الأحد، سبتمبر 29، 2013

تبا لنا عجزنا عن مجرد الولولة!

تبا لنا. عجزنا حتى عن مجرد الولولة!

ما هو الفرق بين سكوتنا حتى عن مجرد الولولة عن جرائم القذافي الجبار، وبين سكوتنا الآن عن جرائم من هم أضعف بكثير من القذافي؟!
الفرق بيِّنٌ واضح؛ وهو أن القذافي اقترف جرائمه وهو محتميا بالدرع السياسي والأمني الذي صنعه لهذا الغرض. وكان مبررنا ونحن لا نبدي حتى مجرد الولولة على قتلانا آنذاك، هو بطش القذافي ومكره!
أي مبرر لنا الآن، ونحن أمام مجرمين وقتلة أصغر وأقل مكرا من القذافي ألف مرة؟!
أقول هذا لأنني لم أعد أصدق أن من يقترف الخطف والقتل الآن هم مجرمون محترفون ومساجين جنائيون سابقون. كما لم أصدق أن الصبيان القتلة الذين يضربون ويهربون هم من ذوى الأجندات السياسية المضادة.
كفانا تغطية لعين الشمس المتوهجة بغربالنا البالي المهترئ!
الذي يقوم بجرائم السرقة بالإكراه والاغتصاب والقتل هم "منا فينا"!
أجل إن من يفعل ذلك هم بعض أبنائنا الذين نكلمهم ويكلموننا، ويأكلون ويشربون معنا، ثم يغيبون عنا لبعض الوقت، فيختلطون بآخرين، ربما كانوا أبناء جيراننا ومعارفنا. وهناك يتكلمون بغير الأبجدية التي نعرفها، وربما يتناولون طعاما وشرابا غير ما عودناهم عليه، ثم يحدث بعد ذلك ما يحدث.

هل من حل حتى جهوزية الشرطة ؟
حيث المدن الكبيرة، وحيث تكثر الجريمة وتعربد، نبدأ بالشيء البسيط وغير المكلف، وهو تشكيل مربعات اجتماعية على هيئة حي، أو قبيلة، أو مربع جغرافي معين، ثم نقسم هذه الكيانات المحلية إلى كائنات أصغر، عائلة مثلا، ونأخذ من كل كيان صغير من ينوب عنه في مجلس الحي الكبير.
مجلس الحي باحتوائه كل أعيان الحي يستطيع ان يفعل الكثير فيما يتعلق برصد مواقع الشبهة، وتحديد بؤر الجريمة داخل الحي وتطويقها، ومن تم وضع دائرة حمراء على العائلة التي ينتسب إليها مقترفو الجرائم، أو حتى المشتبهون منهم، وإجبار هذه العائلة على متابعة أبنائها وتأديبهم بكل الوسائل الممكنة، أو ترك ذلك، عند استعصائه عليهم، لمجلس الحي الذي يستطيع مجتمعا فعل الكثير مما لا تقدر العائلة الصغيرة على فعله.
في غياب الشرطة والجيش وقصور الكتائب الأمنية، لا سبيل أمامنا لإيقاف الجرائم التي يرتكبها أبناؤنا سوى إشعارهم بأن عيون كل من حولهم تراقبهم، وأن عقابهم ليس عن طريق شرطة يعرفون أنها غير موجودة، أو بواسطة كتيبة ربما كانوا هم بعض أفرادها. كلا؛ فيجب أن يعلموا أن من يرصدهم ويعاقبهم هم أناس يعرفونهم ويعرفون سيرتهم، ويعرفون أيضا من يصاحبون، ويعرفون حتى ما يملكونه من سلاح.
عن طريق مجلس الحي تصبح مشكلة تسليم السلاح المتسبب الأكبر في تفشي واستفحال الجرائم العنيفة، إغراء أو تخويفا، أسهل بكثير من جمعه عن طريق متاهة البيروقراطية الرسمية.
غياب العين الراصدة الحارسة، ليس فقط يعين على ارتكاب الجريمة؛ إنه يلهم النفس الجريمة، ويمنحها الغطاء المعنوي وحتى المادي. إن منع الإلهام بالجريمة عمل مهم وغير مكلف، ووأد الجريمة وهي لم تزل مجرد فكرة، أسهل بكثير من مواجهتها وهي كائن إجرامي حي متمترس مشهر سلاحه.

أضعف الايمان الولولة:
لو عجز مجلس الحي عن فعل أي شيء إلا فعل الولولة لكفاه!
حقا، فعندما يعجز مجلس الحي عن ردع بعض المجرمين، ويفشل في التأثير على الكائن الاجتماعي الصغير الذي ينتمي إليه هؤلاء المجرمون، فلا أقل من أن يلجأ الراشدون منا الرافضون للجريمة، وهم كثير، إلى التشنيع بهؤلاء المجرمين إعلاميا، ولو بالولولة. إننا إذ نولول خير لنا ألف مرة من أن نمر بالقتيل المضرج بدماه، ثم نكتفي بإزالة تلك الدماء، ونجتمع نتسامر بمأساة الآخرين، ونعين بصمتنا المريب ذلك القاتل على محو معالم جريمته، وكأننا نقول له: سلمت يداك أعدها!

ها هم يعيدونها، شلت أيديهم، المرة تلو الأخرى، ونحن منهمكون في إقامة اعتصام وفضه، وفي تعيين وزير داخلية وإسقاطه، وكأن وزير الداخلية هو الأب الشرعي لأبنائنا، وهو المسئول الأول والأخير عن تصرفات أبنائنا الذين حقا فقدنا شرعية أبوتهم!

بُعيد صلاة الجمعة الماضية مباشرة، وعلى مسافة من المسجد لا يستطيع المصلي المتعجل خلالها إتمام معقبات الصلاة من تسبيح وتحميد وتكبير، يأتي أحد أبناء الحي الأشاوس برشاش، ويصعد على أعلى مكان بالمكان، ثم يطلق لرشاشه العنان، موجها حمم رصاصه نحو كل من يدب على الأرض من إنسان وحيوان، ومن الأسفل إلى الأعلى، وليس العكس كما يفعل من يريد أن يرهب الآخرين أو يجبرهم على مشاركة فرحه أو حزنه؛ حيث لا تستطيع هذه الأيام التمييز بين من يطلق الرصاص لإشاعة الفرح، ومن يطلقه ناشرا الخوف والرعب.

وكسرعة زخات الرصاص، انجلى المشهد وبسرعة عن قتيل ليس بينه وبين من قتله أي مشكلة سوى مشكلة تواجدهما العشوائي في مكان وزمان واحد. القتيل الشهيد ارتقى إلى مولاه، لاعنا من قتله، ولاعنا من أعان على قتله بما أهمل وقصر، وربما لاعنا لنا أيضا نحن الذين شهدنا مقتله ولم نحرك ساكنا. فارسنا الهمام القاتل لم يغادر مكان الجريمة مسرعا مرعوبا، وإنما غادره متبخترا، واستقل سيارته، التي حملته بعيدا عن ميدان القنص بعد أن أشبع هواية القنص الآدمي لديه.

أبشع ما في مشهد المأساة من ملامح:
ـــ   قيام المجرم بجريمته في ساعة ويوم مقدس وفي وضح النهار وفي حرم المسجد وأمام الملأ ودونما يتنكر أو يتستر بأي ستار.
ـــ   غفلة القتيل ومفاجأته برصاصة الغدر، حتى أنه قد جرى له ما جرى من خطب جلل، الموت، دون أن يعلم بأي أداة تم قتله، ولماذا قتل، ومن قتله.
ـــ  مرور سيارة الشرطة بالمكان ساعة وقوع الحادثة، والقتيل غارق في دمه، وعدم إعارة سائقها أدنى اهتمام لأبشع جريمة، بل لم يدفعه لذلك حتى مجرد الفضول، رغم مناشدة الحاضرين له لتقديم المساعدة.
 ـــ في اليوم التالي خلا المكان من أي رائحة لتلك الجريمة الشنعاء، سوى ما تركه الدم المراق من لون أحمر حجب لون القطران الأسود.
ـــ  بامتناع أهل الحي عن فعل أي شيء تجاه أشنع شيء، ولو الولولة، منحوا القاتل كرت الصمت عن فعلته ولامبالاتهم تجاهها، وبدل أن يملئوا نفسه خوفا مما فعل، حقنوه بمضادات الخوف من أي عقاب ومسكنات تأنيب الضمير وهرمونات تبرير الجريمة ومحفزاتها.

سيمر الكثيرون على هذه المقالة، ولطولها سوف يمتنعون عن إتمامها، فضلا عن إتعاب مخهم بما جاء فيها!

أدعو إلى استنكار هذه الجرائم، ولو بإقامة لوحة بسيطة في مكان هذا الحادث، وكذا في كل مكان تجري فيه جريمة كهذه، وذلك توثيقا لخطب جلل يجب ألا ينسى، وتكريما لمظلوم وتشنيعا بظالم، وعظة وعبرة للعاقلين.
وهذا بحق أدنى شكل من أشكال الولولة الذي نقدر عليه!!!!

أدعو للمغدور بالرحمة، وللغادر بالقصاص الإلهي العادل، ولأولي الأمر بالسداد والرشاد. آمين

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

http://libyanspring.blogspot.com

الجمعة، سبتمبر 27، 2013

جراحة جسيمة

جراحة جسيمة، ونقاهة سقيمة!

مهما اختلفنا على ما تعنيه كلمة ثورة ومشتقاتها، ومهما تباينت تقديراتنا لمدى انطباق ذلك على ما حدث في بلدان الربيع العربي من تغيير سياسي واجتماعي خطير؛ إلا أن حدث تزلزل صروح الاستبداد والدكتاتورية المزمنة، والقذف برؤوس الطغاة في مزبلة التاريخ، لا يمكن لنا أن نسميه بغير الثورة. إن مدى الاختلاف على الثورة؛ اسما وفعلا، تداعيات ونتائج، تقل مساحته تبعا لتطور ونمو وعافية الكائن الثوري الوليد، واستقراره في النسيج الاجتماعي الذي صنعه. وحتما سيتلاشى هذا الاختلاف عندما يبلغ الكائن الثوري نضجه، ويحقق كامل عافيته، ويتكلم بلسانه الثوري الفصيح.

قبل قيام الثورات، يترقب صانعو الثورات ومريدوها والمتلهفون إليها، وقت انطلاق شرارتها، وساعة صفر تحرك قطارها، على أحرّ من الجمر؛ إلا أن فرح هؤلاء لا يكتمل إلا بعد تأكدهم من تمام نجاح الثورة، وتعديها مرحلة النقاهة الحساسة المهمة.

مرحلة نقاهة الثورة، هي المرحلة الفاصلة بين وقت ولادة كائن الثورة، ووقت بلوغه العنفوان. خلال مرحلة نقاهة ثورتنا سهونا، نحن الليبيين، عن ثورتنا، ولم نرتب لهذه المرحلة، بل إننا أهملناها أيما إهمال، الأمر الذي سبب قصورأ فاضحا في فعل الثورة نفسه، بل إنه فتر واضمحل، أو كاد.

وفترة نقاهة الثورة، هي فترة شبيهة جدا بفترة المتابعة الطبية لمريض أجريت له عملية جراحية جسيمة ناجحة، وأتبعت، كما هو معروف، بفترة متابعة ونقاهة، وهي فترة إن لم نحسن استغلالها، فقد ينقلب بعدها النجاح الباهر الذي صنعه الجراح الماهر إلى فشل ظاهر، يتحمل وزره الفريق الذي استلم المريض من أطباء مساعدين وممرضين وغيرهم. إن انتكاس المريض بعد مرحلة نقاهة قاصرة ومعيبة، لا يمكننا أن نلوم عليه الجراح الذي أدى دوره بنجاح، بل يتحتم علينا شكره.

أعظم أطباء الثورة وحكماؤها هم شهداؤها، وهم أكثر من يتحتم علينا شكرهم والثناء عليهم بما بذلوا من مهج غالية من أجل إشعال جذوة الثورة. وأمام أرواح هؤلاء الشهداء يجب أن نصرح بأسفنا نحن الأحياء الأوصياء على ما اقترفناه من قصور تجاه الثورة في فترة نقاهتها. درجات ذلك الأسف ومستويات المسئولية تتطابق مع تلك الدوائر المحيطة براية النصر، ثم الأقرب فالأقرب.

كان من أدنى درجات الواجب على من أخذ على عاتقه صياغة خطاب التحرير قبل سنتين من الآن أن يضع  قضية فترة نقاهة المولود الثوري في قلب ذلك الخطاب، وأن يضع في ذلك الخطاب أجندة واضحة لتلك المرحلة الهامة.

خلا ذلك الخطاب من أي إشارة إلى فترة نقاهة الثورة، أو بداية العد التنازلي لساعة انطلاق قطارها بسرعته القصوى، بل على العكس من ذلك فقد أرخ ذلك الخطاب لبداية العد التصاعدي لتفاقم حالة اعتلال الثورة وقصورها عن تحقيق ما عولناه عليها.

أينما وضعت يدك الآن على جسم الثورة العليل الممدود، فلا تلمس إلا دمامل وتقرحات، وأحيانا قرقرينا لا يجدي معها إلا البتر دواء!

أن تأتي متأخرا خير من عدم المجيئ. وما دام المرور بفترة النقاهة برزخ حتمي بين ساعة تفجر الثورة، ويوم بلوغها رشدها وعنفوانها، فليس أمامنا من حل سوى تركيز مركبات النقاهة من كتابة الدستور، وبناء المؤسسات السياسية والأمنية والإدارية، ووقوفنا وجها لوجه أمام الكثير من مسئولياتنا الثورية التي تنصلنا منها سهوا وعجزا أحيانا، وتسيبا أحايين كثيرة.

ونحن نتحلق محوقلين حول كيان الثورة من أجل محاولة علاج جروحه وإنعاشه، يجب علينا التطهر من كل ما يؤذي الثورة، وتعقيم أيدينا وأرجلنا، وتطهير قلوبنا من كل الأدران والأرجاس التي بلغنا غاية طهرنا منها ونحن نتسابق إلى الشهادة من أجل الثورة على الظلم والتسلط، ثم بلغنا غاية التلوث بها ونحن نتصارع على الغنائم الزقوم من مال وسلطة ووجاهة!

ونحن نأتي متأخرين جدا إلى غرفة نقاهة الثورة، يتحتم علينا إعادة الاصطفاف، ومعاودة الفرز، وإزاحة كل الانتهازيين والمنتفعين الذين أسعدهم ما عليه حال الثورة من سقم وضعف، بل وجعلوا ذلك مطية لهم للوصول إلى غاياتهم الدنيئة.

في مرحلة نقاهة الثورة تقترب الثورة من الدولة حتى درجة التماهي، ويصبح كل من أفتى لنفسه تحت أي مبرر بإبطاء أو عرقلة قيام الدولة، أو استغل ذلك في تمرير مصلحة وتحقيق وطر، كما لو أنه قام بقطع إمدادات الحياة والشفاء لجسم الثورة الواهن الضعيف.

بدءا من المخالفة البسيطة لإشارة مرورية، ومرورا بزرع الأذى في شوارع الناس وبيئاتهم السمعية والبصرية وحتى الوجدانية، وانتهاء بالجريمة السياسية والأمنية والاقتصادية؛ كل ذلك لا زال الكثير من الليبيين يمارسه بنيات مختلفة، ولكنها تجتمع كلها على تغليب الوطر الشخصي الفئوي الشللي الغريزي على إنعاش جسم الثورة المنهك، وقيام هيكل الدولة المحطم.  

نسأل الله العفو والعافية.

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

http://libyanspring.blogspot.com

الاثنين، سبتمبر 23، 2013

غثيان!

غثيان!

الغثيان الذي تسببه متابعة الإعلام المصري هذه الأيام لا يسلم منه أحد، ولو أنه بالغ في لجم ردات فعله، وثبط محفزات القابلية للتقزز والغثيان لديه. ومهما حاولت افتراض حسن النية لدى الكثير من إعلامي القنوات، وخاصة منهم مديرو اللقاءات والبرامج الموجهة لتبرير انقلاب السيسي، تجدهم يصرون على اقتراف القرف، وحقن المشاهد بجرعات مركزة مفرطة من مركب الغثيان الذي تم تطويره مؤخرا في مراكز بحوث صناعة القرف الإعلامي المصري الموسوم بلوغو ماركته التجارية الشهيرة: الحرب على الإرهاب!   

مذيعة السي بي سي رشا نبيل، وهي تحاور جراح القلب العالمي المصري مجدي يعقوب، آثرت بمكرها الإعلامي الرخيص أن تأتي بسؤالها الأخير المحتوي على أكبر جرعة غثيان إعلامي في ختام المقابلة الطويلة المرهقة مع هذا الرجل الذي جاوز الثمانين من عمره أو شارف.

رشا تسأل: ماذا تتصور أن يكون عليه رئيس مصر القادم؟

مجدي يجيب: رئيس مصر القادم يجب أن يكون قريبا من الشعب متحسسا لأوجاعه قادرا على نظمه في عقد واحد.

رشا تسأل: هل تتصوره شابا أم كهلا أم ماذا؟

مجدي يجيب: المهم هو قدرته على إلهام الناس وإقناعهم بالمكان الذي يقودهم إليه.

رشا بلغة حواس مشبوهة مفضوحة تكرر السؤال: من تتصور أن يكون ذلك الرجل؟

مجدي وهو يهرب من مراودة رشا المركزة يجيب: لا يهم الاسم ولا الشكل ولا السن؛ الذي يهم هو صلاحية وقدرة هذا الرئيس على امتلاك قلوب مواطنيه دون استثناء، واعتبار المواطن، أي مواطن، هو اللبنة التي لا يقوم صرح الوطن إلا بها.

رشا، وهي تعلي جرعة مراودة الرجل العجوز تصر وتسأل: لدينا رجل تنطبق عليه هذه الصفات!

مجدي يضع عينيه في الأرض خجلا وربما غثيانا ويجيب: أنا رجل أقضي كل وقتي في قراءة علوم الطب، وأعتبر نفسي جاهلا سياسيا، ربما غيري من يحسن الإجابة عن هذا السؤال.

رشا تغلق الأبواب وتنزع كل ما عليها من أنيق الخطاب  وتسأل: إيه رأيك في الفريق السيسي بقــــى؟!!!

مجدي يقطع كل حبال أمل رشا في تخدير جراح القلوب، ويصر على عدم مشاركة رشا عهرها الإعلامي بالترويج المجاني لجنرال نهم متهور.

وتنتهي الحلقة بانتصار العقل الديمقراطي الحر المفتوح على عقل رشا الذي صنعته جيناتها ومورثاتها الاستبدادية الفرعونية المخجلة!    

ولأنني نلت من ذلك الغثيان ما نلت، ففي ترجمتي للحوار قد تصرفت، إلا أنني رشا ما ظلمت!

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

http://libyanspring.blogspot.com

السبت، سبتمبر 21، 2013

أجهزة التنبيه عاطلة

انتبهوا! أجهزة التنبيه عاطلة!

ليس هناك صوت أرعب من صوت جهاز التنبيه، أيُّ تنبيه، بدءا من صوت منبه الساعة، وانتهاء بصوت التحذير من قرب انفجار بركان يتحامل، أو موجة تسونامي تتعاظم!

وليس هناك من شيء في عالمنا الذي نعيش إلا وينتصب عليه جهاز تنبيه ملتهب البريق مزمجر الصوت، حيث يقع هذا الجهاز في نقطة زمنية نحيلة حادة تفصل بين مدائين زمنيين؛ أحدهما واسع رحيب، والآخر ضيق مرعب كئيب!

لابد من سماع أصوات أجهزة التحذير رغم زلزلتها للقلوب، ولابد من رؤية مؤشراتها رغم خطفها للأبصار. أما تغطية هذه الأجهزة وحجبها، وصم الآذان عن أصواتها، فهو بحق المصيبة الكبرى والكارثة العظمى!

من منكر ما يؤثر على بعض سائقي سيارات نقل الركاب النزقين قيام هؤلاء السائقين بوضع قطعة قماش معتمة فوق مؤشر عداد السرعة، وذلك لحجب قراءة العداد عن بقية الركاب الذين غالبا ما يبدون تذمرهم، وربما خوفهم من جريمة السرعة العالية التي يقترفها الكثير من السائقين المتهورين.

القيام بحجب مؤشرات عدادات قياس حجم الخطر، وكتم صوت إنذار وقوع الكارثة، أو غض الطرف وصم الأذن عن ذلك، لهو بحق تصرف ينم عن نفسية مريضة وعقل معتل. ذلك أن النفس السوية والعقل السليم لا يستقر لهما حال حتى يستشعرا ما حولهما، ويقوما بالإجابة عن كل سؤال يوجه إليهما.

طبقات وأحزمة الخطر التي تحيط بنا وتطوقنا أكثر من أن تُحصى، وسيل كوارثها على امتداد ساعات الليل والنهار أكبر من أن يخفى.

الخطر السياسي والاجتماعي والاقتصادي جاثم داهم، وأبواقه المرعبة ومؤشراته المتوهجة لا يهدأ لها حال، إلا أن كبراءنا السياسيين والاجتماعيين آثر معظمهم أن يفعل فعل سائق السيارة النزق الذي يتعمد دفن عينيه في تراب الغفلة، ويتصنع الجهل بما يضطرم به عداد السرعة من خطر، وما يصرخ به من تحذير.

في أحزمة وطبقات الخطر الأدنى مما يزخر به المحيط القريب من كل منا، حيث الشارع والمدرسة والمستشفى وحتى البيت، والتي تقع جميعها في دائرة قدرة ومسئولية المواطن العادي، ترانا أيضا نفعل فعل كبرائنا، ونقوم بدفن وعينا في تراب التغاضي واللامبالاة، بل وحتى استمراء وقبول ما تغوص فيه أرجلنا حتى الركب من منكر الفعل والقول، والذي من علاماته ما نراه من فساد سائد، وشر شائع منتشر!

عامان من الديمقراطية وحرية العمل والقول، ولكننا لا نكاد نلحظ خلالهما أي فرق في تعاملنا، نحن الليبيين الثائرين على المنكر والفساد، مع كائنات المنكر والفساد.

كائنات كثيرة للمنكر والفساد في مدى نظر وقدرة المواطن العادي، إلا أن هذا المواطن، عامدا أو عاجزا، يتخطى هذه الكائنات، ولا يبدي نحوها أي شعور بالكره، أو يمارس تجاهها أي فعل بالمنع والتصدي. التشخيص حسن النية يصف هذا المواطن بأنه لا يملك أجهزة تحسس هذه الكائنات، أو أنه يملك هذه الأجهزة ولكنه يتكاسل عن النظر إليها وشغل باله بها. كلا الحالين سيء، بل وسيئ جدا!

نعلي عقيرتنا بطلب حقوقنا على الوطن، ممثلا في الدولة وأجهزتها، بل ومطالبين أحيانا بإسقاط الحكومة، إلا أننا نلوذ بالصمت ونتظاهر بالعمى عند مواجهتنا بقائمة واجباتنا نحو الوطن.

لنبدأ بإنجاز السهل من هذه الواجبات، وأسهل هذه الواجبات هو ألا نكون شهود زور ونحن نسمع أصوات أجهزة التحذير تصرخ بأعلى صوتها حولنا، وتحت أرجلنا، وفي بيوتنا، وشوارعنا، محذرة من ارتفاع أكوام الأخطاء والمخالفات التي يضج بها المحيط، والتي تزداد وتكبر بزيادة غفلتنا عنها وإحجامنا عن مواجهتها.

في المدينة حيث يكثر البشر والخطر، يجدر بنا أن نقيم مربعا اجتماعيا طول ضلعه كيلومتر مثلا، ومن ثم شروع نخبتنا في تجميع الصفوف وتوجيهها لإزالة الغبار عن أجهزة التنبيه والتحذير المنتشرة في هذا المربع، والمسارعة في الإجابة عن الأسئلة الملحة التي تطرحها هذه الأجهزة. فكما نجتمع وننشئ جمعية استهلاكية تطارد شبح الجوع والحاجة، بإمكاننا إنشاء جمعية أمنية تطارد أشباح الخوف والرعب التي تبدأ من الرعب الصوتي الذي لوث بيئتنا السمعية وقض مضجعنا، وانتهاء بالرعب الذي يهدد المواطن في حياته وعرضه وماله. وكما نجتمع في مواسم الاحتفالات ونطلق حملة لتنظيف يما يحيط بنا من ميادين وشوارع وأزقة، بإمكاننا تشكيل لجنة نظافة دائمة تعمل على توطين النظافة في محيطنا. وهكذا في كل شأن من شؤوننا البسيطة المحيطة بنا.

صرح الوطن مكون من لبنات بعضها فوق بعض، فلا يحقرن أحدنا اللبنة التي يضع، طالما حسُنت النية، وصلُح العمل.

صرح الوطن متداع، وأجهزة التنبيه عاطلة!

محمد عبد الله الشيباني



  

     

الاثنين، سبتمبر 16، 2013

ميدان الشهداء

ميدان الشهداء في يوم الشهداء ليس فيه شهداء!

يمارس الناس طقوسا كثيرة وهم يُحيون ذكرى شهدائهم. والناس إذ يمارسون هذه الطقوس تراهم يستحثون كل طاقاتهم النفسية والوجدانية، ويستدعون كل مخزون ذكرياتهم ومعلوماتهم التاريخية، وذلك لا لشيء إلا من أجل محاولة جعل لحظة إحياء ذكرى الشهيد تقترب قدر ما أمكن من تلك اللحظة التي أقدم فيها ذلك الشهيد على القيام بأجلِّ وأعظم عمل يمكن أن يقوم به إنسان حي ذي روح واحدة، وهو يتخذ بملء إرادته قرار التنازل عن هذه الروح الوحيدة، وتجرع كأس الموت المرّ الذي تُسترخص كل كنوز الدنيا مقابل النجاة من علقمه. أما المقابل الذي بانتظار هذا المتطوع الحصيف الفذ فهو ذلك الكنز الذي ليس كمثله كنز: الشهادة!

ما من شهيد ذكي حصيف، وهو يقوم بعرض روحه في بورصة الأرواح، إلا وتتسمر عينه في مكان واحد لا تغادره حتى يسمع قرع مطرقة رسو المزاد معلنة تمام صفقة بيع الروح بالثمن الذي تاق إليه صاحب الروح، وهو الثمن المقوم فقط بعملة القيم النبيلة  والمثل الجليلة!

حقا ليس هناك ما هو أربح من بيع الشهيد وهو يجود بنفسه مقابل إرساء قيم الحرية والكرامة والعدالة وإظهار الحق وإزهاق الظلم وكسر شوكة الطغاة، وأولا وأخيرا إرضاء الخالق وإسعاد المخلوق!

وأيا كانت درجة إيمان أحدنا وهو يمارس طقوس  إحياء ذكرى الشهداء، مغمضا عينيه أو شاخصا بهما نحو أعلى مكان يستوعبه خياله المجنح، فإنه لن يستطيع الإفلات من حقيقة أن روح الشهيد الذي يقف محييا ذكراه لابد أن تكون هناك؛ في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وليست في مكان آخر غير ذلك!

هناك في مقعد الصدق وعند المليك المقتدر لا يمكن أن نخاف أو نحزن على من نحتسبهم عند الله شهداء، ولكن الخوف يجب أن نستشعره نحن الذين أخذنا على عاتقنا أمانة البر بوصية الشهداء وإنفاذها!

كان بإمكان شيخ الشهداء عمر المختار أن يقذف بحزمة القيم والمثل النبيلة التي عشقها وضحى من أجلها جانبا، مقابل أن يحتفظ بروحه لبضع سنوات يقضيها حاكما إقليميا لبرقة التابعة لحكومة روما، وربما شرفه موسيليني خلال هذه السنوات بدعوة رئاسية لحضور احتفالات ذكرى سيطرة روما على ليبيا وانضمامها إلى تلك النجوم المكللة للتاج الإيطالي!

وكما هو معلوم، فطالما كان هناك ظلم وجور وتسلط واستبداد وفساد فإن كوكبة الشهداء الكرام العظام لا تنقطع مسيرتها، وكأن وجود الشهداء دالة على وجود الظالمين والجائرين والمستبدين.

لم تذكر لنا كتب التاريخ وهي تستعرض فترة حكم المرحوم إدريس السنوسي ما يشير إلى احتدام الصراع بين الحق والباطل والحرية والاستبداد إلى درجة انبراء الشهداء من أجل الدفاع عن القيم والمثل واصطفافهم صفوفا وطوابير من أجل بذل الروح الغالية مقابل إرساء تلك القيم.

الحال انعكس تماما في ظل السنوات الأربعين لحكم القذافي، فلا يكاد يمر عام أو جزء من عام حتى تصدمنا الأخبار، المتاح منها والممنوع، بخبر ارتقاء شهيد أو أكثر إلى ملكوت الله فداء لقيم الحرية والكرامة والعدل ومقاومة للظلم ورفضا للاستبداد.

حاولت فيما التقطت أصابعي مما حوت لوحة المفاتيح من حروف  وكلمات، التقاط ما دنا إلى وجداني مما للشهداء من قبسات وومضات، وتجميع ما ألهمتني ذكراهم البليغة من إشراقات وإضاءات، مشاركا بني وطني فيما أقاموه للشهداء من احتفالات.. ولكن! آه من لكن!

ولكن، ونحن في يوم الشهداء وبميدان الشهداء وفي حضرة أرواح الشهداء، هل حرصنا فعلا على التضمخ بالعطر الذي يستطيبه الشهداء فيقبلون علينا، وتطهرنا مما يؤذي أرواحهم فلا ينفرون منا؟!

الذي نعرفه أن العطر الذي يستطيبه الشهداء هو ذلك العطر الذي مزاجه خلاصات قيم العدالة والحرية والكرامة. أما الرائحة التي تنفر الشهداء منا فهي ما كانت ممزوجة بصديد الأفعال المنكرة والصفات الخبيثة؛ من تسلط وظلم وقتل وتعذيب وسرقة وغش وهتك أعراض وترويع آمنين وتهديم لصرح الوطن.  

خبر عاجل: " لم يتسن حضور الشهداء إلى ميدان الشهداء للاحتفال بعيد الشهداء، وذلك للأسباب التالية:

ــ الهبوط الحاد لأسعار القيم والمثل مقارنة بأسعارها التاريخية العالية جدا؛ أرواح الشهداء.
ــ  انعدام الأمن وشيوع الجريمة وسواد الرذيلة.
ــ عربدة الحمقى والسفهاء وانهزام وانكسار الراشدين العقلاء.
ــ  خدر يد الإصلاح وعجزها عن مواجهة الإفساد.
ــ  تهديد حياة الليبيين بالسطو على مقدراتهم.
ــ الخيانة الصريحة للشهداء ونقض عهودهم.

بدون حضور أرواح الشهداء، يصعب علينا الإدعاء يأننا نحي يوم الشهداء!

محمد عبد الله الشيباني