الأحد، نوفمبر 17، 2013

أنيميا النخبة

أنيميا النخبة، و "متلازمة غرغور" القاتلة!

ورم غرغور الذي انفجر عشية يوم الجمعة الماضي، لم يفعل ما فعل فجأة وبدون مقدمات، ولكنه مرَّ بسلسلة من التفاعلات بدأت أولاها مباشرة بُعيد رشات ماء الزهر، وامتلاء البطون بلحم الجزور!

قال قائلهم بعد عامين من انتقاعه في ماء الزهر، وتخمته من لحم الجزور، وهو يدلل من حيث لا يدري على أنه لا هو ولا غيره من حرر طرابلس: إن طرابلس لم تنل نصيبها من الحرب، ولكنها سوف تأخذ حصتها منها! خيب الله ظنه وأحبط مسعاه!

قال ذلك لأنه استقبل بماء الزهر ولحم الجزور، وربما الورود! ثم التفت يمنة ويسرة بعد مضي أيام الضيافة الثلاثة، وانتهز فرصة قصور يتامى الدكتاتورية الذين حُقنوا لعقود طويلة بمضادات بلوغ سن الرشد وإمكانيات تشكل النخبة، وليتحول هذا الضيف الثقيل من مشارك في احتفال إنقاذ هؤلاء اليتامى من ربقة مغتصبهم بمنة خالقهم، إلى نسخة جديدة مطورة من فيروس أنيميا النخبة الذي زرعه ورعاه الدكتاتور المعمر!

نجّى الله طرابلس العاصمة من الحرب، وساعدها وحده على تقيؤ ولفظ الدكتاتور وأخلاطه بمخاض ناعم، لمسه وشهد عليه الجميع. إلا أنه وفي غفلة من الجميع، تسللت عبر أبواب ونوافذ العاصمة المفتوحة بقايا أدران وجراثيم الدكتاتورية، لتباشر من جديد عملها القديم الجديد في وأد وإقصاء النخبة، وتكريس الدكتاتورية.

الرماة الذين أسالت لعابهم الغنائم؛ فغادروا مواقعهم، وتسببوا في هزيمة جيشهم المنتصر، تكرر مشهدهم وبصورة واضحة فاضحة في خليط الثوار القلائل وأشباه الثوار الكثيرين الذين امتلأت بهم شوارع العاصمة بُعيد ظهور تباشير التحرر من الدكتاتورية، وانفساح المجال أمام رحم النخبة ليقذف بمخزونه المتراكم المعطل من أجسام النخبة، ولتكون النتيجة مأساوية كارثية، وذلك بانقلاب الانتصار إلى هزيمة نكراء، وتحول الرماة البناة إلى بغاة طغاة!

أجل امتلأت الشوارع والميادين بأفواج المنتصرين والمتوثبين لأخذ اماكنهم في طابور النخبة وقطار الدولة الذي بدأت عجلاته في التحرك مباشرة بعد آخر نفس لفظه الدكتاتور، إلا أن المشهد تغير بسرعة، وتحول طابور النخبة المأمول إلى آلة لقتل النخبة ووأدها، وخيانة الثورة وقتلها.

المؤكد أن جريمتي خيانة الثورة، ووأد النخبة قد وقعتا، ودليل ذلك ما نراه الآن من تعطل قيام الدولة، بل واختطافها! والمسؤولون عن هذه الجريمة هم كل من شغل مكانا مؤثرا في مجرى الأحداث بعد سقوط النظام السابق. ويستوي في ذلك من كان مرتديا ربطة العنق فوق اللحية السياسية، أو ذاك الذي أطلق العنان للحيته وبندقيته معا.

ها قد انفجر ورم متلازمة غرغور في جمهور المتظاهرين المدنيين المتوضئين المتحضرين المتريثين الصابرين عامين طويلين ثقيلين مرعبين مقرفين، فقتل العشرات شر قتلة، ومزق أجسام المئات، وقطع أيادي راشي ماء الزهر وحاملي الورود ومجهزي الولائم! أجل إنه مشهد حقيقي صريح حي مرعب لقتل النخبة الواعية المتحضرة.

ولكن لماذا حدث كل ذلك؟ لماذا لم تتشكل بدل الكتائب المدججة بالبنادق ومعاول الهدم، كتائب أخرى متحصنة بالمعرفة، والسلوك الرشيد، وحاملة لمعاول البناء؟

الجواب هو: أنيميا النخبة المتسببة في متلازمة غرغور.

العلاج: فيتامينات نخبة مركزة، ومضادات متلازمة غرغور.

أما مضادات متلازمة غرغور فهي تلك التي صنعها شهداء وجرحى  وأحياء جمعة غرغور، وكل من من سيفعل فعلهم ويحمل فكرهم.

أما فيتامينات النخبة فهي أمانة بيد كل من منحه القدر فرصة تقدم الصفوف السياسية والإدارية والإعلامية خلال العامين الماضيين، ولم يجرؤ حتى حينه بمد يده إلى الكثير من المواطنين الصالحين الواقعين في نطاق معرفته، والذين يعدون بالآلاف، حيث سبب تخلف هؤلاء الآلاف في أخذ مواقعهم ما رأيناه من فراغ المكان وامتلاؤه لاحقا بأفواج السفهاء أعداء النخبة وقاتليها. ويوم جمعة غرغور، كشف كل مستور!

تحياتي لكل المدافعين عن الحق الثائرين للكرامة العاشقين للحرية.

محمد عبد الله الشيباني

ليست هناك تعليقات: