المتوسط والمكمل الحسابي؛ درس حفظناه، وسرعان ما نسيناه!
المتوسط
الحسابي من أول وأسهل ما قرانا من دروس، وبه عرفنا سبب تسمية أصبع يدنا الثالثة
بالوسطى، كما عرفنا بواسطته تلك الدرجة الحرجة جدا التي عندها يتقرر نجاحنا في
مادة ما أو رسوبنا فيها، وأشياء حسابية منطقية كثيرة أخرى.
وكما
حسمت قاعدة المتوسط الحسابي الجدل المنطقي الحسابي بين مدائين، نجدها تحسم أيضا
وبكل جدارة ما تطرحه المشاكل الأخرى التي تعترضنا في حياتنا العامة الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية، وحتى الأخلاقية والدينية، والتي جميعها ذات حدين متباعدين
تقع بينهما منطقة وسطى رحبة تتسع لكل من ينشد التوسط ويميل إلى الاعتدال.
المتوسط
الحسابي مسطرة وفاق لكل ما تتباين حوله الآراء؛ ألم تفلح فكرة قسمة الفارق بين
آلاف البائعين والمشترين في إتمام آلاف الصفقات، والتي لولا تلاقي طرفيها في المنطقة
الوسط، فإنها لا ولن تنجز أبد!
ألم
يُبن النظام السياسي الديمقراطي الذي يحكم كبار دول الكون على درس المتوسط الحسابي
البسيط جدا؛ فالرقم 50% الشهير تتوجه إليها أعين مئات ملايين البشر وهم يمارسون
أكبر لعبة، لعبة الحكم؛ حتى أن زيادة بقدر كسر الواحد الصحيح فوق هذه النسبة
المتوسطة تفلح في إقناع الملايين بما ليس يريدون!
أما
المكمل الحسابي فهو الرقم الذي بواسطته نملأ الفرق بين المتاح والمطلوب من كل شيء،
ونجسر فيه الهوة بين سقف مشاريعنا وأهدافنا المشتركة المادية والمعنوية، وبين
المنجز منها.
الحالة
الليبية بما تعج به من أحداث وما تتقاذفها من تيارات وما تتزاحم فيها من مشاريع
وما تمتلئ به من تناقضات، لهي الآن أحوج ما تكون إلى درس المرحلة الابتدائية
البسيط؛ المتوسط والمكمل الحسابي!
المتوسط
الحسابي، سيجد المتخاصمون على العزل السياسي مثلا فيه تقنية سهلة توصلهم بسهولة
إلى المنطقة الوسطى الآمنة، والتي بقبولها والاحتكام لها نكسب كل ما في العزل
السياسي من ميزات، وبه نتجنب عظائم ما فيه من موبقات، كإقدامنا على إقصاء بني
الوطن لمجرد شبهة إغواء لا مناص من حدوثها في ظل نظام عمَّر طويلا وأغرى كثيرا.
هذا مع ما نكسبه من تراض بيننا وصفاء يمكننا من استئصال جرثومة تحد وتخوين بعضنا
بعضا المستعرة نارها حاليا.
المتوسط
الحسابي ينفعنا كثيرا في تحديد المنطقة الوسطى بين التطرف في المركزية في إدارة
دولتنا، ونقيض ذلك وهو التلويح بالفيدرالية الاضطرارية المشحونة بالانسحابية وضيق
الصدر من الآخر.
المتوسط
الحسابي يضع مسطرته المنطقية التي لن يحتج عليها أحد في إعداد الدستور، وخاصة في
تلك المواد التي تتشظى وتتشتت حولها الأفكار والأراء، ولو كان الأمر يتعلق بتطبيق
الشريعة التي بناها صاحبها جل وعلا على التوسط والتدرج ومصالح الناس وتجدد وتغير
أحوالهم.
أما
درس المكمل الحسابي فهو قبل ان يكون درس منطق وحساب، هو درس أخلاق وسماح وإيثار
وشهامة ونبل، وذلك عندما يتقدم الرجال العظام ويسدون النقص الذي قصُر إخوانهم عن
الوفاء به، وذلك دون إجراء أية حسابات حادة جامدة، أو تطبيق أية معادلات منطقية
جافة؛ فما قصُر عنه فريق، يكمله فريق آخر!
هؤلاء
المتخندقون في خنادقهم الأيديولوجية والأنانية الضيقة، والبعيدون جدا عن المنطقة
الوسط التي يحسبها الكثيرون منهم منطقة هزيمة، جلهم خريجو جامعات، ودارسو فلسفة
وقانون وهندسة ورياضيات، ويعلمون علم اليقين بحتمية التباين في الحياة، وأن لا
سبيل إلى جسر ما بينهم من هوّاة، إلا باستخدام تقنية المتوسطات، وبلسم
المكملات!
جريمة
خرق أو تجاهل النواميس الراسخة، والتي يقوم عليها بناء الكون والحياة، ستكون أول
ما يحاسب عليه الإنسان في هذه الدنيا أو بعدها.
سوف
لا يجد مخترق هذه القوانين من عذر وهو يُدعى في ساحة القضاء الدنيوي أو الأخروي
إلى حساب المنطقة الوسطى بينه وبين خصمه، ثم يفاجئ بأنه تخطى تلك المنطقة بكثير،
لا بل يجد أن منطقة تطرفه وتجاوزه تلك قد تشربت بدماء النفس البشرية التي حرم الله
قتلها إلا بالحق!
لا
تفسير لعدم احتكام بعض المتطرفين منا إلى المنطقة الوسطى بينهم وبين خصومهم إلا
لوجود اختلال في تقدير هؤلاء المتطرفين واعتمادهم على معادلة أوزان نسبية تمعن في تضخيم ذواتهم وتنزيه آرائهم، لا بل
إنها أحيانا تذهب بأصحابها بعيدا حتى تشعرهم بأنهم ملاك الحقيقة ووكلاء الرب. منا
من يعتقد أنه الناجي الوحيد وكل من حوله هالكون!
أي
شعور بالقوة والسيطرة والوصاية على شركاء الوطن كفيل بأن يمحو كل المعادلات
المنطقية لدى صاحبه، بل تجعله من أشد المعادين للمنطقة الوسطى ودروسها. والسبب
دائما تضخم كتلة الأنا لديه!
لم
يقف القذافي في خصامه الجائر معنا في المنطقة الوسطى تكبرا وعتوا من جانبه، إلا أن
القدر الحكيم أبى إلا أن يذكره بهذه المنطقة الوسطى؛ فقاده جبرا وقسرا إلى حيث
المنطقة الوسطى من البلاد، وعلمه هناك آخر الدروس وأقساها.
علينا
الإذعان إلى منطقة وسطى وكلمة سواء، وإلا فانتظروا البلاء!
محمد
عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق