الجمعة، يناير 04، 2013

تبا للطغاة؛ منعونا تعلم الثورة، فانزلقنا إلى الفورة!


تبا للطغاة؛ منعونا تعلم الثورة، فانزلقنا إلى الفورة!

الآن أضحى جليا أن ما قمنا به كان مجرد فورة وليس ثورة، وأن نظام الاستبداد الذي حكمنا طويلا هو من سبب لنا هذا  الشلل الثقافي الذي ألبس علينا الفورة فحسبناها ثورة.

أما أن ما قمنا به هو مجرد فورة وليس ثورة، فهو أمر أكدته المشاهد الأولى لفوران الشارع في فبراير 2011، وما اتسمت به حركة الجماهير المنتفضة آنذاك من عفوية واضحة، ثم زادت ذلك تأكيدا تلك المشاهد والتصرفات التي اكتنفت سلوكنا من لحظة سقوط النظام حتى حينه.

إبان خوضنا للحرب التي فرضها علينا القذافي وحتى إسقاط رأس النظام الدكتاتوري كانت الفورة بكل عيوبها ومنزلقاتها مقبولة لعدم توفر البديل لها، ولكن وبعد انقضاء عامين على ما أطلقنا عليه اسم ثورة لم يبد على أرض الواقع وسلوك الناس أنه كذلك، بل تبين لنا أن ما قمنا به ودفعنا من أجله كل غال كان مردوده متواضعا جدا، وهو مجرد سقوط رأس نظام حكم متهالك فقد صلاحيته بإجماع شهادات مختبرات الدنيا.

معالم هذه الفورة وملامحها الصارخة لا تكاد تخطئها العين، ذلك أن الكثير من الفائرين الأوائل ومن لحق بهم من فائرين مقلدين لا يزالون جميعهم في نوبة فورانهم المحموم.

أقل هؤلاء الفائرين سوءا أولئك الذين لا زالوا يصمون آذانهم عن سماع نداء الحكومة مجاهرين بعدم رضاهم بتسليم سلاحهم والانضواء تحت مظلة وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع. أما أسوأ هؤلاء الفائرين فإنهم لا يزالون يرتدون بزة الميدان ويمتشقون السلاح ويحاربون طواحين الهواء مثيرين بذلك غبار الفوضى التي تسمح لهم بقطف ثمار فورتهم والسيطرة على ما ليس لهم فيه حق؛ بدءا من راتب لا يقدمون عملا مقابله، وانتهاء بعمليات سرقة بالإكراه، وربما اختطاف وقتل.

لم يعد يهمني كثيرا أمر من لم يزل في حالة فورة وهياج غير مبرر، وذلك لأنهم جميعهم خارجون عن القانون، ويجب أن يحاسبوا على ذلك.

من يهمني حقا هم أولئك الذين حلموا بزوال ليل الطغيان طوال ليل الطغيان الأسود الطويل، وصنعوا جنين انتفاضة فبراير من أطياف حلمهم وقطرات دمهم، حتى إذا أذنت الأقدار بنفخ الروح في هذا الجنين، وأسفر فجر 17 فبراير عن ولادته، استبشروا بهذا الوليد المجيد، وأطلقوا عليه تبركا وتفاؤلا: اسم ثورة فبراير.

في مقدمة هؤلاء كوكبة شهداء الثورة على الاستبداد والطغيان قبل انتفاضة فبراير بعشرات السنين وإبانها، فعليهم سلام الله ورحمته وبركاته.

وثاني هؤلاء هم أولئك الأحياء الأنقياء من رجس الطغيان القديم والجديد، والذين أكرمهم الله وأثلج صدورهم بتحقق وعده في المستبدين الظالمين، ففرحوا بذلك وانتشوا،  ولكن سرعان ما سرقت فرحتهم، وتكدر صفوهم، وربما خاب أملهم.

هؤلاء الذين أعنيهم هم الذين، لا زالوا منتشين بسقوط نظام الطغيان، إلا أنهم لن يبلغوا ذروة نشوتهم حتى يتحقق الحلم، ويرون الثورة كائنا حيا رشيدا يزيل كل آثار الظلم والتخلف والفساد، ويرسي بدلها صروح العدل والتقدم والصلاح والرشاد.

وهؤلاء لابد أنهم يعلمون أن من مهد لتكدير صفوهم وخطط لحرمانهم قطف ثمار سقوط الطغيان هو نظام الطغيان نفسه بما كرس من جهل وتخلف وتصحر ثقافي على مدى العقود، وبما غرس من أسافين فرقة، وبما زرع من بذور تزمت واصطفاف جهوي وقبلي وحتى ديني نحصد الآن كل مساوئه ولم نظفر بأي من محاسنه.

الفائدة التي أرجوها مما أقول هو قدرتنا على تشخيص علتنا القائمة، هذه العلة التي جعلتنا نقف محتارين متعجبين من قدرتنا على كسر رأس الظلم الشديد القوي، وعجزنا عن بتر أطرافه وجذوره الناضحة بالجهل والنافثة لأدخنة الثلوث الحائلة دون أي تغيير والمانعة لأي إصلاح، بل والحاجبة عنا رؤية الطريق الذي نسير فيه.

ونحن إذ نشخص هذه الحالة يتراءى لنا بوضوح أبرز مظاهرها وهو انعدام القدرة على الاتصال والتأثير فيما بين مكونات القوة الشعبية المنتفضة من أجل التغيير، وكأن الليبيين لا قدوة لهم، من حكيم يسمعون نصائحه وكبير يذعنون لأمره.

وبالتركيز أكثر على هذه الحالة نلحظ بوضوح الحبل السري الذي يوصلها بمصدرها، وهو حبل مسموم ومحقون بجراثيم وفيروسات حقبة الاستبداد التي أمعنت في تكريس حالة انعدام القدوة والاستخفاف بأي كبير أو ناصح أو مشير.

أحتار كثيرا وأنا أسمع أن القبلية ونظامها هو من يحكم المجتمع الليبي. ذلك أن من معلوماتي البسيطة عن النظام القبلي هو خضوع القبيلة لشيخها وكبيرها وانضباطها هرميا  وصولا إلى رب الأسرة الصغيرة.

لو توفر هذا النظام الاجتماعي المحكم لأمكن تجميع رؤوس هؤلاء القبائل مهما تعاظم عددهم وتباين رأيهم، ولأمكن حل مشاكل الليبيين جميعهم في يوم واحد.

يبدو أن النظام القبلي الذي يحكمنا يعمل في اتجاه واحد غايته النفخ في الموروثات القديمة البائسة للقبيلة، من مثل التعصب والتكبر والتفاخر الفج، وكذا التكلف في ممارسة عادة الأخذ بالثأر، والصراع الدموي الساذج على شبر من أرض يباب، ولا شيء غير ذلك.

من أثر غياب دور القدوة، وتلاشي سلطة ومسئولية الكبير على الغر الصغير، ما شهدته مؤخرا عندما مررت بمجموعة من الصبيان الفائرين، وما أكثرهم هذه الأيام، وهم يقومون دونما خجل أو حياء بقطع وإغلاق شارع رئيسي مكتظ من شوارع العاصمة، الأمر الذي سبب في تغيير مسار المارين وتشتتهم في الأزقة والحارات، ليصل كل منهم غايته متأخرا الساعات، ومن هؤلاء من الدقائق تفصل بين موته والحياة!

لم أتحسر على شيء، وأنا أرى عربدة هؤلاء الصبية، أكثر من تحسري على غياب آبائهم وأعمامهم وأخوالهم وقصورهم عن نصيحتهم وردعهم، وزادت جرعة تحسري تلك عند قيامي بتصفح وجوه وملامح هؤلاء الصبية فما وجدت فيها أثرا من براءة ولا قطرة من ماء حياء.

مولود التغيير الذي حلمنا به وانتظرناه طويلا قارب بلوغ العامين من عمره، ولم يتهج بعد الحرف الأول من أبجدية الثورة والتغيير، وذلك لأن هذا المولود دخل في نوبة فورة وإغماءة هيجان كان من أهم أعراضها تعطل وسائل الاتصال المنظمة والمنسقة لوظائف جسمه وفعاليات كيانه.

إلى كل من لا يزال فائرا:

الفورة المزمنة مانعة للتغيير المنشود، وهي ردة عن الثورة وعمل مضاد لها، وكل من يدأب على ممارسة هذه الفورة ويصر عليها إنما يعمل على بعث جماهيرية جديدة وخلق قذافي آخر. إنه ببساطة يخون الوطن.
  
المتهم الوحيد بسرقة فرح الثورة وخيبة الأمل هم أولئك الذين لا زالوا يوهموننا بأنهم ثوار؛ فيمنعون باسم الثورة النظام، ويخنقون باسم الثورة العدل، وينشرون باسم الثورة الفساد، ويطردون باسم الثورة الأمن. إنهم حقا يقتلون الثورة. إنهم يئدون الحلم.
   
محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

  

ليست هناك تعليقات: