الأربعاء، نوفمبر 09، 2011

هل يفلح الكيب



تُرى هل يفلح الكيب في أن يجد وزيرا؟!

بُعيد تكليفه بتشكيل الحكومة، وبعد مداولات شاقة، خلا عبد الرحيم الكيب إلى نفسه، واختار أعضاء حكومته. ثم خطر له أن يضمن قرارات التكليفات الوزارية، رسالة الإرفاق التالية:

إلى كل من ابتلاه الله فولاه

سلام وبعد

ردَّدنا خلال العقود الأربعة الماضية، وبإفراط، مقولة "الوظيفة تكليف وليست تشريف"، غير أننا وجدنا أولئك المكلفين قد التصقوا بتلك الوظائف التصاقا حميميا بلغ حدَّ الشذوذ، وما سمعنا أحدا منهم أطلق أنَّة أو آهة أو أبدى تململا أو إعياء من تكاليف الوظيفة وأعبائها، بل وجدنا جلهم قد هاموا في الوظيفة حتى الجنون!


لا شيء يبرر الهيام حتى الجنون، سوى غرق أمناء ورؤساء ومدراء ذلك العهد المشئوم في بحار المتعة والسعادة والرضا، وهو ما أفقد ذلك الشعار، "الوظيفة تكليف وليست تشريف"، صلاحيته ومصداقيته، وقلب مدلولات ألفاظه، فصارت كلمة التكليف، تعني نيل الحظوة والتشريف، وأصبحت الوظيفة العامة مغنما لا يناله إلا أحمق سفيه سخيف. وكأن النفاق  بعد أن طبع القلوب والنيات، تسرب إلى الألفاظ والكلمات، وأصبحت هي الأخرى تظهر ما لا تبطن!


تلك أمة قد خلت، وزمن قد ولى. وهو زمن سيطر فيه شخص سفيه، فولى أمور البلاد والعباد أزلامه ومريديه، وجعلهم خداما وعبيدا له ولبنيه.


إن الوظيفة التي كان يتكرم بها القذافي على كل من ألهه وركع له وقبِّل قدمه، لم تكلف القذافي النزق المغامر شيئا، وما كان يرجو القذافي من تلك الوظائف سوى توطيد حكمه والدعاية له. وهو ما يفسر اقتصاره في إسناد تلك الوظائف على ذلك الصنف من الناس القادرين على تلبية شبقه وشذوذه الذي يبدأ بما نعلمه من مدح وإطراء سمج سخيف، وأجزم، ولدي أدلة، أن ذلك المدح والإطراء يصير في الخفاء ركوعا وسجودا لنصف الإله، معمر القذافي!


ها قد سقط نصف الإله، ورأينا عوراته البشرية بأم أعيننا. وبسقوطه المدوي هذا سقطت سلسلة من المفاهيم والمبادئ الظالمة الجائرة التي أسس عليها النظام السابق منظومة حكمه وأركان مملكته التي ذهبت إلى غير رجعة.


قال القذافي ذات يوم أنه ليس لديه مشكلة في الإتيان بوزير أو عدة وزراء ساعة يشاء، ذلك أن وزراء القذافي المرتزقة المأجورين لم يكلفوه شيئا يذكر. ولكنكم يا وزراء فبراير المحترمين بلغت تكاليفكم عشرات الآلاف من الليبيين ما بين موتى وجرحى وذوي عاهات، وهو ما أوقع الوطن كله في دوامة الأحزان والحسرات. وفي أسفل فاتورة هذه المآسي نجد ذلك الرقم المرعب المخيف للخسائر المادية المرهقة الجسيمة.


أيها الوزراء:

إن آلاف الضحايا، من فاقدي حياتهم، وفاقدي أطرافهم، وفاقدي أحبابهم، هم الذين صاغوا بمداد المأساة هذا القرار الذي بين أيديكم، محملين إياكم أمانة ما أحرزوه من نصر على الظلم والظالمين والفساد والمفسدين، ومحذرينكم من أن أي زلل ترتكبونه بموجب قوة هذا القرار، إنما هو خذلان وخيانة لدماء زكية على التراب سالت، واستخفاف بأرواح طاهرة نقية  في ساحة الوغى والحرب فاضت، واحتقار لأجسام احترقت وانطمست معالمها وزالت، وتهوين لفقدان أعين وأيد وأرجل من أجسادها اقتطعت وتلاشت.


إن تلك القائمة الطويلة من ضحايانا الكرام، قد قدموا أعز ما لديهم  لا لشيء إلا لطرد الظلم والاستبداد، والطغيان والفساد، من أوسع أبواب الكفاح والجهاد، فاحذروا أن يتسلل كل ذلك، ويعود إلينا من النافذة، ونحن في غفلة من أمرنا.


تذكروا!

ـــ           أنه كلما حققتم بهذا القرار الوزاري إنجازا، فإن هذا الإنجاز كان ذات يوم حلما من بعض أحلام الشهداء. وما كان هذا الإنجاز ليتحقق لو لم يتقدم أولئك الشهداء الأبرار، ويجعلوا من دمائهم حجر أساس لذلك الإنجاز.

انتبهوا!

ـــ                  فإن كل مشهد من مشاهد ليبيا الجديدة، والذي قد تصنعه قوة هذا القرار، إن هو إلا أحد المشاهد التي حلم بها الشهداء ذات يوم. وما كانت انتفاضتهم السلمية الأولى إلا تأويل بريء لأحلامهم ومناماتهم اللذيذة التي سرعان ما تدخل الكابوس، القذافي، وأوَّل كل تلك الأحلام على إيقاع لعلعة الرصاص، وغرغرات المحتضرين، وأنات المجروحين.


لا تنسوا!

ـــ                      فكلما تنسمتم عبير الحرية، وشربتم أنخابها العذبة، كان حري بكم أن تعلموا أن تلك الأنخاب هي نفسها التي امتدت إليها أصابع شبابنا الطرية، فقذف بها السفاح بين أنياب مقصلته، ولم يسمح لتلك الأنامل الغضة حتى بتحسس ملمس أيقونة الحرية، والتلذذ بمجرد النظر إليها عن قرب.

اعلموا!

ـــ                     بأن كل شارع أو ميدان سيمر به ركبكم الوزاري المهيب كان قد ارتوى أديمه بدماء الشهداء الأبرار، وما شجرة الحرية السامقة التي تتفيئون  ظلالها الوارفة إلا حصاد ذلك الدم الطاهر الزكي.

من فضلكم تذكروا ضحايا الحرية الحمراء في كل موقف، وعلى الخصوص في المواقف التالية:

ـــ         كلما قمتم بإعلاء صوتكم لإحقاق الحق وإبطال الباطل، دون اضطراركم إلى التلفت يمنة أو يسرة مخافة أن يصفعكم دكتاتور، أو يبطش بكم أحد حراسه.

ـــ                 كلما وردتم موارد المعرفة، فلم تجدوا أبوابها موصدة، وقد وقف عليها السفهاء الأغرار، وهم يمارسون وصايتهم على عقولنا، ويستخفّون بتطلعاتنا المشروعة إلى الاغتراف بأيدينا من معين العلم والثقافة، والنهل منه حتى الارتواء. ولمّا لم نطاوعهم  قاموا بقطع كل يد تمتد لكتاب، وبإخراس كل لسان يتهجى ألف باء التعبير الحر.           


ـــ           كلما جُلتم بأبصاركم في رحاب الوطن، فلم تصدمكم وتفقأ أعينكم صورة وترهات ذلك الطاغوت الذي أجبرنا السنين الطوال على وضع منظره البشع بين أجفاننا والمقل.


ــ       كلما أصختم بأسماعكم إلى إيقاعات ما خلق الله من حناجر وأوتار، ووجدتم هذه الإيقاعات قد صفت وخلت من ضجيج أبشع صوت لامس سمع إنسان، صوت القذافي الآثم الكذاب.

ـــ            كلما رأيتم الجدوى في قرار ما فاتخذتموه، ولم يحل بينكم وبين ذلك جهل جاهل، ولا طمع طامع، ولا فساد مفسد.
  
ـــ           كلما وقعتم على عقد، وتيقنتم بأن هذا العقد لم تشبه شائبة من فساد، ولم يجبركم متسلط بإضافة نسبة مئوية تحول إلى حسابه بالخارج.   

ـــ             كلما مارستم لعبة الديمقراطية الممتعة المشوقة، ولم يأت حاكم جلف، ويقلب الطاولة على المجتمعين، ويضرب بإرادتهم عرض الحائط، كما كان يفعل الطاغوت.

ـــ      كلما امتد بكم الحلم لتجعلوا ليبيا توأم سنغافورة أو ماليزيا، ووضعتم الخطط الذهبية للوصول إلى الهدف السامي، فلم يصدمكم حاكم سفيه بابتسامة ساخرة وعبارات متهكمة، واضعا حذاءه القذر فوق ما أعددتموه من دراسات وخطط.
    

وبعد، وإذا ذكرتم كل ذلك، وغيره كثير كثير، فلا أخالكم تنسون ما ينتظره منكم الليبيون المنتصرون، وما يعقدونه عليكم من آمال وطموحات عز عليهم تحقيقها فيما خلت من سنوات.

أيها الوزراء المحترمون:

الأطفال ينتظرون ويأملون.
الشباب ينتظرون ويطمحون.
الكهول وحتى الشيوخ  أيضا ينتظرون ويأملون.

الكل ينتظر ويأمل ويتمنى، فلا تخيبوا آمالهم وتسفهوا أحلامهم.

لابد أنكم إذا أدركتم كل ذلك، سوف تفكرون ألف مرة، قبل أن توقعوا بما يفيد استلام قرار التعيين، والذي هو بحق قرار ينضح ابتلاء، ويقطر عناء.  


إذا تجرأتم، وتسلمتم هذا القرار، وقبلتموه، فرجاء احذروه.


وإن وجدتم أنفسكم لا تقدرون عليه، فخير لكم أن تتركوه.


وفقكم الله.


كبير المبتلين
عبد الرحيم الكيب

........................................................................................................................................................
محمد الشيباني

 

ليست هناك تعليقات: