البطالة
الليبية؛ قنبلة إحصائية، أم معضلة نفسية؟
(( قدرت وزارة العمل الليبية نسبة العاطلين عن العمل في ليبيا ب 15
بالمائة من إجمالي القوى القادرة عليه، وأن العاطلين عن العمل و المسجلين في
منظومتها يصل إلى قرابة 400 ألف، بينهم 149 ألفا يحملون مؤهلات دراسية جامعية، وهو
ما يمثل 43 بالمائة من العاطلين عن العمل .
وأوضح تقرير حديث للوزارة أن الباحثين عن العمل وغير المؤهلين بلغ عددهم
198583 أي بنسبة %57 من العدد الكلي، من بينهم حملة شهادات التعليم المتوسط، والذين
يقدر عددهم بـ 61561، أي بنسبة %31، أما حملة شهادة التعليم الاساسي فيقدرون بـ
47660، أي بنسبة %24، فيما وصل عدد ذوي التعليم المتدني و الاميين إلى نحو 89362
أي بنسبة 45% ))
عاليه، البيان الإحصائي الرسمي عن حالة
البطالة في ليبيا، والذي قمت باقتباس نصه من إحدى وسائل الإعلام، وهو
كما يظهر قنبلة إحصائية خطيرة يصعب التكهن بنتائج انفجارها البادية للعيان الكثير
من مقدماته وأعراضه، وهي تدق وبعنف على أمكنة حساسة في جسمنا الاجتماعي والاقتصادي
والسياسي، بل وتهز كياننا النفسي والديني والأخلاقي!
بلد كليبيا قليلة عدد السكان كثيرة الموارد
شديدة الحاجة للبناء والتطوير في كافة المجالات، حتى أن العمالة الوافدة إليها
تفوق العمالة الوطنية المتوفرة عليها، إلا أن كل ذلك لم يكن ليشفع لأبنائها
ويداويهم من داء البطالة المرهق المخجل العضال.
ومع غرابة هذه الحالة وصعوبة فهمها وتقبلها،
إلا أن بطالتنا المعدنية البترولية الطارئة ليست على هذا الوضع السيء وحسب!
فلو كانت الأرقام عاليه مجرد بيانات إحصائية
عن شباب عاطلين متنوعي المهارات، أو على الأقل ذوي قابلية لاكتساب هذه المهارات،
مع توفر الاستعداد اللازم لديهم للانخراط في الوظائف الشاغرة الكثيرة التي يزخر
بها سوق التشغيل الليبي؛ لو كان الأمر كذلك لأمكن ترويض هذه القنبلة الإحصائية
مهما بلغ حجمها واعتمل بارودها، ولاختفت من قاموسنا وبشكل كامل كلمة البطالة
ومرادفاتها.
كل ما ذكرت عاليه كنت أفكر به بصوت مسموع، وكان
جليسي أحد الشباب الليبيين الكثيرين العاطلين عن العمل؛ فسألته مستغربا: عامل
البناء الأجنبي يتقاضى أكثر من ألفي دينار شهريا، أما فني البناء فيتقاضى ضعف هذا
المبلغ وأكثر، ألا يكفي مبلغ كهذا لتحفيزك وتحريرك وتحرير مئات الآلاف من أمثالك من ربقة
البطالة ويزيح عنكم ذلها؟
أجاب: العمل في مجال البناء والمجالات
المشابهة مرهق!
قلت: ولكن الشباب الليبيين العاملين في مجال
البناء في مالطا مثلا يتقاضون ما يتقاضاه الأجنبي في ليبيا، ورغم ذلك يتركون بلدهم
ليبيا ويتسابقون على العمل هناك، وفي ظل أوضاع قانونية غير مطمئنة!
صمت الشاب قليلا، ثم فجر هذه المرة القنبلة
النفسية، والتي هي أشد بأسا من كل القنابل والمعضلات الإحصائية المعروفة:
"الشاب الليبي لا يطيق العمل تحت إمرة
ليبي آخر، وخاصة في تلك الأعمال الحرفية الشاقة "!
ولما رأى تعجبي وشديد اندهاشي مما قاله، سألني
عن سبب ذلك؛ فأجبته:
إن هذا الشعور المرضي الذي يملأ نفوسكم الآن لم
يكن موجودا بيننا فيما مضى؛ إذ أن العمال الليبيين حتى سبعينيات القرن الماضي
كانوا يتزاحمون في أماكن كنا نسميها "الموقف"، وهي أماكن يجيئ إليها
أصحاب الأعمال المختلفة كالبناء والزراعة وغيرها، ويختارون من صفوف العمال الليبيين
ما يريدون، ولم نكن نعرف آنذاك غير العمال والحرفيين الليبيين.
اتفقت أنا وجليسي الشاب العاطل على اختلاف
علة البطالة لدينا باختلاف الزمن والظروف المحيطة بنا؛ فالليبيون قبل لعنة البترول كانوا
أكثر انسجاما وكانوا أكثر طاعة وألين عريكة فلم يكن ليهزمهم وحش البطالة، ولكن بتحسن الأوضاع الاقتصادية ساءت الأحوال النفسية!
بطالتنا القائمة الآن ليست بطالة اقتصادية
محضة، والدليل توفر أماكن العمل بأكثر من أعداد المحتاجين إليها من الليبيين
العاطلين وبمبالغ مجزية وفق تسعيرة هذه الأيام المغرية.
بطالتنا الحالية مركبها
ممزوج بإحدى العلل والأمراض النفسية التي لا بد أن الإخصائيين النفسيين على دراية
بتشخيصها، ووصف علاج لها، وهو إجراء ملح ولابد أن يسبق أي محاولة للتعامل مع مشكلة
البطالة الليبية بالطرق التقليدية!
محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق