الأربعاء، فبراير 12، 2014

موؤود لا قبر له

موؤود لا قبر له!

إنه الجنين الرضيع المختطف، والذي لم يبتل بعد كامل جوف معدته الجنينية الصغيرة المنكمشة بلبن أمه التي فجعت خلال يومين متواليين بفجيعتين متتاليتين؛ فجيعة تمزيق القدر بطنها لاستخراج جنينها قيصريا من أحشائها، وفجيعة أخرى يوم مزق الغدر قلبها، واقتلع فلذة كبدها من حضنها!

مهما بالغنا في التعبير عن  تعاطفنا مع أم الرضيع المختطف، فإن مرارة آهاتنا وزفراتنا لن تبلغ مجتمعة معشار مرارة تردد صدى صوت ذلك الرضيع الحاضر الغائب في مسامع أذن أمه المفجوعة. ذلك أنه فيما بين البداية الصاعقة والنهاية الماحقة لإيقاع ذلك الصوت الرهيب، سيظل فؤاد تلك الأم المسكينة ينقذف صعودا وهبوطا بين حافة هوة الموت وقاعها السحيق ما شاء الله لهذه الأم ان تعيش في أرض الذئاب الآدمية التي ابتلاها ربها بالعيش فيها.

أعذريني سيدتي المفجوعة، أم الرضيع المختطف، إذا لم أجد ما أواسيك به سوى الولولة، فهذا كل ما يملكه كويتب مثلي!

سيدتي الأم المفجوعة: أنا لست مديرا للمستشفى الذي شهد فجيعتك. لو كنت مديرا لذلك المستشفى لما أوهمتك بأنه مستشفى يمكن الوثوق فيه والتفكير في مجرد المرور بجواره، ذلك لأن هذا الجوار لابد أنه مشحون حتى أذنيه بأصناف الجريمة التي فاضت حتى وصلت إلى ما يفترض أنه أكثر الأمكنة أمانا؛ حاضنة الرضع! سيدتي لو كنت مديرا للمستشفى لتبت على الفور من جريمتي التي اقترفتها عندما تجرأت وتقدمت غيري، وربما نافستهم وزاحمتهم من أجل اعتلاء وظيفة مدير ذلك المستشفى!

سيدتي الأم المفجوعة: أنا لست المسؤول الأمني بذلك المستشفى موطن الفزع والرعب. لو كنت مسؤولا أمنيا بذلك المستشفى لما كنت حيا حتى الآن حتى أكتب لك هذه السطور؛ ذلك أن مجرد شعوري بالندم على مساهمتي المباشرة في سقوط جبل المأساة الذي سحقك، سيسحقني أنا أيضا بعدك مباشرة؛ فأموت انتحارا، أو على الأقل أموت تحسرا وانكسارا!  

سيدتي الأم المفجوعة: أنا لست آمر الكتيبة المدججة بآلاف الأعداد وأصناف الأسلحة والعتاد، والمتحملة بكامل إرادتها مسؤولية تأمين المربع الواقع في نطاقه هذا المستشفى. لو كنت آمر هذه الكتيبة لخلعت على الفور أوسمتي ونياشيني المزيفة، ولقاضيت نفسي بنفسي، حيث أنني، ويا لسخرية القدر، أنا القاضي والجاني في آن!

سيدتي الأم المفجوعة: أنا لست وزير الصحة المسؤول عن بوائق تابعيه، تلك البوائق التي ما كان لها أن تبلغ هذا الحجم الديناصوري، وتسحق هذه الأم وتفجعها بهذا الشكل الشنيع المريع، إلا لأن هؤلاء التابعين أدمنوا غض الطرف عن هذه البوائق في أطوار حياتها الأولى، ومنحوها البيئة المثالية لتتكاثر وتتعاظم. لو كنت وزيرا للصحة لجمعت كل تابعي على الفور، ولصنعت لي ولهم قفصا من حديد، ولقبعنا جميعا فيه، حتى يقوم القضاء في ليبيا، ويقول فينا كلمته.    

سيدتي الأم المفجوعة: أنا لست رئيس الدولة الليبية التي مدَّ لها وليدك يده النحيفة الدقيقة طالبا منها منحه جنسيتها والتمتع برعايتها، ولتضمن له ما تضمنه كل الدول المحترمة من رعاية خمسة نجوم لكل طفل تطأ رأسه ترابها، ولو لم يكن والدا ذلك الطفل من مواطني تلك الدولة. لو كنت رئيس الدولة لأعدت تصنيف الملفات الكثيرة المكدسة فوق سطح مكتبي، ولجعلت ملف هذا الرضيع المخطوف هو أول الملفات وأسخنها، وذلك تصحيحا للخطأ الهيكلي الشائع والشنيع للسلطة التشريعية والتنفيذية للدولة، والتي نراها منهمكة في سجال وصراع لا ينقطع حول ذهابها وبقائها، وهو بحق سجال ساهم صخبه بوضوح في تقزيم المصائب الكبيرة، ومنع حريقها من الظهور في شاشة رادار السلطة، الأمر الذي شجع صانعي هذه الحرائق على تكثير أعدادها وتأجيجها.

سيدتي الأم المفجوعة: إن مدير المستشفى، ومسؤوله الأمني، ورئيس الكتيبة الواقع في نطاقها المستشفى، ووزير الصحة، ورئيس الدولة؛ هؤلاء كلهم مسؤولون، وفي حقك مقصرون، وإن احتجت إلى من يشهد معك فنحن جميعا شاهدون!


محمد عبد الله الشيباني
 Libyanspring.blogspot.com
aa10zz100@yahoo.com

  


ليست هناك تعليقات: