الاثنين، يوليو 25، 2011

رمتها بدائها وانسلت


رمتها بدائها وانسلتْ
ورمانا القذافي
بأدوائه وتعنَّتْ!

امرأة جاهلية الثقافة والتاريخ، وُصِمت بوصمة الإسقاط النفسي لعيوبها، وهو رمي الآخرين بما تفعل، وتنزيه وتبرئة نفسها من ذلك. ورغم مضي الزمان وتعاقب الدهور، إلا أن هذه الصفة المنكرة الذميمة التصقت بصاحبتها مدى العصور، بل أصبحت مثلا سائرا يردده الناس  حتى يوم الناس هذا.

المرأة الجاهلية أسقطت عيوبها وانسلت، وربما كان انسلالها وعدم تعنتها مما يحسب لها لا عليها، ذلك أنها لم تفعل بعد أن أسقطت عيوبها على الآخرين سوى الانسلال والانسحاب، ربما لبقية حياء في وجهها. ولكن صانع عصر الجماهير، وصاحب النظريات الأخلاقية، وحامل مفتاح خزائن صلاح البشرية وسعادتها، بدا أخس أخلاقا، وأسفه عقلا، وأحط ثقافة من تلك المرأة الجاهلية، وبدل أن يرمي الناس بأدوائه وينسل، رمى الناس وتعنت وتكبر وتغطرس وجهِلْ.

دأب طاغية وصعلوك جهنم، القذافي، طوال العقود يعطينا، نحن الليبيين بظهره، احتقارا وازدراء لنا، واستنقاصا  من شأننا، وفي الوقت نفسه ينبطح للآخرين على بطنه، ويتملقهم بذل ظاهر، ويبسط إليهم وجهه بخضوع سافر. فعل القذافي ذلك مع العرب، والعجم، والفرنجة، والأمريكان، وأخيرا، وليس آخرا، الأفريقان!

أكد السادات رئيس مصر الأسبق، أن القذافي وقَّع على بياض، راهنا مقدرات ليبيا كلها مقابل استرضاء السادات وقبوله ترهات القذافي وشطحاته الوحدوية في منتصف السبعينيات. وتكرر هذا التملق الرخيص مع رؤساء دول عربية، وربما غير عربية أخرى، وكأن إمكانيات ليبيا ومقدراتها ومصيرها ومستقبلها، بعض ما ورثه القذافي عن آبائه وأجداده.


لم ينقطع مسلسل الارتماء في أحضان الأجنبي والتنازل له، حيث ظهر ذلك صراحة في خطابات القذافي وتصرفاته المعروفة، كما لمسه كل من شارك أو اطلع على محاضر جلسات اللجان المشتركة التي تبرمها ليبيا مع الدول الأجنبية، حيث الطرف الليبي، وفي جميع الأحوال، هو الطرف المتنازل، بل ربما كان هو المتضرر.

تشرَّب هذه الثقافة، ثقافة التنازل دون مقابل، كل أو معظم المسئولين في نظام القذافي، وأصبح كل مسئول منهم يتجنب، وبحساسية مفرطة، عند مفاوضته الطرف الأجنبي، كل ما من شأنه أن يغضب الطرف الأجنبي، أو يجرح مشاعره الرهيفة، وذلك خوفا من أن يصل ذلك إلى القذافي فيعاقبه على ذلك أشد العقاب.

حدثني أحد المدراء بشركة الاستثمارات الخارجية، أنه ذات مرة كُلِّف بالتفاوض مع وزير غاني، وصادف أن أغضب مسار المفاوضات الوزير الغاني، فغضب وقرر الرحيل، فما كان من الحويج مدير هذه الشركة في تلك الآونة إلا أن وقَّع على ورقة بيضاء، وكلف الموظف المسئول بأن يحملها إلي الوزير الغاني في الفندق، وأن يعمل على استرضاء هذا الوزير بشتى الطرق، وفعل الموظف ما أراد الحويج، والذي بدوره فعل ما يريده سيده، القذافي. ورضي الجميع وسخط الشعب الليبي المغلوب على أمره.

مبالغ طائلة، في صورة قروض أقرضتها ليبيا لدول أجنبية، وأصول نقدية وعينية كثيرة أخرى، ضاعت هدرا، لا لشيء إلا لقناعة الجهات الخارجية المقترضة بأن الجانب الليبي إرادته مجروحة، وموقفه مهزوم، وذلك لما خبره هؤلاء من لعنة الخذلان، وطأطأة الرأس التي تلازم كل مفاوض جماهيري، يضع أمامه علم الجماهيرية العظمى التي آلت على نفسها، كما يصرح صانعها، بأن تكون بقرة حلوب، يردها كل عجول الأرض، وربما خنازيرها!

ألف طز وطز لأمريكا، أرهق بها القذافي أسماعنا، حتى أشفقنا على أمريكا من أن تغيبها هذه القنابل الطزية من على وجه الأرض. ثم تفاجئنا الأخبار، وبدون سابق إنذار، بتحول هذه القنابل الطزية إلى دغدغات حميمية، جعلت بوش الابن يخرج عن طوره، ويصرح بنعومة الجماهيرية حتى الشذوذ. وبدل أن يقوم القذافي بتدمير وحرق أسلحة الدمار الشامل في ليبيا، نزولا على رغبة بوش، وبالطريقة السهلة والبسيطة والاحترافية التي حرق بها القذافي الجبل الأخضر، قام القذافي، وبكل إتقان وعناية، وأناقة ودراية، وحمل المفاعل الذري الليبي، على ثقله وخطورته، قاطعا الصحاري والمحيطات، ليكون ذلك المفاعل بين يدي بوش، وفي الوقت الذي أراد، تماما كما حدث مع سليمان وبلقيس وعرشها. طبعا مع الفارق.        

هذه مقدمة لم آت فيها بجديد، وربما يعرفها كل ليبي له إلمام بما يحيك العقيد، وما دفعني إلى نفض التراب عن الأحداث التي ذكرت، سوى تلك الدموع المنسكبة ليل نهار، من عيني القائد وبنيه وزمرته الأشرار، طالبين رفع الضيم عنهم، وإيقاف حملة الناتو عليهم.

غريزيا نتفهم منهم ذلك؛ فما من ضعيف إلا ويستنجد بالآخرين، كي يرفعوا وطأة القوي عنه.

وغريزيا أيضا يجب أن يبرر القذافي صرخات وتأوهات ما يزيد على المليون ونصف المليون إنسان يقطنون بنغازي، ليس أمامهم، في تلك الليلة الليلاء، إلا البحر، أو مواجهة النحر.

هكذا كان حال سكان مدينة بنغازي، بعد أن طمأنهم ولي أمرهم، القائد، في ليلة السبت السوداء، ووعدهم بأنه سيكون رحيما بمدينة بنغازي، حبيبته، وأهلها، وبأنه سيقتلهم رميا بالرصاص الكبير القوي المستورد، رغم باهظ ثمنه وصعوبة الحصول عليه. مش خسارة.

والله لو كنت في بنغازي في تلك الليلة، ووقف إبليس اللعين عليَّ، ومد إليَّ يده لينقذني لشكرت له فعله. فكيف إذا أتاني إنسان مثلي، وبيده قرار دولي، تم تداوله في أعلى سلطة على وجه الأرض، وأغلق باب الجحيم الذي فتحه عليَّ ابن عمي وولي أمري.

أجل، يا قذافي، إنه الناتو، الجهة الأجنبية الوحيدة التي توفرت لنا في ذلك الوقت العصيب، ولو قمت وتكرمتَ، باعتبارك ولي أمرنا، ودللتنا على جهة أجنبية أخرى من تلك الجهات التي تعرفها وتتعامل معها السنين الطوال دون علمنا، وأشرت علينا بطلب الحماية منها، وصدِّ أرتال كتائبك ومرتزقتك المتحفزة، والتي تنتظر، وعلى أحر من الجمر، انتهائك من كلمتك الشهيرة المرعبة، لتلتقط كلمة السر المتضمنة،  وبوضوح، قتل كل من يتحرك. لو فعلت ذلك، لشكرنا لك حسن فعالك.
  
قال أطباء النفس الكثير فيمن يسقط عيوبه وجرائمه على الآخرين، وصنفوه في خانة المرضى وغير الأسوياء. ذلك أن ارتكاب الخطأ وتحميل الآخر به، بالإضافة إلى أنه جريمة مركبة شرعا وقانونا، فهو علة نفسية معقدة وخطيرة، تشمل ضمن ما تشمل الشك في الآخرين والريبة فيهم والتكبر عليهم، وغير ذلك من الأمراض النفسية الضارة.

تلك العلل اتصفت بهم المرأة الجاهلية البسيطة التي رمت من هم حولها بدائها وانسلت، أما أنت، ولأنك طاغية، فإن عيوبك أكثر وأعظم لأنك ترمي الناس بأدوائك وعيوبك ثم تتعنت.    

محمد الشيباني
aa10zz100@yahoo.com

 

ليست هناك تعليقات: