الثلاثاء، نوفمبر 12، 2013

الطابور جاهز للتفتيش سيدي!

الطابور جاهز للتفتيش سيدي!


بعد موسم فض الاعتصامات، بدأت مصر مؤخرا موسم التجريم على مجرد رفع الشعارات والإشارات، والعقاب على الهمس بالزفرات والأنات. نجوم الرياضة يجرمون لمجرد التعبير عن موقفهم الفكري؛ أبو تريكة وعبد الظاهر مثلا. الإعلاميون يقمعون؛ فسخرية باسم يوسف التي كانت تضحك الملايين، أضحت مما تجرمه قوانين الانقلابيين، وآخر وليس أخيرا، إجراء محاكمة علنية لرئيس منتخب، قرروا أن يحاكموه بلغة الإشارة.


لست من المنتمين لمرسي وحزبه ونظامه، ولم أنتمِ طول عمري لأي حزب، إلا أنني طول عمري أكره الظلم؛ وهل هناك ظلم أشد من قطع اللسان تمهيدا لقطع الشريان؟!


اليوم تم قطع لسان مرسي، وتم صب الرصاص في آذان مائة مليون من المصريين؛ فالطغاة يستكثرون على معارضيهم مجرد كلمة يبوحون بها. سلسلة طويلة من طغاة العرب ليس أولهم فراعنة مصر، ولا أوسطهم طاغية ليبيا، وعسى أن يكون آخرهم الفرعون السيسي؛ جميعهم لا يتحملون مجرد كلمة واهية ينطق بها مظلوم، وذلك رغم أجسام هؤلاء الطغاة الديناصورية التي سرقوا نسيجها المتورم من أجساد قطعان البشر الذين غرورا بهم ومسخوا إرادتهم،  وتمكنوا لعشرات السنين من سوقهم ملايين حفاة عراة؛ بدءا من ملايين مصر عبد الناصر، ومرورا بملايين القذافي، وآخرهم هذا الاسترقاق البشري الذي حدث في مصر مؤخرا على يد الفرعون السيسي!


لم يحاكم مرسي المعزول هذا اليوم، وإنما الذي حوكم هو الانقلاب العسكري الذي وأد أول مولود ديمقراطي عربي، وهو مولود فرحنا به جميعا، وغفرنا له ما بدا عليه من خداج بسيط مبرر، وذلك من أجل غاية سامية، وهي تنشيط الرحم الديمقراطي وتحفيزه وعدم كبته لمجرد تشوه بسيط بدا في ملامح مولوده البكر بسبب مكوثه في ظلمات رحم الديمقراطية المخنوق الحقب والآماد الطوال.

إن تجريم رياضي لمجرد التعبير عن موقفه الفكري من قضية ما، وإخراس صوت إعلامي يعبر بسخرية عن حادثة أو ظاهرة معينة، ومنع سماع مداولات محكمة علنية، وحرمان رئيس منتخب من إيصال كلامه للشعب أثناء محاكمته التي قالوا إنها علنية، إن كل ذلك ينسف مصداقية عسكر مصر الذين انقلبوا على الديمقراطية، ويحرج كثيرا أولئك الذين تعاطفوا معهم وفوضوهم على بياض.

لم يمنع مصر وهي الدولة العربية الأكبر من أن تكون كتوأمها كوريا إلا قيام العسكر بإجهاض الديمقراطية المصرية وخنق أرحامها وقطع ألسنتها. فمصر التي عرفت ما عرف الناس من ديمقراطية الأربعينات، لم تكن محظوظة كما كان أولئك الناس، حيث تم وأد ديمقراطيتها الغضة على يد العسكر في بداية الخمسينات، وها هي بعد ستة عقود من السبي الدكتاتوري العسكري تستعيد ديمقراطيتها لمدة عام واحد فقط، ثم تسبى من جديد على يد الجيل الرابع من العساكرة الدكتاتوريين.

مرسي، ومهما قيل فيه، لا أراه إلا حفيد دعاة الديمقراطية، وابنا بارا بآبائه وأجداده الذين استكثر عليهم الطغاة مجرد الوقوف على منصة التاريخ ليبوحوا بمكنونات صدورهم. ذلك أن ظهور مرسي الناطق باسم الديمقراطية هذا اليوم وهو معقود اللسان في عالم معلوماتي مفتوح، وبعد ستين عاما من عقد ألسنة أسلافه دعاة الديمقراطية ومناهضي الدكتاتورية إبان الزمن المعلوماتي المخنوق، لا يمكن إلا أن يكون صدى لصرخة أولئك الأسلاف المظلومين، والتي وإن طواها الزمن ونساها، إلا أن القدر حفظها وأبداها!

لقد وقف مرسي اليوم وبحضور الجميع على مسرح التاريخ لينعش ذاكرتنا، وليحي ذكرى شهداء الحرية، ممثلا نفس الدور الذي قام به أسلافه قبل عقود ستة، وذلك تخليدا لذكراهم وبرا بهم.

وفي الختام ألا يجدر بنا أن نتساءل عن سر هذه المزامنة القدرية العجيبة بين حادثة إخراس صوت مرسي، وحادثة إخراس صوت باسم يوسف! ترى أي الرجلين جاء لدعم الآخر ومساندته وتقوية حجته؟!

شخصيا لا أرى في ذلك إلا وسيلة الإيضاح الأخيرة، والحجة الخاتمة ضد أولئك الذين لا يريدون أن يفهموا الدرس رغم بساطته الشديدة!

الديمقراطية جسم لطيف شفاف، يخرسه التلقين، ويقتله التدجين!

محمد عبد الله الشيباني

Aa10zz100@yahoo.com

    


ليست هناك تعليقات: