الجمعة، ديسمبر 20، 2013

درسان في الكيمياء والحب ............




درسان في الكيمياء والحب، وآ خران في الفوبيا والرعب!


أستاذ الكيمياء الشاب من تكساس أميركا السيد روني سميث قطع آلاف الأميال ضربا في الأرض من أجل أن يتكسب من تعليم الكيمياء. وفي بنغازي ليبيا حط الرجل رحاله، حيث قضى فيها عاما كان هو عمر ابنه الأول، وحيث كان هذا العام هو آخر أعوام عمره القصير، وذلك تنفيذا لحكم محكمة ليلية اتخذ قضاتها من الأشعة فوق الحمراء وسيلة رؤيتهم الوحيدة للبحث في النصوص، وممارسة قطع الرؤوس.

لم يمثل المتهم أمام المحكمة المذكورة، كما لم تخطره هذه المحكمة مسبقا بتهمته التي استحق بها القتل رميا بالرصاص، وهو يمارس الرياضة التي تعود على ممارستها كل صباح، وذلك قبيل تناوله طعام الإفطاره صحبة أسرته الصغيرة الغريبة، كما تعود أن يفعل كل يوم.

المغدور روني سميث في حسابه على التويتر، جاهر بحبه لليبيا والليبيين، حيث أطلق على نفسه اسم: أفضل صديق لليبيا، وهو ما يشي بعدم حمله أي خوف من الليبيين الذين اندمج بهم، ودأب على ممارسة الرياضة في شوارعهم العامة  دونما خوف أو حذر أو توجس.

إن مجرد شعور هذا الرجل بالأمان والاطمئنان، وهو على بعد آلاف الأميال من موطنه، وإظهاره الحب لليبيا والليبيين، وكذا قيامه بتعليم الكيمياء لأبنائهم، لهو علامة وحالة نفسية لا يمكن تجاهلها لمن يريد أن يحكم على سريرة هذا الرجل عندما تحوم حوله شبهة من الشبهات الكثيرة التي تسكن أنفسنا تجاه أي غريب، وخاصة شبهة كتلك الشبهة التي اكتفى بها القاضي، وحولها في ضوء الأشعة فوق الحمراء إلى جريمة تستوجب سفك دم مستأمن على الرصيف.
  
القتل بدون شبهة أو جريمة أو محاكمة وبدون علم القتيل وأهل وجيران القتيل والمجتمع الذي استضاف القتيل وبدون وجود سبب يقنع البشر الموجودين حول القتيل بأن هذا القتيل قد بدر منه ما يستحق تنفيذ هذه العقوبة الشديدة عليه؛ إن القتل بطريقة كهذه، يجعلنا جميعا نتلمس أعناقنا خشية قطعها في أية لحظة بعد الاستناد على سابقة قانونية كتلك!

ولكن لماذا التسرع؟ فربما لدى القاتل ما يكفي من المبررات لاقتراف جريمة قتل إنسان غافل بريئ، وترميل زوجته وتيتيم ابنه؛ وإلا فكيف أقدمت زوجة القتيل على مسامحة القتل والدعاء له ولبلده بالخير، وهو ما فعلته أنيتا سميث بالضبط!
 
أجل، فلم تنه أنيتا سميث أرملة المغدور روني سميث شهر الهم والحزن الأول لفقدان زوجها حتى بادرت البريئة المسكينة بتوجيه كلمة لقاتليه تجاوزت فيها مأساتها، وغمرت القتلة بعبارات السماح والحب!

السيد روني سميت علم الليبيين درسا في كيمياء المواد وكيمياء قبول الآخر وحبه. أما السيدة أنيتا سميث زوجة روني فقد علمت الليبيين درسا بليغا في الانسانية والتحضر.

ذلكما هما الدرسان المهمان اللذان لقننا إياهما كل من روني وأنيتا في كيمياء النفوس وحب الآخر ومسامحته؛ فماذا يا ترى قمنا نحن بتعليمه لهذين الشخصين الغريبين عنا موطنا وثقافة ودينا؟

نحن عموم الشعب الليبي البريء البسيط، أثبتنا لهذين الشخصين ولغيرهما أننا مجتمع إنساني اجتماعي يتعايش مع الآخر ويتعامل معه ويقبله، وهو ما لمسته عائلة سميث وعائلات أجنبية كثيرة عاشت بين ظهرانينا على مدى العصور.

إلا أنه، ويا للأسف، وكما تعلم السيد سميث وزوجته الحب وكيمياء قبول الآخر في بلده أمريكا التي قامت حضارتها على هذا المبدأ الإنساني الرفيع، تعلم البعض من أبنائنا علما آخرا مناقضا تماما لما تعلمه السيد سميث، ألا وهو علم فوبيا الآخر وكرهه، ومن تم قتله!

فوبيا الآخر هي أيضا كيمياء وهرمونات وغرائز ونزوات؛ وإلا فكيف يقدم إنسان على سفك دم إنسان لم يسبق له وإن التقى به، ولم يرتكب في حقه أي ذنب، ولم يبادره بشيء يكرهه؛ بل إنه على العكس من ذلك تراه يتودد إليه، ويقدم إليه يد المساعدة وقرابين الحب والمودة، كما جاهر بذلك روني سميث؟!  

أجل، إنه الغدر والخيانة وليدا كيمياء الفوبيا التي تفعل الكثير في دماغ صاحبها، لا سيما وأن صاحبها هذا قضى عمره كله منقوعا في بلاد حكمها دكتاتور قضى العقود مرسخا لعادة الثأر القبلي البدوي الكريهة، وهي عادة يكتفي صاحبها بمجرد شم رائحة من يطلب ثأره منه، ولو تعلقت هذه الرائحة بجنين أو رضيع. لا يهم!

السيدة أنيتا سميث الحاملة لكيمياء التسامح رأت دم زوجها المغدور، فقالت: أتمنى أن يكون ﺩﻡ زوجي رﻭني المسفوك على الأرض الليبية سببا لنشر ﺍلسلاﻡ ﻭﺍلمصالحة بين أبناء الشعب الليبي!

أما قتلة روني الفوبيائيون فلابد أنهم رأوا دم روني على هيئة أخرى تختلف تماما على الهيئة التي رأته بها روني ومن سواها من عموم البشر الذين يرون دماء المظلومين بعضا من دمائهم هم!

تعداد سكان أمريكا، ركيزة العالم الحضارية الأكبر، ربما ناهز أو زاد عن الملايين الأربعمائة، وإذا ما أخذنا بأحكام المحكمة الجائرة التي حكمت على أستاذ الكيمياء والحب بسفك دمه فوق تراب فويهات بنغازي رباية الدائح،  فإنه يتحتم علينا وضع كل تلك الملايين الأربعمائة وما يحملونه من حضارة تحت مقصلة ذلك القصاص الأحول المريض!

لا أستطيع أن أفهم، وإذا فهم أحدكم شيئا فليتطوع ويفهم الجميع هذا الدرس الملغز الصعب!

ما أخزى الضغط ظلما على الزناد، وما أشرف تعليم وتنوير وإفادة العباد!   

محمد عبد الله الشيباني
aa10zz100@yahoo.com

Libyanspring.blogspot.com