الخميس، ديسمبر 13، 2012

من خواطري القديمة



                         من خواطري  القديمة              


هــلْ كـان غـيرُ تـدافـع ِ الأوقــاتِ 

 مِنْ صانع ٍ حَدثٍ مضى ، أوْ آتي


أوْ كان غيرُ الوقتِ سـاحـة َ سعـيـنا

   وطريقــَنا   مِـنْ  مـولــدٍ لِــمـمـاتِ


أوْ كان غيرُ الدهـر ِ يدفع خـطونـا

  ويعـُـدُّ   مـا  نخطوه مِـنْ خـُطواتِ


هـلْ مثـلُ معترك الدهور ِمعاركٌ

 أوْ مثـلُ   بأس ِ الوقتِ    بأسُ عداةِ


أوْ مثلُ مشتعل ِ المشيبِ حـرائقٌ

 أوْ مثلُ وهن ِ العظم ِ مِـنْ علاتِ




أوْمثل ُ تـأويب ِ القبـــورِمــواعظ ٌ 


  أو ْمثل ُدرسِ الموتِ درسُ عِظاتِ 


أوْ بعد إدبـــارِالشـــباب ِ تطــلـُّع ٌ

لِعناق ِ مـاللنـَّفس ِ مـِنْ صَـبْواتِ 


أوْ بــعــد خمـسين ِ السنين ِتصابيا ً 

أوْ بعد نصف ِ القرن ِ مِنْ نزواتِ


لا زلت عَــبْدا ً آبـِـقـا ً لم يـثــنهِ

عن غـيـِّهِ إلا صُــدودُ حــيـــاةِ


أغـْـراني تـلـْويـحٌ لـهــا  بـِـمَـلذ َّةٍ

ومــوائــدٌ مِـنْ فـاتـِـن ِ الـشهواتِ


فمَددْتُ ساقيَّ النـَّـحـيــلة َ نحــوهـا

وكـَدحتُ حتى اسْتـُنـْفِـذت ْ طاقـاتي


ووصلتُ صائدة َ النفوس ِ وجدتهــا

قـد ورَّطتْ قـبلي جـموع َ غـُواةِ


ووجـدتُ هاتيكَ الـموائـدَ خـُدعـــة ً

نسجتْ بطيـفٍ منْ سرابِ فـلا ةِ


تـُبـدي مـذاقـا ً يسْتخِفُّ مُريدَهـا

وَيُـغـَصُّ عـند الـهـمِّ بـاللـقـمـا تِ


فعلمت أنـّي قــد وقـعـتُ بـفـخـِّهـا

و بدأتُ أبحثُ عـن طريق ِ نجاتي


فالــسَّيـرُ فـي نـفس ِالمسار ِ أحُسـُّــهُ

عَــبَـثـاً ، وَإبْـحـا راً بـلا غــايـــاتِ


والعـوْدُ يجعـلني أُجَــدِّفُ ضِــــدَّهُ

مـا كان يَـدفـعـني مـدى السنواتِ


ووقعتُ في نصْفِ الطريق ِ مُحـطَّماً

مُـتذبْـذِ باً ، مُتـشـتــِّتَ الـوجـْهـا تِ


قـدْ زادني يأساً فـراغ ُ مـشاعـري

وعـواطفي مِنْ سابق ِ الرَّغـبــاتِ


ما كانَ ينصُرني وجدْتهُ خـا ذ لي

لِـتـضاؤ ل ِ الإمتاع ِ في الشـهـوات


ما عـادَ يُـطْربـني لـذيـذ ُ مذا قِــهِ

ما طابَ مِنْ أكلٍ ومِنْ شـُرْبـاتِ


بَــلْ بـعـضُهُ لِـلـذيـذهِ ، وشــهـيِّـهِ

أضحى منَ المحظورِ مِنْ أكــلاتِ


ومـفاتنُ الأنـثى عـَدِ مْـتُ اشتهائها

بَعْدَ افـتـضاحي لـلهـوى نـَـزَواتِ


ورأيتُ مَنْ حَسِبوا الزمانَ بكـفـِّهمْ

صاروا بكفِّ الدهر ِ محضَ هَـباةِ


كانـوا ذوي جــاهٍ يلامسُ أنـْجـُما

فـتصاغروا حتى بـدوْا حَـصواتِ


لا الجاهُ ، لا الأموالُ ، لا أتـباعُـهـمْ

جاءوا  كرام   القوم  بالنجدات


ورأيت من أمضى السنين عديدها

لا شغل يشغله سوى الثروات


قــدْ نـاءَ عـاتـقـهُ القويُّ بحِـمـلِها

لــمّـا تــَداركـَهُ قــدومُ مـمـاتِ


فـإذا بـه يـلـقي ثمـيـنَ كـنـوزهِ

وكـأنـها فــقـدتْ لـها قـيـمـاتِ


وأتـاحـها للغـيـر ِ دونَ مـشـقـةٍ

وأصابَ منها الغـُرمَ والـتـبـعـاتِ


ورأيتُ مَنْ عَـبـثَ السُّقـامُ بجسـمـهِ

فـغـدا كسيحا ً مـُعـد م َ الـقـد راتِ




وعـدَدْتُ أصْحابا ً بـدفـتـر ِ هـاتـفي 

ما عـادَ مَسـكـنـُهمْ بـِدار ِ حـيـاةِ


قــدْ غـيَّروا عُـنوانهـمْ ، وتـباعـدوا

وعَدِمْت ُ أخبارا ً لـهمْ ، وصلا تِ


مـا عــادَ شيئٌ مِنْ عظـيم ِ كـيانهمْ

إلا بـما لـلإسـم ِ مِـنْ كـلـما تِ


وكـذاك حـالي عاجـلا ً، أوْ آجـلا ً

عـند انـقـضاءِ مـُحـدَّدِ الأوقـاتِ


فصَحَوْتُ مِنْ فكري، وعُمق ِ تأمُّلي

لأعـيـشَها في وا قـعي فـِـكـْراتي


إذ أنَّ منْ تـَرفِ العقول ِ ولهـوِها

أنْ لا يلامسَ فـكرُها الخُطواتِ


وبدأتُ أجـردُ لـلسنين ِ حـصادهـا

وأعُدُّ مـا في العمر مِـنْ أوقـاتِ


خَمْسٌ وَعِشرُونَ مـَضَتْ و كَأنـَّهَا

حُـلـُـم ٌ سـَعـِيـدٌ فَـــاضَ بِـالـلــَّذَاتِ


وَبَـــدَا يُعَـكـِـّرُ بَعْـــد َ ذَلِكَ صَـفــْوَهُ

صَخَب الْحَيـَاةِ ، وَكَثرَ ة الـتـَّبِعَاتِ


وَشَغِــلـْتُ عَــنْ تَعْـدادهِ بـهمومهِ

ومشاكـلٌ زخرتْ بـهـا سنواتي


ووقفتُ عـنـد الأربعـيـن كـأنـَّـني

لـلـتـَّـوِّ قـد حُـمِّلتُ عِبءَ حـياتي


فنـَكِـرْتُ أفـعالاً مـضتْ ومساوئا ً

قـدْ كنت أحسبها من الحسناتِ


وعـَضـضْتُ لـلنـَّدم ِ المُهين ِأصابـعاً

وذرفـتُ دمعَ اليأس ِ والحسراتِ


لـضياع ِ عـمْر ٍ لـنْ أنـالَ بـَـديــلـَهُ



فـأجـاوزُ الأخـطـاءَ والعـثـراتِ



ورأيتُ مَنْ دوني يراقبُ مشيتي


فـتـثـاقـلتْ لـتـخـوُّفي خـطـواتي


ووجدتـُني ألـْهــو بـِـآخِـر ِ لـُعـبـةٍ

مُسْتثمراً ما حُزْتُ مِنْ خِـبْراتِ


لـكـنَّ شيـْـبَ العـابثـين أحـالــني

أضْـحـوكـة ً ، فـقـذفـتهـاْ لـُعبـاتي


خَمْسونَ عَامًا قدْ مـَضتْ وَتــَبـَدَّدتْ

وَكَأ نَّهَـا رَبـِّي، قَـصـِيـرَ سُـبَـاتِ


مَـا قَـدْ بَـقِي فـي الْـعُـمْـرِ إلا قـَلِيلـُهُ

لَـكـِـنَـهُ يـَـبْـقَـى الْـخَـطيرُ الآتِــي


فِيمَا مـَضَى أخـْطَأت ُ حـَـتَــى إنـَّــهُ

فَـاقـَتْ خَطِيئاتِي خُطَى الْخُطَوَاتِ


فِيمَـا مَضَى أذْنَبْتُ عـَـد َّ حَصَـاتـِهَـا

وَعَـدِيـد َ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ قَطَرَاتِ


وَنـسـِـيـتُ إحـصــاءً لـهـا وتـذكـُّراً

أفْـضَـالـُك  اللهم   طول َ حَـيَـاتِـي


هَوّنْــتَ ، بـَلْ أهْمَلت ُ كُـل َّ نَصِيحَـةٍ

وَعَـمِـيتُ عَـنْ عـِبَرٍ، وَعـَنْ آيَاتِ


أهْـدَرْتُ طَاقَاتٍ ، وَ وَاسـِـعَ ثَــروةٍ

بَــلْ إنّـهـَا مـِنْ أعْـظَــمِ الـثـرَوَاتِ


أهْـدَرْتُ عُمْرا ً لم  أكن  لأعده

بِـالعام ِ بــلْ بالعـقدِ منْ سَـنَوَاتِ


وَأرَاهُ فِـي أفـُــق ِالــزّمـان ِ كَـأنّـــهُ

حِـقـَبٌ مِـنَ الآمَـــادِ مُـمـْتـَداتِ


رَبّاهُ عِنْدَكَ مِنْ سِوَاي َ كـَثِـيـْرُهـُـــمْ

وَسـِوَاك َ مَا خـَطَرَت ْبِهِ خَطَرَاتِي


يَـارَبُّ عـَبـْدٌ مِن ْ عــَدِيـدِ عَـديـدهـمْ

آتٍ وَحِـيدًا ، سَاكــِب َ الْـعـَبـَرَاتِ


ألـْقـي بـِبَابـِكَ ضعـفـَهُ ، وهـوانـَهُ

وَرَجـاءَه ُ، يـَا وَاسـِعَ الـرَّحـَماتِ


ربـّاهُ ياصمـداً حـرقـْـتُ مراكـبـي

وقـطعتُ بالشطئآن كلَّ صِلا تي


و قذفتُ أطواقَ النـَّجـاة ِ جمـيـعَهـا

لـقصورها عنْ نجـْدتي ، ونـجـاتي


ولـِمُـنـْقِـذِ المضْـطرِّ مِـنْ أزماتـِـهِ

حشـْرجْتُ بـالأ نـَّاتِ والآ ها تِ


و كشفتُ أسراري ، وفاضِحَ عوْرتي

لــلـْعـا لـِم ِ السـتــّيـر ِ لـِلـْعـوراتِ


و رفعتُ رأسي طـالبـاً مـَـدداً لـَــهُ

مَـن لا يـَـرُدُّ لـطـالـبٍ دعـــواتِ


محمد عبد الله الشيباني

ليست هناك تعليقات: