الجمعة، يوليو 15، 2011

تفخيخ طرابلس .


صدق مارغيلوف، أو كذب .. أكد البغدادي، أو نفى.
ذات مرة، وأنا أشاهد شريطا وثائقيا عن الضواري وحالها في غاباتها، لفت نظري مقالة المسئول عن الغابة، وهو ينصح أحد زوار هذه الغابة، والذي يبدو أنه اقترب أكثر مما يجب من أحد الأسود، ناظرا إليه بشيء من البراءة، فقال مسئول الغابة للزائر محذرا: إن هذا الأسد الذي أمامك، إنما ينظر إليك باعتبارك قطعة من لحم، يتوق إلى التهامها، لا أكثر ولا أقل.

تراجع الزائر بمجرد سماعه هذا التحذير المرعب، وأخذ ينظر إلى الأسد خائفا مرعوبا، بل بدا له وكأنه آلة فرم لحم، لا تفرق سكاكينها عند دورانها بين جيفة حيوان نافق، ويد إنسان رومانسي امتدت خلال القضبان برفق لتربت على رقبة الحيوان المسكين السجين، مستنكرة ما يمارسه الحراس الأشداء من غلظة تجاه الحيوانات القوية الضارية.

كان الكثير منا، وربما بعضنا لا يزال كذلك، ينظر إلى القذافي على أنه كبقية الحيوانات البشرية الأليفة، إذا شبع سكت جوعه، وإذا حكم أربعين عاما وهرم تعب وكل ومل وسهلت إزاحته.

هذا رأي قاصر لا يزال يحمله، بكل أسف، بعض الناس عن القذافي، وهو يقابل نفس الرأي الذي كان يحمله زائر الغابة عن ذلك الأسد المسكون بوحش الجوع، وذلك قبل سماعه تنبيهات وتحذيرات من يعرف ذلك الوحش حق المعرفة، ويعرف سلوكه العدواني القاتل عندما يجوع.

الذين تمكنوا من رؤية القذافي عن قرب، وهو مسكون بنزعة حب التسلط والكبر والحقد والخوف من الآخر، أدركوا قبل غيرهم خطر ذلك الوحش الضاري.  

رأوه هؤلاء مرة، وهو يذهب غاضبا حانقا من مكان احتفال بإحدى كليات جامعة طرابلس، وذلك بعد اكتشافه عدم قيام مريديه الثوريين بالواجب، وخلو مكان الاحتفال من طقوس الشنق المتعارف عليها في الأعياد الابريلية المقدسة. وحرصا من الابريليين على مشاعر قائدهم، قاموا، وبسرعة البرق، بإحضار أحد القرابين المحتفظ بها في الأمكنة المخصصة لذلك، وتمت الطقوس الابريلية الثورية الجماهيرية البديعة كما يحب القائد ويرتضي.

كما رأوه مرة أخرى، وهو متكئ على أريكته، في خيمته المكيفة، يصدر أوامره بقتل جرحى الحروب اللامقدسة التائهين في الصحراء المحرقة.

ورأوه مرة ثالثة، وهو يصدر أوامره بقتل ألف ومائتين سجين، توزعوا بين صبيان وشباب صغار، وآخرين أطلق عليهم سجانوهم مجموعة السجناء الأبرياء، وآخرين شيوخ ومرضى لا قوة لهم ولا حيلة.

صدق مارغيلوف أو كذب. أكد البغدادي أو نفى. كل ذلك لا يهم، أمام الحقيقة الواضحة وضوح الشمس، والتي لا يخفيها صاحبها، القذافي نفسه،  ولا يواريها، كما لا يجهد سامعها في تأويلها البتة.

ألم يصرح القذافي، في خطابه المشهور، "زنقة زنقة"، أنه سيجعل ليبيا، كل ليبيا، قطعة من جمر. وما طرابلس إلا جزءا من هذا الجمر الذي ينفخ فيه القذافي السنين الطوال، بل هي بؤرته.

نحن أهل طرابلس وساكنوها، نعلم علم اليقين الشعور العدائي الذي يكنه القذافي نحو طرابلس، ونتوقع منه ما قاله مارغيلوف وأكثر، ونوكل أمرنا وأمر طرابلس المختطفة المغتصبة إلى جبار السموات والأرض الذي ابتلى طرابلس بهذا الدخيل الحقير، وعصابته المتخلفة الحاقدة الجاهلة.

السؤال الملح، هو: كيف فهم الموالون للقذافي، على قلتهم، والذين بالقطع هم ليسوا بطرابلسيين؛ لا مولدا،  ولا نشأة، ولا هوى. وإنما هم طرقوا، ولبعض حاجتهم، باب طرابلس ذات يوم، ففتحت لهم طرابلس وأهلها القلوب قبل الأبواب، ولم تشعرهم طرابلس أبدا بغربتهم، رغم ما يصدر عنهم من همز ولمز فيها وفي أهلها، وكذا ما يبدونه من اعتداد واعتزاز مستفز بباديتهم ونجوعها، وخاصة بعد تحطيم الراعي لتاج الملك، وانتصار الخيمة على القصر.

ترى ما الذي سيفعله هؤلاء، عندما يدخل الثوار طرابلس؟

غريزيا، سيقوم هؤلاء بصد الثوار بكل ما في أيديهم من سلاح خصهم به معبودهم( معمر وبس)، وكذا بكل ما في قلوبهم من حقد وغل. وسيجعلون من سكان طرابلس المحايدين دروعا بشرية، لاعتقادهم أن المحايد في ظروف كهذه لا يختلف كثيرا عن العدو.

أما تكتيكيا وتنظيميا، فغالب الظن أنهم لا يعلمون ما يدبر لهم محبوبهم من مكائد تشيب لهولها الولدان.

"يا نفس دونك صاحبك".

هكذا يقول ويصرح القذافي كل يوم، ولكن هات من يستمع ويعي!

أجل. القذافي يقول، مشيرا بسبابته إلى جمهور الموالين المغفلين: أنتم درع الثورة التي صاحبها معمر وأهله ولا أحد سواه. أنتم أسلحة الدفاع الجوي. أنتم الألغام التي ستنفجر إذا وطأ حمى عرين العقيد أحدٌ ما.

كم أنت واضحٌ أيها العقيد المريد!

وكم نحن طيبون أغبياء!

وكم أنتم، يا من لا زلتم، لا تفرقون بين لون ورائحة الدم الذي يهرقه القائد  القاتل في كل مكان، ورائحة ولون العصائر التي يسكبها لكم مضيفكم القائد  المخادع الغرور على مآدب ابتزازه الفطري المفضوح، ليشتري بذلك الثمن البخس غفلتكم، وسويعات انتظاركم في فناء المسلخ، ومن بعد ذلك جماجمكم التي سيعبر عليها هو وأولاده وأحفاده، ثم ينسفكم بعد ذلك ويحرقكم، ويحرق طرابلس معكم.

قد أسمع حارسُ  الغابات  إذ  همس 
              وأدرك  الخير  مَنْ   بالهمس  يلتزمُ
وصوتنا   بُحّ   إنذارا   لمن   لمسوا 
              أنيابَ   ذئبٍ   وقالوا  الذئب   يبتسمُ

لكِ الله يا طرابلس.

لا عذر لكم أيها السفهاء الحقراء.

محمد الشيباني
aa10zz100@yahoo.com

                   

ليست هناك تعليقات: