تبا لكبرائنا،
المهادنين لأعدائنا، والمتاجرين بدمائنا!
كبراؤنا هم كل من
أحس بأنه أكبر ممن هم حوله؛ إما بما حازه من سلاح، أو بما غنمه من متاع حرام، أو
بما انتهبه من وظيفة، أو بما استحوذ عليه من قلوب العوام البسطاء، وغير ذلك من
أدوات التكبر والتسلط والوصاية.
أما أعداؤنا فهم
عناصر ذلك الطابور الذين استظلوا بخيمة الدكتاتور المخلوع واحتموا به، وحسبنا أننا
باقتلاع أوتاد هذه الخيمة واختفاء صاحبها ينفسح لنا المجال لمقاتلة هؤلاء الأعداء
والانتصار عليهم والتخلص منهم، وهؤلاء الأعداء هم: الجهل ــ المرض ــ الفساد ــ
الاستبداد ــ التخلف ــ التبعية ــ ................. ومن على شاكلتهم.
كبراؤنا كانوا قبل
زمن قصير جدا بجوارنا وبين صفوفنا، يعانون ما نعاني من ألم الاستبداد والتسلط الذي
جرعنا كؤوس الفقر والمذلة والمرض والتخلف، كما كنا نتقاسم معهم الأمل في زوال
الدكتاتور والتفرغ لمحاربة أعدائنا المشتركين المذكورين أعلاه.
ولكن كبراؤنا هذه
الأيام، إخواننا بالأمس، لم يعد من السهل رؤيتهم والتحدث معهم، وإذا سمعنا من وراء
حجاب بعض كلامهم، فإننا نسمع كلاما غير الذي ألفناه منهم؛ فلا أحد منهم يتحدث عن
مقاتلة أعدائنا الحقيقيين إلا عرضا، بل إنهم صنعوا لهم أعداء آخرين لم نعرفهم ولم
يخبرونا عنهم!
لم يخبرنا أيا من
إخواننا القدامى كبراؤنا الجدد عن الأعداء الجدد أيضا من مثل: العلمانية،
واللبرالية، والسلفية، والإخوانية، والفدرالية، وغيرهم من ضيوف ثقال جاءوا على غير
ما موعد!
لا بل إن هؤلاء
الأعداء الجدد لم يجيئوا من مكان بعيد لا نعرفه، ولكنهم جاءوا بصحبة بعض منا، والذين
تحولوا في طرفة عين من مواطنين عاديين يحاربون الطغيان، إلى جيش من الأيديولوجيين
يحارب جيشا أيديولوجيا هو الآخر شكل عناصره في غفلة منا وظهر على هيئة مغايرة
للهيئة التي كنا نعرفه بها.
كبراؤنا الجدد لم
يعد الفقر والمرض والتخلف والفساد على قائمة همهم اليومي، ولكن قائمتهم الآن تحولت
إلى أجندة سياسية رقمها الأخير ليس كسب المعركة المقدسة مع أحد الأعداء الحقيقيين
المذكورين، وإنما رقم أجندتهم الأخير وناتج حساباتهم حقائب وزارية وكتل سياسية
ومذاهب أيديولوجية ذات الوان كثيرة متنافرة.
كبراؤنا الجدد
إخواننا بالأمس هم الآن أمراء كتائب يركبون اللبوات المفخرة الفاخرة المصفحة معتمة
الزجاج ومن حولهم الحراس الأشداء حادي الملامح، وإذا حاولنا تذكيرهم برقم نقالهم
الأول ذي الأرقام الشعبية البسيطة سارعوا إلى تأنيبنا وتأديبنا وإعلامنا بأن هذا
الرقم لم يعد يليق بهم، وأننا وأرقامنا القديمة خارج فلكهم الجديد، وأنهم وفلكهم
الجديد البعيد خارج الصحبة السابقة أبدا وليس مؤقتا.
كبراؤنا الجدد
أصبحوا وزراء وسفراء لهم مشاغلهم واهتماماتهم ونظام حياتهم الخاص، بل وحتى طريقة
كلامهم التي وإن حاول بعض البسطاء منا تذكيرهم بها عن طريق فرصة نادرة تتاح للتحدث
معهم، فإنه يواجه هذا المتطفل المسكين بمفردات جديدة يتكلم بها صديقه السابق
السفير والوزير حاليا، ثم لا يجد هذا المتطفل المتجاوز حدوده إلا الإسراع
بالانسحاب قبل أن يصفعه صفق الباب!
كبراؤنا اليوم لا
يتكلمون أو يتصرفون من فراغ، ولكنهم
يستمدون قوتهم التي بها يصولون ويجولون من تاريخهم الحافل السابق الذي وإن كان في
حقيقته ليس بالشيء الكبير إلا أنه يكبر ويتعاظم ويتشامخ كثيرا بإضافة ذلك المركب السحري الذي تفنن كبراؤنا في
صناعته من عناصر مختلفة تم سرقتها من خزانة القبيلة أو العلاقة الخارجية المشبوهة
أو حتى من مصرف دم الشهداء!
أجل فالكثير من
كبرائنا اليوم يتخذ من دم الشهداء سلما يصعد عليه، وكأنه هو الوريث والوصي الوحيد
على دماء الشهداء وآمالهم.
الشهداء، يا أيها
الكبراء، عند لحظة شهادتهم كانوا مثلنا يعانون من المرض والفقر والجهل والتخلف
والاستبداد، وكانوا يرون أن ثمن دمهم هو فقط هزيمة هؤلاء الأعداء الحصريين حتى
يعيش أولادهم وإخوانهم من بعدهم متحررين من بأسهم وجورهم.
لم يكن يخطر في
بال الشهداء أبدا أن أصحابهم الذين حضروا وفاتهم وقاموا بمواراتهم التراب سينقسمون
فيما بينهم، ويصنع بعضهم من البعض الآخر عدوا أيديولوجيا مقدسا!
لم يكن يخطر في
بال الشهداء، الملاك الحقيقيين لثمرة التغيير السياسي الذي كلفهم حياتهم، أن بعضا
من رفاقهم سوف يتعدى على هذا الحق ويجيره لحسابه الخاص ولمجده الشخصي.
لا أجد صعوبة في
تذكير الكبراء الأغبياء أن أيديولوجيا القذافي الأربعينية فشلت في صنع ما حلم به
من مجد، حيث نسي ذلك الغبي أن المجد جسم نبيل لا يقيم أعمدته على طين الجهل والفقر
والمرض والتخلف والكبر والتسلط والاستبداد!
الطريق الوحيد إلى
المجد، يمر فقط من خلال مدينة العدل والعلم!
محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق