الثلاثاء، يوليو 26، 2011

ماذا لو جاء القذافي بالشمس من المغرب؟

ماذا لو جاء القذافي بالشمس من الغرب، وانتصر في حربه على الشعب؟

ربما الكل يعلم أن النفس النمروذية تسكن القذافي وتصرفاته منذ اليوم الأول الذي فجر فيه قنبلة البيان الأول، والتي لم يكن يتوقع أن ينجو من شظاياها بمجرد إتمامه قراءة ذلك البيان الانقلابي. غير أنه وعلى عكس ما كان يتوقع فوجئ بالجماهير المغفلة تملأ الشوارع، لا لترده عما فعل، وتعيب عليه الخروج على ولي الأمر، كما تفعل نفس الجماهير المغفلة الآن، ولكنه وجدها ترحب وتهلل لصاحب الصوت المتشنج، مجهول الاسم والهوية.

أجل من حق القذافي أن يصبح نمروذ، وقد وهبه الله هذه الجماهيرية الدافقة بواطنها ذهبا أسود لامعا، والطافحة شوارعها شعبا لينا طائعا.     

ومنذ تلك الدفعة الصاروخية الشعبية المتميزة التي حظي بها ذلك الملازم الصغير المغمور، في الأيام الأولى لانقلابه على ولي الأمر، والمتمثلة في تلك الكتل البشرية الرخيصة الجاثمة بين يديه بمجرد حركة واحدة من سبابته، منذ تلك الحادثة وهو يتمثل النمروذ في كل تصرفاته وأفعاله.

كيف لا يصبح القذافي نمروذ، وهو الذي تمكن، وفي غضون سنوات قليلة، من تجنيد ميليشيات ثورية لا تعصي له أمرا، ولو كان هذا الأمر متعلقا بقتل نفس، جرم من قتلها، كجرم من قتل الناس جميعا.

كيف لا يصير القائد نمروذ، وهو يغير اسم الدولة ونشيدها وعلمها ودستورها كما يغير جواربه.

كيف لا يصير نمروذ من استطاع أن يصفَّ أفراد شعب برمته، ولأول مرة في التاريخ، وعلى ظهر كل واحد منهم صُرَّة تحوي كل ما يملك من نقود، ليسلمها إلى خزائن النمروذ مقابل قصاصة من ورق.

كيف لا يصير نمروذ من يتقيأ بعض الكلمات صباحا، فإذا هي آيات تتلى مساء. أو يحلم ليلا، فيرى أضغاث أحلامه حقائق تسبق الشمس في طلوعها، وتبزها في سطوعها.

كيف لا يصير نمروذ من يقف أمام قادة الأرض، كل الأرض، فيسفِّه ما هم عليه، ثم لا يكون ردَّ فعلهم سوى نظرة ساخرة، أو بسمة ماكرة، لا تزيد النمروذ إلا تطاولا.

كيف لا يصير نمروذ من، ولأجل مجرد مساواة نسله النبيل، بالنسل السويسري الهزيل، أقام الدنيا ولم يقعدها، ثم لا يرى إلا رؤوسا منكسة تجاريه وتتجاوب معه.

من حقك، يا قذافي، بناء على ما سبق، أن تكون نمروذ.

بيد أن السؤال الملح الآن هو: ماذا لو انتصر القذافي في حربه هذه؟

لقد دخل القذافي هذه الحرب، وهو مسكون بالنفس النمروذية القذافية المتطورة، والتي لم تكتف بمجرد قدرتها على الإحياء والإماتة، كما هو حال النفس النمروذية القديمة، بل إنها، وكما يخيل إليها، النفس، تملك من القوة والتأثير المعنوي والمادي ما يجعلها تفعل ما عجز النمروذ القديم عن فعله، وهو تغيير النواميس الكونية، والإتيان بالشمس من المغرب، لا من المشرق كعادتها.

نمروذ العصر القذافي، يتحدى الآن السنن والنواميس الكونية، والتي من أبسط أبجدياتها خضوع كل شيء في هذا الكون لسطوة الزمن.

القذافي فقد القدرة على الإحساس بالزمن، لتجاهله الزمن، برغم ما خلفه الزمن على جسمه، وعلى كل شيء حوله.

القذافي فقد القدرة على الإحساس بما تفعله القوانين والمعادلات التاريخية والاجتماعية والسياسية، وتصور أنها هي الأخرى تجمهرت، ودخلت حظيرة جماهيريته، الثقب الأسود لكل كيان أخلاقي أو ديني أو اجتماعي.

القذافي صرح أخيرا بأنه ينتظر يوم القيامة، لا لحسابه أو عقابه، حاش لله، بل لإثبات أن الجماهيرية هي آخر المطاف، باعتبار أن ساحة الحشر، واكتظاظ الجماهير فيها، ما هي إلا الصورة الأخيرة لجماهيرية النمروذ القذافي، وما يوم القيامة إلا يوم القيامة الجماهيرية الذي ينتظره النمروذ، ليخطب الجماهير هناك.

قد يضحك البعضَ بعضُ الذي قلت، غير أن ما يبكينا جميعا، هو تأكيد القذافي في خطاباته الأخيرة، والتي يلقيها من وراء متاريس الحرب التي يشنها على شعبه، على نجاح نظام السلطة الشعبية، بل وعزمه على الاحتفال بعيده النمروذية الثانية بعد الأربعين التي تحين بعد أكثر من شهر بقليل.      

لو فعلها القذافي، واحتفل بما يحاربه شعبه عليه، لهو بحق في غاية النشوة من الكأس النمروذية المطورة، والحاملة لبراءة الاختراع" القذافي نمروذ العصر".

وعندها سوف يظن القذافي أنه قادر على الاتيان بالشمس من المغرب.

وعندها سيفاجئنا، ويفاجئ الناس أجمعين بما لم يكونوا يحتسبون أبدا.

محمد الشيباني
aa10zz100@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: