بعد الجماهيرية؛
هل هي الديمقراطية، أم الديماغوجية؟
لم يختر الليبيون
الجماهيرية ونظامها الذي رآه مبدعه القذافي في قمة الإبداع، وإنما ساق ذلك الدكتاتور
الليبيين سوقا وعلى مدى العقود لا لحكم أنفسهم بأنفسهم كما يدعي هو ويروج لفكرته،
وإنما فقط ليقوموا بتجربة مكلفة جدا ليس لها من هدف سوى القيام بالإعلان عن منتج
جديد لم يقم صاحبه بتطبيق أدنى معايير الجدوى عليه، بل قام منذ الوهلة الأولى
بالزج بكل مقدرات البلد في هذه التجربة الخطيرة وغير المدروسة، والتي لم ينتج
مركبها الضخم سوى منتجات معيبة لم تغر أحدا بالالتفات إليها أو الاهتمام بها.
وعندما غطى المنتج
الجماهيري المعيب كل مكان، وشوهت ملامحه السقيمة كل زاوية من وعينا الغض، وبات من
المحتم علينا وفقا لنواميس التاريخ المغادرة الفورية من المختبر الجماهيري القمئ إلى
حيث يوجد كل العالم في الفضاء الديمقراطي الرحب، عندما حدث ذلك، وجدنا أنفسنا نسير
معاقين؛ نركض على رجل واحدة، ونرى بعين يتيمة، ونفكر بنصف دماغ.
فرحنا ما وسعنا
الفرح بسقوط الدكتاتورية، وأقمنا الاحتفالات الأسطورية بالتخلص من الاستبداد بكل
صنوفه وأضرابه، ثم بدأنا تدشين صروحنا الديمقراطية وبناء أساسات الدولة الحديثة
بكل ملامحها ومكوناتها السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. بيد أننا
ونحن نقوم بكل هذه الأعباء الديمقراطية الجسيمة كنا موبوئين ببقايا أمراض وأدران
ما خلفه النظام الجماهيري، بالإضافة إلى ما اعتري حركتنا من قصور ذاتي فرضه علينا
موقعنا القدري في خريطة التخلف التاريخي.
أدت محصلة كل من
ميراث النظام الجماهيري وميراث التخلف التاريخي إلى تشوه ظاهر في حركتنا ونحن نحبو
في مضمار الديمقراطية، حتى بات من المتعين إعادة النظر في اسم حركتنا برمته وضرورة
تسميته باسمه الصحيح، ألا وهو الحركة الديماغوجية، أو حكم الغوغاء، بدل الحركة
الديمقراطية، أو حكم الأغلبية المسئولة الراشدة.
سوف نحقق إنجازا
ديمقراطيا وحضاريا كبيرا، وذلك بمجرد قدرتنا على تشخيص الحالة التي نحن عليها، حالة
الحركة الديماغوجية، وهو تشخيص من أولى ثمراته قيام كل منا بسؤال نفسه وسؤال من هم
حوله على معدل ومستوى ديمقراطية ما نقوم به من عمل، وبالمقابل معرفة ما يعتري هذه الأعمال من ديماغوجية وغوغائية.
أول هذه الأسئلة
وأكثرها إلحاحا هو:
هل ثرنا، نحن
الليبيين، على دكتاتور بائن الدكتاتورية استعمل القوة المفرطة لإخضاعنا جميعا
لسطوته الاستبدادية الغاشمة ردحا طويلا من الزمن؟
إن الإجابة الصحيحة
البريئة الخالية من أي غرض شخصي أو فئوي أو قبلي على هذا السؤال هي مفتاح بوابة
ولوجنا إلى المضمار الديمقراطي، وهي أيضا الشفرة التي سنحل بها ما صعب من ألغاز
وأحاجي شتتت الليبيين وفرقتهم أمام خيمة الدكتاتور وهو حي، ولا زالت تشتتهم وتفرقهم
فوق قبر الدكتاتور بعدما شبع موتا. وبمعنى آخر ستعمل الإجابة الصحيحة على هذا
السؤال على توحيدنا وإزالة ما كل يعيق تصالحنا وتسامحنا واتفاقنا.
أما السؤال الثاني
فهو:
هل نحن أذكياء بما
يكفي في اختيارنا لأقصر الطرق وأجداها لبناء دولتنا، حتى وإن تنازل البعض منا، ولو
مؤقتا، على بعض ما يحمله من أفكار تختلف بشكل أو بآخر مع أفكار شريكه في الفريق
الوطني الواحد، وكذا تخلصه من توجساته وظنونه وشكوكه أيا كان مبررها طالما أننا
نرى الصرح الوطني يرتفع بناؤه ويعلو؟
وبمعنى آخر، وأخذا
في الاعتبار بحتمية المرور بالمرحلة الديماغوجية، إلا أن سرعة عبورنا ومغادرتنا هذه
المرحلة هو ما يجب أن يجعله كل ليبي في مقدمة همومه واهتماماته.
إن تحقيقنا لدرجة
النجاح على هذين السؤالين هو المؤشر الوحيد على خلونا من بقايا علل وأمراض
الدكتاتورية والجماهيرية والغوغائية، وهو الدليل الصريح الواضح على تؤهلنا لخوض غمار
المعترك الديمقراطي والفوز بكأس المونديال الديمقراطي الصعب الثمين.
محمد عبد
الله الشيباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق