السبت، يوليو 02، 2011

القائد يعترف: ألفٌ كأف



 منذ أمد بعيد والشك يساورني في أن الجاذبية الأرضية متحدة المقدار في كل مكان على صفحة المعمورة، غير أن مشهد الأمس، الذي حوى آلاف البشر ممن وطئوا بأرجلهم الثقيلة صدر طرابلس بكامل كتلتهم المادية الصرفة، حوَّل هذا الشك إلى يقين. أجل فالناس في بلادي في حالة عدم استقرار كتلة، وربما حالة فقدان وزن بالكامل.

فالحركة المادية الصرفة لأجسامنا تحكمها معادلات ثابتة لا حصر لها، وتتحكم فيها قوى متعددة ومتداخلة ومتقاطعة، وربما متضادة، في سيمفونية بديعة، أحد أبرز ألحانها وأبلغه، هو التسبيح للخالق المبدع الذي خلق كل شيء وقدره.

أما الكتلة المعنوية لكياننا الآدمي العاقل المكلف المسئول وحركتها، فهي أشد تعقيدا من سابقتها المادية، كما أن نتائجها أعظم أثرا، ومحصلتها أكبر خطرا.

 تمكن القائد الدجال يوم أمس من إحضار كل تلك الكتل الآدمية المادية بكامل حمولتها، ومن أمكنة بعيدة متناثرة على مساحة ليبيا الشاسعة، وربما تونس والجزائر المجاورة، وذلك رغم ما يعانيه القائد، الذي تخلى عن كتلته المادية هذه الأيام متحولا إلى شبح يُسمع ولا يُرى، من نقص وقود ومركوب، وهو إنجاز يستحق لأجله شهادة عالية جدا، نوبل مثلا، في تقنية النقل المادي عبر الأثير، والنقل المعنوي عبر التزوير، كما يستحق القائد أيضا بهذه المناسبة اسما ولقبا جديدا، يضاف إلى خزانة ألقابه وأسمائه المكتظة أكثر من خزانة جواربه، بالمعقول وغير المعقول، من أسماء وصفات وألقاب.

كل الذي ذكرت عن القائد وإمكانياته يعرفه الجميع ممن هم حوله، والذين تأثروا بطريقة أو بأخرى بقوى العقيد السحرية، فجعلت بعضهم مريدين وللقائد عاشقين، وبعضهم خداما له طائعين، وبعضهم الآخر مسخا لا كتلة له ولا حجم ولا عقل ولا دين.

آخر البراهين على إمكانيات الدكتاتور الساحر الخارقة، هو تمكن شبحه يوم أمس من السيطرة على كل تلك الكتل البشرية، وتحريكها على طريق ذات تضاريس متشعبة وعرة خطرة، وتمكنه من صفِّ كل تلك الكتل في صفوف طويلة، واضعا على رؤوسهم المطأطأة المنكسرة علامته المميزة وشارته المعروفة وشريطه الأخضر المقرف، معلنا بذلك عن بلوغ تلك المزقة الخضراء مدى قياسيا من مداءات مسخ البشر واستعبادهم.

إن الأمر الأهم الذي أعلنه العقيد يوم أمس واحتفى به، هو انجازه الخطير، ومخترعه القصري، والذي وبحق لم يسبق لرئيس دولة من قبل أن أحرزه، ونسبه إلى نفسه بهذه الجرأة التي اتصف بها العقيد وهو يعلن على الملأ أن باستطاعته تفريخ ألف سفير، وربما ألف وزير، و ........الخ.

الماركة المسجلة لمخترع العقيد الأخير هو " ألف كأف". وهو مخترع يمكن بواسطته تغيير كل طبقة جلد القائد  المحيطة به؛ من وزراء، ورؤساء أجهزة، ورؤوس ثورية وأمنية في مرة واحدة، وقذف كل مزق ذلك الجلد الذي يغيره متى يريد، وفي دفعة واحدة، قاذفا به في أقرب سلة قمامة بشر، وربما أشباه بشر.

تـُرى كيف آوى أولئك المساكين من أمناء وقيادات عسكرية وأمنية، وهم مستنفرون إلى الدرجة القصوى لحماية القائد، إلى فراشهم في مساء يوم إعلان الاختراع الأخير" ألف كأف"، وبعد سماعهم بأنفسهم هذا التصريح الصاعق الذي أكد فيه سيدهم، المدافعين عنه بأرواحهم، وربما بأرواح فلذات أكبادهم، بأنهم مجرد منتج روتيني متكرر في مصنع تفريخ البيادق البشرية الرخيصة.

لا شك لدي في أن كل أولئك المسئولين، ينظرون إلى زملائهم الذين سبقوهم بالقفز من على ظهر السفينة التي يقودها هذا المجنون، بعين الغبطة، وربما الحسد، وذلك لتأكدهم بعد سماع مقالة قائدهم الأخيرة بأنهم مجرد مِزق من جلد مهتري يغيره العقيد ساعة يريد، وبأنهم ليسوا سوى مستوعبات وقود، يُستبدَل بغيره عند احتراقه، ولا شيء غير ذلك.

يا حراس القائد والمدافعين عنه، حتى بعد تحوله إلى شبح، بالأمس فقط، وبعد أكثر من أربعين عاما، من إبرام صفقة بيع دينكم ودنياكم لهذا الدكتاتور، ها هو يقوم بمعايرة نهائية لقيمة أعمالكم وكيانكم المادي والمعنوي، ويصرح بكل شجاعة وثقة، بأنكم مجرد طحالب يمكن زراعتها في مزارع الطحالب الكثيرة التي تحتويها إقطاعية البشر التي يملكها  هذا الدكتاتور المعمر وأبناؤه، وبأنه على استعداد لكشطكم بسكينه الحاد في مرة واحدة، واستبدالكم بغيركم لمجرد تعبيركم عن الحد الأدنى لآدميتكم وإنسانيتكم.

إن بقاءكم على حالة كهذه، وقبولكم بمعايرة كيانكم المادي والمعنوي وفق المقاييس المجحفة التي وضعها الدكتاتور ، سوف يعرضكم إلى الهلاك المعنوي في الدنيا والآخرة، فضلا عن الهلاك المادي المحيق بكم.   

محمد الشيباني
aa10zz100@yahoo.com
         

ليست هناك تعليقات: