استعار مشكلة
العزل السياسي؛ عقم سياسي!
تستهويني كثيرا
عادة البحث عن ذلك الخيط الرفيع الواصل بين الشرارة الواهية الضعيفة، وجبل النار
الذي تصنعه!
أعترف بان ذاكرتي
تعاني من وهن كبير، ولكنني أكاد أجزم أنه خلال أشهر ثورة الليبيين ضد طاغيتهم
القذافي من أجل إسقاطه، وحتى بُعيد إسقاطه، لم تطرق مسمعي أحرف مادة (ع ز ل) الثقيلة
هذه، والتي بنصح ناصح أو بمكر ماكر أصبحت حروفها تلك سيدة أبجدية حروفنا، وأضحت
كلمة عزل مفتاح قواميس لغتنا السياسية والاجتماعية، بل وربما صار هذا اللفظ لغما
طوق بيت العائلة الواحدة وبعثر ما فيه، حتى أنه ذكرني بذلك اللفظ سيء الصيت، مؤيد
وغير مؤيد، والذي فعل ما فعل فينا إبان انتفاضة الليبيين!
أول ما طرق مسمعي
من الكلمات المرادفة الأنيقة لهذه الكلمة النشاز، عزل، كلمة النزاهة ولجنتها
المعروفة، والتي وإن أثارت بعض الجدل حولها، إلا أنها لم تتسبب فيما تسببت فيه
كلمة عزل المتداولة الآن من انفجار غير مأمون العواقب في النسيج السياسي الليبي
الرخو!
ولأنني لست من
المهمومين كثيرا بالفرقعات السياسية المتواترة الوقوع، كنت أتساءل بتردد غير
الواثق من معلوماته: ما الفرق بين قانون النزاهة، وقانون العزل؟!
فطالما أن لجنة
النزاهة هي بوابة استشعار وفحص سياسي، يتحتم على كل ليبي ولوجها قبل توجهه إلى أي
من كراسي السلطة ومراكز اتخاذ القرار، فما هو الداعي لاستبدال الاسم الرقيق
اللطيف، نزاهة، باسم خشن مقزز مشبوه كاسم العزل، ثم تضخيم هذا الأمر وتلغيمه حتى فجر
البيت السياسي وربما الاجتماعي الليبي وقوض أركانه، أو كاد؟!
ذلك سؤال لا زلت أردده
وأنا في غاية التردد، وربما الخجل والحياء من بساطة تفكيري وضحالة اطلاعي، حقا
وليس تواضعا أدعيه!
ولأنني على قدر من
السذاجة السياسية، وربما التفاؤل الفطري ، فإنني لا زلت أتصور أن أهم ثمرات
التغيير السياسي المكلف جدا الذي خضنا غماره، هو برؤنا وإلى الأبد من علة اعتبار
السياسي التكنوقراطي الذي يكلفه المجتمع بإدارة شؤونه هو شخصا مقدسا خارج
المراقبة، بعيدا عن عين وسيطرة المجتمع وأدوات تقييمه وعيونه!
أخشى ما أخشاه أن
يتحول خوفنا من تكرار ظاهرة القذافي إلى مرض نفسي، فنسرف في الخوف من أي شخص يمسك
بمقود العربة، وننخرط في نوبة وسواس قهري لا شفاء منه.
أحسد القذافي على
ما ينسب إليه من تأثير مفرط في كل من عمل معه، أو حتى قابله ولامس يده، ولو كان
ذلك هو السيد محمد المقريف الذي، وحسب معلوماتي التاريخية المتواضعة، من أوائل من طلق القذافي ونظامه
طلاقا بائنا باتا لا رجعة فيه، وليس مجرد انشقاق ميكانيكي وربما أوتوماتيكي!
وحتى من كان نصيبه
من طلاق القذافي ونظامه مجرد ذلك الانشقاق الميكانيكي الأوتوماتيكي، في ظاهره على
الأقل، كانشقاق السادة؛ عبد الجليل، وجبريل، وشلقم، والدباشي، والعيساوي، ودوغة،
وغيرهم من رجال، لا يمكن أن يتجاهل موقفهم، ولو الظاهري على أقل تقدير، إلا ناكر جميل! أقول حتى هؤلاء مع شرط براءتهم
من الدم الحرام والمال الحرام، فإنه ليس من الإنصاف جعلهم جملا أجرب يسيء ضعاف
الذاكرة مثلي معاملتهم، بل وربما جر ذلك إغراء صبيان الحي بهم!
ثم من قال إن
القذافي هو آخر الأشرار والمتسلطين، فقد نفاجئ بأشخاص يمنحهم قانون النزاهة والعزل
أعلى وأرفع الشهادات وذلك لمجرد عدم ظهورهم في خلفية صورة القذافي، إلا أنهم، وفي
غياب المسطرة الديمقراطية الحادة، والعين الرقابية الساهرة، وميزان حسن الأداء
الذكي الدقيق، يتحولون إلى معاول وأدوات هدم، وبؤر تخلف وعقم!
أخشى أن تكون
دمامل العزل السياسي الظاهرة عل سطح الجسم، هي عرض لأمراض داخلية خطيرة تعبث بالأعضاء
الباطنية الحيوية المهمة التي تسير الجسم وتمنحه الحياة، والتي في مقدمتها، وبدون
مراء، ثقتنا في بعضنا البعض!
أجل إن علتنا
المركزية، وبكل أسف، هي انعدام الثقة!
وعلة انعدام الثقة
هذه، رغم عظمها، تهون، إذا كانت منحصرة في مجرد عنصر كفاءة ذلك التكنوقراطي المرشح
لمنصب ما، ولكنها، ويا للويل، تمتد وتتخلل وجدان وفؤاد وإيمان ووطنية ذلك الممتحَن
المسكين، وهو مصلوب على طاولة تشريح النوايا وأعماق القلوب!
هذا المصلوب على
طاولة استحلاب العيوب، سوف يستغل منصبه من أجل تلوين البلاد وأهلها بلون الجلباب الأيديولوجي الذي يرتديه، فيجعلها
علمانية لا دين لها. وهذا سوف يجعلها إخوانية رجعية متأخرة. وثالث سيجعلها سلفية
ذات فقه بدوي، وهلم جرا!
وعندما يسود صاحب
لون أيديولوجي ما، فإنه بالطبع، وهذا هو بيت القصيد ومربط الفرس، فإنه سيُدني منه
ويستعمل أصحاب هواه، ويبعد عنه غيرهم، ويخرج هؤلاء الموسوسون من المولد بلا حمص،
كما يقولون!
إن عزلا سياسيا،
مهما تغزل فيه المتغزلون، يقود إلى نتيجة كالتي أوصلني إليها سردي الساذج الممل
البسيط هذا، لهو بحق عقم سياسي نسيجي، سيستأصل الرحم المنجب للنخبة الراشدة
المسؤولة، وسنبتلى، من أجل سد الفراغ، بنخبة خائفة مترددة مرتعشة، وربما منافقة!
أنا مع قانون النزاهة، والذي سيقود، إلى عزل بدون زعل!
محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق