الثلاثاء، نوفمبر 08، 2011

شنطة العيد


انتبهوا. شنطة العيد تحوي قنبلة!

لدى إخواننا المصريين عادة تقترن بالمناسبات والأعياد الدينية، وهي عبارة عن كيس يحوي بعض الهدايا من أطعمة وغيرها، يقدمها ميسورو الحال للمحتاجين، ويطلقون عليها شنطة العيد.

أما الشنطة التي أعنيها، والتي  أصبحت، وبكل أسف، عادة متبعة لدى الكثيرين منا، فهي شنطة عيد الأضحى، حيث تحوي هذه الشنطة مجموعة من الأغراض مثل السكاكين والحبال ومستلزمات الشواء وغيرها.

بيد أن أكبر وأهم وأخطر محتويات هذه الشنطة هو تلك القنبلة المسماة: قُرمة!

لم تكن القرمة منذ عهد قريب ضمن محتويات شنطة عيد الأضحى، ذلك أن هذه القرمة، أو قطعة الخشب التي يوضع عليه عظم الشاة الصلب ليسهل كسره، تعتبر من الأدوات المعمرة، والحاجة إليها ليست ماسة، والحال أن الكثيرين  منا يضحون بالخراف الصغيرة التي لا يحتاج التعامل مع عظامها الهشة إلى كثير عناء.

كما أن هذه القرمة تعتبر من الأدوات المعمرة لصلابة الخشب المصنوعة منه، ولولا الجري وراء الموضة والنماذج الجديدة منها لعمرت القرمة الواحدة عشرات السنين.

مهما يكن الأمر، فالمشكلة ليست في أهمية أو ضرورة القرمة لكل منا، ولكن المشكلة هي في احتلال القرمة المكان الأبرز في شنطة العيد، وتكدس الآلاف منها سنويا على الأرصفة من أجل بيعها باعتبارها من لوازم العيد.

وطالما ارتبطت هذه القرمة بالعيد، صار لزاما على بائعيها توفيرها بشكل متكرر ودائم عند حلول كل عيد ، بل صار البعض منهم يتفنن في إعدادها على الكيفية التي تتفق بالطابع الاحتفالي للعيد، فأخذوا يطلونها بأنواع الطلاءات، بل ويحيطونها بمغلف تجاري مثير يساعد على الإقبال عليها واقتنائها!

وبمجرد احتلال هذا المنتج مكانا بارزا في قائمة مستلزمات عيد الأضحى، أضحى له تجارا يبيعون بالمفرد، ومن ورائهم تجارا يبيعون بالجملة، ومن وراء هؤلاء وأولئك جيشا من حاملي المناشير الآلية يجوسون خلال المناطق الخضراء، والتي أهدى إلينا أكثرهاعدونا الفاشيستي، عندما كان يحارب التصحر في بلادنا!

يتربص حاملو تلك المناشير، أو قل حاملوا سلاح الدمار الشامل هؤلاء بكل شجرة أمضينا عشرات السنين في رعايتها من أجل أن تنمو وتأخذ مكانها في الرقعة الخضراء الضيقة جدا في بلدنا الصحراوي المقفر، فيقطعونها ويبيعونها للحلقة الثانية من هذه المافيا البغيضة، وهم أصحاب ورش صناعة القرم والموزعين الحصريين لها، ليبيعها هؤلاء لنا، وهم يضحكون ويباركون بقدوم العيد السعيد !

بإجراء عملية حسابية بسيطة، نفترض فيها أن نصف المليون عائلة القاطنة بمدينة طرابلس وما حولها، يقْدمون عند حلول كل عيد أضحى على شراء هذه القرمة القنبلة، وبافتراض أن الشجرة الواحدة ينتج عنها بعد قتلها، غير المبرر، عشرين قرمة، فإن حصيلة هذه المجزرة الخضراء التي ترتكب على أرضنا كل عيد، تعني خسارة ما لا يقل عن خمسة وعشرين ألف شجرة معمرة، كنا قد أمضينا السنين الطوال من أجل رعايتها  وانتظار تربع لونها الأخضر البهيج وظلها الوارف الممدود في الأفق الصحراوي الأصفر الكئيب الخانق لنا.

هل لدينا فائض من هذه الأشجار المعمرة حتى يتحتم علينا أن نقوم كل عام بتهذيبه، وكبح جماح الغابات المعربدة للحد من عتو جيشها الأخضر الباغي؟!

هل نحن بحاجة ماسة إلى تجديد هذه القرمة البائسة كل عام، إذعانا لهوس موضة "القرم" المتجدد؟!

هل هذا العمل المخرب للبيئة دعامة من دعامات النشاط التجاري، ومكون أساسي من مكوناته؟!

هل هذا العمل الطفيلي المقيت مركب أساسي من مركبات سوق العمل؟!

الناس في كل الدنيا يقْدِمون في أوقات أعيادهم على شراء باقات الزهور وأكاليل الورود، المنتج الحصري للبيئة الخضراء المستقرة، أما نحن فنتسابق على شراء "القرمة" الدليل الأبرز على جريمة وأد غاباتنا وتمزيق رئاتنا التي نتنفس بها!

وحتى تكتمل هذه الصورة البغيضة، كما أراها أنا على الأقل، لابد لي من إفساد فرحتكم بالعيد، ولفت أنظاركم إلى القنبلة البيئية الأخرى التي تحتوي عليها شنطة عيد الأضحى، ألا وهي كيس الفحم الأسود البغيض، والذي يصح فيه كل ما ذكرته في شأن القرمة البغيضة سالفة الذكر!

وبعد هل هناك جديد فيما قلت؟

كلا، فالكل يعرف ما قلت معرفة جيدة، ويعرف أن هذه "القرمة" وكيس الفحم ليسا سوى آثار وأدلة ناطقة على الجريمة البيئية الخطيرة التي ترتكب على مدار العام، وعلى مرأى ومسمع الجميع، والجميع، ويا للعجب، يتزاحمون على شنط العيد وقنابلها.

مضى إلى غير رجعة عهد الدكتاتورية وحجر الفكر ولجم اللسان، ونحن الآن في عصر جديد سعيد. بيد أن هذا العهد سوف لن يكون جديدا ولا سعيدا، إذا لم نطلق في آفاقه الرحبة الفكر الراشد، ونفك أسر اللسان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأي معروف أعظم من معروف المحافظة على الحياة وبيئتها. وأي منكر أشنع من وأد الحياة ودفنها في القبر الجماعي البيئي الكبير الذي نشترك جميعا في حفره ودفن أنفسنا فيه!

أدعو كل ذي غيرة على الحياة والوطن، ليس مجرد المرور على هذا المقال والتعليق عليه، ولكنني أدعوه إلى اتخاذ موقف مسئول من هذا العبث، والمسارعة في تأسيس جمعيات لحماية البيئة، ونشر الوعي البيئي بين الناس. كما أدعو من يتصدى للفتوى الدينية بقول رأي الدين فيمن يعبث بالبيئة من أجل قرمة أو فحم.

نحن دولة نفطية وميسورة الحال، ولنا وسائل بديلة كثيرة تحل محل الفحم، والذي لا تقام لنا مناسبة من مناسباتنا الاجتماعية إلا ونقوم خلالها بنصب ذلك "المنقل" البغيض لنحرق في أتونه شجرة خضراء معمرة واحدة على أقل تقدير.

لماذا لا نجعل هذه العيد، وهو الأول في عصر الحرية، هو الأول في عصر إنقاذ البيئة، كما نجعله الأخير في هذا التقليد القبيح الكريه تقليد اقتناء شنطة القرمة والفحم البائسة؟!     

وكل عام وأنتم بالعيد فرحون.

وبثوب الوعي والرشد متشحون.

وعلى البيئة التي استودعها الله إياكم محافطون.

محمد الشيباني

هناك تعليق واحد:

عمر محمد الشيباني يقول...

بارك الله فيك وجعل ما تكتب وجاءاً لك من النار....