أوفت اللوحة الذكية لفصل سنة أولى ديمقراطية بما
وعدت في نهاية الدرس التاسع عشر السابق، وجعلت من السؤال التي ختمت به الدرس
الفائت استهلالا لدرس اليوم الحالي العشرين.
هل استعد الناخبون والمرشحون الليبيون كلاهما،
بعد خلاصهما من وحل التصعيد وترهات القبيلة الجماهيرية، إلى الصعود إلى كوكب
الانتخابات المتحضرة والدولة الديمقراطية؟
لهذا السؤال عدد إجابات ربما بعدد الأصوات
الانتخابية كلها.
وللتبسيط نجيب بالقريب البسيط، وهو ما يلي:
#قمنا بإعداد قانون الانتخابات الذي ينظم طقوس
العرس ويرتب مراحله.
# قمنا بحساب
وتعداد الناخبين، والذين هم قوام العرس التاريخي الكبير.
# سيكون من السهل، وربما من المغري، لأناس ميسورين
كثيرين التبرع بطباعة البطاقات الانتخابية، وذلك مهما بلغ عددها، وغلت طباعتها.
#
كما أنه ليست هناك مشكلة البتة في لوجيستيا العرس وبروتوكلاته
وبروبوغانداته، فكل ذلك متيسر سهل متاح.
ما المشكلة إذن؟
أجل. هناك مشكلة بلغت من اللطف والدقة حدا
حال دون رؤيتها بالعيون، كما بلغت من الأهمية والخطورة مبلغا قد يجهض العرس
الديمقراطي الوطني كله وينسفه!
هذه المشكلة ذات قوام معنوي شفاف، وهي بهذا
ليست سلعة يتم تداولها في أسواق السلع، أو مقايضتها بذهب أو عملات، كما أنها لا
تورث ولا تستعار.
هذه المشكلة اصطلح العشاق على تسميتها بالحب.
ــ حب إيه! قال أحدهم بصوت خافت.
ــ أجل الحب والوفاق المتبادل بين العريس
وعروسه. ردَّ المأذون. وأضاف قائلاً:
ألسنا في عرس وطني كبير!
ألسنا نقوم ولأول مرة بزف أمنا ليبيا وهي
مبتسمة منشرحة الأسارير؟
ألسنا ولأول مرة في التاريخ نمسك بصوت
انتخابي حقيقي غير منقع في وحل التغرير والتزوير؟
ألسنا ولأول مرة نرشح شخصا من بيننا لا نعلم
أينجح هو أم غيره، وقد كنا سابقا نلقن تلقينا إجباريا أسماء الناجحين، والذين يتم
إجلاسهم على كراسيهم عشية يوم التصعيد، وربما قبل ذلك بكثير؟!
ــ ولكن ما دخل الحب في طقوس العرس وترتيباته
وإجراءاته، والحال أننا كنا نعقد أعراسنا الجماهيرية التصعيدية السابقة دونما أي
وجع رأس بهذه المشكلة الطارئة؛ الحب!! . قال أحد العرسان وهو يفتل شاربيه، ويتحسس
أشياء مشبوهة تحت إبطيه.
ــ إنها إجراءات جديدة طارئة أصر على ضرورة توفيرها
هذا المأذون الفبرايري المعقد العنيد. رد عليه آخر.
ــ لماذا يا أيها المأذون تفعل هذا، وتنغص
علينا فرحتنا بعرسنا الليبي الكبير؟ تساءل ثالث.
اعتدل المأذون في جلسته، وتفحص أوراقا كثيرة
بين يديه، وبدأ طقوس العرس بالمعروف والمعهود من كلمات، ثم صمت برهة، وصمت الجميع
ترقبا لما سيقول.
فجأة نهض المأذون، على غير عادته في أحوال
كهذه، ورفع صوته بعبارة هزت الجميع وأرعبتهم:
ــ ليبيا لم توكل أحدا من الحاضرين ينوب عنها
ويتكلم باسمها.
ــ كيف! لا يمكن. لابد من وكيل. ردد مستغربا
أحد الحاضرين.
ــ ليبيا وكلت أبناءها الشهداء الذين كتبوا
بدمائهم الوصية التالية:
"عروسنا ليبيا التي أبى
مغتصبها تخليصها وتسليمها لنا إلا بعد أن سكر حتى الثمالة بدمنا، هي حرام حرام
حرام على أي عريس تأخر عن موكبنا إلا بحقها "
أجاب المأذون.
مضى وقت ليس باليسير قبل أن يسترجع الحضور
أنفاسهم، ويفيقوا من وقع الصدمة التي ألقت بها الوصية الثقيلة المزلزلة.
وقبل أن يتكلم أي من الحضور المتلهفين لمعرفة
حِلِّ ما حرم المأذون، بادر المأذون، وقال بصوت أجش:
أيها العرسان المتحفزون، اسمحوا لي بتأويل
الوصية وشرح مضمونها:
#
عروسنا ليبيا شبَّت عن الطوق، وما عاد يغريها فستان عرس مطرز
بأغلى جواهر الأرض، كما لا يثيرها ما يثير العرائس اللاتي تعرفون.
#
عروسنا ليبيا التي سنقيم عرسها المشهود في يونيو القادم، هي عذراء
مكسور خاطرها جراء ما تعرضت له من أفظع عملية سبي واختطاف واغتصاب عرفتها عرائس
الأرض.
# عروسنا ليبيا أم ذبح أبناؤها في حجرها، وغطى دمهم
المسفوح وجهها ويديها.
#
عروسنا ليبيا زوجة ترملت في عز شبابها.
#
عروسنا ليبيا لن تفتح خدرها الموصد بابه بجماجم عشرات آلاف
الضحايا من أبنائها إلا لذلك العريس الحافظ عن ظهر قلب أسماء فلذات كبدها
المغدورين، متعهدا بالبر بهم وتنفيذ وصاياهم دونما تبديل أو تأويل.
#
عروسنا ليبيا لن ترفع رأسها في وجه أي عريس مهما بلغت أناقته
ووسامته، ولن تفتح معه حديثا مهما بلغت ذلاقة لسانه وعذوبة ألفاظه، دون أن تضع
يدها على قلبه، وتجس إيقاع نبضاته، وتقرأ بصمات وجدانه وفؤاده. فإما كان ذا قلب
أبوي رحيم؛ فقبولٌ وعناق، وإما كان نفعيا متلونا خداعا؛ فصدٌّ وطلاق.
#
عروسنا ليبيا لن تمد يدها لأي عريس قبل أن تشم يد هذا العريس،
وتدرك بحاسة الأمومة لديها أن هذه اليد لم تلتصق بها رائحة دم حرام من دماء
أبنائها، أو تفوح منها رائحة هتك عرض لأحد منهم، أو أن هذه اليد قد نهبت أموال
اليتامى المغبونين.
# عيون عروسنا ليبيا شديدة الحساسية لأي لون رمادي،
وبأي درجة كان، ولن تقبل بأن يكدر لون فستان فرحتها الناصع البياض بياض قلبها
العذري الشفيف بأي لون له صلة ما باللون الرمادي المنافق الخداع.
# عروسنا ليبيا تمنعت طوال العقود وتبتلت حتى شاب
مفرقها، وذلك ترفعا من أن يلوث طهرها فاقد غيرة عديم وفاء لها ولفلذات أكبادها.
# عروسنا ليبيا سبق وأن حملت خارج رحمها، وأنجبت مضطرة
أبناء عاقين تعرفهم ويعرفونها، وسوف تغلب رحمتُها بهم حنقَها عليهم، إذا ما بادروا
بالتطهر من عقوقها، وسارعوا إلى استرضائها.
# عروسنا ليبيا سوف لن يحضر عرسها أي من صويحباتها
ولداتها من بلدان كثيرة، وذلك لتأخر تاريخ فرحها طويلا، وهي بهذا لن تضيع وقتا
ثمينا مع الحضور، ولن تقيم شهر عسل كما تفعل كل عروس، وسيكون يوم صباحيتها هو يوم
بداية التقويم الليبي الديمقراطي، وانطلاق صافرة الركض الحضاري الذكي الرشيد.
# عروسنا ليبيا سئمت العرسان من ذوي الشوارب الطويلة
والمناكب العريضة المتفاخرين بزي وتراث القبيلة المتشامخين بتاريخها المصنوع
والموضوع حتى زاحمت قبيلتهم الصغيرة
القبيلة الكبرى، ليبيا، وملأت قلبها غيرة متأججة ولعقود طوال، بل وقذفت بها
في غياهب النكران والعقوق.
أيها الليبيون في مايو المقبل سيستضيفكم سجل
جينز لا محالة، ولكن في أي صفحة يضعكم يا ترى؟
هل سيمنحكم لقب الدولة الأسرع تعافيا
ديمقراطيا بعد أسوأ غيبوبة دكتاتورية.
أم سيسميكم الشعب الأبطأ حبوا في مضمار
الديمقراطية.
والأكثر هوى للفوضى وعدم الالتزام.
والأشد تعلقا بالطغاة والمستبدين.
والأشد تلذذا وانتشاء بأوحال من ساموهم الرق
والعبودية.
سؤال في غاية الأهمية،
وإن أجدر جهة بالإجابة عنه هي تلك الجهة التي حملت على عاتقها مسئولية العملية
الانتخابية الليبية الأولى، توقيتا وتعبئة وتنفيذا.
النخبة المثقفة هي
الجهة الثانية في سلم المسئولية على نجاح أو فشل هذا المشروع الحضاري الخطير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق