المتبرع: سجين الرأي السابق الصادق
الرقيعي، والمتبرع: المهندس امبارك الشامخ .. مثالا، لا حصرا.
بفضل الله ورحمته، لانت قلوب الليبيين، وتكاثرت
هذه الأيام دعوات المصالحة والوفاق بينهم. ولم يكن الشعب الليبي عبر تاريخه الطويل
المشرق شعب تفرق أو خصام، لولا ما شهدته البلاد مؤخرا من نزاع سياسي، كان للفئة
الحاكمة القليلة، ممثلة في شخص القذافي وأبنائه وبعض أفراد قبيلته ومريديه، الدور
الأبرز في تأجيج هذا الخصام، ودفع الناس إليه، وذلك بما توفر لدى هذه الفئة من
نفوذ وسلاح وأموال.
ولعله من المسلم به الآن أن معظم الفرقاء، من
نزح منهم عن الوطن، ومن لم ينزح، هم أولئك الذين وقعوا ضحية عملية التغرير
الممنهجة التي امتدت على مدى وجود القذافي وفئته على كرسي الحكم، تلك العملية التي
بلغت أوجها عندما أحس القذافي باهتزاز الكرسي من تحته.
ليس من العدل أن نفصل العمل الذي يقوم به شخص
ما، خيرا كان ذلك العمل أو شرا، عن الزمان الذي وقع فيه، وعن الظروف التي اكتنفته.
الغالبية العظمى من الذين تركوا البلاد
مجبرين، هم من الذين وقعوا ضحية تغرير نظام سياسي مزمن، لم يكن أحد يتصور زواله، حتى
كاد أن يستقر في وعي الكثيرين منهم أن بقاء القذافي أمر محتم قدرا، وأن التفكير في
تغييره هو ضرب من الخيال.
وليس من الصعب على القاضي المنصف الحصيف، وهو
ينظر في جرم الكثيرين ممن غرر بهم القذافي، أن يرى مدى التغرير في كل فعل من أفعال هؤلاء، وأثر ذلك في
تحديد العقوبة العادلة.
وقبل ساحات القضاء وبعدها، وقبل حصافة القاضي
وحنكته، هناك ساحات العفو الشاسعة، ورهافة حس المواطن الليبي الرشيد وذكاؤه، ذلك
المواطن الذي لابد أنه يعلم بأن صك عفوه على من ظلمه من بني دينه وعرقه ووطنه، يضمن
له حياة هانئة له ولأبنائه من بعده، كما أن عفوه هذا مما يستوجب رضاء ربه الذي لا
يقدر بثمن.
طائر المصالحة المبارك، والذي ستعبر على ظهره
بلدنا ليبيا من خضم النزاع والفرقة، إلى بر الوفاق والألفة، له جناحان؛ أحدهما
جناح المصارحة من قبل المغرر بهم، وثانيهما جناح المسامحة ممن وقع عليهم الضرر. وهذا
الطائر هو الذي تتجه كل الأنظار إليه الآن، كما أن كل الأيدي تربت على جناحيه، كي
ينهض، ويحلق بليبيا بعيدا عن خرائب الخصام والشقاق، إلى حيث جنان المحبة والوفاق.
نقل إلينا الإعلام مؤخرا أخبار بعض محاولات
المصالحة المباشرة، وهي محاولات نباركها، ونتمنى نجاحها. وإلى جانب هذه المحاولات
هناك محاولات أخرى، لم تتيسر لدعاتها فرصة اللقاء والتفاوض المباشر، وإنما تلاقى
الاثنان تلاقيا وجدانيا على بساط الأثير الذي نسجه عنكبوت الانترنت المبارك.
من دعاة المصالحة على الأثير، الأستاذ الصادق
الرقيعي، وهو سجين رأي سابق، وإن شئت الإنصاف فهو شهيد ناطق، ذلك أنه من غير
المحتمل كثيرا لمن أمضي في غياهب سجن أبي سليم سيء الصيت، ثماني سنوات أن يظل حيا،
لولا أن الأعمار بيد الله اللطيف الحكيم.
وللأستاذ الصادق الرقيعي بذلك السجن وغيره
زملاء ربما بلغوا الألوف، منهم من قضى نحبه، ومنهم من شاء الله أن يبقيه كي يكون
شاهدا على ما جرى.
والصادق الرقيعي، وهو يسرد ذكريات سجين الرأي
الليبي المرة، أطلعنا فيما نشر من مقالات على المكان الذي قضى فيه هو والمئات من
رفاقه زهرة سنوات العمر، وحبل المشنقة يتدلى أمام ناظريهم صباح مساء، والموت على
موعد يومي معهم، حتى أضحى توديع الأموات الطقس الاجتماعي الوحيد الذي يمارسه
أولئك السجناء الأبرياء.
وبالإضافة إلى صناعة الموت اليومي، أفلح سجن
أبي سليم، وغيره من سجون القذافي الكثيرة في صناعة العداوة ونشرها بين الليبيين،
والذين شطرهم القذافي إلى شطرين لا ثالث لهما؛ شطر المساجين، وشطر الجلادين.
لم تفلح كل تلك الذكريات المرة في أن تمنع الصادق
الرقيعي من مد يده بالمسامحة، والدعوة الصادقة إلى المصالحة، أكد ذلك في مقال له بعنوان:
إن لم تكن المصالحة .. فالحرب قادمة، والذي رابطه بصحيفة المنارة هو: http://www.almanaralink.com/press/2012/06/19014/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%82%D9%8A%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%86-%D9%84%D9%85-%D8%AA%D9%83%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D9%81%D8%A7%D9%84/
وكاد أن يمر هذا المقال كما مر غيره، ويطويه
النسيان، لولا ذلك التعليق المعبر الذي وقعه المهندس امبارك الشامخ باسمه وصفته،
وهذا نسخ له:
مهندس امبارك الشامخ
يونيو 22, 2012 5:13 مساء
السلام عليكم اخ الفاضل
الصادق الرقيعي….اولا اسمحلي ان نعبر لك عن تقديري واحترامي لشخصك الكريم الذي
شاءت الاقدار ان لا اعرفه ولا اسمع به الا من خلال مانشرته حضرتك من مذكرات مؤلمه
ومؤسفه لكل بني ادم لديه ذره من الانسانيه وايضا هي مشرفه لانها نضاليه من اجل
عقيده ونصرة الحريه(خذ في الاعتبار قد نختلف وقد نتفق في بعض الرؤيا ولكننا متفقين
في الثوابت وهي الهويه والعقيده)نعم انني اكن لشخصك كل الاحترام والتقدير وكم كنت
اسفا ومتالما من بعض الحقائق والاشخاص التي كشفت عنهم حضرتك في مذكراتك وقد كنت
احتسبهم في حساب الوطنيين…..علي كل حال انا حبيت ان
اعلن اتفاقي معك التام في ماذهبت اليه في موضوع المصالحه وفق القواعد
التاليه:ارجاع الحقوق بالقانون..(مايتعلق بالتلطخ بالدم والمال العام وانتهاك
الاعراض سوي بالقذف او بالفعل)…ومن ثم العفو والتسامح…كله من خلال رغبة ومعرفة
اولياء الدم والعرض…نعم هناك مجموعه من المجرمين يحاولون تكوين كتله بشريه من المليون
والنصف خارج الوطن لتقويض الثوره الشعبيه وهناك ايضا مجموعه من الحاقدين علي الشعب
والنظام وحتي الارض الذي عاش عليها هذا الشعب والنظام طيلة 42 سنه لانهم كما لدي
انصار النظام قناعه ان الناتوا هو من انتصر عليهم فان الحاقدين ايضا يروا ان
الناتو هو الذي حررهم من النظام وليس الشعب اللهم يارب احمي ليبيا
والامه الاسلاميه من ثلاث الحاقدين (من كل جانب)والمتطرفين(من كل
جانب)والتابعين(من كل جانب)….اخ الصادق بدون سابق معرفه ارجوا تقبل تحياتي
واحتراماتي لك ولقد ابدعت في كتاباتك لمذركرتك ابدعت في صياغتها كتابه والاهم هو
ابداعك في تسطيرها كبطوله علي ارض الواقع …قد لاتتقبل هذه الشهاده
من شخص عمل في نظام سجنك وهذا من حقك ولكن ياسيدي ارجوا منكم ادراك انه هناك اخرون
لهم رؤياء قد تختلف عنكم ولكن هم ايضا سجنوا وعذبوا وعملوا مع النظام وفق ثلاث
ثوابت عدم التلطخ بالدم وعدم المساس بالمال العام وطالما البلد في مواجه وحصار ومن
الاصلاح بقدر مايستطعيون….وهم علي استعداد للمحاكمه والمساءله لانه يوم النصر
العظيم لهم لانه ستكشف الهويات والارتباطات لكل من هو علي المشهد السياسي سوي قوي
المعارضه او النظام اسف اطلت والسلام…..
المهندس امبارك الشامخ الذي شغل أرفع المناصب
في نظام القذافي، نراه بوضوح يمد يده إلى الصادق الرقيعي سجين عهد القذافي، وهي نفس
اليد التي مدها الشامخ عبر إحدى القنوات الفضائية إبان الحرب بين مواطني البلد
الواحد، واصفا إياها بالنظيفة، ومستعدا للتحدي والمراهنة على ذلك.
وبعد فراغي من قراءة مقالة الرقيعي، وتعليق
الشامخ عليها، ونظرا لقيامي بإطلاق دعوة للمصالحة على الرابط:
والتي اقترحت من خلالها تأسيس بنك المصارحة
وبنك المسامحة اللذين تتكون أصولهما، كما بينت، من مجموع صكوك المصارحة من طرف، ومجموع
صكوك المسامحة من الطرف الآخر. بناء على كل ذلك، رأيت أن استثمر هذا الحراك،
واغتنم فرصة هذا اللقاء النموذجي الذي احتضنته الشجرة العنكبوتية المباركة، محاولا
مد أغصان شجرة الوفاق حتى يعم ظلها كل مساحات الخلاف التي تكدر وجه الوطن وتحزنه.
لم لا؟!
فهذان الرجلان؛ الرقيعي، والشامخ عينة علمية
مثالية، ومعبرة بوضوح عن المجموعة التي تستهدفها عملية المصالحة.
كما أن المهندس امبارك الشامخ، والأستاذ
الصادق الرقيعي ليسا هما المواطنين الليبيين الصالحين الوحيدين، بل هناك مثلهما
الكثير، والذين سوف يصطفون طوابير من أجل تأسيس بنك المصارحة، وبنك المسامحة، حَجَرتي
الأساس في بنيان ليبيا الجديدة السعيدة.
إنني أدعو الأخوين الصادق الرقيعي، وامبارك
الشامخ إلى الاتصال المباشر بينهما، ووقوف كل منهما على رأس الطابور الذي سينضم
إليه الآلاف من دعاة المصارحة والمسامحة، ويشرفني أن أكون أحد الواقفين في هذا
الطابور المقدس.
محمد عبد الله الشيباني
مدونة ربيع ليبيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق