الثلاثاء، يوليو 19، 2011

القائد حرب وشطرنج، ........


القائدُ.. حرب، وشطرنج، وسودوكو، وغُميضة  

أتوقع بعد فراغكم من قراءة هذه المقالة، قيامكم بالمطالبة ببقاء القائد الفذ، والحاكم المتميز، على كل من سواه من حكام، القذافي. ذلك لأنه الحاكم الوحيد الذي يثحكم ولا يحكم، كما أنه القائد الوحيد الذي يتميز بإجادته أربع لعب خطيرة في وقت واحد!

أجل؛ فقائدنا يحاربنا، ويلعب الشطرنج، ويحترف السودوكو، ويمارس الغميضة.

كيف هذا. يا هذا؟

أما عن قيام القذافي بشن أكبر حرب على الليبيين في بلدهم، وذلك بعدما حكمهم أكثر من أربعين عاما، فهو أمر شهدت به السماء والأرض.

كما أن قيام القائد بلعب الشطرنج أثناء تلك الحرب، فهو مشهد ظهر بالصوت والصورة، بل وشهد على ذلك النادي الدولي للشطرنج، ممثلا في رئيسه، والذي قام بنفسه بمبارزة فارس الشطرنج الذي لا يقهر.

وأما قيام القائد بإدمان لعبة السودوكو التي تعتمد اعتمادا كاملا، كما هو معروف، على الأرقام لحل أحاجيها، وكذا إتقانه للعبة الغميضة، التي يمارسها هذه الأيام، فهو ما سأقوم بالدندنة حوله في مقالتي هذه.   

في مثل هذه الأوقات من العام الماضي، 2010، كان قائد الأوهام المفتون حتى الهوس بملهاته الأثيرة، لعبة العبث بالأرقام، منخرطا حتى شوشته في تحريك أصابع يديه وربما قدميه، قابضا وباسطا لهم، المرة تلو المرة، مستخدما ذكاءه الفطري المخجل، ومنتشيا بوهم ثقافته البدائية البائسة، وذلك لا لشيء إلا للخروج على العالم بتوليفة رقمية مثيرة ولافتة للنظر. مثال 3×3 ــ 2010 .
ولتحقيق ذلك سخّر القائد إمكانيات ليبيا كلها، واستخدم كل الطرق الممكنة من أجل الزج بعدد من رؤساء الدول، ترغيبا وترهيبا، وتمكن أخيرا من استدعائهم، وعقد ثلاثة مؤتمرات قمة في طرابلس المسكينة، وفي زمن قياسي، ربما كان ثلاثة أشهر، أو يزيد قليلا.

كل الذي يهم القائد من وراء هذه المؤتمرات هو بناء مجده السياسي الكاذب، وإشباع عادته الشاذة القديمة، التلهي بالأرقام، وصياغة توليفات مثيرة منها.
3×3 ــ 2010. أليست توليفة جميلة.

بلى هي كذلك، فعقد ثلاث مؤتمرات قمة، خلال ثلاثة أشهر، هو بحق في منتهى الروعة. غير أن واقع الحال ليس كذلك، ذلك أن هذه المؤتمرات التي تم تسخير إمكانيات الدولة الليبية المهدورة من أجل تنفيذها، وبسفاهة ظاهرة، لن ترضي أو تفيد الشعب الليبي بحال، وإن أرضت القائد الأممي، وزخرفت  بنيان مجده الوهمي.

انشغل عنا قائدنا الوحيد وحاكمنا الأوحد في الصيف الماضي، كما هو ديدنه في كل فصول السنة، وتفرغ لاستقبال ضيوفه القمَمَيين الكبار. كما انخرط إعلامه الشخصي المتخلف الرخيص في النفخ في هذا الحدث الأعجوبة، حدث انعقاد القمم المتعددة في وقت قياسي، ممارسا علينا مَنـَّه المستفز المعهود، مرهقا أسماعنا بتعداد إنجازات القائد الأسطورة، وقدراته الخارقة.

وفي الوقت الذي كان فيه القائد مستمتعا بملهاته الرقمية، مؤتمرات القمة المتعددة في أشهر معدودة، ويحضر لأعراس مجده الثلاثة بإجراء البروفات المكلفة، والتي تؤمن تنفيذ هذه الأعراس الكونية، بالطريقة التي تليق بالقائد ومجده، كانت طرابلس المسكينة وساكنوها، يعانون أشد المعاناة من قفل للطرق دون مبرر، وما ينتج عن ذلك من تعطيل لأعمال الناس، وتعرضهم لإجراءات أمنية صارمة، ألقت بظلالها المرعبة على مشاعرهم، وربما ألحقت أضرارا مادية جسيمة ببعضهم، وذلك بسبب الحواجز الأمنية المرعبة التي قفلت عليهم أبواب رزقهم، وقطعت لهم طرقهم. ويجلس من نجا من أولئك المواطنين المساكين بعد انتهاء هذه الأعراس المترحة، ويسأل نفسه عن جدوى عقد هذه المؤتمرات القممية، وما يعود عليه من نفع من وراء ذلك، وسرعان ما يجد الجواب: لا فائدة ملموسة، سوى تلهي العقيد المريض بعادة العد وتصفيف الأرقام التي أدمنها. أما الخسارة فمؤكدة وباهظة ومحسوسة.

إن إدمان اللعب بالأرقام، قديم في جماهيرية القذافي السحرية، فما من حدث صغر شأنه أو عظم إلا وربطه العقيد الثائر بلعبة الأرقام.

" 1/9 " .. لا يفتتح مصنع أو مشروع أو غيره إلا في يوم 1/9، ولو أدى ذلك إلى إلحاق الضرر بالمصنع وزيادة تكاليف تأسيسه وصيانته. ولا يستعمل طريق تم رصفه إلا بحلول 1ــ9 ، ولو بقي هذا الطريق مقفلا الشهور الطوال منتظرا دوره.

" 7/7/77 " .. تم تحديد هذا التاريخ ذي الرقم المميز بتكلف وتعمد واضح وفاضح، وحدد كموعد لالتحاق الدفعة الأولى من التجنيد الإلزامي، وكذا تم تحديد موعد التحاق الدفعات الأخرى، وبتوليفة رقمية مثيرة، تتكرر فيها الأرقام، وتظهر على شكل لافت.

" 1000000 " جندي. شغل هذا الرقم القائد الضابط طويلا، وجعله نصب عينيه، وسخر كل إمكانيات الدولة من أجل الوصول بعدد المجندين إلى هذا الرقم، ولو أدى ذلك إلى إيقاف عجلة الاقتصاد، وتشريد الأسر، وتحطيم مستقبل الشباب بسبب توجيههم قسرا إلى معسكرات التدريب العسكري سيئة الصيت. بل ولو أدى ذلك إلى تحويل المدارس إلى ثكنات، والفتيات المحجبات إلى مجندات متبرجات.   

" 9-9-99 " من منا لا يعرف هذا الرقم الأيقونة، وكيف تكلف القائد وتعسف، بل وحاول التحكم في سرعة دواليب الأرض، وتطويع العدادات الكونية لليل والنهار من أجل ترويضها لتتوافق مع ما يدور في خيال العقيد المريض عن شكل توليفة تاريخ انعقاد أحد مؤتمرات القمة الأفريقية، كما لو أنه ساحر أو مشعوذ اشترط عليه شيطانه التقيد بطلاسم رقمية محددة لينفذ له ما يريد. وكان للقائد وشيطانه ما أراد، واحتل هذا الرقم مكانه في قائمة الطلاسم الرقمية الكثيرة للعقيد الرقمي العجيب، بل تم وضع هذا الرقم على ذيل طائرات الأيرباص الحديثة التي اقتنتها الشركة الأفريقية للطيران، وطار هذا الرقم الذي اخترعه العقيد الحكيم، فوق السحاب، وليطوق الكرة الأرضية الواسعة الشاسعة.


عندما كان القائد، مهندس النهر الصناعي العظيم، منهمكا في تنفيذ لعبته وملهاته المكلفة، النهر الصناعي، أرهق أسماعنا وعقولنا بسرد القوائم الطويلة عن الأرقام المتعلقة بطول الأسلاك الحديدية المستعملة في صناعة أنابيب النهر العظيم، والتي تطوق، كما حسبها العقيد الرقمي بسلامات أصابعه، الأرض آلاف المرات. والأمر نفسه ينطبق على مواسير ضخ المياه الممتدة لآلاف الكيلومترات، وكذا أحواض الماء العملاقة، والتي لاتساعها تنزل القمر كل ليلة وتستحم فيها، وغير ذلك من أعداد وأرقام فلكية تدهش السامع وتحيره، وفي مرات كثيرة تنتزع منه ابتسامة ساخرة دون أن يدري.

لم يفوت القائد أية فرصة من شأنها إشباع نهمه الرقمي الشاذ إلا واغتنمها، غير أنه لم يتطرق أبدا إلى الكثير من الأعداد المثيرة الأخرى من مثل؛ هزيمة جيش جماهيري تعداده مليون جندي، بطائراته ودباباته، أمام جيش دولة فقيرة، كتشاد مثلا، وكذا الأرقام المخجلة عن دخل المواطن الليبي المهضوم، وتدني مستوى معيشته، أو تلك المتعلقة بمؤشرات صحته ، وأمنه، ومستوى شفافية الحكومة التي تحكمه، وكذلك أرقام الفساد التي لامست السحاب، وغير ذلك كثير. وإذا صادف ووقع القائد في رقم مطب من مثل هذه الأرقام، يبادر بدهائه ومكره المعهود، ويجعل هذه الأرقام السلبية دليلا على أن القائد المنظر سابق لعصره، وأن الشعب الليبي هو الذي عجز عن استيعاب نظام الحكم الجماهيري البديع.  

وغالب ظني أن لدى القائد كنز رقمي آخر مثير يستمتع به منفردا عندما يخلو لنفسه، أو في خيمته، وهو يسامر أفراد عصابة تلك الخيمة، ومن بين تلك الأرقام القياسية المثيرة الكثيرة، تمكن القائد محرر الشعوب، وخلال ساعتين فقط لا غير، من ذبح 1200 مواطن ليبي، يحمل كل واحد منهم السلطة والثروة والسلاح. حقا إنه رقم مثير ومرعب ورهيب، ولكنه، ويا للآسف، غير قابل للنشر كغيره من أرقام مفزعة عديدة يعرفها جميع الليبيين.

القائد الرقمي في هذا الصيف، صيف 2011، يحيا أجواء مخالفة تماما لما كانت عليه في صيف عام 2010، ولكنه لم ينس عادته الأثيرة، العبث بالأرقام، وانهمك المسكين في تحريك أصابع يديه ورجليه، ممارسا نفس اللعبة، غير أنه هذه المرة يقوم بالعد التنازلي لنهايته، كما يعد وبمرارة بالغة تساقط مساعديه القدامى،  ووزرائه، وضباطه، وكذا أصدقائه رؤساء الدول، والذين تفرقوا عنه، وتبرءوا منه، عندما اكتشفوا أن من كان مضيفهم في العام الماضي، لا يعدو كونه قرصانا اختطف قطعة أرض اسمها ليبيا، وسجن أصحابها، وعقد مؤتمرات القمة من أجل إضفاء الشرعية على عملية اغتصابه المفضوحة.

أدرك مريدو القائد أن قائدهم في ورطة، وأنه في حاجة ماسة لممارسة ملهاته القديمة، العبث بالأرقام، وأنه يجب عليهم إحضار ما يسلي القائد لا ما يبكيه، فقاموا بسوق القطعان البشرية إليه، وأجلسوه في مكان معد بإتقان، ومزود بوسائل تعمية بصرية متقدمة جدا، بحيث يرى القائد من خلالها أعداد أصابع يديه العشرة مائة، وكذا يرى أصابع رجليه وأعضاء أخرى من جسده، كما أنه يرى المسيرة المئوية مسيرة ألفية، والمسيرة الألفية مسيرة مليونية، وهكذا.  
أفلح سماسرة البشر في مهمتهم الخبيثة، ووجد القائد ضالته في عدِّ تلك القطعان البشرية، وأمسك بقلمه وورقته وأخذ يقوم بتلك العملية المجهدة اللذيذة، عدِّ رؤوس الأنصار، المجلوبين بالدينار، وأخبرنا في ليلة مسيرة الزاوية المزعومة، بأن إجمالي عدد أنصار صانع عصر الجماهير، بلغ ستة ملايين إلا عشر المليون!

وبذكاء القائد الفطري المعهود، تمكن من استنباط عدد الخونة والمأجورين والمتآمرين، هناك في الجبل الأخضر، وفي بنغازي، واجدابيا، ومصراتة، والجبل الغربي، وغيرهم، والذين لا يتعدون وفق عدادات العقيد الرقمي الصدأة بضع عشرات الآلاف لا غير. ومرة أخرى يستخدم القائد الحكيم ذكاءه الفطري لاستباق حل اللغز الصعب: أين يذهب هؤلاء المنشقون؟ وأين يختبئون من العقيد المارد.

ولأن القائد يمارس هذه الأيام لعبة أخرى إلى جانب لعبة العد وفوازير الأرقام، ألا وهي لعبة الغميضة المسلية، والتي تفنن فيها العقيد المطارد أيما تفنن، وذلك بسبب مطاردة أبابيل السماء، وأولياء الدماء له هذه الأيام، وهو ما جعله يدرك وبذكائه الفطري المضحك المكان الوحيد الملائم لاختباء هؤلاء المارقين، وأي مكان أفضل من اسطنبول، التي، ويا لضلال العقيد وخيبته، ينعقد فيها مؤتمرا عالميا للبحث عن مكان يتسع لطمر جثة القائد الأممي الذي يلعب ويتقن لعبة الحرب والشطرنج والسودوكو والغميضة، في وقت واحد، أيما إتقان.

  محمد الشيباني
aa10zz100@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: