في      طريقٍ     بائسٍ
وتكرِّر        الماضي        من      الأخطاءِ

فيمَ      التلكُّؤ       في    اغتنامِ      فضيلةٍ
تلقى     بها      أجراً      وحسنَ        ثناءِ

هوِّنْ        علينا        للطريقِ        مشقةً
وانجزْ      وعوداً      لم      تفزْ      بوفاءِ
       
               ********
محمد عبد الله الشيباني

الخميس، ديسمبر 13، 2012

من خواطري القديمة



                         من خواطري  القديمة              


هــلْ كـان غـيرُ تـدافـع ِ الأوقــاتِ 

 مِنْ صانع ٍ حَدثٍ مضى ، أوْ آتي


أوْ كان غيرُ الوقتِ سـاحـة َ سعـيـنا

   وطريقــَنا   مِـنْ  مـولــدٍ لِــمـمـاتِ


أوْ كان غيرُ الدهـر ِ يدفع خـطونـا

  ويعـُـدُّ   مـا  نخطوه مِـنْ خـُطواتِ


هـلْ مثـلُ معترك الدهور ِمعاركٌ

 أوْ مثـلُ   بأس ِ الوقتِ    بأسُ عداةِ


أوْ مثلُ مشتعل ِ المشيبِ حـرائقٌ

 أوْ مثلُ وهن ِ العظم ِ مِـنْ علاتِ




أوْمثل ُ تـأويب ِ القبـــورِمــواعظ ٌ 


  أو ْمثل ُدرسِ الموتِ درسُ عِظاتِ 


أوْ بعد إدبـــارِالشـــباب ِ تطــلـُّع ٌ

لِعناق ِ مـاللنـَّفس ِ مـِنْ صَـبْواتِ 


أوْ بــعــد خمـسين ِ السنين ِتصابيا ً 

أوْ بعد نصف ِ القرن ِ مِنْ نزواتِ


لا زلت عَــبْدا ً آبـِـقـا ً لم يـثــنهِ

عن غـيـِّهِ إلا صُــدودُ حــيـــاةِ


أغـْـراني تـلـْويـحٌ لـهــا  بـِـمَـلذ َّةٍ

ومــوائــدٌ مِـنْ فـاتـِـن ِ الـشهواتِ


فمَددْتُ ساقيَّ النـَّـحـيــلة َ نحــوهـا

وكـَدحتُ حتى اسْتـُنـْفِـذت ْ طاقـاتي


ووصلتُ صائدة َ النفوس ِ وجدتهــا

قـد ورَّطتْ قـبلي جـموع َ غـُواةِ


ووجـدتُ هاتيكَ الـموائـدَ خـُدعـــة ً

نسجتْ بطيـفٍ منْ سرابِ فـلا ةِ


تـُبـدي مـذاقـا ً يسْتخِفُّ مُريدَهـا

وَيُـغـَصُّ عـند الـهـمِّ بـاللـقـمـا تِ


فعلمت أنـّي قــد وقـعـتُ بـفـخـِّهـا

و بدأتُ أبحثُ عـن طريق ِ نجاتي


فالــسَّيـرُ فـي نـفس ِالمسار ِ أحُسـُّــهُ

عَــبَـثـاً ، وَإبْـحـا راً بـلا غــايـــاتِ


والعـوْدُ يجعـلني أُجَــدِّفُ ضِــــدَّهُ

مـا كان يَـدفـعـني مـدى السنواتِ


ووقعتُ في نصْفِ الطريق ِ مُحـطَّماً

مُـتذبْـذِ باً ، مُتـشـتــِّتَ الـوجـْهـا تِ


قـدْ زادني يأساً فـراغ ُ مـشاعـري

وعـواطفي مِنْ سابق ِ الرَّغـبــاتِ


ما كانَ ينصُرني وجدْتهُ خـا ذ لي

لِـتـضاؤ ل ِ الإمتاع ِ في الشـهـوات


ما عـادَ يُـطْربـني لـذيـذ ُ مذا قِــهِ

ما طابَ مِنْ أكلٍ ومِنْ شـُرْبـاتِ


بَــلْ بـعـضُهُ لِـلـذيـذهِ ، وشــهـيِّـهِ

أضحى منَ المحظورِ مِنْ أكــلاتِ


ومـفاتنُ الأنـثى عـَدِ مْـتُ اشتهائها

بَعْدَ افـتـضاحي لـلهـوى نـَـزَواتِ


ورأيتُ مَنْ حَسِبوا الزمانَ بكـفـِّهمْ

صاروا بكفِّ الدهر ِ محضَ هَـباةِ


كانـوا ذوي جــاهٍ يلامسُ أنـْجـُما

فـتصاغروا حتى بـدوْا حَـصواتِ


لا الجاهُ ، لا الأموالُ ، لا أتـباعُـهـمْ

جاءوا  كرام   القوم  بالنجدات


ورأيت من أمضى السنين عديدها

لا شغل يشغله سوى الثروات


قــدْ نـاءَ عـاتـقـهُ القويُّ بحِـمـلِها

لــمّـا تــَداركـَهُ قــدومُ مـمـاتِ


فـإذا بـه يـلـقي ثمـيـنَ كـنـوزهِ

وكـأنـها فــقـدتْ لـها قـيـمـاتِ


وأتـاحـها للغـيـر ِ دونَ مـشـقـةٍ

وأصابَ منها الغـُرمَ والـتـبـعـاتِ


ورأيتُ مَنْ عَـبـثَ السُّقـامُ بجسـمـهِ

فـغـدا كسيحا ً مـُعـد م َ الـقـد راتِ




وعـدَدْتُ أصْحابا ً بـدفـتـر ِ هـاتـفي 

ما عـادَ مَسـكـنـُهمْ بـِدار ِ حـيـاةِ


قــدْ غـيَّروا عُـنوانهـمْ ، وتـباعـدوا

وعَدِمْت ُ أخبارا ً لـهمْ ، وصلا تِ


مـا عــادَ شيئٌ مِنْ عظـيم ِ كـيانهمْ

إلا بـما لـلإسـم ِ مِـنْ كـلـما تِ


وكـذاك حـالي عاجـلا ً، أوْ آجـلا ً

عـند انـقـضاءِ مـُحـدَّدِ الأوقـاتِ


فصَحَوْتُ مِنْ فكري، وعُمق ِ تأمُّلي

لأعـيـشَها في وا قـعي فـِـكـْراتي


إذ أنَّ منْ تـَرفِ العقول ِ ولهـوِها

أنْ لا يلامسَ فـكرُها الخُطواتِ


وبدأتُ أجـردُ لـلسنين ِ حـصادهـا

وأعُدُّ مـا في العمر مِـنْ أوقـاتِ


خَمْسٌ وَعِشرُونَ مـَضَتْ و كَأنـَّهَا

حُـلـُـم ٌ سـَعـِيـدٌ فَـــاضَ بِـالـلــَّذَاتِ


وَبَـــدَا يُعَـكـِـّرُ بَعْـــد َ ذَلِكَ صَـفــْوَهُ

صَخَب الْحَيـَاةِ ، وَكَثرَ ة الـتـَّبِعَاتِ


وَشَغِــلـْتُ عَــنْ تَعْـدادهِ بـهمومهِ

ومشاكـلٌ زخرتْ بـهـا سنواتي


ووقفتُ عـنـد الأربعـيـن كـأنـَّـني

لـلـتـَّـوِّ قـد حُـمِّلتُ عِبءَ حـياتي


فنـَكِـرْتُ أفـعالاً مـضتْ ومساوئا ً

قـدْ كنت أحسبها من الحسناتِ


وعـَضـضْتُ لـلنـَّدم ِ المُهين ِأصابـعاً

وذرفـتُ دمعَ اليأس ِ والحسراتِ


لـضياع ِ عـمْر ٍ لـنْ أنـالَ بـَـديــلـَهُ



فـأجـاوزُ الأخـطـاءَ والعـثـراتِ



ورأيتُ مَنْ دوني يراقبُ مشيتي


فـتـثـاقـلتْ لـتـخـوُّفي خـطـواتي


ووجدتـُني ألـْهــو بـِـآخِـر ِ لـُعـبـةٍ

مُسْتثمراً ما حُزْتُ مِنْ خِـبْراتِ


لـكـنَّ شيـْـبَ العـابثـين أحـالــني

أضْـحـوكـة ً ، فـقـذفـتهـاْ لـُعبـاتي


خَمْسونَ عَامًا قدْ مـَضتْ وَتــَبـَدَّدتْ

وَكَأ نَّهَـا رَبـِّي، قَـصـِيـرَ سُـبَـاتِ


مَـا قَـدْ بَـقِي فـي الْـعُـمْـرِ إلا قـَلِيلـُهُ

لَـكـِـنَـهُ يـَـبْـقَـى الْـخَـطيرُ الآتِــي


فِيمَا مـَضَى أخـْطَأت ُ حـَـتَــى إنـَّــهُ

فَـاقـَتْ خَطِيئاتِي خُطَى الْخُطَوَاتِ


فِيمَـا مَضَى أذْنَبْتُ عـَـد َّ حَصَـاتـِهَـا

وَعَـدِيـد َ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ قَطَرَاتِ


وَنـسـِـيـتُ إحـصــاءً لـهـا وتـذكـُّراً

أفْـضَـالـُك  اللهم   طول َ حَـيَـاتِـي


هَوّنْــتَ ، بـَلْ أهْمَلت ُ كُـل َّ نَصِيحَـةٍ

وَعَـمِـيتُ عَـنْ عـِبَرٍ، وَعـَنْ آيَاتِ


أهْـدَرْتُ طَاقَاتٍ ، وَ وَاسـِـعَ ثَــروةٍ

بَــلْ إنّـهـَا مـِنْ أعْـظَــمِ الـثـرَوَاتِ


أهْـدَرْتُ عُمْرا ً لم  أكن  لأعده

بِـالعام ِ بــلْ بالعـقدِ منْ سَـنَوَاتِ


وَأرَاهُ فِـي أفـُــق ِالــزّمـان ِ كَـأنّـــهُ

حِـقـَبٌ مِـنَ الآمَـــادِ مُـمـْتـَداتِ


رَبّاهُ عِنْدَكَ مِنْ سِوَاي َ كـَثِـيـْرُهـُـــمْ

وَسـِوَاك َ مَا خـَطَرَت ْبِهِ خَطَرَاتِي


يَـارَبُّ عـَبـْدٌ مِن ْ عــَدِيـدِ عَـديـدهـمْ

آتٍ وَحِـيدًا ، سَاكــِب َ الْـعـَبـَرَاتِ


ألـْقـي بـِبَابـِكَ ضعـفـَهُ ، وهـوانـَهُ

وَرَجـاءَه ُ، يـَا وَاسـِعَ الـرَّحـَماتِ


ربـّاهُ ياصمـداً حـرقـْـتُ مراكـبـي

وقـطعتُ بالشطئآن كلَّ صِلا تي


و قذفتُ أطواقَ النـَّجـاة ِ جمـيـعَهـا

لـقصورها عنْ نجـْدتي ، ونـجـاتي


ولـِمُـنـْقِـذِ المضْـطرِّ مِـنْ أزماتـِـهِ

حشـْرجْتُ بـالأ نـَّاتِ والآ ها تِ


و كشفتُ أسراري ، وفاضِحَ عوْرتي

لــلـْعـا لـِم ِ السـتــّيـر ِ لـِلـْعـوراتِ


و رفعتُ رأسي طـالبـاً مـَـدداً لـَــهُ

مَـن لا يـَـرُدُّ لـطـالـبٍ دعـــواتِ


محمد عبد الله الشيباني