الثلاثاء، يناير 08، 2013

العزل السياسي المؤقت


العزل السياسي المؤقت؛ لغم من مخلفات الحرب، أو تحصين من مضاعفاتها؟

مخلفات حربنا الوطنية السابقة كثيرة وخطيرة، ويزيد من خطورة هذه المخلفات شدة ارتباطها بعامل الزمن الذي لا يعمل على تآكلها وتلاشيها كما يفعل مع الكثير من الأشياء، ولكنه يراكم ويعقد ما تؤول إليه أحوال هذه المخلفات، وهو ما يستدعي تأمين خطرها، والعمل على تفادي نتائج مآلاتها المهلكة.

الخلاص النهائي من ألغام حرب الإخوة الأعداء هو تكاثف الجميع ممن تظلهم شجرة الوطن من أجل تحويل مخلفات تلك الحرب إلى بلاسم جرح وعوامل قرب وحب.

أشد المناطق الحرجة في لغم العزل السياسي المتداول خبره هذه الأيام، هي تلك المنطقة التي تتداخل فيها مادة هذا اللغم مع النسيج الرخو للهوية الوطنية التي تعتبر، وخاصة في هذه الآونة، من أهم المناطق وأشدها حساسية بحسبانها الحجر الأساس للبناء الديمقراطي الوليد.

لابد لنا ونحن نحاول درأ شرور خلافنا الدامي السابق ، ومن بينها لغم ما يسمى بالعزل السياسي، أن ننظر إلى المواطن محل الشبهة السياسية المؤقتة على أنه ضحية نظام سياسي مارس مختلف وسائل الابتزاز من أجل مسخ هوية إنسانية المواطن قبل مسخ هوية مواطنته، وأجبر المواطنين جميعهم على تنفس هواء الدكتاتورية والفساد وانعدام الشفافية، وغير ذلك من ملوثات الحياة الاجتماعية والسياسية.

وبالمقابل فإن المواطن محل هذه الشبهة يجب عليه أن ينظر إلى القصور المؤقت في كفاءته السياسية وفق المعايير الجديدة للنظام الجديد على أنها أمر عارض وإجراء تحفظي لابد منه، وبأن زوالها عنه هو الطريق الوحيد نحو ممارسة دوره الوطني، وهو بكامل عافيته وفي أعلى مستويات هويته الوطنية.


ألم يمر هذا المواطن يوما ما وهو يُختار لتولي منصب من مناصب النظام السابق بعديد المناخل، والتي ما مر خلالها أحد إلا وقد تركت في كرامته ندوب، وفي مصداقيته خدوش، بل  وفي فطرته عيوب!

مجرد حضور مهرجانات الزور وطقوس عبادة الفرد وتقديسه بأي صورة من الصور، ولو كانت تصفيقا أو هتافا، يعتبر وزرا وذنبا يجب التحلل منه، ناهيك عن تولي الوظائف الهامة بناء على توصيات وصكوك مكتب اللجان الثورية سيء الصيت، وغيره من مؤسسات الغربلة والتصنيف الأمني الفاضح.

ليس خفيا على أحد ما أحدثه رأس النظام السابق من شروخ في صرح الهوية الوطنية، وذلك بما مارس من صنوف استبداد ودكتاتورية، وبما أظهره من أنانية وتهوين لقيمة الوطن ومواطنيه حتى جعل كل ذلك في كفة وكفة خدش شعور أحد أبنائه السفهاء العابثين" هانيبال سويسرا" في كفة أخرى، ناهيك عن ولوغ النظام المفرط في دماء الليبيين وأعراضهم وأرزاقهم دونما أي شعور برادع يردعه.

كل الليبيين عايشوا ذلك الدكتاتور وابتلوا وكابدوا مشاق نظامه، تلك المشاق التي لا يمكن أن تتساوى ردات فعل الناس تجاهها، وذلك لاختلاف قناعات الناس وظروفهم وقدراتهم.

خط العزل السياسي كما يجدر بالجميع أن يراه هو خط تفرضه معادلات الواقع القاهرة، وهو خط يفصل ما بين نظام سياسي ونظام سياسي آخر قام على أنقاضه ويخالفه في كل شيء، وتبعا لذلك سوف يكون هذا الخط فاصلا عادلا بين ضحايا الدكتاتورية من ذوي الإصابات بالجرعات العالية من سموم تلك الحقبة، وبين سواهم، وبقدر تفهمنا لهذا الخط وماهيته تكون قدرتنا على إزالته أقوى وأسرع.

عدد لا بأس به ممن عبث بهم موج بحر الدكتاتورية الهائج، ووضعتهم الأقدار في المنطقة الحمراء لخط الكفاءة الوطنية، بادروا، وفي مناسبات مختلفة، بالانشقاق عن النظام. طائفة المنشقين هؤلاء، في أي وقت، وبأي لون كانوا، هم أقرب الأمثلة وأوضحها على شرعية وضرورة وجود خط العزل السياسي الحالي بكافة درجاته.

حري بنا أن نفهم العزل السياسي المؤقت على أنه حالة تبرؤ وتطهر من أدران نظام سياسي ظالم أهلك الحرث والنسل، وبأن هذا التبرؤ والتطهر إن هو إلا مسوغات إثبات مواطنة للذين فاتهم شرف تقديم هذه المسوغات على هيئة سنوات من السجن والإقصاء إبان ليل الاستبداد الطويل، أو على هيئة قطرات من دم غال تشرف شهداء هذا الوطن بتقديمه بدون مقابل دنيوي رخيص.  

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com



ليست هناك تعليقات: