الثلاثاء، مايو 28، 2013

الرئيس المقريف

محمد المقريف وشهادة النبل الأخرى وليست الأخيرة!

استقالة الرئيس المقريف من رئاسة المؤتمر شهادة نبل ووسام شرف يأخذان مكانهما على صدره الملآن صدقا ورشدا وحبا للوطن، أو أحسبه كذلك.

خاف المقريف على ليبيا من القذافي ونظامه، فدفعه خوفه هذا إلى نسيان خوفه على نفسه وعائلته من بطش حاكم عتل يأخذ الأب العجوز بجريرة ابنه الشاب، ويأخذ الطفل الصغير بجريرة أبيه، بل وهدم القذافي بيوت أطفال معارضيه، حيث لم يكفه قتل أبيهم وعائلهم الوحيد. بيت عائلة  المرحوم عثمان زرتي مثالا لا حصرا!

وازن المقريف الشاب بين حياة مخملية لوزير ونقيضتها حياة الشظف والتشرد والملاحقة الأمنية الخبيثة جدا، فاختار الثانية التي يحوز صاحبها معها وسام التطهر مما في خيمة القذافي من رجس وعهر سياسي وحتى أخلاقي!

في ظلام الثمانينات وليلها الحالك السواد أشعل المقريف شمعة التحرر من الدكتاتورية، تلك الدكتاتورية التي بنى لها الدكتاتور القذافي سردابا طوق ليبيا حجرا وبشرا إلا من أبى، وكان المقريف من الأباة الأوائل!

خسر المقريف بسبب ما يحمله من مبادئ الكثير من أصوله المادية والاجتماعية التي يتكالب عليها الكثيرون، وطال به حبل الخسران، وامتد به زمن المعاناة، إلا أنه، وهو المحاسب، لم يلجأ إلى أي تقنية من تقنيات إعادة التقييم والتسعير للمبادئ التي يحملها، وذلك من أجل تعويض الخسائر الفادحة في أصوله!

سمعته ذات مرة منذ أكثر من عقدين في تصريح له لإذاعة هولندا يقول: إني رهنت ما بقي من عمري من أجل الإطاحة بالقذافي! قال ذلك وهو المطارد اللاجئ، والقذافي الآثم آنذاك ملء السمع والبصر. أقسم المقريف على الله فأبره فأطال عمره وأراه في عدوه ما يحب!

لم يتم المقريف عامه الأول في كرسي رئاسة المؤتمر المحرقة، وشاءت المعادلة الليبية الصعبة أن تقلب المسلمات والبديهيات؛ فتجعل من المقريف غريم القذافي الأول مأخوذا بوزر القذافي!

ولأن ليبيا في قلب المقريف أكبر من كل شيء، ها هو المقريف بصدقه ووفائه وحنكته يصنع من أشواك ومتناقضات السياسة وساما من نبل وتعفف وكياسة يكلل به صدره!

تشرشل فقد كرسي الحكم بعدما جلب لدولته النصر فزاده انسحابه الديمقراطي تألقا وشهرة. المقريف شريك كبير في دحر الدكتاتورية وجلب الحرية والديمقراطية، ولن تزيد  الديمقراطية الليبية نجم المقريف إلا تألقا ولمعانا.

ظل سوار الذهب السوداني متربعا العقود الطوال على كرسي الرئيس العربي الوحيد الذي يترك الكرسي طواعية. سوار الذهب الليبي، المقريف، ينتزع السوار!

نكران الفعل الحسن الجميل من مساوئ الأخلاق!


 محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

الأحد، مايو 26، 2013

ساعدوني في عنونة هذا المقال


ساعدوني في عنونة هذا المقال؟

1 ــ معلومة بسيطة، تدفع كوارث محيطة!
2 ــ درء جسيم الأخطار ببسيط التذكار!
3 ــ my mistakes!
4 ــ أخطأت، ولكنني أرشدت فأنقذت!
5 ــ المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين!
6 ــ كتمان خطئك الفردي، خرقٌ لمركبنا كلنا وإغراق لنا جميعا!
7 ــ هذا ما ينفع الغافلين من سجل المبتلين!
8 ــ كلنا خطاءون، وخيرنا من بخطئهم يصرحون!
.......................................
............................................... الخ

كلما شاهدت أو سمعت معلومة مثيرة، وخاصة تلك المؤذية الخطيرة، تحدثني نفسي بضرورة تدوينها ونشرها وإعلام الناس بها، وذلك رغبة مني في عدم تكرار الخطأ ودفع الأذى ودرأ الضرر والخطر عن أولئك الغافلين المساكين الذين قد تنقذ حياتهم مجرد حكاية تطرق أسماعهم أو معلومة مقروءة تتضمنها أي من وسائل الإعلام والإرشاد المعروفة؛ بدءا من مطوية بسيطة، وانتهاء بإعلان تلفزي.

وبكل أسف، ولقلة حيلتي، لم افعل أكثر من التحدث بذلك إلى نفسي، أو إلى الدائرة الصغيرة من سامعي، أو على الأكثر تضمين هذه الفكرة من حين إلى آخر فيما أكتبه من مقالات طغت على معظمها الثرثرة السياسية البائسة التي أكلت أعمارنا ونغصت جلساتنا، ولم نجن منها سوى شوك السياسة وحصرمها.

نعم حدثت نفسي أكثر من مرة بضرورة إيجاد طريقة ما توصلني بأرشيف وسجلات أقسام الطوارئ بالمستشفيات وحتى محاضر مراكز الشرطة وغيرها، وذلك من أجل تجميع ما تعرض له الكثير من الناس من حوادث سببها الغفلة، ونتائجها في غاية الضرر والإيذاء.

أستطيع أن أتذكر تلك الحادثة التي قدحت زناد اهتمامي بهذا الموضوع، وهي حادثة لم أشهدها بنفسي وإنما حدثني بها زميلُ عملٍ منذ أكثر من خمسة عشر عاما مضت، وملخصها هو وفاة أحد معارف زميلي هذا بسبب اختناقه بأبي بريص صغير وجد طريقه إلى حلقه عبر خرطوم بلاستيكي اتخذته هذه الحشرة مسكنا لها، واستخدمه صاحبنا الغافل المسكين لنقل الوقود من صفيحة البنزين إلى خزان السيارة بالطريقة التي يقوم الكثيرون منا بها عندما ينفذ وقود سياراتهم بعيدا عن محطات البنزين، حيث يقومون بإحضار البنزين في صفيحة، ويستخدمون الخرطوم لنقل البنزين من الصفيحة إلى خزان السيارة بعد رشف البنزين بواسطة الفم، ثم وبفعل الجاذبية ينتقل السائل إلى خزان الوقود.

لم يتمكن الضحية صاحب صديقي المذكور من إتمام مهمته وصب البنزين في محرك سيارته، وذلك لأنه عند قيامه برشف البنزين دفع البنزين أبا بريص إلى فم صاحبنا ومنه إلى حنجرته، حيث أجريت للمختنق عملية جراحية طارئة انتهت بموته وإخراج أبي بريص حيا.

السبب المادي لوفاة الرجل هو أبوبريص، ولكن السبب المعنوي الذهني هو فراغ ذهن الرجل من معلومة إرشادية بسيطة زاحمتها في وسائل إعلامنا الجماهيرية البائسة السابقة جبال مقولات الكتاب الأخضر، وأخبار فعاليات قائد عصر الجماهير التي تشرب بها الورق واكتظ بها الأثير!

أجسام خطيرة كثيرة غير تلك السحلية تتسلل في غفلة منا إلى حناجرنا ومجاري تنفسنا، من مثل المشابك الحديدية والدبابيس ومغلفات الحلوى والشيكولاته، وغيرها، والتي قد تسبب ما سببته تلك الحشرة.

أما جديد سجل المبتلين الذي يجب أن يعلمه الغافلين، فهو ما حدث لي شخصيا هذا اليوم، والذي كان حافزي المباشر إلى كتابة هذه السطور التي أرجو أن يعلمها غيري فلا يمزق سكين لوحة السيارة بنطلونه، وربما فخذه!

أجل فعند مروري هذا الصباح في أحد شوارع العاصمة ملتمسا طريقي بصعوبة ما بين سيارتين متوقفتين على الرصيف، واضطراري إلى الاحتكاك بإحداهما بسبب ضيق المسافة التي تفصل بينها وبين أختها الواقفة أمامها، مزقت الحافة الحادة الحرة للوحة السيارة بنطلوني أو سروالي، وأحدثت هذه الحافة قطعا في ذلك البنطلون الشتوي الغليظ بطول خمسة عشر سنتيمترا أعلى الركبة. وبفضل الله وحفظه لم تصل حافة السكين تلك إلى ما هو أبعد من القماش؛ أنسجة اللحم وشرايين الدم!

أعلم أن الذي حدث لي قد يحدث لكثير غيري، حيث يمر الألوف في مدن بلادي كل يوم ما بين سيارتين بالوضعية البائسة التي ذكرت، ولكن الذي لا أعلمه هو ما إذا تجاوز الأمر حد تمزيق وقطع السراويل إلى تمزيق الانسجة اللحمية والعروق؛ فشدة القطع التي أحدثتها الحافة الحرة للوحة السيارة المذكورة في سروالي الغليظ جعلني أبالغ في توقع عظيم الضرر الذي يحدثه ذلك في حالة ما مر طفل يجري بخطى أسرع من خطاي الواهنة البطيئة! أو في حالة مرور سيدة ترتدي لباسا أخف نسيجا من نسيج بنطلوني الشتوي الغليظ، أو في حالة ما مر شاب معربد ممن يرتدون تلك السراويل الصيفية القصيرة المنتشرة!

عندما تبينت ما فعل بي سكين لوحة السيارة رجعت لأتفحص الأمر وأعرف السبب؛ فوجدته ذلك الذي ذكرت: الحافة الحرة الحادة للوحة السيارة المتوقفة، ولا شيء غير ذلك!

السبب الذي جعل هذه اللوحات تشهر سكاكينها الحادة، هو عدم توفر مجال يسعها في جسم السيارة حيث أُريد لهذه اللوحات أن توضع. ولحل هذه المشكلة وتلافي أذاها يجب العمل على إيجاد المجال الكافي الذي يسع اللوحة المذكورة، كذلك المجال المتوفر للوحة الخلفية، أو، وهو الأسهل، القيام بتني حواف اللوحة وتقويسها وإخفاء النهاية الحادة لها حتى يأمن المحتك بها شرها.

هكذا إذن، فما بين حكاية أبي بريص القديمة، والحكاية الجديدة لحافة لوحة السيارة، ابتعدت بكم في هذا المقال كثيرا عن حديث السياسة الذي أدمناه، وهو ما جعلني أقرب إلى مشاكلنا المعاشة اليومية الكثيرة، بل ربما جعل حديثي هذا على بساطته أكثر فائدة وأعظم نفعا من أحاديث السياسة المكررة الممجوجة.

ولعموم الفائدة أدعو كل من له القدرة والدراية إلى تجميع ونشر ما أمكن من حكايات تشابه الحكاية التي ذكرت، وهي حكايات كثيرة وخطيرة وثمينة، كيف لا وقد كلف عدم معرفتها بعضنا حياته كصاحب أبي بريص المذكور!

يمكن نشر هذه المعلومات والتنبيهات الخطيرة جدا؛ إما على هيئة كتب أو مطويات إرشادية، أو إعلانات تحذيرية، أو حتى إنشاء مواقع نتية وحسابات تواصل اجتماعية، يمدها ذوو التجارب بما حدث لهم، أو بما سمعوه عن غيرهم، وهو ما يؤمن عدم تكرار الخطأ، وتجنب الخسارة المكررة بعدد أفراد طابور الغافلين.

يزيدني حماسا لفكرة كهذه ما علمته من أن أحد الأطباء الغربيين عنون كتاب سيرته الذاتية بالعنوان"   .‘’my mistakesأجل فأخطاء ذلك الطبيب الأمين تبرع بها لمن هم حوله، تبرأة لساحته، وإفادة لغيره.

نحن أخطاؤنا أكثر، وهي بالرصد والنشر أجدر، ولعل تبرعنا بها يكسبنا إضافة إلى حسنات إرشاد الغير، تكفير ما كان منا من غفلة وتقصير.


 محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com




الجمعة، مايو 24، 2013

تستور يا سيدي الدكتاتور

تستور يا سيدي الدكتاتور!

الدكتاتور العربي في كل بلاد العرب فعل ما يوجب الانتقام منه، وحتى إذا كان هذا الدكتاتور طيبا جدا، ولم يفعل من أفعال التسلط والدكتاتورية سوى استحباب وإدمان الجلوس على كرسي الحكم، ومكوثه العقود الطوال على رقاب العباد، ثم قيامه بتوريث ملكه لذريته من بعده، فإن مجرد فعل المكوث هذا يستوجب الانتقام من هذا الدكتاتور عند تهاوي أركان سلطته أيا كان سبب هذا التهاوي.

مَنَّ الله علينا، ورأينا ما لم نكن نتوقع من سقوط عروش دكتاتورية عديدة كنا نحسبها غير قابلة للسقوط وخارج قانون تآكل الأجسام وتداعيها، وفسرنا ذلك السقوط حينا بفعل كثرة  صبرنا على الظالمين ودعائنا عليهم، وحينا آخر بفعل نفاذ ذلك الصبر وثورتنا على الطغاة وإسقاطهم بالقوة، وحينا ثالث وهو الأقرب للصواب تجاوز هؤلاء الحكام الطغاة الخط الأحمر لسنن الله ونواميسه غير القابلة للخرق والتعدي.

كنا ونحن في أعلى نقطة على منحنى كرهنا وعدائنا للدكتاتور، وقبيل سقوطه بساعة ننكر فعل هذا الدكتاتور ونرى الدنيا بعد سقوطه مخالفة تماما للدنيا ما قبل السقوط، وكنا نعتقد أننا نحن المستنكرين للدكتاتورية والثائرين على التسلط والاستبداد هم من سيصنع الدنيا الجديدة، والتي حتما ستكون خالية من كل ما حوته دنيا الدكتاتورية البائدة من أمراض وعلل عبثت بأوطاننا. البعض منا تفاءل كثيرا فاعتقد أن برأنا سوف يتحقق بمجرد تدحرج رأس الدكتاتور وسقوطها من على كتفيه.


انتشينا بخمر النصر، وسكرنا برؤية سقوط الدكتاتورية المستفحلة المزمنة، إلا أن هذه السكرة لم تدم طويلا، واستيقظنا لنرى حقيقة غابت عن الكثيرين منا، وهذه الحقيقة هي أن حكامنا وهم يمارسون شتى أصناف الظلم، كانوا يرتقون في سلم الولاية الطاغوتية، ويتفننون في صناعة المريدين والمتأسين بهم، وأنهم بقدر ما كانوا يمعنون ويبدعون في فنون الدكتاتورية والتسلط بقدر ما يعلو شأنهم في نفوس الممسوخين من مقلديهم وورثة استبدادهم وظلمهم وجبروتهم.

الصورة لدينا بدأت تتجلى، وبدأ يظهر لنا مدى تركيز إصابتنا بأمراض حقبة الدكتاتورية وتخللها نسيجنا وتعاظم نصيب إرثنا منها، بل وتميزنا في ذلك عمن سوانا من دول كمصر وتونس وحتى اليمن، وذلك لتميز دكتاتورنا عمن سواه من حكام تلك الدول.

إن مجرد إصرار الكثيرين منا على عدم تسليم السلاح، والتلكؤ المريب في حل مئات الكتائب التي تشكلت بعد سقوط النظام وحلت بطريقة أوتوماتيكية محل الكتائب العسكرية والأمنية للنظام الدكتاتوري السابق، ثم تمادي هذه الكتائب بالتصرف كما لو أنها تخوض حربا مقدسة، إما مع الحكومة التي تطالبها بالانضواء تحتها، أو مع من ترى أنه يخالفها أيديولوجيا، أو مع من تعتقد أنه لديه ما تغنمه منه، أو حتى مع المواطن العادي الذي يبدي تأففه من عمل الكثير من أفراد هذه الكتائب التي لم يتغير منها عمن سبقها من كتائب وأجهزة سوى الاسم؛ إن مجرد أفعال كهذه الأفعال يؤشر بوضوح إلى مدى تأسينا وتأثرنا بما زرعه الدكتاتور السابق في نفوسنا من دكتاتورية واستبداد وعناد.

الاصطفاف الغريزي الأيديولوجي والحزبي بدعوى الديمقراطية، هو الآخر له نصيب لا بأس به من موروث الدكتاتورية صاحبة الأسرار المقدسة؛ ففي غياب دستور الدولة وعدم وجود قانون للأحزاب اندفعت النخب السياسية غريزيا نحو تشكيل أحزاب وتجمعات سياسية كان هدفها الأول والسريع الاستحواذ على صوت المواطن بأي ثمن، والوصول إلى كرسي الحكم قبل وصول الآخر إليه، وربما دفعه عنه إن لزم الأمر. دليل ذلك أن ما فعلته هذه النخبة في المدة القصيرة اللاحقة لسقوط النظام السابق في مجال توطيد وتركيز أفكارها وألوانها الحزبية أكثر بكثير مما فعلته في إزاحة اللون الدكتاتوري الأسود من على وجه الوطن ككل، أو ما فعلته في إزالة انعكاسات الدكتاتورية ومظاهرها السيئة المتمثلة في الفقر والمرض والجهل والفساد، وغير ذلك.

الفساد وهو الابن الشرعي للدكتاتورية والاستبداد نراه لم يخسر شرعيته السابقة تلك، ورأينا من يدعون الثورة يمارسون الفساد بشرعية هذه الثورة، تماما كما كان يفعل القذافي ورموز نظامه عندما كانوا يفعلون الموبقات ويبررون ذلك بشرعية ثورتهم المملوكة لهم والمقتصرة عليهم. 

حتى المواطن العادي البسيط والذي كان يمارس مخالفة قوانين الدولة الدكتاتورية السابقة متخفيا ومبررا ذلك بدافع الحصول على حقه من النظام السابق الظالم، وجدناه بعد سقوط ذلك النظام يعود إلى ممارسة عادته السابقة، ولكن هذه المرة ليس في الخفاء، وإنما يفعل إثمه جهرا يل ومعتزا بإثمه؛ حيث يخالف قوانين المرور دون حياء، ويخرق قوانين التطوير والتخطيط العمراني دون ارعواء، ويجرف الغابات ويصحر الأرض الخضراء، وكثير غير ذلك من أعمال سيئة تمتد جذورها بوضوح إلى سواد طين البيئة الدكتاتورية السابقة.


يشتط بي الخيال أحيانا فأتصور أن هناك مقاولا كبيرا لأعمال الدكتاتورية العربية، وأن هذا المقاول يتعاقد مع مقاولين صغار يطلقون على أنفسهم قادة أو حكاما، وحتى ثوارا، حيث يمارس هؤلاء نيابة عن المقاول الكبير العمل الدكتاتوري بأسماء وملامح مختلفة، إلا أنهم أحرص ما يكون على تنفيذ ما يأمر به المقاول الكبير من خطط وتوجيهات دكتاتورية عامة.

في نطاق مجال سكني وما يحيط بي من نشاط اجتماعي عام وخاص لم أر أي فرق بين الآن، وما كان عليه الأمر
سابقا؛ فالشارع بتضاريسه وسلوك المارين فيه لم يتغير منه شيء، والمصلحة المحلية من بلدية وغيرها كما هي لم يتغير فيها شيء سوى لون قطعة القماش التي تعلوها وبعض الخربشات على جدرانها.

الحال نفسه في بيئة العمل التي لا زالت ترزح تحث ثقل الموروث الدكتاتوري من بطء إنجاز وقصور تفكير وشلل إجراء، بل ربما الكثير منها لا زال يدار بنفس الأشخاص ولكن بلحى سياسية.

لا زلنا كما كنا سابقا نمارس هوايتنا المفضلة في الفرز الشللي وربما القبلي؛ فالإدارة العليا شلة، والإدارة الوسطى شلة، حتى المتجمعين للوشوشة هم أيضا شلل يحكمهم قانون التشظي المؤدي إلى الفرقة والعداء.

لا روح فريق، بل لا فريق أصلا؛ بدءا من أعلى إدارة حيث المجلس الوطني والحكومة، وانتهاء بشركة صغيرة أو مرفق بلدي ناء.

كنت أتصور أن الثمن الباهظ المدفوع في تغيير النظام الدكتاتوري السابق سوف يغسل كل أدران الدكتاتورية، وبأن الليبيين سوف يقطفون ثمار ثورتهم التي صنعوها بأيديهم ؛ إلا أن تصوري هذا لم يكن في محله، ذلك أن ما رأيته من سلوك وملامح للثوريين السبتمبريين بداية من السبعينيات وما بعدها حتى سقوط النظام، لا يختلف كثيرا عما أراه الآن من سلوك الثوار الفبراريين، أو أولئك المحسوبين عليهم.

كانت للثوريين السبتمبريين سحنة ولهجة مميزة وهم يخاطبون غيرهم، وخاصة في فترة مراهقة النظام، وهي سحنة ولهجة مشبعة بالتغطرس ورفض الآخر. الشيء نفسه رأيته يتكرر وأنا أطالع سحنات ثوار فبراير، أو نسختهم المزورة الشائعة كثيرا الآن، وأسمع ألفاظهم النارية الطافحة بالتسلط وتسفيه وتحقير الآخر.

أجل إن للدكتاتور والدكتاتورية سرا مقدسا وفيضا روحيا دافقا يزيده سقوط رأس الدكتاتور انتشارا وذيوعا، يؤكد ذلك ما رأيناه في بلادنا من قيام بعضنا بممارسة طقوس عبادة الدكتاتور وهو حي، وقيام مريدوه وورثة سره المقدس بتكرار ذلك وهو ميت وقد انطلقت منه ريح الدكتاتورية النتنة طاردة ما كنا نحلم به من روائح الربيع العربي التي ظنناها عبق ورد وشذى قرنفل وأريج ياسمين!

حقا. تستور يا سيدي الدكتاتور!

ولكن مهلا. لماذا التجني على الدكتاتور واعتباره هو الفاعل والباني الوحيد للصرح الدكتاتوري؟!

ألا يؤشر ما نحن عليه الآن من ممارسة للفعل الدكتاتوري حتى بعد سقوط الدكتاتور ضلوعنا بشكل أو بآخر فيما كان يفعله الدكتاتور؟!

لو اعترفنا بهذا، وأدركنا أننا جزء من المشكلة، لسهل علينا ذلك حل مشكلتنا، ولتوقفنا عن صناعة المزيد من الدكتاتوريين المعطلين لتحقق الحلم وقيام الدولة.    


 محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com



الخميس، مايو 16، 2013

يا كبراءنا



يا كبراءنا: ردوا لنا بضاعتنا. أعيدوا لنا ليبيا!

الموضوع: نداء موجه من جماهير البسطاء إلى نخبة الكبراء.

يا كبراءنا: ردوا لنا بضاعتنا. أعيدوا لنا ليبيا!

كبراؤنا الآن يعرفون أنفسهم، كما كان الكبار أيام القذافي، مع الفارق، يعرفون أنفسهم!

كانوا أيام القذافي بضع مئات، وكانت علامتهم المميزة هي تناوبهم على كراسي السلطة.

ربما عدد كبرائنا الآن مثل عددهم سابقا، إلا أنهم أكثر تأثيرا من سابقيهم، وذلك بسبب الرقم الصعب في المعادلة، وهو الدكتاتور القذافي.

وما دمنا نقارن بين دولة القذافي والدولة الليبية الآن، فإن أهم ما يميز دولة القذافي آنذاك هو متانة الجدار الخارجي لكيس الفئران الذي كان يضعه القذافي في حجره وتحت سيطرته الكاملة؛ أما الآن فإن هذا الجدار في منتهى الضعف، ومن السهل تمزقه وتبعثر محتوياته بمجرد ازدياد حدة فرق الجهد بين عديد الأقطاب المتنافرة داخله.

أعلم أنني وأمثالي من المواطنين البسطاء البعيدين عن المطبخ السياسي، وغير الضالعين في علومه، وكذا غير الحائزين على رادرات قراءة ما وراء كتل السحب والضباب، أعلم أننا جميعنا يسيطر علينا رهاب الجالس على الكرسي المجاور للسائق، وأننا بهذا لا يمكننا الخوض في أمر السياسة إلا في المدى الممنوح للجالس المذكور، عندما يحرك رجليه ويديه حركة عفوية لدى شعوره باحتمال تعرض المركبة للخطر، وذلك حتى لا يضايق وربما يعيق الممسك بعجلة القيادة. في حدود ذلك المدى، أحاول أن اكتب، وكلي حذر وتردد، في السياسة.

إن المدى الزمني الذي مضى على طباخينا في مطبخنا السياسي أكثر من كاف لمعرفة نقاط التوتر والخطوط الحمراء والدرجة الآمنة القصوى لفرق الجهد بين الأقطاب المتنافرة في الكيس الهش اللين الجدار الذي يحوينا جميعنا؛ كبراء وبسطاء، نخبة نابضة وكتلة ساكنة صامتة.

هذه الحالة، حالة تنافر الأقطاب برزت إلى السطح في الأسابيع وربما الأيام الأخيرة للنظام السابق، وعندما بدأت مطالع ثمار التغيير تلوح لأولئك الكبار الواقفين في الشرفات العالية، والناظرين من خلال شاشة الرادار السياسي مخترق الحجب وبعيد المدى.

التنافر بين فريق الطباخين الرئيسيين بدأ، وبكل أسف، لا على بعض توابل ومحسنات الكعكة، ولكنه بدأ على كتلة الكعكة ذاتها؛ حجمها، ومكوناتها، ونصيب الشركاء فيها، وغير ذلك.

هل كان يلزمنا، ونحن نشكل الحكومة المؤقتة المسكينة، أو  ننظر إليها، وهي تحاول لملمة أجزاء الدولة، أن ينزلق بنا الترف الفكري والأيديولوجي إلى الحد الذي وصل إليه الآن، وهو حد يمكن أن يعزى إليه الكثير من أسباب زيادة التوتر داخل المطبخ وخارجه.

حكومات ورؤساء حكومات أداروا شؤون المملكة الليبية على مدى العقدين تقريبا لم يضطروا جميعهم إلى ما اضطررنا إليه من اصطفاف أيديولوجي برغم فارق الظروف، وبرغم ما يعرف عن الملك إدريس صاحب القرار من محافظة، وربما تدين.

لا أعتقد أنه من الضروري توصيف وتحديد الموقف الأيديولوجي الدقيق جدا لقلوب الناس، وذلك عند إعداد السيرة الذاتية لرئيس أو عضو حكومة كحكومتنا الانتقالية التي تشكلت من جزئيات غبار حرب أهلية، ومن أجل إدارة أزمة لا زلنا نعيشها حتى اليوم.

كما أنه ليس من الضروري الضغط على هذه النقطة إلى حد جعلها الخطوة الأولى نحو إنقاذ ليبيا مما هي فيه من تأزم وما تلاقيه من صعوبة للتحول من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة.

إنني أكن كل التقدير والاحترام لكل الذين انتدبهم القدر ليكونوا الأزهار البارزة الغارقة في الضوء لشجرة الثورة ذات الأغصان والبراعم المليونية، وكذا ذات عشرات آلاف الجذور التي استطابت ظلام الطين على ألق الضوء، حتى تحول ذلك الطين إلى مسك شهادة غشى تلك العروق المباركة، ولم يشأ أن يظهر منها إلا عبق الشهادة الفواح الذي غطى شذاه كل مدى الوطن الشاسع الرحيب.

إنني أيضا كأحد الملايين الجالسة إلى جوار السائق، والتي لا تملك إلا أن تتحرك في حدودها الضيقة عفويا، أهيب بالكبراء ذوي التأثير في مجريات الأمور بأن لا يغضوا البصر ويصموا الأذن عن ما تبديه الكتلة الصامتة من مخاوف، وأن لا يعزوا كل ذلك إلى الرهاب النفسي للجالس قرب السائق.

كلا. إننا يا كبراءنا نحملكم جميعا التوتر والتنافر الأيديولوجي الجاري بينكم، والذي تتسع لشطر كبير منه قاعدة الضرورات تبيح المحظورات المعروفة، والتي هي بذاتها لا تبخل عن الاتساع إذا ما دُعيت لإنقاذ شعب مسكين كالشعب الليبي الذي لم يتمكن من إتمام فرحة إفلاته من بين فكي التمساح، وذلك لا لسبب إلا بسبب ضيق صدر كبرائه وتنافرهم أيديولوجيا.

هذه الجعجعة الأيديولوجية التي نسمعها لأزيد من عام ونصف العام لم تكن بسبب اختلافكم على تطبيق مبادئ المدرسة الفرنسية أو الانجليزية في الرقابة المحاسبية على موارد الدولة، وإمكانية الاستعانة بالخبرات العالمية لسد النقص الفاضح في هذا المجال، حتى بات الكلام عن فقدان المليارات من الأحداث العادية والأخبار المتواترة.

كما لم تكن هذه الجعجعة من أجل تباين اجتهادكم في طريقة جمع السلاح وكبح جماح المنفلتين والمعربدين وقطاع الطرق والمغتصبين الذين وجدوا في ردحكم الأيديولوجي بيئتهم المثالية لتشكيل جسمهم المايفوي الرهيب.

جعجعتكم تلك لم تكن من أجل اختلافكم على تحديد معدل سرعة إنجاز الحكومة التي بلغت من التباطؤ حد انعدام الحركة أصلا، والذي من بعض مبرراته وأسبابه هو ذلك التورم الأيديولوجي المفاجئ الذي فتك بجسم الوطن.

جعجعتكم يا كبراءنا ليست أصوات إنذار استمرار تواجد مواطنين ليبيين في ظروف ومكان لا يجب أن يكونوا فيه. وهي أيضا ليست أصوات نواقيس خطر وصول مستوى الوئام الاجتماعي إلى خطوطه ما بعد الحمراء.

الفقر المرض الجهل الفساد، هؤلاء الأعداء التقليديين لا يزالون ممسكين بخناقنا، وإن أي جعجعة واختلاف يصدر منكم بشأنهم يزيدنا ثقة فيكم ويبرر ما يمكن أن يأتينا منكم من أصوات اختلاف وجعجعة تنافر.

إن أي اختلاف يحدث بينكم في مطبخنا السياسي خلاف الذي ذكر، هو خلاف لا يهمنا نحن جماهير الكتلة الصامتة البسطاء التعساء.


حاملو السلاح غير الشرعيين الذين يعيقون قيام الدولة وجدوا في تنافركم الأيديولوجي ضالتهم لتبرير وضعهم،  بل ربما سنحت للبعض منهم فرصة تبادل المصلحة؛ فمنكم التنظير الفكري ومنهم التدبير العسكري.


لا يمكن إلا نفترض حسن النية فيكم عندما سلكتم بنا هذه المتاهة التي نحن فيها الآن، ولن نجد غيركم من هو أعرف بالطريق والمسارب التي أفضت بنا إلى هذا المكان المرعب المخيف.

رجاء عودوا وأرجعونا معكم إلى المكان الذي أخذتمونا منه، والذي كانت اللغة السائدة فيه لا يزيد عدد أحرف أبجديتها عن أربعة أحرف: ****  ليبيا  ****!

تصالحوا فيما بينكم، واسحبوا من التداول، وبسرعة، تلك الكلمات البائسة التي قسمت المليون مكلف من الليبيين، وربما أقل، إلى فسطاطات واتجاهات وأحزاب وجماعات عدة كل منها ترى في غيرها خصما ينازعها مكان وجودها في وطن يشكو جراء اتساعه من قلة الساكنين فيه!

أجل لابد من عقد مؤتمر وطني موسع يضم الجميع، تقومون فيه مجتمعين برد بضاعتنا المسلوبة إلينا. تلك البضاعة التي وحدتنا ونحن نواجه القذافي وترسانته العسكرية وملياراته.

نريد تلك البضاعة المكونة من بساطتنا وتسامحنا وتوافقنا، والتي كانت ثمينة ونفيسة جدا نفاسة بضاعة الحرية الغالية التي استبدلناها بها.

اجتهدتم في تحديد وصفة دوائية لنا وأخطأتم، وذلك بسبب اشتباه الحالة المرضية عليكم. لا بأس فلكم أجر الاجتهاد، ونغفر لكم وزر الخطأ، لأننا كلنا خطاؤون!

لا يظنن ظان بأني بهذا أضع العصا في دولاب القطار الديمقراطي من أجل إعاقته عن الحركة. كلا؛ فالقطار الديمقراطي لا توقفه إلا أحجار الفقر والمرض والجهل والفساد والتوتر والرعب الاجتماعي، وإن تفرغنا ووقوفنا مجتمعين من أجل إزالة جبل المعيقات تلك هو الوصفة الدوائية الأنجع لحالتنا، وهو المحرك الأقوى لدفع القطار الديمقراطي إلى مداه.

القطار الديمقراطي مصنوع من مواد ومركبات ذكية حساسة تتخذ من وعي الإنسان ووجدانه وإرادته نسيج تكوينها، وإن أي حرق لمرحلة من مراحل تكوين وصناعة ذلك القطار، أو شطب لمادة من تلك المواد المكونة له، يخرج لنا قطارا ديمقراطيا خداجا معاقا كما هو عليه قطارنا الديمقراطيِ المترنح الذي نركبه الأن، وذلك  بسبب عيوب تصنيعه الجسيمة.


شكر الله سعيكم فقط أعيدونا كما كنا، أعيدوا لنا ليبيا البسيطة التي نعرف، ولا ضرر ولا ضرار.

 محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

الأربعاء، مايو 15، 2013

ألسنتنا




نداء موجه من جماهير البسطاء إلى نخبة الكبراء.

يا كبراءنا: ردوا لنا بضاعتنا. أعيدوا لنا ليبيا!

كبراؤنا الآن يعرفون أنفسهم، كما كان الكبار أيام القذافي، يعرفون أنفسهم!

كانوا أيام القذافي بضع مئات، وكانت علامتهم المميزة هي تناوبهم على كراسي السلطة.

ربما عدد كبرائنا الآن مثل عددهم سابقا، إلا أنهم أكثر تأثيرا من سابقيهم، وذلك بسبب الرقم الصعب في المعادلة، وهو الدكتاتور القذافي.

وما دمنا نقارن بين دولة القذافي والدولة الليبية الآن، فإن أهم ما يميز دولة القذافي آنذاك هو متانة الجدار الخارجي لكيس الفئران الذي كان يضعه القذافي في حجره وتحت سيطرته الكاملة؛ أما الآن فإن هذا الجدار في منتهى الضعف، ومن السهل تمزقه وتبعثر محتوياته بمجرد ازدياد حدة فرق الجهد بين عديد الأقطاب المتنافرة داخله.

أعلم أنني وأمثالي من المواطنين البسطاء البعيدين عن المطبخ السياسي، وغير الضالعين في علومه، وكذا غير الحائزين على رادرات قراءة ما وراء كتل السحب والضباب، أعلم أننا جميعنا يسيطر علينا رهاب الجالس على الكرسي المجاور للسائق، وأننا بهذا لا يمكننا الخوض في أمر السياسة إلا في المدى الممنوح للجالس المذكور، عندما يحرك رجليه ويديه حركة عفوية لدى شعوره باحتمال تعرض المركبة للخطر، وذلك حتى لا يضايق وربما يعيق الممسك بعجلة القيادة. في حدود هذا المدى، أحاول أن اكتب في السياسة، وكلي حذر وتردد.

إن المدى الزمني الذي مضى على طباخينا في مطبخنا السياسي أكثر من كاف لمعرفة نقاط التوتر والخطوط الحمراء والدرجة الآمنة القصوى لفرق الجهد بين الأقطاب المتنافرة في الكيس الهش اللين الجدار الذي يحوينا جميعنا؛ كبراء وبسطاء، نخبة نابضة وكتلة ساكنة صامتة.

هذه الحالة، حالة تنافر الأقطاب، والتي برزت إلى السطح في الأسابيع وربما الأيام الأخيرة للنظام السابق، وعندما بدأت مطالع ثمار التغيير تلوح لأولئك الكبار الواقفين في الشرفات العالية، والناظرين من خلال شاشة الرادار السياسي مخترق الحجب وبعيد المدى.

التنافر بين فريق الطباخين الرئيسيين بدأ، وبكل أسف، لا على بعض توابل ومحسنات الكعكة، ولكنه بدأ على كتلة الكعكة ذاتها؛ حجمها، ومكوناتها، ونصيب الشركاء فيها، وغير ذلك.

هل كان يلزمنا، ونحن نشكل الحكومة المؤقتة المسكينة، أو  ننظر إليها، وهي تحاول لملمة أجزاء الدولة، أن ينزلق بنا الترف الفكري والأيديولوجي إلى الحد الذي وصل إليه الآن، وهو حد يمكن أن يعزى إليه الكثير من أسباب زيادة التوتر داخل المطبخ وخارجه، وكذا قصور الحكومة عن فعل أي شيء.

حكومات ورؤساء حكومات أداروا شؤون المملكة الليبية على مدى العقدين تقريبا لم يضطروا جميعهم إلى ما اضطررنا إليه من اصطفاف أيديولوجي متكلف برغم فارق الظروف، وبرغم ما يعرف عن الملك إدريس صاحب القرار من محافظة، وربما تدين.

لا أعتقد أنه من الضروري توصيف وتحديد الموقف الأيديولوجي القلبي الدقيق جدا، والقلوب بين يدي الله يحركها كيفما شاء، وذلك عند إعداد السيرة الذاتية لرئيس أو عضو حكومة، كحكومتنا المؤقتة التي تشكلت من جزئيات غبار حرب أهلية، من أجل إدارة أزمة لم نغادرها بعد.

كما أنه ليس من الضروري الضغط على هذه النقطة إلى حد جعلها الخطوة الأولى نحو إنقاذ ليبيا مما هي فيه من تأزم وما تلاقيه من صعوبة للتحول من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة.

إنني أكن كل التقدير والاحترام لكل الذين انتدبهم القدر ليكونوا الأزهار البارزة الظاهرة لشجرة الثورة ذات الأغصان والبراعم المليونية، وكذا ذات عشرات آلاف الجذور التي استطابت ظلام الطين على ألق الضوء، حتى تحول ذلك الطين إلى مسك شهادة غشى تلك العروق المباركة، ولم يشأ أن يظهر منها إلا عبق الشهادة الفواح الذي غطى شذاه كل مدى الوطن الشاسع الرحيب.

إنني أيضا كأحد الملايين الجالسة إلى جوار السائق، والتي لا تملك إلا أن تتحرك في حدودها الضيقة عفويا، أهيب بالكبراء ذوي التأثير في مجريات الأمور بأن لا يغضوا البصر ويصموا الأذن عن ما تبديه الكتلة الصامتة من مخاوف، وأن لا يعزوا كل ذلك إلى الرهاب النفسي للجالس قرب السائق.

كلا. إننا يا كبراءنا نحملكم جميعا التوتر والتنافر الأيديولوجي الجاري بينكم، والذي ربما تتسع لشطر كبير منه قاعدة الضرورات تبيح المحظورات المعروفة، هذا إذا اعتبر ذلك المحظور محظورا، وخاصة في حالة شعب بسيط مسكين كالشعب الليبي الأمي أيديولوجيا.

هذه الجعجعة الأيديولوجية التي نسمعها لأزيد من عام ونصف العام لم تكن بسبب اختلافكم على تطبيق مبادئ المدرسة الفرنسية أو الانجليزية في الرقابة المحاسبية على موارد الدولة، وإمكانية الاستعانة بالخبرات العالمية لسد النقص الفاضح في هذا المجال، حتى بات الكلام عن فقدان المليارات من الأحداث العادية والأخبار المتواترة.

كما لم تكن هذه الجعجعة من أجل تباين اجتهادكم في طريقة جمع السلاح وكبح جماح المنفلتين والمعربدين وقطاع الطرق والمغتصبين الذين وجدوا في ردحكم الأيديولوجي بيئتهم المثالية لتشكيل جسمهم المايفوي الرهيب.

جعجعتكم تلك لم تكن من أجل اختلافكم على تحديد معدل سرعة إنجاز الحكومة التي بلغت من التباطؤ حد انعدام الحركة أصلا، والذي من بعض مبرراته وأسبابه هو ذلك التورم الأيديولوجي المفاجئ الذي فتك بجسم الوطن.

جعجعتكم يا كبراءنا ليست أصوات إنذار استمرار تواجد مواطنين ليبيين في ظروف ومكان لا يجب أن يكونوا فيه. وهي أيضا ليست أصوات نواقيس خطر وصول مستوى الوئام الاجتماعي إلى خطوطه ما بعد الحمراء.

الفقر المرض الجهل الفساد، هؤلاء الأعداء التقليديين لا يزالون ممسكين بخناقنا، وإن أي جعجعة واختلاف يصدر منكم بشأنهم يزيدنا ثقة فيكم ويبرر ما يمكن أن يأتينا منكم من أصوات اختلاف وجعجعة تنافر.

إن أي اختلاف يحدث بينكم في مطبخنا السياسي خلاف الذي ذكر، هو خلاف لا يهمنا نحن جماهير الكتلة الصامتة البسطاء التعساء.

حتى حاملو السلاح غير الشرعيين الذين يعيقون قيام الدولة وجدوا في تنافركم الأيديولوجي ضالتهم لتبرير وضعهم،  بل ربما سنحت للبعض منهم فرصة تبادل المصلحة مع البعض منكم الذين منهم التنظير الفكري ومن حاملي السلاح التدبير العسكري.

لا يمكن إلا نفترض حسن النية فيكم عندما سلكتم بنا هذه المتاهة التي نحن فيها الآن، ولن نجد غيركم من هو أعرف بالطريق والمسارب التي أفضت بنا إلى هذا المكان المرعب المخيف.

رجاء عودوا وأرجعونا معكم إلى المكان الذي أخذتمونا منه، والذي كانت اللغة السائدة فيه لا يزيد عدد أحرف أبجديتها عن أربعة أحرف: ****  ليبيا  ****!

تصالحوا فيما بينكم، واسحبوا من التداول، وبسرعة، تلك الكلمات البائسة التي قسمت المليون مكلف من الليبيين، وربما أقل، إلى فسطاطات واتجاهات وأحزاب وجماعات عدة كل منها ترى في غيرها خصما ينازعها مكان وجودها في وطن يشكو جراء اتساعه من قلة الساكنين فيه!

أجل لابد من عقد مؤتمر وطني موسع يضم الجميع، تقومون فيه مجتمعين برد بضاعتنا المسلوبة إلينا. تلك البضاعة التي وحدتنا ونحن نواجه القذافي وترسانته العسكرية وملياراته.

نريد تلك البضاعة المكونة من بساطتنا وتسامحنا وتوافقنا، والتي كانت ثمينة ونفيسة جدا نفاسة بضاعة الحرية الغالية التي استبدلناها بها.

اجتهدتم في تحديد وصفة دوائية لنا وأخطأتم، وذلك بسبب اشتباه الحالة المرضية عليكم. لا بأس فلكم أجر الاجتهاد، ونغفر لكم وزر الخطأ، لأننا كلنا خطاؤون!

لا يظنن ظان بأني بهذا أضع العصا في دولاب القطار الديمقراطي من أجل إعاقته عن الحركة. كلا؛ فالقطار الديمقراطي لا توقفه إلا أحجار الفقر والمرض والجهل والفساد والتوتر والرعب الاجتماعي، وإن تفرغنا ووقوفنا مجتمعين من أجل إزالة جبل المعيقات تلك هو الوصفة الدوائية الأنجع لحالتنا، وهو المحرك الأقوى لدفع القطار الديمقراطي إلى مداه.

القطار الديمقراطي مصنوع من مواد ومركبات ذكية حساسة تتخذ من وعي الإنسان ووجدانه وإرادته نسيج تكوينها، وإن أي حرق لمرحلة من مراحل تكوين وصناعة ذلك القطار، أو شطب لمادة من تلك المواد المكونة له، يخرج لنا قطارا ديمقراطيا خداجا معاقا كما هو عليه قطارنا الديمقراطيِ المترنح الذي نركبه الأن، وذلك  بسبب عيوب تصنيعه الجسيمة.


شكر الله سعيكم فقط أعيدونا كما كنا، أعيدوا لنا ليبيا البسيطة التي نعرف، ولا ضرر ولا ضرار.

 محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

الثلاثاء، مايو 14، 2013

غنائمنا؛ هزائمنا


غنائمنا؛  فضائحنا وهزائمنا!

عندما كنا جميعا نسعى متحدين إلى الحصول على الغنيمة الكبرى، الوطن، بافتكاكه من ربقة الاستبداد والدكتاتورية، كان كل منا يقدم كل ما يملك ليحصل على أي شيء مهما كان صغيرا من جسم الوطن المبعثر، ليضعه في سلة لبنات تحرير الوطن وإنقاذه؛ فصارت الجهود الصغيرة المتجمعة عملا جبارا، وبنينا جسم الوطن مما جمعناه من لبنات، وكان النصر، ورأينا ليبيا التي كنا نريد، وقد احتفت بالنصر المجيد.

هزيمتنا، أو قل فضيحتنا بدأت عندما التفت كل منا إلى الآخر، وأخذ يزاحمه وينافسه في نهش جسم ليبيا الذي بالكاد وقف على قدميه ليخطو الخطوة الأولى، تلك الخطوة التي وأدت في مهدها من قِبل من يدَّعون حماية ليبيا ويظهرون حبها!


مبررات غنيمتنا الكبرى، إنقاذ ليبيا من الدكتاتورية والفساد، كانت أكثر من أن تحصى، وكانت كلها مبررات شرعية وموثقة وفي ضوء الشمس وبحضور الجميع.

أما مبررات غنائمنا الفردية، إسقاط ليبيا في الغوغائية، فجميعها مبررات فردية، نسجها أصحابها بخيوط الظلام والطمع والحقد والتشفي وعدم الثقة في الآخر.

مبرر الغنيمة الفردية الفضيحة يتركب من عناصر متنوعة، ولكن اخطر عناصره هو عنصر غيبوبة مرتكبه، نتيجة وقوعه تحت تأثير طغيان هرمونات الشعور بالانتصار الزائف، ذلك الشعور الذي يتعاظم خطره لدى فئة المتعصبين ومحترفي الجريمة وصغار السن والحمقى وقليلي الثقافة، وهي مجموعات كثيرة العدد حادة الطباع.

عار الغنيمة الفضيحة سيظل ملتصقا بوجه كل من مد يده المصبوغة بوصمة الانتهازية، والتي لا يزيلها إلا طهر التعفف، وذلك بعد رد كل قطعة تم نهشها من جسد الوطن المثقل بجروحه العميقة.

كل غنيمة نهشها أحدهم من جسم الوطن سيبقى مكانها خاليا، ملوحا بما فعله اللئام، مخبرا كل من يمر به بكل ما حدث وبالتفاصيل الدقيقة المتضمنة ضمن ما تتضمنه اسم الثائر الجائر، أو مدع الثورة المنافق الفاجر البائر!

الغنائم الفضائح كثيرة منها الكبير جدا الذي لا يمحوه إلا قصاص الدنيا أو سعير الآخرة، ومنها الصغير جدا، ربما يكون مجرد تجاهل ضوء إشارة المرور الحمراء، ولكنها جميعها قطعٌ من جسم الوطن!

الشطر الكبير والخطير جدا من هذه الغنائم هو ذلك  المكون  من رأس الوطن ومركز تسييره وإدارته، وهو مكان لا يصل إليه إلا أكثر الغنائميين قوة وجرأة، وربما تطاولا وعتوا.

مسلسل الغنائم الصغيرة جدا والكبيرة جدا وما يتوسطهما ما زال قائما، والغنائميون لا يزالون في غيهم يعمهون.

أما مسلسل بناء الوطن فلن تبدأ أولى حلقاته إلا بانتهاء آخر حلقات مسلسل الغنائم الهزائم؛ بدءا من تجاهل إشارة المرور، إلى انتهاب الوظائف والاستغلال السيء لها، إلى استحلال وهدر المال العام، إلى اقتحام الوزارات، وغير ذلك كثير!

الشهداء الكرام، والثوار المتعففون، والمواطنون العاديون الذين لم يلوثوا أنفسهم بأي لون من ألوان الغنائم الهزائم، كلهم يعرفون أولئك الغنائميين المفضوحين جد المعرفة، والذين حتما ستطالهم يد العدالة التي طالت من هو أكبر منهم، ذلك الذي جعل ليبيا وما فيها غنيمة له، حتى إذا سكر حتى الثمالة بخمر الغنيمة، فاجأته الأقدار بأسوأ خاتمة وأشنع هزيمة!

وإذا كان هناك سجل تشريف بعد سجل الشهداء، فهو سجل أولئك الأفذاذ الذين بذلوا ما في وسعهم لاغتنام الوطن وافتكاكه من غاصبيه، حتى إذا تحقق ذلك انسحبوا بهدوء واحتسبوا لله عظيم جهودهم، ونبيل غاياتهم. إنهم بحق أنقياء أتقياء أذكياء.

تحياتي الصادقة لهم.

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com