السبت، يونيو 16، 2012

يا معشر الليبيين


يا معشر الليبيين: إما أن نتصالح، أو هيا بنا نتناطح!

جردة حساب النظام الدكتاتوري السابق أفادت بالنتائج السلبية الصارخة لمسيرة اثنين وأربعين عاما. تلك هي الحقيقة التي اعترف بها القذافي نفسه، كما لم يخفها أحد من رجالاته، بدءا من ابنه سيف، وانتهاء بأصغر أمين من أمناء النظام الجماهيري البائد، والذين جميعهم تتساوى وشوشاتهم مع وشوشة عوام الليبيين وهم يسرون باستحالة إمكانية أي تقدم قد تحققه دولة ليبيا، وهي تحكم بنظام يتلهى صاحبه بالعبث بمحتوياته ومكوناته، كلما أحس بشيء من الرتابة والملل.

جردة الحساب السلبية لأي نظام تعني وجود تناقض داخل مكوناته، وأبرز مظاهر التناقض في النظام الأمني السابق، هو انعدام الانسجام والتوافق بين أهم عناصر الدولة، ألا وهو الشعب وفئاته.

تعمد وأمعن القذافي كثيرا في جعل الشعب الليبي قبائل متنافرة، وأجهزة متناحرة، وفئات متشاجرة، كما لم يجعل لهؤلاء من هدف سوى تأمين العلاقة الأفضل مع القائد الذي إذا رضي أعطى وأغدق، وإذا غضب منع وأرهق.

المضمار الذي كان يلهث فيه الليبيون طوال العقود الأربعة الماضية،  هو ذلك المضمار الطويل المرهق الذي يقف في آخره القذافي، وفي يده مجس قياس الولاء لذاته العلية. وفي هذا المضمار كان يتبارى المتبارون،  ولأجل رضاء القائد كان يتنافس المتنافسون.

ليس مطلوبا من أي من المتبارين مناطحة المعوقات الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية التي تواجه الدولة الليبية ودحرها، وليس مما يرضي القائد قطرات عرق الكادحين الصادقين، ولا مداد العلماء والمفكرين المخلصين، أو حتى دماء المحاربين الوطنيين، وإنما الذي كان يرضي القائد هو التناطح بين الليبيين بعضهم البعض من أجل إحراز كأس: "معمر وبس"!

الشهادة الوحيدة التي تثبت وصول أي من المتبارين إلى درجة" معمر وبس" هي تلك العلامات التي تتركها آثار ملاحم المناطحة بين الليبي وأخيه الليبي على أصابع ووجوه الواصلين إلى خط النهاية، والذي تتربع عنده خيمة القائد، مشرعة أبوابها فقط لرموز المناطحين الأشداء، الفائزين بأعلى درجات الولاء، ولو كان ذلك على برك من دماء.

لا يمكن لليبيين أن يتحركوا إلى الأمام خطوة واحدة، وهم يجبرون على التناطح فيما بينهم حتى الموت، وذلك من قبل قوة متجبرة تحكمهم. وهنا تدخلت المشيئة الإلهية الحكيمة، وأزالت صنما يتقرب إليه بإراقة دم التناحر والتناطح بين أفراد البلاد الواحدة.

درس إزالة نظام القذافي الظالم، برغم أنه درس بليغ ثقيل، إلا أنه درس سهل الفهم واضح الملامح والأبعاد، وخلاصته أن الليبيين المساكين أجبروا على التناطح أربعين عاما، وتسمروا في مكانهم ينزفون، وليس لهم من سبيل للنجاة إلا بتهديم مضمار التناطح وإزالته، وهو ما حدث بالفعل.

كل الليبيين يدركون ما كانوا فيه من تناطح، وكلهم، بلا ريب،  يرنون إلى التصالح، والذي هو الطريق الوحيد لإنقاذهم مما هم فيه من تخلف وتدهور ومعاناة.

سنن التاريخ نفسها تقول بحتمية تدافع الأضداد، وأن دورة حياة فيروس التناطح الذي سكن الجسم الليبي ردحا من الزمن آن له أن يزول ليحل محله بلسم الوفاق والوئام والتصالح.

السماء بيدها الحكيمة تدخلت وأنهت دورة حياة فيروس الطغيان، المسبب الوحيد لسرطان التناطح القاتل، وهي نفسها من خطت لليبيين الحروف الأساسية الرئيسية لملحمة التصالح، عندما جمعتهم جميعا على قلب رجل واحد، وأرتهم رأي العين وهي تزحزح بيدها الجبارة صروح  صناع التناطح، فاتحة أمامهم مضمار التصالح على مصراعيه.

فئة واحدة فقط ليس لها ميل للتصالح، وهي تلك الفئة التي اخترق فيروس التطاحن دماغها، وعمد إلى مركز الحساب والمنطق فيه، وعبث بمعادلاته، حتى بدت لهم ليبيا وما فيها من بشر وشجر وحجر، لا تعدو أن تكون صكا في حجم الكف بتوقيع أحد شياطين الإنس.

وهذه الفئة بما تملك من مال حرام، وسطوة تغرير وإيهام، يمكن أن تؤثر على بعض صغار السن ومحدودي الثقافة، فتجعلهم وقود معركتها الملعونة.

يجدر بولاة الأمر الإنفاق بسخاء من أجل قطع الطريق أمام المتاجرين بمستقبل الوطن، الداعين إلى استمرار حقبة المناطحة السوداء التي دشنها القذافي الميت، وهاهم أتباعه الأحياء يقومون بتنفيذ وصيته.

كل من يعرض أو يتلكأ في الانخراط في ركب المصالحة تحت أي ذريعة كانت ما هو إلا امتداد لفرع من فروع شجرة المناطحة التي غرسها القذافي في أرض ليبيا الوديعة.

كل من يقوم بإغراء المحتاجين من طلبة أو غيرهم بالخارج، ويوغر صدرهم على الوطن، إنما هو مكتوب على جبهته يائس من رضا أمه ليبيا عليه، وابن عاق لا يرجى بره.

كل من يجعل من العويل على القذافي الميت ونظامه المنهار ديباجة أي اتفاق للتفاوض على مستقبل ليبيا والليبيين، لا يريد أن يحيا في ليبيا إلا نسخة من القذافي الذي كلف ليبيا من الخسائر ما لم تتكلفه خلال عمرها كله.

يجدر بوزارة الخارجية أن تحول سفارات ليبيا بالخارج إلى معسكرات رعاية وإيواء، وأن لا ترد من يطرق بابها من الليبيين الدارسين أو المعالجين بالخارج، وأن تقوم بحملات إعلامية مكثفة من أجل حرق التعاويذ الشيطانية التي يقذفها القذافيون مهما تعددت أسماؤهم.

لا يجدر ممن بينه وبين أي من الليبيين ثأر أن يجعل من هذا الثأر ثارا قوميا يستنفر له كل الليبيين، فيجعل من الخصومة الواحدة خصومات، ومن جذوة النار الواحدة حرائق ضخمة تعم الوطن وتحرقه. "ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا".

سوف لن يسعد الشهيد أن يرى دخان الأخذ بثأره يحول بينه وبين أن يرى أهله، وهم يحتفلون بذكرى يوم شهادته، ويفتخرون ويحتفون بمآثره.

وببساطة شديدة جدا
 التصالح سلوك يصنعه هرمون السعادة والأمل
التناطح سلوك يصنعه هرمون السعار الغريزي المذل

محمد عبد الله الشيباني
مدونة ربيع ليبيا  

ليست هناك تعليقات: