أشقياء هنا يعربدون، وقبليون هناك يتقاتلون، والمسئولون، عن هذا
وذاك لاهون!
بسبب إيغال النظام
السابق في صنوف الظلم، وأضراب الفساد، أجدني دائما أبرر لقلمي جموحه وإيغاله في ذم
وقدح ذلك النظام، نظام الطغيان، ولا ينتابني جراء ذلك ندم، أو شيء من وخز ضمير. بيد
أنني لم أسمح لقلمي البتة في أن يفعل الشيء نفسه مع نظام الثورة على الطغيان، برغم
ما ظهرت عليه من هنات، وما اعترته من مثالب وعورات.
طراوة عود النظام السياسي
الحالي وحداثة سنه، هو أكثر ما يمنعني من المجاهرة بانتقاده، وإن كنت أحدث بذلك نفسي،
وأسرُّ به للقريبين مني.
الانتقاد
الوحيد الذي أعليت به صوتي، هو بطء الحكومة الواضح القائم الماثل، في ردة فعلها
تجاه ما ينفجر في طريقها من مشاكل.
ولمشاكلنا الليبية
القائمة عند انفجارها وجهان؛ أولهما انفجار ناعم، نراه في كل مكان، وكثيرا ما نعزوه
إلى الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وإن كان تراكم تلك الانفجارات مهما
بلغت من النعومة، سوف يكون له تبعات خطيرة مهلكة، ونتائج مخسرة منهكة.
أما النوع الثاني
من الانفجارات الليبية، فهو انفجار خشن محرق مدمر، لا يمكن تجاهله، أو غض الطرف
عنه، وإذا ما تأجل إطفاؤه، تطاول بأسه، وامتد بلاؤه.
والانفجار الخشن المحرق
المدمر، هو الآخر له نوعان؛ أحدهما محدود بسيط، وثانيهما خطير مركب، إلا أن الاثنين
مهلكين، وإلى النار والبارود ينتسبان.
أول هذين
الانفجارين اللذين باتا شائعين، انفجار محدود بسيط، ولم أكن لأحفل به وأهتم، لولا
أنه تكرر حدوثه أمام بيتي أكثر من مرة، وفي توقيت واحد، وهو حوالي الساعة الثانية
من صباح يوم الجمعة. كما أن أبطال هذا الحادث هم أيضا أشخاص معروفون لدي، وفعلهم
الشائن متكرر في كل شارع وحي.
هذا العمل الشائن
الآثم، تدشن فعالياته بخصام ومشادات كلامية رخيصة على شيء تافه رخيص، ولكنه سرعان
ما يتطور إلى تهديدات، ثم تتحول التهديدات بدورها إلى تلويحات بالهراوات والآلات
الحادات، ثم يختم المشهد حلقاته، كما هو عادته في كل مرة، باستدعاء السلاح الناري؛
من بنادق، وقنابل يدوية، وغيرها.
ولأن هذه المعركة
ساحتها الشارع الرئيسي الذي يفتح عليه بيتي، ولقصوري عن خوض هذه المعارك، فإن أقل ما يجب علي عمله بعد وداعي لنومي، هو مشاركة
جمهور المشاهدين، في مشاهدة الفيلم المبكي الحزين.
وتستمر الملحمة، وينتشر
صوت الرصاص شاقا صمت الليل، وجاذبا إليه الكثير من السيارات، المثقلة بما أقرفونا به
من شعارات، والحاملة للمسلحين من كل الأصناف والفئات.
أفرح بقدوم الحراس
الأشاوس اليقظين، وذلك لتصوري بأنهم لم يأتوا في هذه الساعة، وبهذه الهيئة إلا
ليقبضوا على العابثين، الذين هم لأمن الناس مهددين، ولنومهم طاردين، فيصادرون منهم
ما سرقوه من الدولة من سلاح، ويرجعون إلينا ما فقدنا من أمن وسلامة وارتياح. ولكن،
ويا للأسف، فسرعان ما تتحول فرحتي بهم، إلى حسرة منهم، وغضب وحنق عليهم، وينقلب الاستبشار
بقدومهم، إلى استوحاش من وجودهم، وذلك عندما أراهم يصافحون المسلحين العابثين، ويصبحون
لهم مسامرين، ثم ينصرف الجميع، وكأن المكان لم يكن قبل قليل ساحة صدام مرعب مريع.
رب قائل يقول هذه
نتيجة مفرحة، وطريقة ذكية لفض المعارك الليبية المسلحة، ولكن ما هي إلا بضعة أيام،
حتى يأتي ليل الجمعة بما واعدنا به من آلام، ويعود شبابنا المعربدون المرهبون، لما
عودونا به من شقاء وجنون، وذلك بسبب ما هم عليهم مدمنون، من مذهبات للعقول،
وجالبات لكل شر ورعب وهول.
أما ثاني الحدثين
اللذين دفعاني إلى المجاهرة بانتقاد الكبار وتحميلهم مسئولية ما يرعون من صغار، هو
ذلك الحدث الذي أسال الدماء، وجعل الإخوة أعداء. إنه النزاع الفئوي القبلي في جنوب
غرب ليبيا.
في مقابلة مع قناة
الجزيرة، وعلى الهواء مباشرة، يتكلم أحد المواطنين القنطراريين المتواجد في بؤرة
المعركة، وربما أحد أطرافها، متهما الحكومة بعدم الاكثرات، لما عاشته مدينتهم من
أزمات وويلات، وما عربد فيها من لهب، وما سال حولها من دم، وهو عمل وتصرف ساهم
بوضوح في امتداد ألسنة الحرائق، حتى شمل أذاه الكثير من المناطق.
قال ذلك المواطن،
متعجبا مستغربا، إنه لم ير أي تواجد عسكري أو أمني من قبل الحكومة، أو المجالس
العسكرية المعنية، بل ولم تكلف الحكومة نفسها مجرد إقامة غرفة مراقبة ومتابعة لهذه
الحالة، وذلك على مقربة من خطوط التماس، على أن يشرف عليها مباشرة أحد الوزراء، أو
حتى عضو واحد من بين ما تزخر به المجالس العديدة الكثيرة من أعضاء.
الرصاص يعربد في
كل مكان وزمان، والمعربدون العابثون يحرموننا الأمان، وخاصة داخل مدينة طرابلس، وهم
في معظمهم شباب صغار السن، وغير ذوي انتماءات قبلية أو فئوية معقدة، مما يجعل من
ملاحقتهم، وافتكاك ما يحملون من سلاح، ليس بالأمر الصعب. إلا أننا لم نر جهدا يذكر
حيال ذلك من قبل الحكومة، أو حتى المجالس المحلية والعسكرية المعنية.
كما أن الخلافات
القبلية رغم شيخوختها وموتها السريري، إلا أنها وجدت في البيئة الحالية المملوءة
بمركبات غياب الدولة، ولا مبالاة الكبراء الممسكين بزمامها، وحيرة عقلائها
وحكمائها، فرصتها الذهبية في العودة للحياة، فقفزت من نعشها، وأنشبت فينا أنيابها.
ــ لا
شرعية لمن يحمل السلاح، ولا شرعية لمن فتحوا دكاكين إصدار البطاقات غير الشرعية
لحاملي هذه الأسلحة.
ــ لا
شرعية لحكومة يتبعها وزير يسمع ويرى ما قد قلت وأبنت، ثم يتكئ إلى الوراء، وكأن كل
ما سمع مني، وربما من كثير غيري، مجرد هراء.
ــ لا
شرعية لمجلس مهما خلع على نفسه من أسماء، ثم تراه يعايش ويهادن العابثين السفهاء،
ويستمرئ ما يسيل أمامه من دماء.
محمد عبد الله الشيباني
مدونة ربيع ليبيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق