الخميس، يوليو 14، 2011

رمضان بدونك أجمل




رمضان أقبل،
         وبدونك أجمل،
                   يا هذا فارحل.

لو اكتفيت في مقالتي هذه بهذا العنوان، عاليه، لكفاني. أما لو كنت أكثر سخاء وكرما، وربما إثارة وشقاء، ووضعت تحت هذا العنوان المحرك للشجون، والنابش للذكريات الكثيرة الموجعة عبارة: "القذافي نازع البركة من الأشياء ومن الزمان ومن المكان"، لكفَّت هذه العبارة ووفَّت، ولأرحت نفسي وأرحتكم.

تُرى هل يُنعم علينا ربنا، فيذهب الطاغية القذافي، قبل أن يجيء رمضان، وينزع مشرط القدر القاهر الجبار ذلك الورم القذافي الخبيث المتجذر فينا مع كل التصاقاته التي لا تزال متشبثة به، رغم بلوغه المرحلة الأخيرة من مراحل حياته الخبيثة، فنعيد على الفور، ودفعة واحدة، حياتنا التي اغتصب هذا القرصان اثنين وأربعين عاما من أعوامها الغالية، ونعيد معها رونقها الضائع، وبهجتها المغتالة، وصفاءها الذي نغَّصه علينا هذا المخلوق الشقي الأثيم.

تُرى هل يكرمنا الله هذا العام، ونقف مع أفول شمس يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، ونطلق أعيننا في السماء التي ستكون أكثر اتساعا، وأصفى وأبهج ألوانا، ونُجيل أبصارنا في أرجائها الفسيحة، منقبين عن مفتاح كنز المغفرة، هلال شهر رمضان المعظم، والذي سرقه من سمائنا ووجداننا العقيد المريد، العقود الطوال. حيث سنرى ذلك الهلال كما لو أنه يطلع للمرة الأولى، أو كأنه مسافر عزيز علينا طال غيابه فاجتمعنا لاستقبال موكبه المفرح السعيد. عندها سنرفع أيدينا بدعاء لابد وأن الله سيحققه قبل النطق به. ذلك أن ذهاب القذافي من مكان ما، مدعاة لتحقق البركة في نفوس ساكنيه، وقبول دعائهم، وهو لم يزل خاطرا في القلوب.

تُرى هل يعيد إلينا رمضان هذا العام، الخالي من القذافي، مشتت ومفرق الجماعات، ما تناثر وتبعثر من حبات عقدنا الليبي الغالي، فتجتمع الأسرة الليبية الواحدة التي شردها وفتتها هذا الشقي، ولأول مرة بعد أكثر من أربعين عاما، على مأدبة إفطار واحدة، ويعود بعودتها واجتماعها عبق ذلك الإفطار الرمضاني الذي أذهبه عنا كدر الفراق، وانتزعته منا وحشة الغربة، وحرمنا منه، وعن عمد وترصد، حاكم أهوج، يعد إنجازاته بعدد ما يصنعه من هموم ومنغصات للناس كل الناس، ورعيته من باب أولى.

تُرى هل نصوم نهار رمضان الصيفي الطويل المرهق، فلا نشعر بعطش، ولا نعاني من ظمأ أبدا. وكيف نشعر بالعطش والظمأ، وقد ورد جميعنا ينبوع الحرية الدافق، وعبَّ من رائق شراب الانعتاق اللذيذ، ثم غسل هناك نفسه وطهرها من أدران العبودية للحكام المتسلطين، أنصاف الآلهة، والذي سيؤرخ العام 2011 المجيد الذي شهد سقوط القذافي بانقراض هذه السلالة ذات النسب الشيطاني اللعين.         

ترى هل نقوم بأداء صلاة تراويح رمضان هذا العام في مساجدنا العامرة، وقد عاد إليها عبقها المسروق، واسترجعت أمنها وأمانها المفقود. فلا نجد بوابات التفتيش ونحن ندخلها. ولا تضايقنا نظرات المخبرين الذين يعدون صفوف المصلين، ويحسبون عدد ركعات صلاتهم، ويحددون طريقة قراءة قرآنهم، وأنواع أدعيتهم، وقبل وبعد كل ذلك يفرضون عليهم من يؤمهم، ولو كانوا له كارهين.

تُرى هل سنتجول في رمضان هذا العام في شوارع مدننا وقرانا، فنرى صفاءها المعهود قد عاد إليها، وقد خلت من كل قذى كانت تقذفه في أعيننا صور الطاغية المرعبة، وترهاته المستفزة المقززة. كما نكتشف أن أذى الطريق؛ من بوابات ودوريات ومربعات أمنية قد أميط وللأبد من على وجه طرقاتنا الوادعة، فبدت مدننا، بعدما رحل عنها الأوصياء السفهاء الأدعياء، على غير ما نعرفها من فرط ما اكتنفها من جمال عذري آخاذ، عاد إليها بعد غياب طويل. وعندها سنعيش لحظة الاندهاش، وحالة المتاهة اللذيذة في أحضان من ننتظر ونحب، بعدما نكرناه لبرهة.

تُرى هل نقوم في سَحَر ليالي هذا الشهر الكريم، ونرفع أعيننا إلى السماء، فنرى أبوابها أكثر قربا واتساعا مما كانت عليه، ونسأل مندهشين مبهورين عن سبب ذلك؛ فلا نجد سببا سوى احتفاء السماء بخبر سقوط أكبر وأعتى شياطين الأرض، القذافي، ذلك القذافي الذي بسط الله له حلمه، فاغتر وظن أنه ظل الله  في أرضه، ووصيه على خلقه، حتى ضج منه الخلق الذين غلق عليهم أبواب الأرض؛ فلجئوا إلى أبواب السماء يطرقونها، فردَّ البشير: استجاب القدر.

تُرى هل ننتظر العيد، ونحن متأكدون، أن هذه العيد هي العيد الأولى التي لم يتفضل بها علينا الشقي معمر القذافي، وأننا بالفعل سنشرب جميعا نخب العيد الحقيقي الغائب، والذي تعتق خمره أربعين عاما ويزيد.

حقا سيكون رمضان بدونك أيها الدكتاتور المعمر أبهى وأجمل، وسنفعل كل الذي ذكرت وأكثر، بمشيئة الله وقدرته، ونعمائه وفضله. غير أن فرحتنا ستنغصها مرارة فقدان الأحبة الشهداء الذين أزاحوا بأرواحهم الشفافة البريئة الطباق الثقيلة لظلمك وجبروتك. تلك الأرواح التي لولا حجب البرزخ لرأيناها بجانبنا ترقص وتبتهج أكثر منا، وذلك لأنها تعيش الحياة الحقيقية، وتتنفس هواءها الخالي من أنفاس الطغاة، وترى نورها الرائق الذي لا تعكر ضياءه المقدسة ظلال الضالين المضلين، من أمثال القذافي وحزبه اللعين.

محمد الشيباني
aa10zz100@yahoo.com
     

هناك تعليق واحد:

R.Y.M يقول...

بدون تعليق هههههههههههههههههههههههههههههههه