الخميس، نوفمبر 22، 2012


الآن السطو المسلح في شوارع العاصمة وفي وضح النهار؛ هل نحتاج لجرس إنذار أقوى؟

في عز ظهيرة النهار، وفي أحد شوارع العاصمة الزاخرة بالحركة، وعلى مرأى ومسمع الجميع، بل ورغما عن أنوف الكبار، نساء ورجالا، ورغما عن مشاعر الأطفال العائدين من مدارسهم، تنقض مجموعة لصوص مسلحة على طريدة؛ وطريدة هؤلاء اللصوص هذه الأيام، كما هو معروف، هي السيارة الجديدة الثمينة!

وككل حالة من هذه الحالات، وبعد تحديد الهدف والتربص به، تتجمع حول الضحية أكثر من سيارة لإرغام الطريدة على التوقف، ويبدأ المشهد المرعب بإشهار السلاح في وجه صاحب السيارة ومطالبته بأوراق السيارة، وإذا ما تلكأ هذا المواطن المسكين يقوم القراصنة بإخراج ورقة له بزعم أنها أمر قبض أو ما شابه ذلك، وقبل أن يشرع الضحية في قراءتها تبادره فرقة السطو والقتل بالضرب بأعقاب المسدسات والبنادق، ثم يوضع في أحد سيارات الفرقة للذهاب به إلى مكان مجهول، ويتولى أحد أعضاء الفرقة قيادة السيارة موضوع العملية إلى حيث تباع أو تفكك.

تمت عملية السطو هذه خلال الأسبوع الماضي، وفي الزمان والمكان المذكورين، والذي أستطيع تحديده بدقة لمن يهمه الأمر، وحيث حركة الناس والمرور في أوجها، وحيث مشهد الجريمة في بؤرة بصر المارين والقاطنين الكثيرين ، ولكن لا أحد بإمكانه فعل شيء!

جريمة أخرى مشابهة لهذه الجريمة وقعت أحداثها في الطريق الدائري، وفي وضح النهار أيضا، وككل مرة يتوحد الهدف، وهو السيارة الجديدة، والتي تقودها هذه المرة فتاة، بل وإحدى الناشطات في مجال حقوق الإنسان!

قد يقول قائل: إن ثوارنا الأشاوس الذين يواصلون الليل بالنهار والمتمترسين في ثغورهم ومقرات كتائبهم المنتشرة في كل زقاق وشارع، ويجوبون الميادين بسياراتهم وأسلحتهم من أجل تحرير ليبيا ومحاربة "أزلام" النظام السابق، هم من قام بهذه العملية الجريئة النوعية المتميزة، وكذا عمليات أخرى كثيرة مثلها، وأنه لو لم يقم هؤلاء الفتية الأشاوس بذلك العمل العظيم فقل على الثورة والبلاد السلام!

كلا، لم يعد أحدا يصدق هذه الأكذوبة، ذلك أن هذا الرجل الضحية صاحب السيارة الجديدة المغرية لهؤلاء السفلة لم يكن راكبا دبابة أو سيارة مصفحة أو شاهرا سلاحا. ومهما كان الأمر فإنه بالإمكان القبض على هذا الرجل في منزله أو مكتبه، وبدونما ضجيج يذكر.

نحن على يقين بأن من يقوم بهذه الأعمال هم خارجون على القانون، ويمارسون جريمة السطو المسلح والخطف وربما القتل.

نحن أيضا على يقين بأن هؤلاء المجرمين لم يكونوا ليرتكبوا جريمة بهذا الحجم وفي وضح النهار وعلى مرأى ومسمع الجميع إلا لأنهم على صلة ما بأحد تلك الكتائب، بل ربما حملوا شعار تلك الكتيبة وحرورا أوامر القبض باسمها.


هل يعلم الثوار بكتائبهم ومجالسهم وأسمائهم الكثيرة الرنانة، بأن هؤلاء المجرمين الذي يقومون بعملية السطو المسلح في وضح النهار إنما هم يسطون على شرف الثورة وشرف جموع الثوار المنتسبين لها. وهم بهذا العمل المشين يشوهون سمعة الوطن كله ويحطون من قدره، بل ويضعون ليبيا وشعبها في دائرة الشبهة. وسوف لن نبرأ من هذه العلة إلا إذا بادر الثوار الحقيقيون الأمناء على دماء آلاف الشهداء باستئصال هذه الظاهرة الخطيرة جدا؟!

لقد ارتفع صوت جرس الإنذار إلى درجته المخيفة، وطغى اللون الأحمر على كل الخطوط.

ما دليلك؟

أعرف مواطنا بسيطا تمكن من خلال سلفة مصرفية الحصول على سيارة جديدة، ولكنه، ولكثرة ما يسمع من قصص السطو لم يجرؤ المسكين على الخروج بهذه السيارة، بل ويفكر الآن في التخلص منها، واستبدالها بسيارة قديمة رخيصة حفاظا على سلامته!    

إلى من يهمه الأمر:

الصورة في غاية السوء، وجرس الخطر يدق كما لم يدق من قبل، وخط الحالة الأمنية في درجته الحمراء القصوى، والليبيون وحكومتهم ومؤتمرهم الوطني وأحزابهم ونخبهم يحلقون بعيدا عن هذه المشكلة، حيث التنافس على كراسي الحكم والجدل الأيديولوجي العقيم.    

الوضع الأمني في درجته الرديئة جدا، ومقرات الثوار تكتظ بهم، حتى أن قوائم مرتباتهم قاربت ربع المليون ثائر!

درجة رضاء الناس العاديين غير الكتائبيين في مستوياتها المرعبة، وقواد الثوار الكتائبيين يمتطون ظهور اللبوات والتندرات وغيرها، وهم في غاية الإطمئنان والرضا، بل والتباهي والافتخار!

مفردات هذه الصورة المرعبة تشي باحتمال تشكل قطعها واتخاذها شكلا متطورا من أشكال التسلط والدكتاتورية ربما يفوق تسلط ودكتاتورية القذافي المسئول الأول عن هذا الوضع السيء الذي نعيش.

إذا كان ظلم القذافي هو العامل الرئيسي في تجمع الثوار وقيامهم بالثورة عليه؛ فإن هؤلاء الثوار الرافضين للظلم هم المعنيين الآن باستنقاذ الثورة من سارقيها الذين استمرءوا الظلم ومردوا على النفاق.

إلى من يهمه الأمر!!!!!!!

ولكن من هو الذي يهمه الأمر؟

المؤتمر الوطني
الحكومة
وزارة الداخلية
وزارة الدفاع
 كتائب الثوار

الذي يهمه الأمر هو الشعب الليبي كله، والذي حرمه المجرمون من إكمال فرحته بسقوط الطاغية، ليبادر هؤلاء الظلمة بصنع طاغية، بل طواغيت جدد غيره.

أجل الشعب الليبي ممثلا في قواه الحية وكتلته الصامتة الكبيرة، المكون الحقيقي لنسيج ثورة 17 فبراير، مدعو إلى إعلان رفضه واستهجانه لهذه الظاهرة، ومطالبة الحكومة وتجمعات الثوار بإعداد برنامج أمني زمني يستهدف بحلول 17 فبراير القادم القضاء على هذا الخلل الأمني الخطير، والقضاء على هذه الظاهرة المنكرة.

ليقم كل منا ومنذ الآن بتعليق شارة على بيته وعلى هيكل سيارته وحتى على صدره، يظهر فيها رغبته الملحة في توفر الأمن والأمان، واستعداده على الانخراط في هذا العمل الوطني والديني النبيل.

التظاهر من أجل توفير الأمن مطلب شرعي يفوق كل المطالب الضيقة الأخرى مهما علا شأنها.

التظاهر من أجل توفير العدل عمل مقدس يجدر بنا جميعا فعله.

إذا لم يتم ذلك، لا قدر الله، فتوقعوا الأسوأ !!!!!!!!!!!!

محمد عبد الله الشيباني

الأربعاء، نوفمبر 21، 2012

الكلمة وذراعها



                                              من خواطري القديمة

الكلمة وذراعها

 يعمد المعلمون في مناسبات  كثيرة  إلى استخدام وسائل الإيضاح من أجل توصيل معلومة عسر فهمها، وتقريب فكرة أشكِل على صاحبها توصيلها. وعادة ما يتم استعمال الشكل المادي الملموس المحسوس لتقريب الشيء المعنوي الخفي المدسوس . وقد بلغ هذا الاستخدام وما استخلِص  منه من نتائج  وعبر مبلغا من الأهمية حتى أصبحت تلك النتائج والعبر أمثلة  تجري على كل لسان ، مثال ذلك قولنا ، كل إناء بما فيه ينضح ، للتعبير عن التلازم بين محتويات كل إناء وما ينضح منه ، وقولنا كذلك لا يفل الحديد إلا الحديد ، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ، وغير ذلك كثير .

اسمحوا لي أيضا بتقمص دور المعلم قليلا ، لأذكركم بقانون الروافع المعروف وهو  : القوة x ذراعها = المقاومة x  ذراعها ، ذلك القانون الذي يؤكد على التلازم التام بين أثر القوة وطول ذراعها ، وعلى التناسب الطردي بينهما ، حتى أن القوة  قد يكفيها لتحقيق هدفها قليل  العزم وضعيفه وذلك عند توفر طويل الذراع وقويه .

أذكركم بذلك لأضيف مثلا رأيته يلحُّ عليَّ وأنا أشاهد الطوفان الهائل من الكلمات يتزايد قدرا ويقل أثرا ، الأمر الذي جعلني أتساءل وبإلحاح أيضا عن أسباب هذه الحالة، والتي يمكن وصفها بالظاهرة لشيوع أمرها وعظم أثرها ، وهو ما دفعني كذلك ، وتأسيسا على قانون الروافع ، أن أهمس  بهذا هذا المثل :

الكلمة بدون أسماع كالقوة بدون ذراع

أجل ما كان للكلمة مهما بلغت قوتها، ووضحت حجتها، وبالغت في تبرجها وزينتها، من أثر وهي تتسول الأسماع  فلا تجدها ، وتستجدي الأفهام والأذهان فـتحجب عنها.

ولعلكم تدركون فظيع ما آلت إليه الأمور ، عندما تضاءل حجم ما للكلمة من أثر في أسماع من حولنا كبارا وصغارا ، رعاة ورعية ، ومردود ذلك على بنية المجتمع المعنوية ، وما جرَّ ذلك من كوارث ظهر أثرها واضحا على بنيته المادية .

إن مخزوننا من الكلمات كثير وكثير جدا ، إلا أننا نعاني من عجز وشح مخيف في رصيد أذرع هذه الكلمات التي تؤمِّن وصولها إلى أسماع  وأذهان  من خاطبنا ، كما أن ركام الحوائل والموانع التي حالت دون ذلك تطاولت بتطاول الزمن الذي قضيناه نلد كلمات مشوهة لا أذرع لها ولا سيقان ، فلا مدى قطعت ولا أذنا طرقت ، بل وقفت متعجبة متحسرة على أرصفة شوارعنا المكتظة بالسائرين التائهين الحائرين  الباحثين عن كلمة بذراع تأخذ بأيديهم ، وأخرى بساق  لتوصلهم حيث يريدون ، إلا أن ما تكدس من كلماتنا كسيحة لا ساق لها ولا ذراع .

إن ذراع الكلمة الذي تبطش به ، والساق التي تسعى بها هو تلك القوة ، أو الإرادة ، بل قل السلطة التي تجعل من الكلمة مرسوما وقانونا وإجراء نافذا يلمسه الجميع ، ويعود أثره على الجميع ، فيكبرون  الكلمة وقائلها ، ويثقون في لفظها ومدلولها ، وعندئذ سيتحول جهدنا الضائع في تقيؤ الكلمات الكثيرة المجترَّة المشوَّهة ،  إلى طاقة خلاقة تلبس الكلمات أذرعا تصنع بها المستحيل ، وتمنحها سيقانا تطال بها النجوم .

وفي البدء كانت  الكلمة 

ولكن أيُّ كلمة           


السبت، نوفمبر 10، 2012



                      من خواطري القديمة
رجل كألف وألف كأف؟
أجل، إنه مثل جرى على ألسنة الناس منذ القدم، وزاده قبولا وتصديقا ورسوخا في الأذهان ما يتفضل الله به على شخص ما من مواهب، وما يفتح له من أبواب حكمة ومعرفة وعلم، وغير ذلك من الهبات الإلهية المقدرة والموجهة بعناية  لتصنع من ذلك الشخص الموهوب أداة إرادة ربانية، وشراع مشيئة إلهية تدفع بسفينة الحياة إلى الأمام صوب مرافئ نجاة البشرية وتقدمها.
وقد سرد علينا التاريخ سير أشخاص كثيرين حكموا الناس وقادوا الجيوش وأحرزوا الانتصارات العسكرية والسياسية الباهرة، فما أنتجت كل تلك الأعمال سوى تغيير مؤقت في خطوط الخرائط السياسية لتلك الأمكنة التي عبروها، ثم ما لبثت تلك الخرائط أن تبدلت وتغيرت على يد أشخاص آخرين غيروا ونسخوا ما فعل سابقوهم، وربما بما يسيء إلى ذكرهم. وهكذا دواليك.
كما سرد علينا التاريخ أيضا سير أشخاص وقادة آخرين حملوا بدل السيوف والبنادق سرج هداية ومصابيح معرفة ومعاول إصلاح وتحضر ورقي، ولم يقودوا مجرد طائفة واحدة من الناس في مواجهة طائفة أخرى، أو سيروا جيشا لدحر جيش آخر، ولكنهم قادوا بتلك السرج والمصابيح البشرية كلها، فجعلوا منها جيشا واحدا، مهمته الأساسية القضاء على العدو المشترك للحياة، فتغيرت وتقلصت خطوط خرائط الجهل والمرض والفقر والظلم الاجتماعي وغيره. ولم نعرف أبدا عن خريطة رسمها هؤلاء العظماء ثم جاء أحد من بعدهم فتجرأ على نقض ما فعلوه أو طمaس ما رسموه، بل على العكس من ذلك فقد أتم الخلف فعل السلف.
ليسوا برجال تاريخيين من صنعهم حال التدافع والتنافس وربما التناحر والتقاتل من أجل الاستحواذ على مصدر ماء أو رقعة أرض أو ربما على شيء أتفه من ذلك بكثير، من مثل حب السيطرة والغلبة والظهور والتعلق بالجاه والكرسي والسلطان مما لا يشرع معه على الإطلاق تسيير جيوش أو إسالة دماء.
مثل هؤلاء الرجال، وإن حازوا من الألقاب ما حازوا، أو تغنى باسمهم من تغنى، فإن صفحة كتابهم لم تخل أبدا من مظالم، ولم تنج سيرتهم من قدح وذم، وفوق كل ذلك لم يتركوا إرثا نافعا تتقاسمه البشرية وتذكرهم به.
وعلى النقيض من هؤلاء نجد رجالا آخرين ربطتهم بحال الناس وواقعهم علاقة شرعية، وأفرزتهم حالة التنافس الشريف من أجل إنهاء الشر ودفع الخطر وقتل الفقر،  فتوجهوا بمواهبهم وإمكانياتهم صوب ذلك الحال السيئ، فأزالوا مثالبه وأصلحوا معايبه، ومنحوا نسخته الجديدة المستصلحة المطورة  وبدون مقابل يذكر لكل من هم حولهم، وجعلوا ذلك إرثا دائما سابغا حتى شمل الأرض وساكنيها جميعهم.
ذهب حال وزمن العنتريات، ونزال الفوارس في الساحات، كما ولى إلى غير رجعة زمن القائد الأسطورة والزعيم الموهوب وربما السلطان الموحى إليه، وها نحن في زمن نرى فيه الرجال الأفذاذ هم الرجال الأكثر التصاقا بحال الناس، وأكثرهم تعبيرا عنه، ووفاء له،  وأشدهم حرصا على تغييره والنهوض به وتطويره.
وكذلك ذهب حال وزمن الرجل الذي بدون بصمته الفريدة لا يمكن فتح أي باب، وها نحن في زمن ثبت لنا فيه أن الرجل الأسطورة هو الذي يملك تلك البصمة التي تحمل في خطوطها ورموزها شفرة فك رموز كل بصمات رجال الوطن ونسائه، وتصنع منهم جميعا جيش بناء وحضارة ورخاء، ولنا في رجل ماليزيا الفذ مهاتير محمد الذي استوعبت بصمته بصمات الخمسة وعشرين مليونا من الماليزيين وجعلتهم بصمة رجل واحد، فكان مهاتير محمد ليس مجرد رجل كألف بل كان رجلا كملايين. وما كان ليكون كذلك سوى انبعاثه من رحم حال الملايين والتصاقه بهم لدرجة التماهي والانصهار.
يخوض أوباما هذه الأيام معركة توطيد قناعة الأمريكيين به ربما للفوز بولاية ثانية وأخيرة. لم يتسلل أوباما في ظلمات الليل إلى حاملي الأصوات الفقراء حاملا فوق  ظهره أكياس النقود ليشتري بها تلك الأصوات، كما أنه لم يقف أمام الأضواء والكاميرات ليعدد مناقبه ويسرد قصص فتوحاته القديمة، ولكنه توجه هناك إلى حيث التربة التي صنعته والحال الذي أفرزه. توجه إلى تطوير النظم الاجتماعية والاقتصادية التي ينظر إليها جميع الناخبين الأمريكان ويرصدونها، ولا يرضون بغير إصلاحها وتطويرها ثمنا لأصواتهم.
لم يقنع الناخب الأمريكي ويغريه مجرد زعيم  ذلق اللسان، موفور الحجة بليغ البيان، وإنما يقنعه ذلك الزعيم الذي يملك أصابع ذهبية يلمس بها حال الناس فيرتق ثقوبه، ويضمد جروحه، ويوافق بين تناقضاته، ويجمع ما تناثر وتباعد من مكوناته. وعلى هذا الأساس تصرف ذلك الناخب عندما قام بعمله التاريخي وغير المسبوق وسلم أمريكا لرجل أسود بسيط ، مفضلا إياه على رجل أبيض وجيه نبيل، وذلك  لا لشيء إلا لما ظهر على وجه أوباما الأسود من آثار تراب الحال الذي عفره ولامسه بكل خلية من خلاياه، عازما على جعله مزرعة كل حلم أمريكي جميل لطيف، ومقبرة كل هاجس أمريكي عنيف مخيف.
أجل الكل هنالك يهمه الحال، لأن الحال عندهم هو الذي يصنع الرجال التاريخيين الأفذاذ، وليس العكس. أما عندنا فالحال يأتي في المرتبة الثانية، وترى رجالنا همهم الأول صنع أنفسهم وأمجادهم الشخصية المزيفة باستغلال غفلة من يحكمون، وسوء أحوال البلاد التي يسوسون.
ترى هل يكفيني في الختام أن أستشهد بالكارثة الوطنية الحاملة للرقم الإشاري (  146   شفافية ـــ  2010  ) لأثبت أن الهوة عميقة والعلاقة منقطعة بين الرجال الذين يحكمون بلادنا والحال الذي عليه بلادنا؟
وإذا كان الجواب نعم، وهو الأرجح، فهل علينا لإزالة الكارثة هو مجرد محافظتنا على أولئك الرجال القليلين والمتسمرين في أماكنهم لعقود، وعدم جرح مشاعرهم بإعلامهم بحقيقة أنهم بلغوا سن التقاعد، والطلب منهم بكل أدب إفساح المجال أمام من يرى فيه جموع الليبيين القدرة على تغيير أحوالهم، تماما كما يفعل معظم سكان الأرض الذين لا يستحون أبدا من تكرار طلب تنحي حكامهم واستبدالهم بآخرين كل أربع سنوات. وبدونما زعل يذكر.
لا نريد مزيدا من التنافس الخبيث بين الأسماء والشخصيات والرجال، وإنما نريد تنافسا نبيلا يغير بل يزلزل ما نحن فيه من سوء أحوال.
وإلا فلنتوقع جميعا مزيدا من الخسران وسوء المآل، وربما لعنة اللاحقين بنا من أجيال.
 محمد عبد الله الشيباني

الجمعة، نوفمبر 09، 2012

ألف خطبة منبرية


ألف خطبة منبرية، لم تجعل طريق الجامع ممهدة سوية!

الخطب المنبرية التي تعد بالآلاف معنية بمناقشة وتمهيد طرق تفكيرنا وطرق سلوكنا وطرق كلامنا وحتى طرق دبيبنا ومسيرنا.

خطب المنابر الجُمعية وغيرها اجتماعات رسمية أجندتها الحقيقية ذلك الكم الهائل من مشاكلنا الاجتماعية والسياسية والثقافية وحتى الشخصية والنفسية، وما لم تفلح هذه الخطب في حل هذه المشاكل فإن أهميتها التعبدية يشوبها النقص ويعتريها القصور.

في الجامع الذي ألتقي فيه بإخواني المؤمنين المسلمين، وأجتمع فيه بزملائي المصلين أعضاء هذا الاجتماع الأسبوعي الألفي التعداد، تطرق اجتماعنا المكرر هذا خلال السنين إلى مئات المواضيع وطرق جميع الطرق، ولكنه لم يفلح في اتخاذ قرار إيجابي نافذ واحد يستهدف أقرب تلك الطرق وأهونها، وهو مناقشة مشكلة الطريق الذي يدب فيه الناس قاصدين جامعهم الذي دأبوا على الاجتماع فيه آلاف المرات وبنصاب يفوق عدد المقاعد المتاحة.

أجندة هذا الاجتماع يحررها ويفرضها خطيب الجمعة منفردا، وهو بهذا ينوب عن الآلاف من المصلين المجتمعين ويتصرف نيابة عنهم في تحديد المشكلة الأسبوعية المطروحة، وليس لأحد من المصلين الآلاف دور في تحديد موضوع الخطبة والمشاركة في اتخاذ قرار ما من آلاف الاجتماعات المعدومة القرارات، والتي يتم عقدها على مدار السنين، وهو ما يجب أن ينظر إليه على أنه السبب الرئيسي في فراغ تلك الخطب من محتواها الإجرائي التنفيذي الإيجابي الهام.

الطريق الذي يقع عليه هذا الجامع والذي يؤمه الآلاف من المصلين كل يوم جمعة بكامل زينتهم ووقارهم وتجليهم تسكنه الحفر والمطبات وتتكدس في نواحيه القمامة، ولم يخصص الإمام خطبة واحدة يدعو فيها هؤلاء المصلين إلى التعاون من أجل إصلاح هذه الطريق وإماطة الأذى عنها، وهو عمل من أهون أعمال الإيمان وشُعبه. وحتى إذا ما صادف وطرق الإمام هذه المشكلة فإن طرقه هذا لا يتعدى تكرار الخطاب الديني التقليدي المعروف، والذي يقتصر على ترتيل آية قرآنية أو حديث نبوي بالخصوص، سبق للجميع سماعه مئات المرات. والشأن ذاته يتبع مع أي مشكلة عظم أمرها أو صغر.

في حرم هذا الجامع، وعلى رصيف الطريق غير الممهدة  المؤدية إليه تظهر بوضوح وفي بؤرة إبصار الجميع الذين لا يفوتهم اجتماع واحد من هذه الاجتماعات الأسبوعية حزمة من المشاكل الاجتماعية الخطيرة التي تعبث بكيان المجتمع من مثل  ظاهرة الاتجار بالمخدرات إلى ظاهرة السطو والسرقة إلى ظاهرة خدش الحياء العام والعربدة المرعبة المفزعة، إلى غير ذلك من المواضيع الخطيرة التي قد تحتاج الظاهرة الواحدة منها إلى عديد الخطب المنبرية والاجتماعات الأسبوعية لمناقشتها واتخاذ القرار الصائب حيالها.

الاجتماع في الجامع ما لم يُفعل إجرائيا، وما لم تمس خطبة الجمعة مسا مباشرا مشاكل المصلين وتستهدف بالدراسة والحل تلك المشاكل، فإن الجامع وارتياده اليومي والأسبوعي سوف يحصر في الجانب التعبدي السلبي الذي لم يفلح خلال الدهور في تقويم سلوكنا أو تحسين أحوالنا.

لابد من اشتراك المصلين أعضاء هذا الاجتماع الأسبوعي في تحديد موضوع خطبة الأسبوع، ولابد من إلحاق خطبة الجمعة باجتماع مصغر لممثلي المصلين يتم فيه حوصلة موضوع الخطبة وتحرير قرار بشأنها.

لا بأس من إعداد قائمة بأسماء أعداد المصلين الدائمين والذين يواظبون على حضور اجتماع يوم الجمعة على أقل تقدير ودعوتهم إلى إبداء آرائهم في أجندة هذا الاجتماع، وكذا دعوة القادرين منهم إلى التبرع بما لديهم من إمكانيات مادية ومعنوية  لتسخيرها في حل مشاكل الآلاف التي تؤم الجامع وتقصده.

الدين ما لم يكتسب دينامية يلمسها معتنقه، ويحس بأثرها في سلوكه وسلوك من حوله، وكذا أثر هذه الدينامية في تطوير وتحسين تضاريس الحياة من حوله، فإن الدين سيتحول إلى طقوس تعبدية جامدة تقيم الدين جسدا وتنخره نخاعا، وهو ما عليه حالنا الآن.

إن نجاح الرموز الدينية وفعالياتها في تحسين حال الناس وتحضرهم يشكل رافعة مهمة في زيادة عدد الناس المتمسكين بالدين، أما تخشب هذه الرموز وجمود تلك الفعاليات وقصرها على الجوانب التعبدية الصرفة فإنه ينعكس سلبا على الألق الوجداني الروحي للناس وخاصة الشباب منهم الذين بطبيعتهم يجنحون إلى كل ما هو دينامي متحرك متطور.

محمد عبد الله الشيباني

الأربعاء، نوفمبر 07، 2012


بيان مجلس شهداء ليبيا

عقد عشرات الألوف من شهداء ليبيا اجتماعهم الأول غداة تشكيل أول حكومة ديمقراطية ليبية، وقبل قيام أعضاء هذه الحكومة بحلف اليمين القانونية، وأصدروا البيان التالي:

في كل بقعة من أديم وطننا الواسع الممتد سال فيه دم كل واحد منا، وفي كل مكان ضم رفاتنا، اجتمعنا نحن أرواح شهداء ليبيا، وذلك للتذكير والتأكيد على ما يلي:

1 ــ لم يترك أي منا وصية لأحد بتمثيله أو التكلم نيابة عنه، وبأن وصيتنا الوحيدة هي: لا ثمن لدمائنا غير تحضر بلادنا.

2 ــ  تحضر بلادنا يعني انعتاقها نهائيا من قيد أي طاغوت كبير بحجم رئيس جمهورية، أو صغير بحجم موظف خدمة محلية.

3 ــ  تحضر بلادنا يعني تحقيقها لمؤشر رضا اجتماعي متميز تعويضا لأهلها عن كل ما كابدوه من مشقة الدهور.

4 ــ نشهد ونؤكد ونجزم بأن شرف الثورة على الطاغوت شارك فيه كل الليبيين بحصص متساوية، ودليل ذلك انتشار دمنا ورفاتنا على امتداد تراب الوطن وفي كل ناحية منه.
     
5 ــ نعبر عن تبرؤنا واستنكارنا الشديد لكل من اتخذ من أسمائنا شعارا خص به نفسه أو قبيلته أو سوغ به أي عمل من أعمال العنف والسطو والتعذيب والتكبر والاستعلاء على أي مواطن ليبي.

6 ــ نعلمكم يا أبناء وطننا بأن ربنا جل وعلا نزع من قلوبنا كل غل نحو ظالمينا من أبناء وطننا وديننا، ولولا ما يفصل بيننا وبينكم من مدى برزخي لرأيتم أيدينا وهي تصافح مواطنينا.

7 ــ ولأننا نحن أولياء دمنا نعلمكم بأننا متنازلون عن حقنا مقابل تصالحكم ومسامحة بعضكم بعضا.

8 ــ يا ليتكم تعلمون يا من تمزقون سكون الليل بأصوات بنادقكم ومتفجراتكم فترعبون بذلك طفلا غفا أو مريضا عن دائه سها بأننا نحن الشهداء سكان البرزخ أكثر توجع وتألم بما ترتكبون، وأننا جميعا لذلك غائظون.

9 ــ يا ليت كل من لا يزال يرتدي ثوب الحرب المشئومة بعدما وضعت أوزارها، ويعيد إلى الذاكرة أحداثها المروعة أن يقلع عن ذلك فورا؛ فيقوم على الفور بتثبيت لوحة سيارته في مكانها، ويهذب ويشذب لحيته، ويطرح جنبا شعارات الحرب والمواجهة، ويستعيظ عنها بأناشيد السلم والبناء، وتراتيل الحب والود والصفاء.

10 ــ يا ليت كل من لا يزال يحن إلى أصوات الرصاص، ويصر على تسمية نفسه ثائرا أن يعلم أن الثورة بلسم وعلقم، وأن الإسراف في تعاطيها والإدمان على هذا العلقم ينهك الجسم ويفنيه عوضا عن أن يبنيه ويقويه.

11 ــ المجالس العسكرية ومجالس الثوار ومن هم على شاكلتهم هي كائنات وأجسام متطورة، وأن الإصرار على بقاء هذه المجالس متخندقة هو موت سريري لها، وأن عليها أن تبحث عن نفس حياتها تحت قبة البرلمان وفي إحدى ضفتي الصرح الديمقراطي، إما حاكمة أو معارضة.

12 ــ يا أعضاء أول حكومة ديمقراطية عبر تاريخ ليبيا كله، حري بكم أن تعلموا أن أسماءكم المبتلاة قد حواها سجل جينز الإلهي، ولله المثل الأعلى، وأن تاجا بثقل أرواح أزهقت وأمهات أثكلت وزوجات رملت وأطفال يتموا ومقدرات بلد أهدرت سوف يرفعكم إلى أعلى عليين أو يهبط بكم إلى أسفل سافلين.

وفي الختام اسمحوا لنا يا أعضاء الحكومة أن نقترح القسم التالي لأول حكومة ديمقراطية نحن من دفع أبهظ تكاليفها:

" نقسم بالله ذي الملك والملكوت الذي قهر الطاغوت أن لا نطغى ولا نساعد في بناء طاغوت ".

انتهى.

مع اعتذاري إلى كل شهيد وترحمي عليه.

محمد عبد الله الشيباني

الثلاثاء، نوفمبر 06، 2012


من اللانظام سابقا، إلى اللانظام المركب حاليا، أو نبوءة أوباما!

أثناء مرحلة مخاض ولادة نظام ما بعد الدكتاتور القذافي، ونحن في غمرة أفراح استقبال المولود الذي طال انتظاره،  والذي استغرقت مرحلته الجنينية العقود الطوال، رابني كثيرا، بل وأفزعني ذلك التصريح الذي أطلقه أوباما آنئذ، والذي قال فيه بلسان الواثق من توقعاته، بأن الليبيين تنتظرهم أوقات صعبة!

رابني وأفزعني تصريح أوباما هذا، وذلك لأنني كمعظم الليبيين كنت من المتفائلين كثيرا بنتائج التغيير مهما كانت وعلى أي وجه تقلبت، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى صدور هذا التصريح من قبل رئيس دولة عظمى تتزعم بلاده الحملة ضد الدكتاتور القذافي الذي أثار العالم كله واستفزه بسبب إعلان هذا الدكتاتور الحرب على شعبه.

كان أقرب تفسير لهذه التصريحات هو بقاء القذافي وأتباعه محتفظين بموطأ قدم في ساحة الحرب المحلية، وانقسام الليبيين إلى قبائل وفئات متنازعة متناحرة.

بفضل الله لم يصدق هذا التفسير، ولكن مدخلات عملية التغيير ومعادلات عملية اجتثاث طاغية مزمن جثم على الليبيين البسطاء ردحا طويلا من الزمن، فعلت فعلها في مخرجات هذه العملية الخطيرة، وتمكنت من إلحاق عيب خلقي جسيم في جنين الثورة الذي أرهقه المخاض العسير الطويل، وكذا ولادته الشاقة المرهقة.

الخروج من سرداب الدكتاتورية واللانظام الضيق المظلم إلى رحابة الحرية وألق شمس الديمقراطية ليس بالأمر الهين، وليس بالحالة العادية.

أجل إن الحالة الليبية الفريدة تلك، وتحول حال الليبيين الدرامي المفاجئ السريع من أجواء حظيرة القطيع إلى آفاق انعتاق الإرادة، وربما الانفلات الكامل من كل قيد، لهو بحق عمل حري به أن ينال الصدارة في سجلات الأرقام القياسية العالمية، بل ربما احتل المركز الأول الذي ليس له ثان.

الذي يهمنا في درامية هذا الحدث وخطورته هو انتقال الليبيين من حالة اللانظام المزمنة، قوام النظام الجماهيري، إلى حالة اللانظام المركب الطارئة، والتي نعيشها هذه الأيام بكل تفاصيلها، والتي ربما كانت هي التفسير المعقول والمقبول لنبوءة أوباما.

وأيا كان تفسير هذه الحالة، إلا أن حالة كهذه جدير بوصفها بأنها حالة مرضية خطيرة لابد للمصابين بها من أن يمروا بمرحلة حجر سياسي واجتماعي وربما نفسي، مع تطبيق أشد إجراءات ذلك الحجر الصارمة على هذا الجسم المعتل.

في عتبة حظيرة الحجر المذكورة يتوجب تعرضنا لصعقة قوية تعمل على إخراج الكثير من الليبيين من غيبوبة المبالغة في الشعور بالنصر على الدكتاتور، وضرورة شعور كل منا بأننا لم نهزم القذافي في حربه الناعمة على مدى العقود الأربعة، وكذا في حربه الخشنة على مدى الشهور التسعة، بل إن القذافي هو الذي هزمنا، وذلك بما ألحقه بنا من تخلف حضاري، وبما كبدنا إياه من خسائر حربه علينا.

إن دليل تقبلنا لهذه الصعقة، هو قيامنا بردة الفعل الإيجابي تجاهها، وذلك بقيام كل منا بخلع ما أثقل به صدره من نياشين مزورة، والتخلص من كل ما غنمه من غنائم معنوية ومادية زقوم.

المؤكد أن كل من يتأثر بهذه الصعقة، وفي يده سلاح خارج عن سيطرة الدولة، سوف لن يحتفظ بهذا السلاح، وسيقوم برميه على الفور، وذلك لأن مزيد الاحتفاظ بهذا السلاح هو إمعان في تكريس حالة اللانظام المركب، وتأكيد على تشربنا روح التسلط المعششة في ثنايا لعلعة الرصاص، وبالتالي تأكيد هزيمتنا في ساحة الحرب ضد الدكتاتورية.

هذه الصعقة وبما تحويه من كهرباء إيجابية مقومة مرشدة، لابد أن تعمل أيضا على شل كل يد تقوم بإدخال عصي التسلط والدكتاتورية في دواليب عجلة القطار الديمقراطي من أجل إبطاء حركته، وربما إخراجه من على سكته.

وبمجرد تجاوزنا لعتبة حظيرة الحجر المذكورة، وتلقينا تلك الصدمة الإيجابية، ونجاحنا في التعامل معها، نجد أنفسنا أمام حقيقة دامغة واستحقاق أخلاقي ثقيل تفرضه علينا واقعة اصطفاف الكون كله إلى جانبنا وقيامه بمساعدتنا على الانفلات من أنياب وحش، التهم في وجبته الأولى من الجسم الليبي الضعيف عشرات آلاف الأنفس، على أن يقوم في وجبته الرئيسية التي شحذ لها كل سكاكينه بالتهام أضعاف ما التهمه في وجبة التسخين الأولى.

لا زالت مرايا العالم وعدساته وذاكرة أناسه تستعيد من حين لآخر وثبة الشعب الليبي على ظالمه، وإنه لمن المخجل حقا أن تستعيد ذاكرة العالم محتويات تلك المرايا والعدسات وما حفظته لنا من مواقف مشرفة إبان حربنا على الطاغوت، ثم نفاجئ هذا العالم بالصور الفاضحة من صور اللانظام المركب المخزي التي نعيشها الآن.

صدقنا الله وعده، وسخر لنا جنده، ولكننا سرعان ما نسينا ذلك، فغلظت قلوبنا بعد رقة، وامتدت أيدينا بالبطش بعد طول امتدادها بالدعاء، وحل بيننا شديد البأس بعدما كان بيننا من ود وأنس، وحل محل ذكر الله وتكبيره تهويننا لجنابه سبحانه وقليل تقديره، ولم يكن كل ذلك ليحصل لولا حالة اللانظام المركب التي حطم فأسها كل المثل، وأتى معولها على كل القيم.

إن حالة اللانظام المركب التي نعيشها، والتي هي السبب الوحيد فيما نكابده من أذى وضرر ليست حالة اشتباه وظن، وإنما هي حالة نعيشها بكل تفاصيلها ودقائقها، وبكل ما تحمله من معنى، وليس أدل على إصابتنا القطعية بها من حادثة تجرؤ بعض المتظاهرين الشباب على اقتحام صالة انعقاد المؤتمر الوطني، ذؤابة السلطة الديمقراطية الوليدة وتهديد وتوبيخ أعضائه المنتخبين. كما أن حالة اللانظام هذه يؤكدها أيضا تسيب هذا المؤتمر نفسه وترك العشرات من أعضائه خنادقهم، وسفرهم في مهام خارجية نافلة إلى أماكن بعيدة، وذلك في وقت يحتم على كل عضو جعل مقر المؤتمر بيته الدائم ومحل منامه ويقظته.

النظام أساس العمل.
 اللانظام سوس العمل.
 اللانظام المركب هو السوء الكامل للعمل.
وإذا ساء العمل انقطع الأمل.

محمد عبد الله الشيباني

الأحد، نوفمبر 04، 2012



من خواطري القديمة

أردد كما يردد الكثيرون قول الشاعر أحمد شوقي رحمه الله :     دقاتُ قلبِ المرءِ قائلة له :: أنَّ الحياة دقائق وثواني    .

ولأنني كنت معتادا على ما للقلب من نبضات، ودقات متصلات منتظمات، وما للزمن من دقائق وثواني، بل وسنين  ممتدات، فلم أكن لأرى ما يلفت النظر ، فيما تضمنه سالف بيت الشعر، من مواعظ وعبر .

غير أن قلبي الذي لا أحس بدقاته إلا استثناء؛ خوفا وفرحا، أو ركضا وإجهادا، قام ذات ليلة، على حين غِرَّة، وعلى غير عادة، فحال بيني وبين الوسادة، وانتزعني انتزاعا من فراشي الوثير، ونومي الأثير، وعلمني هذا الدرس الخصوصي  الخطير .

كان الدرس خصوصيا خصوصية العلاقة بين المرء وقلبه ،الذي ليس له في جوفه مثله، وكان خطيرا خطر ما علِمته ولأول مرة أن المدى الزمني بين النبضة ولاحقتها ليس دائما   ثانية واحدة تزيد قليلا أو تنقص قليلا ، بل ربما امتد ذلك المدى امتداد البرزخ الذي لا يعلم مداه، إلا خالق الموت والحياه .

كان المعلم خفيف الظل، فأعطى درسه وارتحل، وذلك بعدما خصني بهذا الحوار، وأفضى إلي ببعض الأسرار، آثرت أن أنظمها شعرا، علني أحسن لها ذكرا ، وتكون في قلوب القارئين أعظم أثرا .
 فكانت هذه الأبيات :
في    هدأةِ   الأصواتِ  والحركاتِ
خَرقَ  السكونَ وضجَّ  بالخفقاتِ
فعرفـتُ   طارقَ   خلوتي وسألـتهُ
فيمّ  ارْتـفَاعُ    وتيرةِ النبضاتِ؟
لا  صوتَ  أسمعُ غير صوتكعالياً
والكلُّ   حولك   غارقٌ     بُسبات 
فَـأجَابَنِي:  قـبْـلَ الْجَمِيـــعِ أنَا هـُـنَــا
وقوامُ  هَذَا الْجـسـم مِـنْ لـَبـِـنـَاتي
لَـوْ لَــمْ  أكــُنْ مُـتَـحَـرِّكاً  مُـتـَكَـلـِّماُ
لَرَأيْتَ مَنْ فِي الأرْض كَالأمْواتِ
مُـذ ْ  أبدعَ  الخلاقُ  كاملَ   خِلقتي 
لمْ   أنقطعْ   أبدا ً عن  الحركاتِ
كـُلـِّفت ُ   إعطاءَ   الحياةِ    وعدَّ  ما
تحوي   حياة   الحيِّ  مِن   أوقاتِ
لَـوْلاي ما لانَ الـشـدِيـدُ  لِـسَــاعِـــــدٍ
ودنا    البعيدُ   لواهن ِ الخطوات ِ
فعَظِيمُ  مَا  شـادَ  الأنَـامُ   بِـأرْضِـهِمْ
مِنْ وَقعِ  إيقاعِي  ومِنْ  طَرَقَـاتِي
مُتتابعُ   الأعْوَامِ   لـيسَ    وَسِـيـلَـتي
فـي الْـعَـدِّ   بَـلْ  مُـتتابِعُ  الدَّقـَاتِ
لــوْلاي لامْـتـدّتْ رَتابـة ُ   وقـتـــكـمْ
وَلـَمـا اخْـترعْتمْ عقرَبَ  الساعاتِ
نبْضِي   ودَقاتِي     دَلِيلُ   حَـيَـاتِـكمْ
وبَليغُ مَـا فِي الْـكَون ِمـنْ أصْوَاتِ
قبْضٌ    وبَسْطٌ   أبْجـدية ُ   مَـنـطِـقي
وحروفُ  ما  دوَّنتُ  مِن  كلماتِ
ورَفعتُ صَوتِي كَـيْ أ ُبَـلــِّغَ  حُجَّتِـي
ويلامسَ الأسماعَ صوتُ عِظاتِي
حقاً ، أجَبْتُ  الـقَـلـبَ ، ثمَّ  سَـألــــتــُهُ
 عـنْ أوّل ِالـدَّقَاتِ ، وَالـنـَّـبـضاتِ
فَالنَّبْضَةُ ُ  الأولَى ، ورَهْبَة  وقْـعِـهَــا
قَـدْ ضَاعَ فِي الْمَألُوفِ  مِنْ دَقَّــاتِ
مَنْ ذاك  قدَّر  في  الوجودِ   وجودَها
لـتـكون َ   إيـذانا ً  ببعـثِ   حـياةِ ؟ِ
مـَنْ  ذَاكَ  حَدَّدَ   وَقْعَهَا   وَزَمَـانـهَــا
وَرَهِـيـبَ إيـقَـاع ٍ لـهَـا  وَسِـمَــاتِ؟
لا شَــكَّ  أنَّ   الْكَوْنَ   أصْغَى   كلـُّهُ
لجليل ِ  ما   للقلبِ  مِن   صلواتِ
فــحُـلـولُ رُوح ِ اللهِ  طِينَ  جُسُومِـنَـا
حَدَثٌ عَـظِـيـمُ  الـشّـأن ِ والغَـايَاتِ
خشعتْ   لمقدمها   القلوبُ   فأطلقتْ 
صوتا َ يلازمها   مدى   الأوقاتِ
وكأنها     للرو ح ِ    تعقـدُ    محفلا 
فقراته  إيقاع    ذي   الطلقات ِ
حتى    إذا     بلغ    الزمان    ختامَهُ
بنفاد ِ  ما   للعمر   من    ساعاتِ
صمتَ  الذي  عرس  الحياة ِ دبيبهُ
وسكوتهُ     أنشودة ُ   الأمواتِ
ما  كنتُ  أعلم ُ  أن َّ   وسط   قلوبنا
صفـَّان  مِن   متجاور   الحجرات 
مُلئتْ      دما ً   متدافعا       متدفقا ً
لـتـضخـَّهُ  ضـخّاً   إلى الـقـنواتِ
مَـنْ  ذَاكَ   جَهزَها    وألّـزَمَ  بَـابَهـَا
فـتـْحـاً  وغـلـْقـاً  سَائـِرَ الأوقـَاتِ ؟
مَـا كـُنْـتُ أعْــلَـمُ  أنَّ  وَسْـطَ  قـُلوبنَا
شبكاتُ  سِلكٍ  تصنعُ  النـَّبـضاتِ
يـسـْرِي  بِهـا الـتـّـيّـارُ وِفَـق  تـناوبٍ
وتـوازن ٍفِي الْـوقتِ  والشُّـحْـناتِ
حـتى  رأيـتُ  مُـجـسَّـماتِ  قـلـوبـِـنا
وبجوفها    مُتكَهْرَبُ   الشـَّبـكاتِ
مُـلئتْ  دمـا ً   مُـتـدافـعـا ً  مُـتـدفـقـا ً
لتـضخـَّهُ  ضـخـّا ً إلى  الـقـنواتِ
قـَـدْ عَـلـَّمـتـْنا  الْـكـهْـربـاءُ  بــأنـَّهــا
وَسَـطَ الـرُطوبـةِ تكـْثـِرُ الْـعثـَراتِ
بـَلْ  رُبَّما   انْقطـعتْ وضـلَّتْ  دربَها
فـتصادمتْ  و تحوَّلتْ   صعـقاتِ
لكنها     وسط     القلوبِ    تآلفـتْ
بأوامر ِ  القيوم ِ   ذي    القدراتِ
قـَــدْ  مَـسَّـني يـوْمــاً  تـَعَـثـّرُ  شحنة ٍ
لِـيـسـيـرِ أجـزاءٍ  منَ الـلـَّحـظاتِ
فـرأيْتُ  كُـلَّ  الْكـون ِ خَالـَفَ  سـَيرَهُ
ونـُجُـومَـهُ الْـغَــرّاءَ مـُنـكـد راتِ
وَرأيـْتُ غُـولَ  الْموتِ  نحوي  مقبلا
متسارعا      كتسارع     الدقات
فَـنـُصِحـْت ُ فـوْرا ً أنْ أرَكِّبَ حَارساً
ومُنظــِّـماً    لِوتِيـرةِ  الــنبضـاتِ
ومُـسيِّـلا ً  لِـدمي   كـذا   ومـُـنـشِّـطاً
لـمـسيـرةِ  الأدْمـاءِ   بالـقـَـنـواتِ
وجزعتُ  مِنْ  موتٍ  رأيتهُ  مدركي
ومُهدِّدي  في   يقـظتي  وسُـباتي
وبـِعـدِّ  أنـفـاسي   أحِـسُّ   وقــوعـَـهُ
وبـِعَــدِّ  مـا  للـقـلبِ  مِن نبضاتِ
وَهُـنا الـتـفتـّـتُ  إلى  الـوراء ِ أعُـدُّها
د قـَّاتُ   قـلب ٍ  كـُـن َّ  مُنْتـَظِمَـاتِ
وَ دَ مـا ً  بــهِ   مُتجانساً   مـُتـدفـِّـقــا ً
مَوّا رَ  طولَ   العـمْر ِ  والـسنواتِ
مـنْ كـَانَ يحرسُهُ  ويـضبط ُ  نـبـضهُ
طولَ  السنين ِ وسائـــرَ الأوقــاتِ؟
مَـنْ كـان  يُطـلِق ُ شـُحنة  ، ويشدُّهـا
في  هـائج ِ  التـيـّا رِ  والظـُّـلماتِ؟
مَنْ  كان  يحسِبُ   قـَدْرها ، وزمانها
ومسارها  في  أضيـق ِ الطرُقاتِ؟
مَـنْ  كان  يـضْبـط ُ للدِّمـاءِ  قـَوامَـها
ويُجـيرُها  مِـن  مأزق  الجلـْطاتِ؟
فعَجبْتُ مِنْ صَمْمي  وفاضح ِ غفلتي
عَـنْ  جوقةٍ  عزفتْ  نشيدَ  حياتي
وتنكري    دهراً      لباذخ ِ   نعمة ٍ
  لو أحصيتْ  بلغت حصاةَ   فلاة ِ
أمضيتُ  عمري   آمنا،  وأنا  الذي
أمشي عَلى  شُرُكٍ  مِنَ الشُّحْـناتِ
 وظللتُ    أمرحُ    ناسيا ً    غيلاتهِ
مَــوتٌ  يـَعُـدُّ  الـعـمــرَ باللحظاتِ
مـوتٌ  يـدافـعـنـا   تـجـاهَ   نـهـا يـة ٍ
تـأتي  على   قـَدَر   ودونَ  فـَواتِ