الخميس، يوليو 31، 2014

بلسمنا

بلسمنا الديمقراطي؛ وصفة خاطئة، أم جرعة زائدة؟

مكثنا في الفصول التحضيرية لخوض الغمار الديمقراطي ما يكفي من سنوات؛ حيث جاوزنا عقودا ستة نحضر لامتحان شهادة الكفاءة الديمقراطية، ولكن دون جدوى!

ولأننا جاوزنا الوقت المعقول في هذه الفصول التحضيرية، فقد تقرر ترحيلنا، والقذف بنا في العربة الأخيرة للقطار الديمقراطي الكوني مع توصيات تحذيرية بحالتنا الصعبة، وولادتنا الديمقراطية القيصرية!

في مقدمة هذه التوصيات التحذيرية المدونة بخط أحمر بارز فوق ملف ترحيلنا، كانت التوصية بضرورة إجراء اختبار الحساسية لمكونات البلسم الديمقراطي الذي سنحقن به في عتبة عربة القطار الديمقراطي، وكذا مقدار جرعة ذلك البلسم، وقياس أثر ذلك على كياننا السياسي الواهي الضعيف.

وبالفعل، وبمجرد ارتمائنا في القطار الديمقراطي، مررنا بالكثير من اختبارات الحساسية الديمقراطية، ولكن أهم هذه الاختبارات كانت عند قيامنا بتكوين المجلس التشريعي، والذي هو أعلى وأهم جسم ديمقراطي.

هذه هي المرة الثانية التي نشكل فيها مجلس المائتين من نواب الأمة المنوط بهم إبرام القوانين واتخاذ القرارات السيادية الهامة، وكذا مراقبة الجهاز التنفيذي للدولة.

اختبار حساسيتنا لمجلس المائتين السابق، ترك على سطح جسمنا الغض ما يكفي من تورمات وعلامات تشير بوضوح إلى عدم تقبل جسمنا السياسي والاجتماعي وحتى الثقافي والنفسي لهذا البلسم الديمقراطي الحاد، وجرعته المركزة المفرطة!

مظاهر عدم تقبل جسمنا لهذا البلسم كثيرة، ولكن أهمها هو إقبالنا وبنهم وإفراط شديد على التهام الحرية ثمرة الديمقراطية الشهية، الأمر الذي تسبب في استنفاذ كل عسل الخلية الديمقراطية بما في ذلك غذاء ملكة الخلية، الأمر الذي أدى إلى موت الملكة وتفتت رحم الخلية وتهاوي أركانها.

ليس هناك أدنى شك في أن التهامنا المفرط، بل المجنون للحرية، هو الذي سممنا جميعا، بل وأدخلنا في حالة غيبوبة فكرية وسياسية، وحتى عقلية!

الشاب وحتى الصبي الحدث تراه يقف على الرصيف محدثا أترابه بكامل الثقة، في أنه يستطيع الزحف هو وشلته على مكتب وزير، أو رئيس وزراء، أو حتى مجلس ممثلي الأمة، ثم يجبرهم جميعا على الإنصات إليه، وتنفيذ مطالبه؛ والسبب دائما هو ما أتاحه الربيع الديمقراطي من زهور وعسل ومنشطات هرمونية قاتلة!

هكذا تحولت الحرية أشهى ثمار الديمقراطية إلى سم زعاف، تخلل جسمنا السياسي وفتك به وأدخله في غيبوبة لم نفق منها حتى حينه

مجلس نواب الأمة ها هو يتكون للمرة الثانية، ومرة أخرى، لا يبدي جسمنا السياسي الواهن المتداعي ما يشي بقدرته على التعاطي معه بإيجابية، أو بأنه قد تجاوز ردة فعله السلبية السابقة على الجرعة الأولى قبل عامين.

رغم الظروف السيئة جدا التي تمر بها البلاد، ها نحن نختلف ابتداء على موقع انعقاد المؤتمر بين طرابلس وبنغازي وطبرق، وهو ما ينذر باختلاف أكثر وأكثر في أمور قادمة أشد وأخطر.

حاولت بهذا إجراء تشخيص ما لحالتنا السياسية، وهو بحق تشخيص بسيط ضحل، إلا أنه يلامس مشكلتنا في كثير من زواياها، ويطرح السؤال الصعب: هل يجب علينا الإقلاع نهائيا عن بلسم الديمقراطية، ولو مؤقتا، أو يكفينا مجرد تقليل جرعة هذا البلسم؟!

الإقلاع عن بلسم الديمقراطية، وهو أمر قد لا يروق للكثير، معناه قيام القوى الفاعلة على الأرض مجتمعة بتشكيل هيئة حكم وإدارة، تتولى تسيير أمور البلاد، وتغض الطرف مؤقتا عن الممارسة الديمقراطية التقليدية التي جربناها على مدى العامين الفائتين، ولم ننجح فيها.

أما تخفيف جرعة الديمقراطية فهو قيام البرلمان المنتخب الحالي بتخويل عشرين من أفراده بالتصدي لأمور الدولة بشكل مباشر، وجنبا إلى جنب مع عشرين قياديا من القوى الفاعلة على الأرض من رؤساء كتائب وغيرهم من فعاليات اجتماعية مؤثرة. على أن يقوم أعضاء المؤتمر المتبقين، وكذا بعض قادة الثوار، وبعض أصحاب الرأي والمشورة، بدور المساعد لمجلس الحكم الأعلى ذي الأربعين عضوا.

حسنة تقليل عدد اعضاء المؤتمر تكمن في تقليص المسافة بين العضو والآخر، وتقليل المسافة والوقت الذي يحتاجه أي عضو في توصيل فكرته للآخر ، وكذا تقليل الاحتكاكات لقلة فرص الملامسة والاصطدام بين أعضاء المؤتمر.


هذا، أو أي شيء يشبه ذلك، وذلك حتى لا نلدغ من جحر الديمقراطية أكثر من مرة!

محمد عبد الله الشيباني

بطل التعجب

بَطـُلَ التعجبُ

كتبت الخاطرة المنظومة أدناه منذ أيام، وقرأتها على أحد الأصدقاء الذي لم يعجبه فيها عدم تصريحي بموقفي تجاه ما يدور من حرب بين إخوان الوطن والدين.

لا أحب أن أفعل ما يفعله الكثير من اختزال مبالغ فيه لعللنا وأطراف صراعها حتى بلغ هذا الاختزال حد حصر الحرب الآن بين قبيلتين، بل بين شخصين؛ شخص من قبيلة، وآخر من أخرى.

عللنا التي قذفت بالخُراج الأخير النتن أكبر من كونها علة قبيلة أو أيديولوجيا أو صراع سياسي أو حزبي؛ إنها حقا أكبر من ذلك بكثير، ولا أبالغ إذا قلت إنها تشوه نفسي وجيني جسيم يعاني منه الكائن الليبي المسكين؛ وإلا فكيف نهدر الماء ونحن في أشد درجات العطش، ونحرق البنزين ونحن في أشد الحاجة إليه، ونقذف بأموالنا هنا وهناك ونحن تحت خط الفقر، وأخيرا نقوم بإجهاض ثورة كلفتنا ألآلاف من فلذات أكبادنا. ولكن ها قد بطل العجب، بعدما عرفنا السبب!


           *** بَطـُلَ التعجُّبُ ***    

بَطُلَ               التعجبُ        بعدما

ظهر             الخُراجُ        فأزكما

من        أجل       ماذا      حربُكم

هذي       التي      اصطبغت    دما

من         أجل        ماذا      بذلُكم

لو         لم         تريدوا    المغنما

الغُنمُ              غايةُ          أمركم

ولئن            أهالَ           مغارما

والظلمُ            ديدنُ          فعلكم

كبراءَكم                       وحمائما

مَن            أسكرتهُ          مطامعٌ

لا        يرعوي         أن     يظلما  

                **********

هذا            الخراجُ          علامةٌ

أعطت            دليلاً         صادما

أن      الذي          في       جوفنا

أبداً             يُتيحُ             تقدما

فهو        الذي         قد      شدَّنا

نحو            الوراءِ          وآلما

لابد            من           تطهيرهِ

جرحٌ          غدا           متورِّما

                 ***********        

تلك          الشراذمُ          بئسهم

كم           يدمنون           تبرَّما

قفزوا          على          شهدائنا

واتخذوهم                       سلَّما

لعبوا          على          أوجاعنا

وبئيسِ           حالٍ           خيَّما

قالوا         لنا:        إنا        لها

عهداً          سنحميهِ        الحمى

لبسوا           قلادةَ          ثورةٍ

وبها       استحلّوا        المحرما

صار     الحمى      نهباً      لهم

واستثمروه                الموسما

خانوا        الأمانةَ         ويلهم

تخذوا      الوديعةَ          مغنما

             ***********

تبّاً         لهم        من     شلةٍ

بهتانها           بلغ         السَّما

هم           يدَّعون           بأننا

كنا           قطيعاً          سائما

هم      حرروا     هم      أنقذوا

ذاك          القطيع        الهائما

محضُ         ادعاءٍ        باطلٍ

قد            أدمنوهُ         توهُّما

            ***********

ها        قد        بدا     إخفاقكم

مهما          اعتليتم          قمما

ها       قد       بدت     جيناتكم

تُـبدي      "الجنومَ"      المجرما

ها       قد       بدت    أطماعكم

تطوي        الغشاء        المعتما

بانت            لنا         أوحالكم

تطفو     على      هذي      الدِّما

ما       عاد     يجدي       زيفكم

بعد      الذي       منكم        نما

             ***********  

كلا       ولا       كلا         ولا

الغُنمُ         يضحى        مَغرما

لا      لن      تُصادرَ       ثورةٌ

بذل      الجميع       لها     الدِّما

لا       لن      نسير       وراءهُ

فردأً            يريد         تحكَّما

لا     لن       نصدق       قولهُ

ولئن           تعلق        بالسَّما




 محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com
http://libyanspring.blogspot.com
https://www.facebook.com/moh.a.shebani

السبت، يوليو 19، 2014

حقا إنها ليست قبلية، ولا أيديولوجية؛ إنها محض قذافية!

كلا إنها ليست قبلية، ولا أيديولوجية، ولا أخلاقية؛ إنها محض قذافية!

درجنا خلال كل الفترة التي أعقبت الثورة على نظام القذافي على وصف ما يدور من صراعات ناعمة وخشنة بين القوى الفاعلة على الأرض، بأنه صراع قبلي جهوي، أو أيديولوجي حزبي، وكان دليلنا على ذلك هو فقط ما يعلقه هؤلاء الفاعلون من شعارات قبلية أو فكرية أو حتى أخلاقية.

إن رفع علامة الأيديولوجيا، والتلويح بشعار القبيلة أو المنطقة، وغيرهما من شعارات أخلاقية من مثل الكرامة والتحرر وغيرها والدعوة إليها، هو إجراء لابد منه لكل صاحب نشاط اجتماعي أو سياسي، ذلك أن كل مشروع اجتماعي حقيقي ليس له من هدف سوى جعل الشعارات التي يحملها تؤثر إيجابيا في الوسط الاجتماعي المحيط.

وحتى تتحقق هذه الغاية الاجتماعية النبيلة يتحتم على أصحاب المشروع الاجتماعي أن يبذلوا قصارى جهدهم في اختيار أفضل السبل وانتهاج أجدى الخطط التي تضمن النجاح المحتم لمشروعهم الاجتماعي الكبير.

ولعل من أبرز العلامات على نجاح العمل الاجتماعي أيا كان نوعه،  هو تحقق اطراد وزيادة كثافة النسيج الاجتماعي حوله، وتشكل هذا النسيج في دوائر متناسقة ومنسجمة فيما بينها، وحتى مع غيرها من دوائر العمل الاجتماعي الأخرى الوطنية والإقليمية، وحتى  العالمية.

دكتاتورنا السابق القذافي حطم الأرقام القياسية في حمل الشعارات الأيديولوجية والوطنية والقومية والدينية والقارية وحتى الأممية العالمية؛ فسمى نفسه بالأمين على القومية العربية، وأطلق على  نظريته السياسية اسم النظرية العالمية الثالثة، ونادى بأن القرآن شريعة المجتمع، وغير ذلك من الشعارات التي أفلح في تضخيمها وتزيينها وبهرجتها، ولكنه فشل فشلا ذريعا في جعل هذه الشعارات قادرة على بناء وتشكيل الدوائر المنسجمة والقادرة على تحقيق ما يحمله قائدها من شعارات لم تكن خلال العقود سوى سراب حسبته الجماهير المغيبة والمغرر بها ماء.

 وحتى نكون منصفين فإنه لابد لنا من افتراض وجود نية تحقيق أهداف المشروع الاجتماعي والسياسي لدى صاحب هذا المشروع وكذا الدائرة الصغيرة المحيطة به، إلا أنه لسبب ما تعجز هذه الدائرة عن ولادة دوائر أخرى تصل بالمشروع الاجتماعي إلى غايته المنشودة المحققة لأهداف وتطلعات كل أفراد المجموعة التي وضع المشروع الاجتماعي والسياسي من أجلها.

عجز القذافي ودائرته الصغيرة المتكونة من أفراد عائلته وأعضاء خيمته عن تكوين الدوائر الاجتماعية اللازمة لتشكيل هيكل مشروعه الاجتماعي الكبير، وظل ذلك المشروع طوال العقود تظهر عليه علامات الحمل الكاذب التي لم تزده إلا ترهلا وتورما أديا أخيرا إلى سقوطه ذلك السقوط المدوي الكبير.

في أرض جرداء من المشاريع الاجتماعية كالأرض الليبية التي صحرها القذافي وغطاها غبار انهيار مشروعه العقيم، يبدو من المعقول افتراض وجود بذور المشاريع الاجتماعية والسياسية الشبيهة بمشروع القذافي والحاملة لجيناته.

معظم القوى العاملة على الأرض الليبية الآن تحمل كما حمل القذافي ودائرته الأولى الشعارات الكثيرة من قبلية وأيديولوجية وغيرها، وها هي مع مرور الوقت تبدو عليها بوضوح الصفة الوراثية القذافية السائدة، والمتمثلة في ظاهرة تعاظم الشعارات في مقابل انكماش العمل الإيجابي لحاملي هذه الشعارات، وكذا انعدام فرصة تشكل وولادة دوائر أخرى قادرة على تحويل تلك الشعارات إلى إنجازات.

ها هي ملامح القذافي وسلوكه الدكتاتوري الاستبدادي التسلطي نراه في وجوه كثيرة قذف بها إلينا طوفان الثورة، وها هي خيمة القذافي نراها تلد مئات الخيمات.

نفس الوجوه، ونفس الأسماء، ونفس الدائرة الضيقة نراها هنا وهناك، ولا نرى وجوها جديدة أو أسماء جديدة أو دوائر جديدة تفرز نخبة جديدة، وتتبنى وتنفذ مشروعا واعدا مفيدا، وذلك رغم تكاثر الشعارات، وانصرام الأوقات. وعلى العكس من ذلك نرى تلك الوجوه تتربع وتتصدر المشهد، ونرى تلك الشعارات تعربد، ولا شيء غير ذلك.

خلاصة القول أن كل منتجات الأعمال الاجتماعية والسياسية بمختلف أشكالها التي ابتلينا بها سواء أيام القذافي أو خلال أيام ورثته الحاليين، لم يجن المجتمع الليبي منها إلا الخسائر والنكبات، وما من مستفيد من هذه المشاريع سوى أصحابها والداعين إليها، وكفى بهذا دليلا على صحة هذا الافتراض.
  
لا تظلموا القبيلة وتلصقوا بها ما يفعله كبراء الكتائب وأعضاء الدائرة الأولى المحيطون بهم المنتسبون إلى تلك القبيلة!

لا تظلموا الأيديولوجيا وتلصقوا بها ما يفعله كبار حاملي شعاراتها وأعضاء الدائرة الأولى المحيطة بهم!

حقا إنها ليست قبلية، ولا أيديولوجية؛ إنها بالقطع قذافية!

محمد عبد الله الشيباني

الأحد، يوليو 06، 2014

لأنها ثورة شعبية

لأنها ثورة شعبية؛ لذا تحتم عقابها شعبيا!

أجل؛ ألم يقولوا، ولا زالوا يقولون: الجزاء من جنس العمل؟!

لقد عشت العقود الأربعة لحكم الدكتاتور القذافي مواطنا بسيطا، أخذ حصته من كل ما كان يقذف به هذا الدكتاتور من صنوف العقاب تجاه شعبه الذي استضعفه إلى درجة اتخاذه فأر تجارب لما كان يدمنه ذلك الدكتاتور من إبداعات فطرية، تبدأ في خياله المريض مجرد خاطرة عابرة واهية ساذجة، ثم ما يلبث أن يقذف بها القائد الملهم إلى الصف الأول من أعوانه الذين ما كانوا يوما سوى شبكة من الموصلات والروافع الصماء العاملة في اتجاه واحد، والمنفذة لوظيفتها الوحيدة، وهي إجبار الشعب على تطبيق كل ما يخطر على القائد من خواطر، مهما كانت تكلفة ذلك، وأيا كانت نتيجته.

تلك العقود الأربعة الطويلة المرهقة، كانت أكثر من كافية لعقاب الليبيين على ما مارسه معظمهم من بساطة وسذاجة بالغة في تسليم رقبتهم لضابط صغير مقامر انقلابي، وخذلانهم لملك مؤسس، عريق النسب، ناضج الفكرة، واضح المنهج.

كان العقاب شاملا، فقد شمل وجبة الطعام، ووجبة الثقافة والوعي، بل والتحكم في مستقبل ومصير شعب يمتلك مقدرات هائلة، تم حرمانه منها، جزاء إذعانه، والسير وراء انقلابي أخذته العزة بالإثم، فتكلف في تطبيق ترهاته بتعسف بيَّنٍ ظاهر.

ولأن الضغط لابد وأن يولد انفجارا، فقد حدث الانفجار، بل وكان انفجارا شعبيا، وكان عقاب الدكتاتور ومن أعانه على إفكه شعبيا أيضا وواسع النطاق.

أحسن ما أنتجه الانفجار هو سقوط النظام الدكتاتوري، إلا أن أسوأ ما نتج عن الانفجار هو ما بيَّته الدكتاتور نفسه من مكر سيئ جعل ليبيا من بعده جمرا، كما أبان الدكتاتور صراحة في خطابه الناري المعروف!

أهم ملمح من ملامح الجمر الذي أوعدنا به حاكمنا السابق إذا أسقطناه، هو ما نعيشه الآن من تمزق وتشرذم وبأس بيني مؤلم  شديد.

ليس هناك أدنى شك في أن بأسنا هذا الذي نعيش، إن هو إلا ذيول الحقبة الدكتاتورية المظلمة، وهو شكل من أشكال العقاب الشعبي الذي رتب له الدكتاتور وأعوانه بعناية. هذا البأس من الممكن التخلص منه شيئا فشيئا إذا لم يتم تأجيجه عن بعد من طرف ثالث له القدرة على ذلك، وذلك بما سرقه من مقدرات ليبيا، وبما سيطر عليه من عقول من غرر بهم وورطهم من الليبيين البسطاء.

إن ملامح العقاب الشعبي الواقع بنا حاليا لا تكاد تخطئها عين؛ حيث إن العقوبات جميعها؛ من انعدام أمن، وانقطاع كهرباء، وشح وقود، وعمليات اختطاف واغتيال، وهدر إمكانيات، كلها موجهة إلى سواد الشعب وعامته، تصديقا لمن أوعد، وربما برا به!

إن مَن ألحق الضرر بالشعب الليبي، وساهم في إهدار مقدراته والتضييق عليه خلال العقود الأربعة العجاف، ولو بالركون إلى الدكتاتور وممالأته، لهو يحمل وزر المشاركة في الحرب القديمة الجديدة على الليبيين، وعليه التوبة والندم على ذلك، وذلك بنزع يده من أيدي ممن يقترفون هذه الحرب بدعاوى ومبررات واهية.

لا يحتاج منا إلى كثير ذكاء أن نفهم بأن الذين يتزعمون ويمارسون عن بعد الحرب الخفية والظاهرة على الليبيين، إنما ينفذون عقابا شعبيا عاما، ويمنعون الليبيين من إقامة دولتهم التي كلفتهم الكثير. إن هؤلاء لا يريدون أن يعودوا إلى ليبيا إلا حكاما، تماما كما تعودوا طيلة العقود الطويلة العجاف.

أما الذين يريدون أن يعيشوا في ليبيا كمواطنين عاديين يتقاسمون مع إخوانهم مسؤولية إدارة الدولة، عليهم التحرر من أغلال الذين غرروا بهم، وإزالة غراء التبعية المقيت الذي يربطهم بذيول من لا زالوا يحلمون بحكم ليبيا على الطريقة التي لقنها لهم الدكتاتور السابق.     

وحتى لا أضيع وقت بعض المعلقين الذين يسارعون بوصفي بالأوصاف المجانية الكثيرة، فإنني أؤكد لهم ولغيرهم تحرري من أي هوى تجاه أي تيار سياسي تنبعث منه روائح الاستحواذ والوصاية على الليبيين تحت أي مسمى كان. ولهذا فقط كنت ولا أزال أكره القذافي وجماهيريته؛ المثل الأبشع لاستعباد الناس والوصاية عليهم.

محمد عبد الله الشيباني

الثلاثاء، يوليو 01، 2014

مقاول إجهاض الثورة

مقاول إجهاض الثورة، حاصره الوقت، فتجاهل كراسة المواصفات!

مقاول إجهاض الثورة الليبية الشعبية، لم يرق له من أدوات وطرق إجهاض الثورات الكثيرة المعروفة، سوى طريقة واحدة، وهي طريقة قتل وترهيب كل من ساهم أو يمكن أن يساهم في إقامة صرح الدولة الليبية، والتي هي العلامة الأوضح على نجاح الثورة المحقود عليها من قبل الذين تعاقدوا مع هذا المقاول المتوحش، وكلفوه بإجهاض الثورة الوليدة بأي طريقة ممكنة.

وككل عقد مقاولة، لابد أن هناك كراسة مواصفات ملحقة بهذا العقد، وهي كراسة اتبع المقاول شروطها بدقة في بداية تنفيذ مهمته الخبيثة، حيث قام فقط بقتل أشخاص منتقين بعناية واضحة من قبل أصحاب الصفقة الحاقدين الموتورين.

مقاول إجهاض الثورة وهو يسعى إلى منع قيام الدولة منحته العقبات الكثيرة التي أخرت قيام الدولة مدى زمنيا إضافيا جعله يشعر بأريحية وهو ينفذ عقد المقاولة وفق كراسة المواصفات الموضوعة، إلا أن ظهور بوادر إحراز الثورة لاستحقاقاتها من دستور ومجلس برلمان وتشكيل حكومة، ضيق كل ذلك على المقاول كثيرا؛ فالمئات من عمليات القتل السابقة وفق كراسة المواصفات الموضوعة لم تفلح في إحداث النتيجة المطلوبة، وتحقيق هدف عقد المقاولة، وليس أمام المقاول في سبيل الوصول إلى هدفه المتفق عليه، وهو إجهاض الثورة ومنع قيام الدولة، سوى زيادة وتيرة القتل، ولو أدى ذلك إلى تجاهل بعض بنود عقد المقاولة ومحتويات كراسة المواصفات.

ظهرت عشوائية المقاول في تنفيذ مهمته بوضوح خلال الأسبوع الماضي، حيث اقترف هذا القاتل عدة جرائم قتل تضمنت اغتيال ضابط شرطة، وضابط جيش، وداعية ديني، وحقوقية، وذلك في عشوائية يصعب تفسيرها إلا بافتراض حقيقة ارتباك المقاول وانكماش المدى الزمني أمامه.

الصورة الأولى لمعالم من هم وراء الجريمة البشعة التي ينفذها مقاول الحاقدين على ثورة شعبية عارمة بغرض إجهاضها وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، كانت في أول أمرها ضبابية، إلا أن مواصفات الصف الأخير من ضحايا هذا المقاول المحترف منحت المراقب وربما القاضي ما يكفي من الثقة في إسناد هذه الجريمة للأعداء التقليديين للثورة الليبية وهم أعضاء العائلة الحاكمة السابقة والمتورطون في دعمهم حتى آخر قطرة دولار، وكذا أولئك المهووسين بالكرسي ولو كان كرسيا من قش في بركة من دماء.


حادثة مقتل الحقوقية البارزة سلوى بوقعيقيص، وما أحاط به من غموض حوَّل زاوية الرؤية نحو الجهة المسؤولة عن القتل 180 درجة، حيث لم نسمع أي وسيلة إعلام أو ناشطين مدنيين أو غيرهم يكررون ما أدمنوه من اتهامات انحصرت سابقا في تداعيات الاختلافات الجهوية والأيديولوجية المحلية، واتهام الجماعات الإسلامية بالخصوص بهذه الأعمال. ولعل تصريح أخت المغدور بها سلوى بو قعيقيص بالخصوص أزال أي لبس حيال ذلك.
  
ضباط جيش وشرطة، وقضاة، وخبراء ومهندسون، وصحفيون وإعلاميون، وحقوقيون ودعاة حقوق إنسان، ووعاظ مساجد؛ هؤلاء كلهم تم تصفيتهم وفق كراسة المواصفات الذكية الأولى، والتي روعي فيها التلبيس على الرأي العام بإيهامه بأن تيارا محليا ما وراء هذه الاغتيالات، ولكن اضطرار المقاول إلى زيادة وتيرة القتل مؤخرا أوقعه في الخطأ القاتل وهو تجاهل كراسة المواصفات، واتباع سياسة القتل من أجل القتل، الأمر الذي أنعش ذاكرة المواطن العادي، وحوله عن موقفه السابق تجاه الجهة المتعاقدة مع مقاول إجهاض الثورة.

ربما جهات كثيرة تعاقدت مع مقاول إجهاض الثورة الليبية، إلا أن الجهة الأهم هي تلك التي حسبت أن الجماهيرية وقذافيها وفاتحها وتنابلتها سيظلون وحدهم وإلى الأبد يحلبون البقرة الليبية ولو حلبت البقرة دما ونفقت.

 محمد عبد الله الشيباني