الثلاثاء، يوليو 12، 2011


الاستعمار الحميمي

شركة الطاغية المتسلط القذافي وشركاه غير المحدودة الشر، اقتطعت ظلما وجورا واستبدادا، ثلاثة أرباع عمري الأهم، وأجبرتني، كما أجبرت الكثيرين غيري، على تجرع منتجها الأخطر، ألا وهو الوجبة الإعلامية القسرية المسمومة التي خلفت قائمة من الأمراض الثقافية والنفسية والاجتماعية والسياسية، وحتى العضوية البدنية، لدى كل الليبيين. وهي أمراض تظهر أعراضها بوضوح، وبالعين والأذن المجردة على قالب وقلب الجسم الليبي السقيم. عجل الله برأه.

ولأن التلبيس من أدوات شياطين الجن، كما هو أداة زملائهم شياطين الإنس، لم تنس شركة القذافي وشركاه للشر غير المحدود، أن تُلبس وتغلف منتجاتها المسمومة بأغلفة مزخرفة ذات مذاق آني مثير وجاذب. وأحد هذه الأغلفة، وربما أهمها على الإطلاق، هو المغلف السحري المعروف: محاربة الاستعمار.

ولأن الإنسان لا ينسى بعض عاداته السيئة حتى وهو يُغرغر، لم ينس القذافي  في خطاباته، أو غرغراته الأخيرة، أن يأتي بذلك  المغلف أو الفزاعة التي دأب على استخدامها كلما أراد دفع القطعان الشعبية إلى زرائبها، ومن تم تسهيل العملية الأصعب ، وهي تأديب وربما ذبح وسلخ بعض أشقياء هذه القطعان، والذين اكتشفوا الطعم اللذيذ القاتل قبل غيرهم.

"...... بيتجيبونا الاستعمار!!! "

هكذا صفَّر الراعي، القذافي، بصفارته المرعبة المعروفة، وأطلق هذه العبارة النارية، وهي عبارة قديمة جديدة قذفها القذافي، في عشية ذلك اليوم الأسود في تاريخ الليبيين، وقد شابهت هذه العبارة في سرعتها وحرارتها سرعة وحرارة طلقات الـ 14.5، وبالتوازي معها مكانا وزمانا.

أفلحت صفارة الراعي المشحونة بهاتين الكلمتين الناريتين، في أن تدفع قسما كبيرا من القطيع المتمرد الذي سمع الصفارة، ورأى كلاب الراعي الذئبية المدربة المحلية منها والمستوردة، وهي تحيط به من كل جانب، إلى الدخول وبسرعة إلى الزرائب العتيقة القمئة، وبذلك سهل على الراعي إتمام بقية فصول المسرحية ذات الاثنين والأربعين حولا، ونجحت للمرة الألف فزاعة محاربة الاستعمار.
ولأن طريقة الحل العكسي، فكرة تسكن نفسي، ولأن النتائج بنات المقدمات، وحتى نتمكن من خلق بيئة حوار بنّاء بعد سقوط القذافي، وخاصة مع أولئك الذين غرر بهم القذافي، وأقنعهم بأنه عدو الاستعمار الأول، وبأنه خط الدفاع الأخير في وجه المستعمرين الصليبيين، لا سيما الذين يشنون الحملة الصليبية رقم 1973، والذين ولعجائب الصدف، كانوا هم أحفاد المستعمرين والصليبيين السابقين الذين أسس عليهم القذافي دراما مسرحيته الثورية التحررية الطويلة. لكل ذلك لا بد لنا من الاستعانة بمنهج الإحصاء والتحليل والمقارنة لحل فزورة الاستعمار، أو قل أخطر الكلمات التي استعلمت في تغليف أسوأ أفعال الحكام العرب الطغاة،  والذين في مقدمتهم وربما خاتمهم، القذافي.

كان من المتوقع، وبنسبة عالية، خروج معمر القذافي كما خرج زميلاه؛ مبارك، والزين، وبدون حرب تحرير. غير أن القدر أراد غير ذلك.

أجل حرب تحرير. هكذا سمى بعض الخبراء الحرب الليبية الحالية. وهو اسم نجد له ما يبرره إذا اقتربنا وبشكل حميمي من كلمة استعمار لنكتشف الوجه الحميمي الناعم لهذه الكلمة، وما فيه من أذى وهلاك وشر يساوي أذى وهلاك وشر توأمه الاستعمار غير الحميمي المعروف، وربما يتفوق عليه.
هل الأقدار استثنت القذافي، كما قال أحدهم؟

هكذا يبدو، وذلك حتى تفضح الأقدار العادلة حقيقة القذافي الاستعمارية التي أخفاها على الكثير، ومارسها بحميمية خبيثة؛ فسلخ لحمنا عن عظمنا ونحن نضحك.       

مارس القذافي فعله الاستعماري الحميمي على مراحل وخطوات أهمها:
ــ قام، ومن أول يوم جاء فيه، بغرس إسفين بين مرحلة ولادة واستقلال الدولة الليبية، ومراحل عمرها اللاحق؛ فهوّن وحقّر تلك المرحلة بكل ما حوت من أحداث، وخوّن كل من ساهم في تلك الأحداث. وهو عمل خبيث لم تقم بفعله إيطاليا المستعمرة غير الحميمية.

ــ قام نظام حكم القذافي على تصورات وأفكار غريبة عن المجتمع الليبي وثقافته، فأحدث شرخا عميقا في وعي الشعب أدى إلى تشوهات خطيرة في بنيته الوجدانية والفكرية وحتى الاجتماعية. وهو عمل لم يتجرأ الاستعمار الذي عرفنا عن فعله، بل ربما تحاشاه لعدم جدواه.

ــ قام القذافي باستغلال إطلالته الأولى، وكاريزمته الكاذبة التي ساهم في صناعتها وخلعها عليه البسطاء وقليلو الثقافة والوعي، بالزج بالكثير من المغرر بهم في معسكره الذي أسماه المعسكر الثوري، وجعل بقية الشعب في المعسكر الثاني المضاد، وأشعل بين المعسكرين حربا لم تخمد مدى العقود. وهو تصرف لا يقدم عليه مستعمر آت من وراء البحار، وذلك لما يجره هذا الوضع من خسارة، جعلها القذافي وقودا لآلته الاستعمارية الناعمة، أو الحميمية الخبيثة.   

ــ لم نجد في أرشيف هذا النظام خطة تطويرية جادة في أي مجال من مجالا ت التنمية المعروفة، وهو ما أدى وبوضوح إلى الحالة التي عليها البلاد. ولكننا نجد في أرشيف المستعمر الإيطالي الخشن، بل وفي أرض الواقع، الخطط التنموية الجادة، والتي تم تنفيذها بالفعل، ولا زلنا حتى حينه نرى آثارها النافعة بيننا.

ــ لم يمنع الاستعمار الخشن غير الحميمي قيام الناس بالتعبير عن مجرد أفكارهم، ولم يقم الاستعمار الإيطالي على ما يروي لنا معاصروه بشنق شاب ليبي وجد متلبسا بجريمة صلاة الفجر بالمسجد المجاور لبيته.

 ــ لم نعرف عن إيطاليا قيامها بالتوقيع على بياض وثيقة ترهن موارد الشعب الليبي كلها، وذلك مقابل صفقة سياسية، الوحدة مع مصر مثلا، وهو ما فعله القذافي، وما شهد به السادات، ولم ينفه القذافي.

ــ  لا يتجرأ الاستعمار غير الحميمي مهما بلغت عدوانيته على عدم توفير مادة طبية أو دوائية سعرها سنت واحد، ثم يطلب من الغرباء مساعدته في أخذ تسعين ألف مليون دولار لعدم الحاجة إليها.

ــ يحرص المستعمر دائما على عدم خدش المشاعر الإنسانية والدينية، وخاصة ما تعلق منها بالراحلين إلى العالم الآخر، بدءا من معاملة جثة الميت ودفنه وإقامة الصلاة عليه، وربما بناء الشواهد المتعارف عليها في البلد المستعمر. غير أن ابن البلد القذافي المستعمر الحميمي، استكثر علينا ذلك؛ فقتل غيلة، واحتفظ بجتث المغتالين، وحرم على ذويهم مجرد لمس التراب الذي رغم جفوته، أناب عن الأقارب والأحباب في مؤانسة الميت المغدور الغريب في وطنه حتى الموت وبعد الموت، وفق طقوس الاستعمار الحميمي.    

ــ لم نعرف عن شريعة مستعمر أنها تقتل بتهمة الحب والكره، ولكن مستعمرنا الحميمي، القذافي، قتل الشهيد كعبار وعشرات غيره، لأنه فقط صرح بكره معمر القذافي ونظامه. وللتأكد يمكن الاطلاع على محضر المحاكمة الموجود بأحد مواقع المستعمر الناعم.

ــ .......
ــ ............
ــ ....................  الخ.

كثير وكثير جدا مما فعله المستعمر الحميمي، القذافي، لا يمكن إلا أن يكون المقدمات المنطقية لهذه النتيجة المأساوية التي نعيشها، والتي يمكن أن نطلق عليها حرب التحرير من المستعمر الحميمي اللذيذ القاتل.

فهل يحق لنا، أيها المغرر بهم حتى حينه، أن نسمي معمر القذافي المستعمر الحميمي؟

ليتكم تقولون نعم.

 محمد الشيباني
aa10zz100@yahoo.com

  

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

نعم هو الاستعمار الحميمي وهو ابشع صورة لحاكم عرفته ليبيا والتي احسبها براءة منه ومن نسبه والله اعلم ولكن افعاله ليست من موروث هذه الارض وشعبها الطيب والقنوع علي مر العصور شعب المختار والباروني وغيرهم من الابطال فهو متكبر متحجرف كافرعون مصر وقاتل سفاح كالحجاج وكذاب ومخادع كمسيلمة الكذاب