الثلاثاء، يناير 21، 2014

إلى قبائل وكتائب ليبيا

إلى قبائل وكتائب ليبيا الباذخة القوة: هَبوها معوزة تستحق الزكاة!

وأنا أتابع تطورات الموقف الأخير الذي مرت به بلادنا، وتعرض جنوبها إلى اعتداء خطير من قبل فئة داخلية مارقة، وأخرى خارجية طامعة، وهو بحق اعتداء خطير، بلغ من القوة حد إعلان النفير العام، كما أسفر عن العديد من الخسائر البشرية.

ما عادت دولتنا ليبيا تُخفي عوزها وضعفها وهوانها، بل إنها جاهرت بطلب العون كي تحمي جنوبها. هذه المرة لم تطرق ليبيا باب غريب، بل طرقت أبواب قبائلها وكتائبها؛ حيث وبمجرد وقوع الاعتداء خف وزير دفاع  ليبيا مسرعا، وطرق أبواب بعض كتائب وقبائل ليبيا، ملتمسا منهم العون لرد العدوان على ليبيا! هكذا.

حمدا لله أن ليبيا لم تحتج هذه المرة إلى غريب، وذلك لأن لدى أبنائها وقبائلها من القوة ما حال دون تسولها صون عرضها من الغرباء، وبذلك سجلت قبائل ليبيا وكتائبها على ليبيا جميلا لن تنساه. التاريخ أيضا سجل هذه الحادثة، وستقرأ اجيالنا القادمة ذلك! شخصيا، وأنا لست شيخ قبيلة ولا قائد كتيبة، أحار كيف أشرح تفاصيل هذه القصة المخزية للأبناء والأحفاد. كان الله في عون من هو قائد كتيبة أو شيخ قبيلة!

المعقول، والمألوف، والذي يعرفه كل الناس، أن وزير الدفاع الدولة هو من يصدر الأوامر للقوات المنتشرة على ربوع الوطن، ويوجهها إلى المكان الذي تقتضي الأوضاع تواجدهم فيه؛ أما أن يتحول وزير الدفاع إلى جامع تبرعات، فهو لعمري عار ما بعده عار في وجه كل ليبي مهما بلغت قبيلته وكتيبته من شأو!

هَبوها معوزة تستحق الزكاة! قلت هذه العبارة لصديق لي يدافع عن الرأي القائل بضرورة احتفاظ المسلحين بما في حوزتهم من سلاح، وأردفت قائلا: قوات القبائل والكتائب تعد بمئات الألوف، وهي قوات بلغت "نصاب زكاة القوة"، بل ربما تجاوزته بمرات، فلِمَ لم يخرج أصحاب هذه القوة الزكاة عنها؟

أدرك أن الأمر به بعض الطرافة، ولكننا يجب ألا ننسى أننا في ليبيا، وأن من ليبيا دائما يأتي الجديد!

أجل. إنني كمواطن ليبي أقترح على الكتائب والقبائل أن يسارعوا بإخراج زكاة قوتهم، وأن يضعوها بين يدي وزارة الدفاع، على أن تكون هذه الزكاة في حدود ثلث مجموع ما لديهم من قوة، والثلث ليس بكثير. هذه الأثلاث سيبلغ مجموعها ما لا يقل عن مائة ألف فرد مسلح من كل جهات البلاد، وهو ما يكفي مبدئيا لتكوين نواة الجيش الليبي الذي سيستمد أوامره من وزير دفاع ليبيا، وليس من أحد سواه.


أظهر صديقي المتحمس إلى فكرة احتفاظ المسلحين بأسلحتهم بعض التفهم لما قلت، ولكنه ما زال مصرا على موقفه، متذرعا بما يتذرع به بعض المسلحين، وهم يدفعون بحجة عدم وجود دولة يمكن أن يطمئنوا إليها، ويسلموا أسلحتهم لها!

" الدولة لا تقوم إلا بوجود الجيش ـ ـ ـ الجيش لا يتوفر إلا بتوفر المسلحين ـ ـ ـ المسلحون لن ينضموا إلى الدولة ـ ـ ـ إذا لا دولة " !

معادلة مغلقة، بل معضلة مستحيلة الحل. أليس كذلك؟!

بلى. أجاب صاحبي، وتساءل: ما الحل؟

لا حل إلا باجتماع قادة المسلحين، وذوي النفوذ في كل قبيلة، واتخاذ قرار المساهمة في بناء جيش الدولة، ولو بثلث قوتهم، والاحتفاظ بالثلثين الآخرين لديهم حتى اكتمال تكون الدولة.

أليس هذا حلا وسطا ومقبولا؟!

إنه ليس الحل المثالي، ولكنه خير من بلاش، وإلا ستضيع ليبيا ببلاش!

محمد عبد الله الشيباني
 Libyanspring.blogspot.com

aa10zz100@yahoo.com

السبت، يناير 18، 2014

هل نحن بحاجة إلى وزراء


هل نحن بحاجة إلى وزراء، أم إلى  رجال إطفاء؟!

لعل الشبه بيِّنٌ وجلي بين ما تحدثه بؤر النار من حرائق في الوسط الذي تشب فيه؛ فتحرقه وتدمره، وبين ما تحدثه بؤر الفساد والتخلف والجهل والمرض في الوسط الاجتماعي؛ فتهتك أنسجته، وتمزق أوصاله.

كما أن الشبه أيضا بين وجلي بين ما تحدثه هبة رجال الإطفاء بعِددهم وأدواتهم وهم يكبحون جماح ألسنة اللهب عن الحرق والتدمير، وبين ما يحدثه سيف المصلح وهو يبتر أصابع الفساد، ويقطع كلاليب البؤس، وينتشل المجتمع من مستنقع التخلف والانحطاط.

وكما يصرخ الشخص العاقل السوي بأعلى صوته طالبا نجدة رجال الإطفاء من أجل القضاء على الحريق المستعر، فإن المواطن الصالح السوي هو أيضا تصعقه مظاهر الفساد والتخلف والمرض والجهل التي تحيط به وتهدد بقاءه؛ فيعلي صوته مأيها بمن حوله من أهل السلطة والقوة كي يهبوا لنجدته، ويدفعوا عنه ما يحيق به من بؤس وشر.

صرخ الشعب الليبي طويلا خلال عقود التسلط وحكم الفرد وتغول الفساد، فما وجد صراخه أذنا صاغية، وكان ما كان من تراكم ذلك الصراخ، وتحوله إلى انتفاضة عارمة ضد ذلك الوضع السيء.

فاتورة تلك الانتفاضة كانت باهظة جدا، إلا أنها كانت مقنعة، وذلك لما اتفق وتواضع عليه الليبيون جميعهم وهم يتقاسمون دفع الفاتورة؛ حيث اتفقوا على أن لا يقل مردود هذه الفاتورة على تحقيق الخلاص النهائي من حرائق الفساد والتخلف والجهل والمرض.

إن الليبيين بما كانوا عليه قبل ستة عقود من فقر مذقع، وبما كابدوه من غبن كبير طوال عقود البترول المسروق، وكذا بما عانوه من حاكميهم من عسف وعقوق، لهم ألف حق في المطالبة بالتعويض السابغ السريع، والمسارعة بإطفاء حريق بلادهم المتأجج المريع.

أسئلة المواطنين الليبيين البسطاء المغبونين مكسوري الخاطر الذين يشكلون السواد الأعظم من الليبيين، تثيرها مجموعة من الحرائق المنتشرة هنا وهناك، وهي حرائق نمر بها جميعا صباح مساء، فنصطلي بنارها ونختنق بدخانها، ولا يجرؤ أحد منا على إطفائها، ولو برشة من ماء إصلاح، تُكبح بها جماح ألسنة لهيب الفساد والبؤس والتخلف.

أطلقتُ صفة الحرائق على تلك الأمكنة التي عشش فيها البؤس، وتجذر وتطاول فيها "العوج"، وتمدد فيها التخلف والفساد. وبدل أن يقاوم الناس تلك الكائنات الشيطانية ويطردونها شر طردة، حدث العكس، وصارت هذه المخلوقات هي التي تطرد الناس، وتدفعهم بعيدا عنها.

مجموعة حُفر قد لا تكلف تسويتها شيئا من ميزانية دولة عشرية المليارات، تراها تجبرنا على ترك الطريق الذي تسكنه هذه الحفر، متجشمين السير في طرق أخرى بعيدة، وذلك حتى نتجنب الصدام مع غول الحفر المعربد في الكثير من طرقاتنا!

تقاطع طرق يسكنه غول الازدحام، تراه يضيع وقتنا، ويعطل أعمالنا، وينغص علينا حياتنا. وبدل أن نتجمع كلنا ونضرب بيد واحدة ذلك الغول، ونطفئ حريق الازدحام، ترانا نكتفي بالهروب من ذلك الازدحام، وننتشر على غير هدى، هاربين من ذلك الغول، وحيث يستوي في ذلك الهروب المخزي راكب المفخرة وغيره، والوزير والغفير. كلهم هاربون إلى الأمام.

"سومافرو" طريق مطار العاصمة:

لابد أن رئيس الوزراء وجميع وزرائه، مروا مرات عديدة ببوابة طريق مطار طرابلس، حيث العلامة الضوئية، ولابد أنهم عاينوا حريق الزحام، وهو يعربد في ذلك المكان، ولدرجة يصل فيها مدى التضاغط درجة التفجر المؤجج لإحباط الناس ويأسهم من إمكانية السيطرة على ذلك الحريق المعربد على مدى السنين. شخصيا ما مررت مرة من هناك إلا وأمطرت مسامعي ومسامع من حولي بالأسئلة التالية:
ــ هل يمر المسئولون من هنا؟
ــ هل يأخذون دورهم في هذا الفرن، ويتنشقون حصتهم من دخانه؟
ــ هل يطرحون على أنفسهم السؤال المكرر على لسان كل مواطن؛ لماذا هذا، ومن المسئول عن استمرار تأجج هذا الحريق؟
ــ عندما يعرف المسئول أنه هو المطلوب منه الإجابة، هل ينتقل ذلك المسئول إلى السؤال الموالي، ويسأل نفسه: لماذا لم أقم حتى الآن بإصلاح هذا الخلل وإطفاء هذا الحريق؟
ــ هل يكتشف هذا المسئول أن الوسيلة الوحيدة والناجعة لإطفاء هذا الحريق هي بسيطة بساطة إقامة جسر خرساني بطول 150 مترا تقريبا، حيث يعبر فوقه الذاهبون نحو المطار ونواحيه، وما عداهم يعبرون من تحته؟
ــ هل يجري هذا المسئول، والذي لابد أنه يحمل دكتوراه في الهندسة، بعض العمليات الهندسية والحسابية البسيطة عن تكلفة هذا الجسر، والتي لن تكون أكثر من "فكة"  من تلك المليارات المبعثرة هنا وهناك؟

بعد طرحي لهذه الأسئلة، يتصاغر في ذهني هول ذلك الحريق؛ فببضعة ملايين من الدينارات، وفي زمن قد لا يتجاوز بضعة شهور، يقام جسر، فيوفر على آلاف الذاهبين والراجعين الساعات الطوال من أوقاتهم الثمينة، مع ما يحدثه هذا الجسر الرخيص من ترميم في تلك الشروخ والندوب العميقة لمشاعر المواطنين المنكسرة وأحاسيسهم المشروخة!

مستشفى مركز طرابلس الطبي، والذي تناطح مبانيه السحاب، إلا أن مظاهر بؤسه تجاوزت ذلك السحاب بكثير، ملوحة بالموت لكل من يجرؤ من الاقتراب من المستشفى، مجبرة المرضى المساكين على قطع الفيافي والفجاج، طلبا للاستشفاء والعلاج! ليس من سبب وراء ذلك كله إلا افتقاد المستشفى إلى عشر معشار تلك المليارات التي تقع في نطاق ومسؤولية المؤتمر والحكومة ومن يأتمرون بأمرهم من وزراء وكبراء ومدراء.  

تلك هي مجرد أمثلة للكثير من هذه الحرائق المشتعلة، والتي لن يقدر على إطفائها وزراء تقليديون، تقيدهم ربطات أعناقهم، وتأسرهم قيودهم الرسمية وأدبياتهم الناضحة تكلفا وترفا. إن تلك الحرائق لا يطفؤها إلا وزير بعقلية وثقافة إطفائي، يعامل حرائق الفساد والتخلف والمرض والفقر المتأججة في كل زاوية من زوايا نطاق مسؤوليته وكأنها حرائق تتأجج داخل بيته، بل وفي غرفة نومه، فيسارع بما هو متاح من سبل إلى إيقاف الخطر، ودرء المصيبة.

حقا ما أشد سذاجة هذا الكويتب. علق أحد الوزراء بعد قراءته العبارات الساذجة الضحلة عاليه، وأردف قائلا: أي مواطن بسيط هذا الذي يهرف بما لا يعرف! ما أضحل رؤية هؤلاء المواطنين البسطاء، والذين لا يعلمون من أمور وقوانين وإجراءات وبروتوكولات الدولة شيئا!

حقا إنني لا أعرف الكثير من ذلك، ولست منتقصا من شأن ذلك، إلا أنني أعرف قدرا لا بأس به مما يعتمل في صدر الكهل الأربعيني الذي قضى طفولته وصباه وشبابه معايشا لما يزخر به الطريق الرئيسي الموصل إلى بيته من حفر وبرك ماء ومطبات  لا يكلف تصليحها كلها سوى مجرد فكة من عشرات المليارات التي نسمع جعجعتها ولم نلمس طحينها قط!
  
كما أنني على يقين من أن جميع الحرائق المتأججة هنا وهناك؛ في الطرق، وفي المستشفيات، وفي المدارس، وفي كل مكان يتحرك فيه المواطن البسيط، يمكن إطفاؤها بمجرد توفر وزير إطفائي على قدر من الحساسية الإيجابية، حيث يقوم هذا الوزير بطرح الأسئلة البسيطة عاليه ويجيب عنها، محطما كل المشاجب الواهية التي يتعذر بها الوزراء المخمليون.

إن استمرار اشتعال الحرائق التي يخنق دخانها عموم الناس، ويفجر حريقها المتأجج غضبهم، مع شعورهم بتفاهة هذا الحريق، كتفاهة بناء كوبري بسيط يطفئ جحيم ازدحام وتكدس مريع، أو تصليح طريق يمسح بؤس عشرات السنين، أو تطوير مستشفى يرمم ثقة المواطن فيه، لهو مما يجرح ثقة الناس في مسئوليهم، ويؤدي عند تفاقمه إلى كسر عصا الطاعة وتهاوي سلطة الدولة، وهو ما نعيش بعضه الآن. 

تعمل الحكومة الآن على تصحيح مسارها. يا ليتها تأخذ ما ذكرت في حسابها!

 محمد عبد الله الشيباني
 Libyanspring.blogspot.com

aa10zz100@yahoo.com

الأحد، يناير 12، 2014

ساديون...............

إننا ساديون ومازوخيّون، رغم عبق الفل والياسمين!

روائح أزهار الربيع المصري، هي أكثر أنواع روائح أزهار الربيع العربي عبقا، وأوسعها انتشارا، وذلك لما لمصر من ثقل نسبي؛ تاريخيا، وسكانيا، وجغرافيا، واقتصاديا، وغيره.

برشفة واحدة من عبق ذلك الربيع الديمقراطي الفواح، تمكنت مصر الفرعونية الدكتاتورية، منذ بداية التاريخ حتى يناير 2011، من تخطي العتبة السادية للفرعون، وكذا تجاوز عتبة الحالة المازوخية لعبيده وضحاياه؛ وهما عتبتان عمرهما آلاف السنين، وامتدادهما امتداد جذور الأهرامات الفرعونية في نسيج تاريخ مصر، وثنايا وعي وذاكرة المصريين!

الرشفة الواحدة من عبق ذلك الربيع المصري الديمقراطي، وبرغم اختلاف نكهتها من شخص لآخر، لم تدم نشوتها سوى عامين ونصف العام؛ إلا أنها أفلحت في إيقاظ جميع المصريين من غيبوبتهم التاريخية، حيث أدرك المصريون، وللمرة الأولى، أنه ما من مصري من بينهم يعاني من سادية الفرعون، أو به شيء من أعراض المازوخية التي سامته صنوف ذلها وعذابها على مر الزمن المصري المر.

أيا كان موقفنا من مرسي وحزبه وجماعته، وكذا ما ينسب إليه من أخطاء لا يتجاوز عمر أكبرها عاما واحدا، إلا أنه ليس بوسعنا أن ننسى، أو نتناسى تصريح مرسي المفحم في خطابه الأخير، وعلى الملأ، وذلك عندما قال: " إنني أتحدى الجميع بأن يأتونني باسم سجين سياسي واحد"! أجزم بأن مصر على مدى تاريخها، لم تمر قط بحالة كهذه أبدا!

إن من يحمل صفة السجين السياسي في بلد كمصر، ليس كغيره من السجناء السياسيين في دول العالم الديمقراطي؛ إنه هو ذلك الإنسان المسكين الواقع بين مطرقة سادية الفرعون ولعنته، وسندان مازوخية أتباعه وعُبّاده.

أزاح الجنرالُ الفرعوني الصلف القوي الرئيسَ الديمقراطي الرفيق الطري، وذهبت نشوة الرشفة اليتيمة للربيع المصري الفواح. وعلى الفور تبدل المشهد بالكامل، وملأت المكان زمجرة صوت الفرعون المعروفة، وحجب كابوسه المرعب الأفق، وتلاشى تبعا لذلك آخر خيط من خيوط الصبح الديمقراطي المصري الموؤود. 

بيد أن هدف الجنرال نبيل جدا، إذ إنه لا يريد سوى الفصل بين الإخوان المسلمين المصريين، وإخوانهم المصريين الآخرين؛ إنه مجرد "حزاز عركة"! وفعلا تحقق للجنرال ما أراد، وتمكن من تنحية مرسي في سويعات. كانت مجرد سويعات، ولكنها ليست ككل السويعات؛ وذلك لأنها سويعات لها رصيد ممتد في الذاكرة والوعي المصري الفرعوني السادي المازوخي، وهي صفة أكسبت هذه السويعات قوة أسطورية، تمكنت بواسطتها من تحطيم وإزاحة جبل زهور وورود الربيع الديمقراطي المصري، والذي رغم عظمه، إلا أنه ليس له من رصيد يذكر، سوى ما كان من ذلك الطيف الديمقراطي العابر الذي داعب وجدان المصريين لبعض اللحيظات، في مقابل أحقاب الليل الدكتاتوري الدامس!

في ليلة عودة الفرعون، كان من السهل ملاحظة السادية العائدة معه، بعد غياب لها ليس بالطويل، وذلك فقط من خلال مشهد الجرافة التي جرفت ضحايا اعتصام رابعة أمام مرأى الجميع، وهذا المشهد، كما هو معلوم، الجزء الظاهر من الصورة فقط. تلك السادية بدت أيضا واضحة جدا في لغة التشفي التي طفح بها الخطاب الرسمي والإعلامي للإنقلاب. أما المازوخية فقد لونت المشهد كله، وذلك عندما تهافت المصريون بالملايين بمجرد تلقيهم أمر الجنرال الفرعوني القوي، وقيامهم بالتوقيع له على بياض!

ذلك التهافت المليوني، كان حالة مازوخية عميقة، وفي منتهى الوضوح، وهو ما بعث الطمأنينة في نفس الجنرال، وجرأه مؤخرا على دعوة المصريين إلى التهافت المليوني مرة أخرى، ومطالبته للمصريين بترشيحه للرئاسة. بالقطع سيلبي الكثير من المصريين دعوة الجنرال، وسيثبتون للعالم أجمع أنهم لا يزالون ضحايا المازوخية المصرية القديمة اللعينة.

إن مظاهر السادية التي كان يطفح بها سلوك أنظمتنا السياسية الدكتاتورية ما قبل الربيع الديمقراطي، ها هي تعود لنا من الشباك، بل إن هذه السادية بدت سلوكا يوميا، وممارسة سائدة من قبل عوام المجرمين. ولعل ما انتشر في بلادنا ليبيا هذه الأيام من عنف غير مبرر، لهو دليل بين على عموم السادية وشيوعها.

ليس بالضرورة أن تكون السادية هي مجرد الاستمتاع بتعذيب الآخر وقتله؛ كلا! إن السادية قد تكون أي فعل يبعث الرعب في الآخر بينما يمارسه صاحبه وهو يتسلى؛ قنابل أفراح ما بعد نصف الليل عمل سادي، وظهورك بسيارتك فجأة أمام من يسير في طريقه ومضايقتك له وأنت تضحك هو أيضا عمل سادي. وعلى هذا قس.

أما المازوخية فدليل وجودها يمكن استنتاجه بمفهوم المعاكسة المنطقي البسيط، وذلك فيما نلاحظه من تعنت وتصلب ظاهر وغير مبرر من قبل الكثير من المواطنين، وهم يدعون إلى الاصطفاف من أجل قيام الدولة التي أرادوها وثاروا من أجلها. هؤلاء الناس هم أنفسهم الذين كانوا يصطفون بإشارة واحدة من إصبع الدكتاتور، ويتزاحمون من اجل خدمة نظام يمقتونه. هؤلاء الناس سيعودون إلى حالتهم المازوخية تلك بمجرد توفر الحاكم القوي المتسلط؛ السيسي مثلا.

لو كان رئيس المؤتمر السابق محمد المقريف جنرالا ذا بأس، ما كان ليطاح به في ذلك المشهد المخزي، وبذلك المبرر الواهي. الأمر نفسه بالنسبة للحكومة القائمة ووزرائها، وكذا أي حكومة أخرى تأتي بعدها.

أرجو ان يعلم القارئ أن القصد مما قلت، هو فقط لمجرد محاولة إثبات الحالة السادية والمازوخية التي تسكن الكثير منا، والتي هي من أهم أسباب ما يعتري مسيرتنا الديمقراطية من ضعف وفشل.

أجل. إننا ساديون ومازوخيّون، رغم عبق الفل والياسمين!

أليس كذلك؟!

محمد عبد الله الشيباني
 Libyanspring.blogspot.com
aa10zz100@yahoo.com


الأربعاء، يناير 01، 2014

سأخبر الله



سأخبر الله بكل شيء                    







"سأخبر الله بكل شيء" ؛ هي كلمات أربع من بين الكلمات القليلة التي تعلمها طفل سوري خلال سنواته القليلة التي لم تجاوز السنوات الأربع في هذه الحياة الدنيا الدنيئة. هذه الكلمات الأربع على بساطتها وقلة عددها تتضاءل أمامها أعظم وأبلغ صحيفة دعوى يمكن أن يقوم بصياغتها أعظم جهابذة محامي الكون، وهو يصور للقاضي التراجيديا السورية المجانية التي لم يجد كاتب حوارها، وهو يُحبِّرها، سوى دماء الأبرياء حبرا لها. كما لم يجد مخرجها، وهو يَحبك فصولها وعقدها الدرامية، سوى براءة الأطفال ومشاعرهم الرهيفة الغضة وقلوبهم الطرية الشفافة، مادة لصناعة تلك العقد الدرامية التراجيديا المحزنة المخزية.


كلمات أربع أجراها الله على اللسان الغض لهذا الطفل الشهيد السعيد، وذلك حتى تكون هذه الكلمات هي كل كلمات ذلك البيان المرعب الذي صفع به الطفل المغدور وجوه وأسماع كبراء الدنيا؛ من واشنطن، حتى بكين، مرورا بموسكو، معلما إياهم  درسا أبدا لن يتعلموه، ومُحمِّلأ إياهم وزرا سيظلون أبدا حامليه.


قبل أربع سنوات فقط وُلِد هذا الطفل. وفي عيد ميلاده الأول، قبل ثلاث سنوات، قام دكتاتور سوريا وأسدها ابن أسدها، بتقديم هدية باذخة إلى هذا الطفل وأترابه من أطفال سوريا، والتي هي عبارة عن سلة سخية من القنابل والبراميل المتفجرة. لم ينس صاحب الهدية أن يغلف سلة هداياه بباقة من الغازات الأنيقة شديدة السمية، وهو ما أدخل آلاف الأطفال السوريين المساكين في نوبة فرح قاتلة، وقعها بأنامله الرشيقة الفتاكة غاز السيرين القاتل الصامت اللعين.


الصورة عاليه، هي صورة هذا الطفل المجروح جرح الموت، وقد غطى دمه المسفوك ظلما كامل جسده، وغيَّر لون ملابسه. وبرغم ما للدم، وخاصة دم طفل كهذا، من أثر بالغ في القلوب، إلا أن ذلك لا يمثل شيئا أمام ما تُلقي به عينا الطفل من صور، وهو يحدق في أعين ناظريه، وخاصة أولئك المتسببين في محنته الوائدين براءته، السارقين حياته!

شخصيا لم أستطع إطالة التحديق في عيني هذا الطفل، حتى أنني وبمجرد عثوري على هذه الصورة، وقراءتي عبارة صاحبها البليغة الثقيلة: " سأخبر الله بكل شيء"، سارعت إلى محاولة التخفيف عن نفسي بتفريغ شحنة مشاعري في هذه الحروف والكلمات.

هذا الطفل، وقبل أن يلجأ إلى الله ليخبره، لابد أنه بحث عن أبيه وأمه وإخوته طالبا منهم العون؛ فلم يجبه أحد. كما لابد وأنه قد التمس المساعدة من غيرهم؛ من جيران، ورجال شرطة، وجيش، وربما شبيحة. إلا أنه لم يفلح أيضا. كذلك لابد وأنه قد خطر في باله أن يوجه استغاثته تلك إلى أكبر الكائنات التي حوتها ذاكرته الصغيرة، وهو يشاهد صور هذه الكائنات على التلفزيون؛ بدءا من رئيس دولته أسد سوريا، وانتهاء بكبار حكام الأرض من غربها إلى شرقها.

لا جواب! إذن ليس أمام هذا الطفل سوى الله، حيث أطلق صرخته المدوية: "سأخبر الله بكل شيء"!

في الوقت الذي نتبادل فيه صورة هذا الطفل، ونردد ما ردد من كلمات، هناك في الملأ الأعلى من يفعل مثل الذي نفعل؛ من تحديق في عيني الطفل الموؤود، ومن ترديد لعبارته المشهودة. وهناك في الملأ الأعلى أيضا، وحيث لا ظلم، قاض قوي جبار، ينظر في المرافعة الكبرى لهذا الطفل الموؤود وأقرانه، ويصدر الحكم النافذ السريع.

المضحك المبكي إزاء هذه الحقيقة أن الكثير من صناع هذه المآسي، ومقاولي سفك الدماء مجانا، لا زالوا يوصلون الليل بالنهار، وهم يطورون أفكارهم الشيطانية، ويشحذون أسلحتهم الجهنمية من أجل تهديم البيوت على ساكنيها، وقتل المزيد من الأطفال والنساء.

كراسي، أيديولوجيات، متاع دنيوي زائل، هوى نفوس رخيص؛ هي كلها سكاكين نحملها جميعا، ونذبح بها بعضنا بعضا، نحن أبناء الوطن الواحد: في سوريا، أو في العراق، أو في اليمن، أو في مصر، وحتى في بلادنا ليبيا.

مهما كانت حجج أصحاب الكراسي والأيديولوجيات، فإن أعظم هذه الحجج تسقط أمام أول قطرة دم لطفل بريء كهذا الطفل. كما أن تلك الحجج لا تقوى البتة أمام كلمات كتلك التي حوتها شكوى الطفل السوري الصغير المرفوعة رأسا إلى ربه جبار السموات والأرض.

هذه ليست عظة جمعة، وإنما هي حقيقة مؤلمة موجعة تلخصها بوضوح نظرة الشهيد الطفل، وهو يعاني سكرات الموت، وتؤكدها عبارته المزلزلة: سأخبر الله بكل شيء!

رددوا هذه العبارة وأنتم تنظرون في عيني الطفل. كان الله في عون ضعاف القلوب أمثالي!

محمد عبد الله الشيباني
aa10zz100@yahoo.com
Libyanspring.blogspot.com